حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالعراق على وشك الاندثار.. ما علاقة بافل الطالباني؟

يوسف العلي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

منذ تولي بافل الطالباني زعامة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، خلفا لوالده الرئيس العراقي الراحل، جلال الطالباني، يشهد الحزب مشاحنات وأزمات داخلية وتهميشا نال أبرز قياداته، مما فتح باب التساؤل واسعا بشأن مصير ثاني أكبر الأحزاب الكردية في العراق.

"الاتحاد الوطني" واختصاره (اليكتي) الذي تحكمه عائلة الطالباني منذ تأسيسه عام 1975 على يد جلال الطالباني، وذلك بعد انشقاقه عن الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مصطفى البارزاني، يُعد حليفا لإيران، ويحكم فعليا محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق.

توفي الطالباني عام 2017، عن عمر ناهز 84 عاما، وذلك بعدما تولى رئاسة العراق لولايتين منذ العام 2010، بينما خلفه في زعامة "الاتحاد الوطني" ابنه بافل، وابن عمه لاهور شيخ جنكي، بانتخابهما رئيسين مشتركين، قبل أن ينقلب الأول على الثاني ويتفرد بقيادة الحزب.

"يوم أسود"

في كل مدة تتفجر أزمة وخلافات سواء داخل "الاتحاد الوطني" أو مع حليفه الكردي "الديمقراطي الكردستاني" الذي يعد أكبر أحزاب إقليم كردستان العراق، وذلك منذ خلافة بافل الطالباني لوالده في القيادة، وكان آخرها تفجر الصراع مع ملا بختيار القيادي السابق في الحزب.

وفي 6 سبتمبر/ أيلول 2024، داهمت قوة أمنية تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، منزل ملا بختيار، وكذلك مقر مؤسسته "جاودير" الإعلامية، في مدينة السليمانية، والتي سيطرت عليها وصادرتها.

وقال بختيار، خلال مؤتمر صحفي، إن "المقر الذي هاجمته القوات الأمنية أقام 26 مهرجانا، وقام بتدريب 300 كاتب، ونشر وأصدر 700 صحيفة وأصدر أكثر من 150 مجلة (كلاويز)"، ويرى أن "الغارة على مثل هذا المكان هي لكسر قلم الكُتّاب وإسكات القوى الجميلة".

وأضاف: "بدلا من مداهمة مؤسستنا، كان عليهم أن يأتوا بأمر من المحكمة بإعادتها، وليس بأمر من الحزب"، مردفا: "نحن الاتحاد الوطني الكردستاني نحو منصة حقيقية ومتعددة، نحو المدافعين بشكل أفضل عن الحرية والديمقراطية، والآخرون ليسوا الاتحاد الوطني، لأنهم لا يقبلون الحرية أو الديمقراطية، إنهم فاسدون إلى حد رؤوسهم".

وجاءت تصريحات بختيار، بعد الهجوم الذي وقع على منزله ومؤسسة "جاودير"، حيث وصف الخامس من أيلول بأنه كان "يوما أسود"، موضحا أن "هذا العمل لم يكن يجب أن يحدث أبدا".

وخلص إلى القول إن "ما يحدث يُعد كارثة داخل الاتحاد الوطني، حيث أصبح التفكير السياسي مفقودا بين بعض الأعضاء الذين قاموا بهذا الفعل"، مشيرا إلى أنهم "يفتقرون إلى الحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات السياسية، ومن المخجل أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى من الانحطاط وقلة الإرادة".

ورأى الكاتب الكردي صبحي ساله يي، أن "مداهمة مؤسسة (جاودير) التابعة للسياسي ملا بختيار في مدينة السليمانية، ومصادرة ممتلكاتها والاستيلاء على مبناها، ومداهمة منزله في خانقين، من قبل قوات كوماندوز تابعة لليكيتي أمران لا يثيران الاستغراب".

وتابع الكاتب خلال مقال نشره موقع "كردستان24" في 8 سبتمبر، قائلا: "اعتدنا على سماع التهديد والترهيب ورؤية التحول في المواقف وتشجيع الانشقاقات والانشطارات واللجوء إلى السلاح لحسم الخلافات وسلوك وتصرفات بعض القوات الحزبية وهى تهدد حرية التعبير وتكسر قلم الكتاب".

ولفت إلى أن "الاستيلاء على مبنى مؤسسة جاودير الإعلامية، تشكل نقطة تحول دراماتيكية في عاصمة الثقافة الكردستانية (السليمانية)، وقد تفضي مستقبلا إلى احتمالات غير متوقعة وتسهم في تغيير الكثير من الأمور، وتخلق ظروفا سياسية جديدة تكشف حجم الصراعات المركبة بين صفوف اليكيتي وتفاقمها ووصولها إلى الذروة".

