أسباب رفض المغرب المساعدات الدولية بعد زلزال الحوز.. معقولة أم تعسفية؟ 

12

طباعة

مشاركة

عقب الزلزال المدمر في المغرب مساء 8 سبتمبر/أيلول 2023، ناقش كثيرون أسباب رفض المغرب لعروض المساعدات الإغاثية والإنسانية والطبية الدولية.

ورغم مرور أيام على الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 3 آلاف شخص و6125 إصابة، بحسب أرقام رسمية غير نهائية، لازال الوضع الإنساني في المغرب "معقدا".

وهناك صعوبة كبيرة في الوصول إلى جميع المناطق المتضررة، خاصة وأن العديد من القرى المدمرة تقع في مناطق جبلية، فيما تعرضت الطرقات هناك لأضرار بالغة.

وكما يحدث في كثير من الأحيان، فإن الفئات الأكثر ضعفا، خاصة النساء والأطفال، "تدفع الثمن الأكبر".

الكبرياء الوطني

وفي ظل هذا الوضع الخطير، لفتت مجلة "معهد الأعمال الدولية" الإيطالية إلى أن "الحكومة المغربية لا تزال تدرس قبول المساعدات الإنسانية المعروضة من المجتمع الدولي، بينما وافقت على تلقي المساعدة من عدد قليل من الدول المقربة سياسيا منها".

وأوضحت المجلة أن "الحكومة بررت قرارها بالتأكيد على أهمية التنسيق الفعال للمساعدات؛ لتجنب أن تتسب في إعاقة جهود رجال الإنقاذ، ما قد يؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا".

 لذلك، أكدت السلطات المغربية على أن وصول عدد قليل من رجال الإنقاذ الأجانب الذين تم السماح لهم بدخول البلاد كان على أساس "تقييم دقيق للاحتياجات على الأرض من قبل السلطات".  

إلا أن المجلة الإيطالية تعتقد أن "التقديرات المتعلقة بالكبرياء الوطني والعوامل الجيوسياسية لعبت دورا في هذا القرار".

وفي 10 سبتمبر 2023، أعلن المغرب، الموافقة على عروض مساعدة أربع دول لدعم جهود الإنقاذ، عقب الزلزال.

وقال بيان لوزارة الداخلية إن "السلطات أجرت تقييما دقيقا للاحتياجات، آخذة بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية".

وتابع: "على أساس ذلك، استجابت السلطات المغربية في هذه المرحلة، لعروض الدعم التي قدمتها الدول الصديقة، إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات، والتي اقترحت تعبئة مجموعة من فرق البحث والإنقاذ".

وأوضح البيان أنه "يمكن مع تقدم عمليات التدخل، أن يتطور تقييم الاحتياجات المحتملة، مما قد يؤدي إلى اللجوء إلى عروض الدعم المقدمة من دول أخرى صديقة".

كما أكد "ترحيب المملكة المغربية بكل المبادرات التضامنية من مختلف مناطق العالم".

لذلك تساءلت المجلة الإيطالية "ما إذا كان قرار دولة ما برفض المساعدات الخارجية قرارا شرعيا وقانونيا في ضوء التشريعات الدولية الحالية، خاصة في الساعات التي تعقب وقوع الزلزال مباشرة عندما تكون النافذة الزمنية لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض محدودة للغاية".

وشددت على ضرورة الإشارة أولا إلى أن القرار بشأن من يمكنه دخول أراضي الدولة المتضررة من الكارثة للمساهمة في عمليات المساعدة "يقع على عاتق السلطات السياسية للدولة".

وذكرت أنه "تم التأكيد على هذا المبدأ من قبل لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في مسودة مواد تتعلق بحماية الأشخاص في حالات الكوارث والتي تم اعتمادها عام 2016".

وأوضحت المجلة أن "الوثيقة ليست ملزمة قانونا، ولكنها تحدد إلى حد كبير القواعد المعترف بها في القانون الدولي". 

وتشير في هذا الإطار إلى "تأكيد المادة 10 على الدور الأساسي للدولة المتضررة في توجيه ومراقبة وتنسيق عمليات المساعدة". 

وذكرت أن اللجنة أوضحت في تعليقها على هذه المسودة أن هذا الدور مستمد مباشرة من مبدأ السيادة الذي يحظر على دول التدخل في الشؤون الداخلية. 

أسباب معقولة

وأكدت المجلة أن "للرباط الحق في تقييد أو منع الوصول إلى أراضيها، كما اعترف بذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية".

