“دركي أوروبا”.. ما سر قبول المغرب إعادة المهاجرين المرفوضين من ألمانيا؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أثار توقيع المغرب وألمانيا، "إعلان النوايا المشتركة" لتعزيز التعاون في مجال الأمن والهجرة، تخوفات من أن يكون هذا الإعلان خطوة في تنزيل خطة حكومة برلين لإعادة رعايا المملكة من المهاجرين غير النظاميين الذين صدرت بحقهم أوامر الترحيل، مقابل ذهاب الكوادر واليد العاملة إلى ألمانيا.

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ذكر بيان لوزارة الداخلية المغربية أن الإعلان الموقع مع ألمانيا عقب محادثات بين وزيري داخلية البلدين، عبدالوفي لفتيت ونانسي فيزر يهدف لـ"تعزيز وتطوير التعاون في مجالات الأمن والهجرة، على أساس المساواة والمعاملة بالمثل والمنفعة المشتركة والاحترام المتبادل".

من جانبها، عبرت وزيرة الداخلية الألمانية، فيزر، عن ارتياحها للتوقيع على إعلان النوايا المشتركة، بهدف تعزيز التعاون في عدد من المجالات، منها الأمن والهجرة.

تسريع الترحيل

وعقب مباحثات مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قالت فيزر، إن "ألمانيا والمغرب يعدان أيضا بلدي عبور وليسا فقط بلدي استقبال".

وأضافت خلال لقاء صحفي في 31 أكتوبر 2023، أن "التعاون في مجال الهجرة سيسفر، بلا أدنى شك، عن نتائج إيجابية للغاية ومثمرة" لفائدة البلدين.

وأبرزت، في هذا الإطار، أن "ألمانيا تتطلع إلى بلورة اتفاق ثنائي مع المملكة يهم مسألة الهجرة، لتعميق التعاون بشكل أكبر بين البلدين في هذا المجال".

زيارة الوزيرة فيزر للمغرب التي استغرقت يومين رفقة مفوض الحكومة الفيدرالية المكلف بالهجرة واللجوء يواخيم ستامب، تأتي بعد نحو أسبوع من موافقة مجلس الوزراء الألماني على مشروع قانون لتسريع إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين.

وفي 25 أكتوبر 2023، مرر مجلس الوزراء الألماني في جلسته الأسبوعية، مشروع قانون قدمته فيزر لـ"تسريع وتيرة ترحيل اللاجئين المرفوضين"، حسب ما نقلته مواقع ألمانية.

ويتضمن مشروع القانون تمديد المدة القصوى لما يعرف بحجز المغادرة (فترة احتجاز طالبي اللجوء المرفوضين قبل ترحيلهم) من عشرة أيام في الوقت الراهن إلى 28 يوما، إضافة لتوسع الصلاحيات الممنوحة للسلطات واتخاذ إجراءات أكثر صرامة في مواجهة المهربين.

ويعطي المشروع للشرطة صلاحيات كبرى في تنفيذ عمليات الترحيل، مثل دوريات التفتيش في السكن الجماعي لمن رفضت طلبات لجوئهم، وعدم الإخبار المسبق بعمليات ترحيل مقررة لمن تم "التسامح" معهم (أي من تعليق ترحيلهم) إلا إذا كان لديهم أطفال أقل من 12 عاما، حيث يجب إخبارهم قبل شهر واحد.

ولم تقتصر الحكومة الألمانية على تمرير مشروع قانون لتسريع وتيرة ترحيل اللاجئين المرفوضين، بل تم أيضا الاتفاق بين المستشار أولاف شولتس ورؤساء الحكومات المحلية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على سلسلة من الإجراءات تهدف لتشديد سياسة الهجرة.

وتشمل الإجراءات التي ستتخذ خفض المساعدات المالية المخصصة للمهاجرين، إذ كان كل أجنبي يصل إلى مركز استقبال أولي يحصل على الطعام والسكن، إضافة إلى 182 يورو نقدا كل شهر، لتلبية احتياجاته الشخصية الضرورية.

وستُستحدث بطاقة تسمح للمهاجرين بشراء ما يحتاجون إليه من المتاجر بحلول نهاية يناير/كانون الثاني 2024، وذلك لمنع طالبي اللجوء من إرسال المبلغ الممنوح لهم إلى بلدهم الأصلي.

