جميلة علم الهدى.. زوجة رئيس إيران الطامحة إلى قيادة مفاصل الدولة

يوسف العلي | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على غير عادة زوجات رؤساء إيران السابقين، تثير جميلة علم الهدى، عقيلة الرئيس إبراهيم رئيسي، الجدل دائما على وسائل الإعلام المحلية، خصوصا مع الحديث عن تصاعد نفوذها في الحكومة، الذي وصل إلى درجة تدخلها في القرارات السياسية والاقتصادية.

وباتت تحركات جميلة علم الهدى، ومرافقتها الدائمة لزوجها، تغضب المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي والدوائر القريبة منه، وفق مراقبين، كونها أول زوجة رئيس لديها طموحات سياسية، لاسيما أن رئيسي يأخذ برأيها في كل كبيرة وصغيرة.

"السيدة الأولى"

آخر فعاليات علم الهدى التي أثارت الجدل، هو استخدام مقدمة برامج مهرجان خورشيد (الشمس بالفارسي) الدولي، وصف "السيدة الأولى" لزوجة الرئيس الإيراني، وذلك خلال استضافة المهرجان إعلاميات من 40 دولة، بمبادرة شخصية من الأخيرة في 30 سبتمبر/ أيلول 2023.

وبعد إطلاق هذا الوصف عليها، قالت علم الهدى: "للتو علمت أنه تم تقديمي بأنني (السيدة الأولى). من الضروري أن أقول إنه في هيكل الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيدة الأولى هي زوجة المرشد (علي خامنئي)"، حسبما ذكرت صحيفة "اعتماد" الإيرانية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

الصحيفة الإصلاحية، أوضحت أن انتقادات الأصوليين أنفسهم إزاء هذه التصريحات، وأكدت أنها تتعارض مع ما يدعيه المسؤولون وصناع القرار في طهران والزعم بأنه لا مشتركات في طريقة الحكم في إيران مع الدول الغربية التي تسود فيها فكرة "السيدة الأولى".

وأشارت الصحيفة إلى أن التركيز في تصريحات زوجة رئيسي خلال مقابلاتها الصحفية وحتى استشهادها بكتاب لزوجة الرئيس الأميركي الأسبق ميشيل أوباما تؤكد أن علم الهدى تهتم بفكرة السيدة الأولى وتعمل على الظهور بهذا المنصب في البلاد رغم نفيها الظاهري لهذه الفكرة.

من جهته، قال وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان في كلمته أمام مهرجان خورشيد إنه جاء بمبادرة خاصة من زوجة الرئيس الإيراني، لافتا إلى أنه "في هذا المؤتمر، سُميت زوجة الرئيس بـ(السيدة الأولى)، لكنها ذكّرتنا بأن هناك سيدة أولى في البلاد، وهي حاضرة إلى جانب المرشد (علي خامنئي)".

وبعد ذلك، دخلت وكالة "تسنيم" الإيرانية التابعة الحرس الثوري الإيراني، على خط السجال، إذ نشرت عبر موقعها في 30 سبتمبر، أنه "من الخطأ أن نتصور أن تولي شخص منصب الرئاسة سيعطي زوجته مكانة خاصة من حيث بنية الدستور".

وفي السياق، قالت صحيفة "فرهيختكان" التي يترأس مجلس إدارتها علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، إنه "إذا كان هدف ممارسات زوجة الرئيس تغطية ضعف الحكام في مجال المرأة، فمن الأفضل أن تستخدم موقعها ونفوذها لحل القضايا الأساسية في مجال المرأة.

وأشارت الصحيفة إلى أن "معنى (السيدة الأولى) لا علاقة له بالتقاليد السياسية الإيرانية"، مبدية استغرابها من قبول جميلة علم الهدى هذا الوصف، وقالت: "يعلم الجميع أن ذلك موجود في أميركا، وهو يستخدم عادة لوصف الأجواء الحديثة في الحكم".

كارهة للعرب

وفي آخر نشاط خارجي لها، شاركت جميلة علم الهدى، في اجتماعات مع شخصيات مختلفة، ولاسيما مع بعض زوجات الرؤساء المشاركين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، وذلك خلال زيارتها مع الرئيس الإيراني نيويورك في 21 سبتمبر.

وأوردت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا" في 21 سبتمبر، أن علم الهدى التقت برئيس كنائس نيويورك وبعض زوجات الرؤساء المشاركين في الجمعية العامة، وزوجات السفراء المقيمين في نيويورك.