وأردف: "بالذات حينما تتحول الإجراءات غير القانونية من تسقيط الخصوم والصراع على الزعامة إلى مراحل حرجة ومستويات خطرة وربما إلى انشطار حزبي جديد بين صفوف الحزب".

وحذر الكاتب من "مواجهات دموية بين أنصار السياسيين الفاعلين في المشهد الحالي والحاصلين على مواقعهم دون عناء، وبدعم قوى النفوذ السياسي الشيعي والإيراني، مع الأسماء اللامعة والعناوين والرمزيات والزعامات التقليدية التي ترفض الإضعاف والتهميش والإقصاء وتحظى بالدعم الجماهيري".

إقصاء الشركاء

لم يكن إجراء بافل الطالباني ضد بختيار هو الأول، بل سبقه التضييق على شريكه في رئاسة الحزب ابن عمه لاهور شيخ جنكي، إذ داهمت قوات أمنية في 8 مارس/آذار 2023، بستانا للأخير في منطقة سرجنار بمحافظة السليمانية، واعتقلت عددا من معاونيه.

وقال حينها مكتب لاهور شيخ جنكي إن "مجموعة غير شرعية برفقة قوة أمنية ودون أمر من القاضي ودون أي عذر داهمت بستان لاهور شيخ جنكي في قرية كلاسبي في السليمانية".

وأوضح البيان أن "البستان لم يتم استخدامه من أي قوة منذ عامين، ويوجد فيه عدد قليل من الناس من المنطقة يعملون كفلاحين"، محملا بافل وشقيقه قوباد الطالباني (نائب رئيس حكومة إقليم كردستان) المسؤولية عن سلامة من جرى اعتقالهم.

وتوعد شيخ جنكي باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضد هذا الانتهاك للقانون، وأن هذه المجموعة غير الشرعية "ستدفع ثمن أفعالها غير اللائقة وغير المقبولة وسيتم إحباط مؤامراتها في أقرب وقت ممكن".

وتأتي هذه التطورات بعد كتاب وجهته محكمة استئناف أربيل بإقليم كردستان العراق في 20 فبراير/ شباط 2023، إلى المجلس الأعلى السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، يؤكد شرعية الرئيس المشترك للحزب لاهور شيخ جنكي.

وجاء في الكتاب، إن "النظام الداخلي للاتحاد الوطني الكردستاني يتضمن وجود رئيسين مشتركين وهما (بافل جلال حسام الدين) و(لاهور جنكي برهان)، وتمت المصادقة عليهما في المؤتمر الرابع للحزب".

وأضافت المحكمة أنه سيجرى التعامل مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" على هذا الأساس (رئيسين مشتركين)، وفي حال وجود أي معلومات جديدة يجب إعلامها بها عن طريق توجيه كتاب رسمي.

وفي يونيو/حزيران 2021، حصلت توترات كبيرة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، انتهت بإبعاد لاهور شيخ جنكي عن الرئاسة المشتركة، وإعلان بافل الطالباني رئيسا منفردا للحزب الكردي.

لكن لاهور شيخ جنكي وصف ما جرى بأنه "مؤامرة"، وقال خلال تصريحات نقلتها وكالة "شفق نيوز" في يوليو/تموز 2021 إن "الاتحاد الوطني الكردستاني أقوى مما كان يعتقد الأعداء، ولن يسمح شعب كردستان وعائلات الشهداء أن يضعف".

وأردف: "لذا يجب على الأعداء أن يضعوا أحلامهم تحت الأرض".

وفي 17 يوليو 2021، أعلن المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني قرارا بتجريد الرئيس المشترك للحزب لاهور شيخ جنكي من جميع صلاحياته وتسليمها للرئيس المشترك بافل الطالباني.

ونصّت وثيقة صادرة بتوقيع مقرر المكتب السياسي للحزب، نشرها موقع "باسنيوز" الكردي، بأن "يُسلم الرئيس المشترك، لاهور شيخ جنكي، جميع صلاحياته إلى بافل الطالباني لحين الانتهاء من تعديل النظام الداخلي. ينفذ القرار من تاريخ صدوره".

وفي 23 أغسطس/آب 2021 قرر الاتحاد الوطني الكردستاني، نفي رئيسه المشترك المستقيل لاهور شيخ جنكي إلى خارج العراق مؤقتا، ومنحه مهلة ثلاثة أيام من تاريخ صدور الأمر الترحيل، فيما أكدت مصادر محلية مغادرته إلى لندن.