وسيضطر طالبو اللجوء إلى الانتظار لمدة 36 شهرا بدلا من 18 شهرا للاستفادة من الزيادة المالية الممنوحة لهم حين يغادرون مركز الاستقبال الأولي بموجب الإجراءات الجديدة.

إذ كان طالبو اللجوء يوزّعون على مساكن عدة ويحصلون على مبالغ مالية شهرية قدرها 410 يوروات للشخص الواحد و738 يورو للزوجين، ثم ترتفع بعد 18 شهرا إلى 502 يورو للشخص الواحد و902 يورو للزوجين.

ومن المتوقع حسب تقارير إعلامية، أن تعود هذه الإجراءات بالنفع على حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الذي تفوّق في اقتراعين محليين سابقين، لا سيما أنه حقق نجاحاته الانتخابية عبر استغلاله لملف اللجوء، خاصة مع شكاوى الولايات الفدرالية من عدم قدرتها على التعامل مع مزيد من طالبي اللجوء.

دركي أوروبا

وبالنسبة للمغرب، يعيش في هذا البلد الأوروبي، وفق تقديرات ألمانية رسمية، 3660 مغربيا صدر بحقهم أوامر الترحيل، 2762 منهم يمكن تأجيل ترحيلهم لأسباب مختلفة، فيما تتطلع السلطات إلى ترحيل ما تبقى سريعا إلى المغرب.

رئيس الشبكة المغربية لصحفيي الهجرة، صلاح الدين المعيزي، قال إن توقيع الإعلان بين المغرب وألمانيا "يأتي في إطار الاتفاقيات بين دولتين، لصعوبة التوصل لاتفاقات شاملة لإعادة ترحيل اللاجئين المرفوضين أو المهاجرين غير النظاميين ما بين مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي ودول البحر المتوسط جنوبا من قبيل المغرب، الجزائر، وتونس". 

وأضاف المعيزي لـ"الاستقلال"، أن "المغرب يسير في هذا الاتجاه للأسف بعقد اتفاقيات ثنائية من قبيل اتفاقه مع فرنسا وألمانيا وهولندا"، مبينا أن هذه الاتفاقيات الثنائية "تسفر عن العديد من المشاكل".

وأوضح أن "المغرب ليس ملزما باستقبال طالبي اللجوء المغاربة المرفوضين أو المهاجرين الذين صدرت في حقهم أوامر بالترحيل"، مشيرا إلى هذا الترحيل "لا يتم عبر المنظمة الدولية للهجرة ولكن عبر وزارتي الداخلية للبلدين". 

ونبه المعيزي إلى أن "هناك مشكلة انعدام الشفافية سواء بالنسبة للمغرب أو ألمانيا باعتبار أن الأخبار التي عرفناها عن هذا الاتفاق قليلة جدا من خلال ما صدر في الصحافة الألمانية وما نشر بالموقع الرسمي لوزارة الداخلية الألمانية".

وتابع: "بالنسبة للمغرب فلم ينشر أي شيء باستثناء خبر قصير نشرته وكالة الأنباء المغربية الرسمية التي أخبرتنا بوجود اتفاق بين البلدين"، مستدركا: "لكن ما هي نوعيته ومضامينه، للأسف لا توجد تفاصيل بهذا الخصوص". 

ويرى المعيزي أن "هناك مشكلة بخصوص نظرة دول الشمال والدول الأوروبية بالخصوص لدور دول الجنوب من قبيل المغرب، الجزائر وتونس".

واستطرد: "الدول الأوروبية تنتظر من هذه الدول أن تقوم بدور دركي أوروبا"، وإذا لم تقم به فعليها ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين أو المهاجرين الذين صدرت في حقهم أوامر بالترحيل، مشيرا على أن "هناك هوسا عند الأوروبيين لإعادة الترحيل".

ورأى المعيزي، أن الأزمة الحالية بين الرباط وباريس "بدأت في الأصل بمشكلة ترحيل المهاجرين غير النظاميين المغاربة بفرنسا".

وأردف أن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان هدد المغرب بأنه "في حال عدم استقباله لمهاجريه غير النظاميين الذين صدرت في حقهم أوامر بالترحيل فإنه سيتم خفض عدد التأشيرات الممنوحة للمغرب إلى 50 بالمئة، وهو ما تم تنفيذه بالفعل".