وتنص المادة 11 على ضرورة أن تلتزم الدولة المتضررة من الكارثة التي تفوق عواقبها بوضوح قدراتها على الاستجابة لها بطلب المساعدة الخارجية.

ويظل الأمر متروكا للدولة المتضررة لتقييم مدى خطورة الوضع، ولا يمكن التشكيك في قرارها "عندما يصدر عن حسن نية"، على حد تعبير المجلة. 

ورغم الخسائر البشرية والمادية الفادحة، يمكن للمغرب أن يجادل بأن قدرات الاستجابة لديه، إلى جانب المساعدات الخارجية القليلة التي تدخل البلاد، كافية للتعامل مع حالة الطوارئ، وبالتالي ليس ملزما بطلب المزيد من المساعدة من الخارج.

وشددت المادة 12 من المشروع على الدور المركزي للدولة المتضررة التي تكون موافقتها ضرورية دائما للجهات الفاعلة الأجنبية لتنفيذ عمليات المساعدة الإنسانية على أراضيها. 

ومع ذلك، تضيف هذه المادة أن هذه الموافقة "لا يمكن رفضها بشكل تعسفي" وهو ما يفترض أن الدولة المتضررة لديها أسباب معقولة لرفض المساعدة. 

وفي حالة المغرب، جزمت المجلة أن وجود خشية من أن يؤدي الوجود الكبير لمنظمات الإغاثة على الأرض إلى إحداث ارتباك وإعاقة عمليات الإنقاذ "قد يبدو مبررا مقبولا".

من ناحية أخرى، تنظر المجلة بعين الريبة إلى قرار السماح لأربع دول بتقديم المساعدة وعدم الاستجابة لعروض المساعدة المقدمة من أطراف أخرى، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لا سيما في ظل وضع مأساوي.

مسؤولية الحماية

وتنص المادة 10 من المشروع الدولي على أن الدولة المتضررة ملزمة بضمان حماية الأفراد الذين يعيشون على أراضيها وتزويدهم بالمساعدة الإنسانية في حال وقوع كارثة.

وتأخذ الغالبية العظمى من الدول هذا الواجب على محمل الجد، ولكن ماهي العواقب القانونية إذا كانت حكومة ما غير قادرة أو الأسوأ من ذلك غير راغبة في الامتثال لهذا الالتزام؟ تتساءل المجلة الإيطالية.

وذكرت وقوع موقف مماثل عام 2008 عندما ضرب إعصار مدمر ميانمار وأودى بحياة عشرات الآلاف خاصة في جنوب البلاد الذي تسكنه مجموعة كارين العرقية التي كانت في صراع مع النظام العسكري لسنوات.

ولعدة أيام رفض النظام العسكري قبول أي عروض للمساعدة، ويعود ذلك إلى "كبرياء وطني" وجزئيا لأن الكارثة أثرت بشكل أساسي على منطقة تسكنها المعارضة السياسية.

ودفع ارتفاع عدد الضحايا بعض الدول الغربية إلى اقتراح إحالة المسألة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خصوصا وأن الرفض المتعمد لتقديم المساعدة لضحايا الكارثة قد يرتقي إلى مستوى "جريمة ضد الإنسانية" وبالتالي يعرض السلام والأمن الدوليين للخطر. 

وكان بوسع المجلس أن يتبنى قرارا يلزم ميانمار بقبول المساعدات الخارجية، مما يلغي الحاجة إلى موافقة الحكومة. 

وفي غياب قرار من المجلس نتيجة لمعارضة الصين صاحبة حق النقض (الفيتو)، ​​أثارت بعض الجهات الفاعلة إمكانية التدخل في كل الأحوال وتطبيق عقيدة "مسؤولية الحماية".

ويؤكد هذا المبدأ أنه في حال شاركت دولة ما بدور نشط في انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، يمكن لدول أخرى أن تتدخل حتى باستخدام القوة لفرض احترام الحقوق. 

وفي نهاية المطاف، لم تتدخل أي حكومة دون موافقة ميانمار، إلا أن الضغوط السياسية التي مورست دفعت السلطات إلى قبول بعض عروض المساعدة.

وأكدت المجلة أنه "من الواضح أن الوضع الحالي في المغرب يختلف عن الوضع في ميانمار، لكن الأسباب الكامنة وراء رفض قبول المساعدة الخارجية تبدو متشابهة جزئيا على الأقل".