وأوضحت وثيقة صادرة عن الحزب، أنه يسمح بعودة لاهور شيخ جنكي إلى إقليم كردستان بعد أسبوعين من الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وأعلن بافل في 1 سبتمبر 2021 تعرضه للتسمم متهما ابن عمه وشريكه في قيادة الحزب لاهور شيخ جنكي، مشددا على أن لديه الأدلة التي سيعلنها في المستقبل، وذلك خلال مقابلة مع عدد من القنوات الكردية.

وقال الطالباني، إنه تعرض لعملية تسميم موثقة بالأدلة، ونجا منها "بأعجوبة". 

وأردف: "لدي أدلة وفحوصات من مختبرات داخلية وخارجية وروسية أيضا واعترافات فيديو ووثائق أخرى تثبت تعرضي لعملية تسميم".

وأضاف أن "أطباء سألوني كيف بقيت حيا كون هذا السم كان من نوع قاتل وخلال مدة قصيرة".

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 صادق المكتب السياسي للاتحاد الوطني، على قرار إبعاد كل من لاهور شيخ جنكي وقياديين اثنين آخرين من صفوف الحزب، بتوصية قدمها بافل، حسبما ذكرت وكالة "موازين" العراقية.

غدر بالحلفاء

قدوم بافل إلى رئاسة "الاتحاد الديمقراطي"، أشعل التوتر مع أبرز حليف كردي، وهو "الديمقراطي الكردستاني"، بزعامة مسعود البارزاني، بعد توحيد البيت الكردي عام 2003، بتفاهم مع جلال الطالباني، وطي حقبة اقتتال بين الطرفين خلال حقبة التسعينيات من القرن العشرين.

وفي أول نقطة خلاف مع الديمقراطي الكردستاني أشعلها بافل الطالباني، كانت في الأحداث الأمنية بين قوات البيشمركة الكردية وبين الجيش العراقي والحشد الشعبي، التي اندلعت بمحافظة كركوك في 17 أكتوبر 2019.

تلك الأحداث اندلعت حينها على خلفية "استفتاء الاستقلال" أو انفصال إقليم كردستان عن العراق، الذي نظمته حكومة الإقليم في 25 سبتمبر 2017، إذ انتهت الصدامات في كركوك بانسحاب البيشمركة، بأمر من بافل الطالباني  بعد اتفاق مع حكومة بغداد وقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

وبعد رفض بافل الطالباني قتال القوات العراقية والحشد الشعبي، نعته الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، بأنه “خائن” للقضية الكردية، واتهموه بتسليم كركوك الغنية بالنفط إلى المليشيات الشيعية بأمر من الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

علاوة على ذلك، ظهر الطالباني في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أنه قبل تسليم كركوك للقوات العراقية، اقترح حلا خارج الصندوق.

وتوقع الطالباني أن تستولي قوات التحالف الذي تقوده أميركا على قاعدة عسكرية كبيرة قرب كركوك، إلى جانب القوات الفيدرالية والقوات الكردية الموالية لحزب "الاتحاد الوطني" الكردستاني.

وفقا لمقال صحيفة "نيويورك تايمز"، لم يتمكن بافل من بناء إجماع بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم للمضي قدما في خطته البديلة.

وفي خلاف جديد أغضب شريكه الكردي، أبرم بافل اتفاقا مع قوى سياسية شيعية وأخرى مسيحية موالية لإيران، على إقصاء الحزب "الديمقراطي الكردستاني" من إدارة محافظة كركوك.

وفي 10 أغسطس 2024، عقد 9 أعضاء من مجلس كركوك، 5 منهم من حزب الاتحاد الوطني و3 عرب وعضو مسيحي اجتماعا في فندق ببغداد، صوّتوا خلاله على انتخاب ريبوار طه من الوطني الكردستاني محافظا للمدينة المذكورة ومحمد الحافظ عن المكون العربي رئيسا للمجلس.

ووصف "الديمقراطي الكردستاني"، ما حصل في كركوك بأنه "مكيدة، وجلسة في السر، احتوت على بيع وشراء للذمم، وأن عرابي هذه الجلسة هم بافل طالباني ورئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، والأمين العام لحركة بابليون ريان الكلداني"، حسبما نقلت صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 12 أغسطس.

وفي 5 سبتمبر 2024، هاجم بافل طالباني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور البارزاني، مؤكدا أنه لن يتسلم منصب مدير عام في المرحلة المقبلة بعد الانتخابات البرلمانية للإقليم المقبلة في 20 أكتوبر 2024، إلا بموافقتي شخصيا.