وفي سبتمبر/أيلول 2021، أصدرت باريس قرارا يقضي بخفض تأشيرات الدخول الممنوحة للمغاربة إلى النصف، بحجة إحجام المملكة عن إعادة استقبال رعاياها المقيمين في فرنسا بصورة غير قانونية.

وخلص المعيزي، إلى أن "ارتفاع عدد الشباب المغربي الموجود بأوروبا في وضعية هشة يؤشر على وجود أزمة اقتصادية واجتماعية بالمملكة تدفع الشباب للمغامرة بمختلف الطرق للتوجه لأوروبا".

رابح- خاسر

وإذا كان اتفاق "إعلان النوايا المشتركة" بين برلين والرباط شدد على "ضرورة التعاون في مجال الهجرة على قدم المساواة، والمعاملة بالمثل، والمنفعة المشتركة، إلى جانب الاحترام المتبادل"، فإن متتبعين يرون أن "المستفيد الأول من هذا الاتفاق هي ألمانيا، وأن المغرب سيتضرر من هذا الاتفاق".

الخبير في مجال الهجرة عبدالكريم بلغندوز، وضع الاتفاق بين المغرب وألمانيا في مجال الهجرة في مكانة "سلبية"، قائلا: إن "هذا الأمر سلبي للاقتصاد الوطني بشكل كبير".

وذكر بلغندوز لموقع "هسبريس" المحلي في 2 نوفمبر 2023، أن "الدول الأوروبية من خلال شراكاتها مع دول الجنوب مثل المغرب، تحرص على التشدد في مسألة دخول المهاجرين، ثم بعدها تطرح مسألة استقطاب العمالة، خاصة المتخصصة".

وتابع: "لا يبدو أن المسؤولة الألمانية تخرج عن هذه السياسة خلال زيارتها، إذ تريد مسألة إرجاع المهاجرين المغاربة غير المسموح لهم بالبقاء في أقرب وقت ممكن".

بدوره، يرى الباحث في الهجرة وعضو المرصد الأوروبي المغربي للهجرة، رشيد المدني، أن الظاهر في هذا الاتفاق دون الاطلاع على مضامينه التفصيلية التي لم يتم الإفصاح عنها، "يجزم أن هذا الاتفاق سيكون ربحا لألمانيا وخسارة للمغرب".

وشدد المدني، في حديث لـ"الاستقلال"، على أن "الغرب بصفة عامة والدول الأوروبية بصفة خاصة لم تعتمد يوما في علاقاتها مع دول الجنوب صيغة رابح/رابح"، مبينا أنها "دائما ما تتعامل بعقلية المستعمر السابق لخدمة مصالحها الخاصة ومعالجة مشاكلها ولو على حساب دول الجنوب".

ورأى أن اتفاق إعلان النوايا بين المغرب وألمانيا، يفتح أبواب هجرة العقول والمتخصصين والكفاءات المغربية نحو ألمانيا، مضيفا أن المغرب يخسر من هجرة عقوله خاصة في المجالات التي تعرف تخصصا كبيرا من قبيل قطاع الصحة.

وأوضح أن "ألمانيا ستستفيد من هذا الاتفاق بشكل براغماتي، لأنها تستهدف هجرة الأدمغة والعقول مقابل إرجاع المهاجرين المغاربة المرفوضين في بلادها". 

وانتقد المدني، ما سماه "التعاطي البرغماتي للغرب مع الهجرة حيث يأخذ الأمور التي يحتاجها هو ولا ينظر ولا يحترم حاجيات الدول الأخرى"، متسائلا: "أليس جرما في حق المغاربة أن تصدر حاجياتهم الخاصة إلى دول أخرى؟".

وأشار إلى أن "كل الدول الأوروبية تسكنها نفس الهواجس فيما يتعلق بمسألة الهجرة"، مبينا أن أوروبا "أصبحت تنظر للهجرة كعبء ينبغي التخلص منه".

ونبه المدني إلى أن "مسألة الهجرة عند الدول الأوروبية تكتسي طابعا آخر، خاصة مع قرب انتخابات البرلمان الأوروبي، وهو الطابع الانتخابي، حيث تسعى الأحزاب الحاكمة بمختلف الدول الأوروبية إلى جمع أصوات الناخبين عبر إبراز نجاحها في معالجة الإشكالات التي تعتري ملف الهجرة". 

الكلمات المفتاحية