كما أجرت علم الهدى مقابلات مع ثلاث وسائل إعلام أميركية، بما في ذلك "أي بي سي نیوز" و"الإذاعة الوطنية الأميركية" ومجلة "نيوزويك"، حسبما أفادت به الوكالة الإيرانية الرسمية.

وقبل ذلك، بنحو تسعة اشهر، وصفت جميلة علم الهدى، الولايات المتحدة بأنها "شيطان يغوي ويغري الجميع".

وقالت علم الهدى، خلال تصريح لها لموقع "روسيا اليوم" في 31 يناير 2023، إن أميركا "تستخدم سياسة التخويف وأرسلت أسطولها إلى إيران، وعرضت صواريخها، وأجبرت طهران على إبرام اتفاقات غير عادلة معها".

وأضافت زوجة الرئيس الإيراني أن: "وصف الإمام الخميني (المرشد الإيراني السابق) أميركا بالشيطان.. إنها حقا الشيطان... تغوي وتغري الجميع".

وتابعت: "أعتقد أن لديكم الآن تجربة مماثلة من أميركا، التي تروج صورة خاطئة عن روسيا في العالم بأسره"، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة تمارس قوتها عبر وسائل الإعلام".

وفي 16 يونيو 2023، أدلت جميلة علم الهدى بتصريحات صادمة ضد العرب خلال مقابلة أجرتها مع قناة فنزويلية، ووصفتهم بالأعداء التاريخيين.

وقالت زوجة الرئيس الإيراني: "شُنت على بلدنا العديد من الغزوات والحروب من الأعداء التاريخيين وهم العرب والمغول والأتراك، لكنهم لم يتمكنوا من تغيير أي شيء، لا تاريخنا ولا لغتنا ولا ثقافتنا".

وكان توقيت التصريح صادما، كونه جاء مباشرة بعد فتح سفارة إيران بالعاصمة السعودية الرياض في 6 يونيو، وخلال مرحلة تحاول فيها بلادها تخفيف التوترات مع الدول العربية كي تأخذ بالدبلوماسية ما لم تأخذه بالحرب، لكن زوجة الرئيس لم تعر هذه الحسابات أي اهتمام خلال حديثها هذا.

وبتصريحتها هذا، تجاهلت الانتساب المفترض لزوجها والمرشد الأعلى الإيراني، وحتى والدها أيضا إلى قبيلة بني هاشم العربية، واعتمارهم عمائم سوداء لإظهار هذا الانتساب السلالي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أي يفترض بها أن تعتز بنسبها العربي الذي منح أسرتها مكانة روحية بين الإيرانيين.

صاحبة القرار

"علم الهدى" تختلف عن زوجات الرؤساء السابقين في إيران، إذ كشفت تقارير صحفية في 4 سبتمبر، أن النفوذ السياسي لها، بدأ يتصاعد وأصبحت تتواجد بشكل متزايد في الحياة العامة بالبلاد مؤخرا.

ونقل موقع "عربي بوست" في 4 سبتمبر، عن مسؤول حكومي إيراني (لم تكشف هويته) قوله إن "جميلة علم الهدى، منذ اليوم الأول لتولي إبراهيم رئيسي منصبه، وهي تمارس نفوذا غير مسبوق لزوجة رئيس في إيران، وصل الأمر إلى حد اقتراحها لبعض من أعضاء حكومته".

وأضاف: "لقد قامت جميلة علم الهدى، بإقناع رئيسي بالعديد من القرارات السياسية فيما يخص تعيين نوابه خاصة الاقتصاديين، ووصل الأمر إلى عقدها لقاءات مع المسؤولين والمرشحين لتولي الحقائب الوزارية، لإعطاء القرار النهائي لزوجها في مسألة ترشيحهم أمام البرلمان".

من جهته، أفاد تقرير لموقع "أمواج ميديا" في 26 يوليو 2023، بأنه "رغم ترحيب الدوائر السياسية الأصولية (التيار المتشدد)، لدور علم الهدى في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وإشادة مسؤولين كبار في الدولة مثل وزير الخارجية بعملها، إلا أن طموحها السياسي غير المألوف بالنسبة لزوجات الرؤساء في إيران قد أثار استياء كبار المسؤولين".

وأفاد بأن "علم الهدى، تريد أن يكون لها دور بارز في الحياة السياسية، ولا يقتصر على كونها زوجة الرئيس، وبصراحة فإن شخصية إبراهيم رئيسي ساعدت طموحها هذا، فهو يأخذ برأيها في كل كبيرة وصغيرة".

وأكد الموقع أن "ازدياد النفوذ السياسي لجميلة علم الهدى إلى درجة واضحة، جعل الأمر يصل إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مباشرة، والذي بدوره قرر التدخل في هذه المسألة.

ولفت إلى أن "مسألة تدخل زوجة الرئيس في شؤون الحكومة وصلت إلى خامنئي الذي تابع الأمر لفترة، وبعد هذه المتابعة أبدى غضبه وانزعاجه من الحضور الكبير لزوجة الرئيس في الشؤون السياسية".

وبحسب الموقع، فإن "خامني بعث برسالة تحذيرية إلى رئيسي، يحثه فيها على الحد من النفوذ السياسي لعلم الهدى، لكن حتى الآن لا يوجد تغيير في سلوك رئيسي وزوجته".

ونوه إلى أنه "لم نشهد أي زوجة لرئيس تتدخل في شؤون عمل الحكومة من قبل، لكن علم الهدى تجلس مع المسؤولين، وتتخذ القرارات التي تقنع بها رئيسي بكل سهولة، ووصل الأمر إلى تدخلها في الشؤون الاقتصادية للحكومة".

وخلص "أمواج ميديا" إلى أن "شخصية إبراهيم رئيسي ضعيفة إلى حد ما، ومن الضروري أن يكون هناك من يوجهه في الكثير من الأمور، لكن لم نتصور أن يكون هذا الشخص هو زوجته، التي لا دراية لها بأمور إدارة حكومة".

أستاذة جامعية

ولدت جميلة علم الهدى عام 1965 لعائلة دينية معروفة بكونها محافظة للغاية في مدينة مشهد شمال شرق إيران، وهي ابنة أحمد علم الهدى، إمام صلاة الجمعة في مشهد وممثل المرشد الأعلى هناك، والحائز على لقب آية الله.

تزوجت من رئيسي عام 1983، وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وأنجبت له ابنتان، وأكملت دراستها بعد زواجها حتى حصلت على درجة البكالوريوس في قسم النساء والتوليد، ثم استكملت دراساتها العليا حتى نالت الدكتوراه في الفلسفة التربوية الإسلامية من جامعة "تربية مدرس".

تولت مسؤولية لجنة التعليم بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية، وأسست وترأست معهد دراسات العلوم والتكنولوجيا بجامعة شهيد بهشتي، ولها عدة مؤلفات تدور غالبًا حول مواضيع تربوية، مثل "الفلسفة التربوية لحركة الإمام الخميني" و"النظرية الإسلامية للتنمية البشرية".

وعرفت جميلة علم الهدى بأنها باحثة واستاذة في جامعة شهيد بهشتي، ولها ما يزيد على 27 بحثا محكما وكتابا مختصا في التربية والتعليم الإسلامي، وحائرة على شهادة الباحث المتفوق في عام 2021.

يعرف عنها تشديدها على تفعيل المشاركة الحقيقية للمرأة الإيرانية وزيادة حصتها في مراكز صنع القرار في البلاد، وتعمل على حث السيدات على المبادرة لانتزاع ثقة المجتمع بهن.

وخلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "ميادين" القريبة من حزب الله اللبناني، في 21 يناير 2023، دعت علم الهدى نساء الدول العربية، إلى "الاتحاد واستخدام قدرات وحدتهنّ ضد النظام الذكوري، وأنّ "هذه الذكورية في الواقع يجب ألّا تتحوّل أيضا إلى نسوية، بل إلى تقارب ووحدة وسلام". 

وأضافت: "نحن نرفض سيادة المرأة كما نرفض سيادة الرجل، فكِلا الأمرين سيّء، بل يجب أن نخلق السلام. والمؤمّل منا هو أن نفعل ذلك، لكن السلام يتباين عن الاستسلام".

وأوضحت أنّ "الهجوم على النساء يستهدف كل الثقافات، لكن ثقافة المقاومة ضد الهيمنة الثقافية، التي تريد أميركا فرضها على الثقافات الأخرى، تتجلى اليوم في بلدان المقاومة، وهي تواجه مقاومة ثقافية".

وأشارت إلى أنه "عادةً ما يتم النظر إلى موضوع المقاومة في المجال العسكري، لكن أساسها هي المقاومة الثقافية، وأنها تنشأ من جانب النساء داخل محيط الأسرة، وضمن أساليب تربيتهن، وتحدث أيضاً في المدارس والجامعات".