"قص أذرع إيران".. ما حقيقة التحشيد العسكري الأميركي في العراق وسوريا؟

يوسف العلي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بشكل غير مسبوق، تتصاعد الأنباء عن تحشيد عسكري أميركي على الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا، تمهيدا لعملية عسكرية تقودها الولايات المتحدة للقضاء على الأذرع الإيرانية هناك، والانتقال بعدها إلى المدن العراقية، لإنهاء سيطرة هذه المليشيات على البلاد.

هذه الأنباء، تزامنت مع زيارة وفد أمني عراقي برئاسة وزير الدفاع، ثابت العباسي، وعضوية رئيسي أركان الجيش عبدالأمير رشيد، وجهاز مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي، إلى الولايات المتحدة في 7 أغسطس/آب 2023، بدعوة من وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن. 

ورافق موضوع التحشيد العسكري، حديث عن زيارة أجراها قائد "فيلق القدس" الإيراني، إسماعيل قاآني، إلى بغداد، بحث خلالها مع قادة المليشيات والأحزاب الشيعية، ملف مصير التواجد الأميركي في العراق، حسبما كشفت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 15 أغسطس 2023.

"الردع القاتل"

أطراف سياسية عدة تحدثت عن حقيقة التحركات الأميركية والتحشيد الكثيف للآليات والجنود في العراق، والتي ذهب في مجملها إلى أن الولايات المتحدة تحضّر لعملية عسكرية على الحدود مع سوريا والعراق، وتستهدف بالتحديد المليشيات الموالية لإيران.

وقال البرلماني العراقي عن كتلة "صادقون" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق"، حسن سالم، إن "ما يجري انتهاك للسيادة العراقية، وذلك بوجود أرتال الدبابات وحاملات الطائرات وتوافد 2500 جندي أميركي إلى قاعدة عين الأسد في الأنبار غرب العراق".

وطالب سالم خلال مؤتمر صحفي بمبنى البرلمان، في 17 أغسطس، من القوى السياسية والحكومة العراقية بأن يكون لهم موقف من هذا التواجد العسكري للولايات المتحدة، مؤكدا بالقول إن "هناك حشودا أميركية في سوريا والعراق".

وتعليقا على ذلك، كتب البرلماني العراقي السابق، فائق الشيخ علي، عبر موقع "إكس" (تويتر سابقا) قائلا: "إليكم هذا السر.. عديد قوات الجيش الأميركي في العراق الآن 150 ألف جندي وضابط. يعني أكثر من جنودهم الذين غزوا البلاد عام 2003، إذ كانوا 136 ألفا، والباقون من دول التحالف"، دون كشف تفاصيل أكثر.

لكن السياسي العراقي المعارض المقيم في واشنطن، أحمد الأبيض، قال خلال مقابلة تلفزيونية، في 15 أغسطس، إن "المنطقة مقبلة على الصدام، وتحديدا ما يتعلق بالمليشيات أو ما يعرف بأذرع إيران".

ولفت الأبيض إلى أن الولايات المتحدة أطلقت على عملياتها العسكرية المرتقبة اسم "الردع القاتل"، مؤكدا أن الحشود العسكرية جاءت إلى المنطقة، وستبدأ من سوريا في تصفية الأذرع الإيرانية التي تحمي نظام بشار الأسد.

وزاد قائلا: "القوات الأميركية درّبت وسلّحت العشائر السورية على حدود العراق، وذلك حتى تتصدى للمليشيات التي ستهرب إلى الداخل العراقي نتيجة العملية العسكرية المرتقبة للولايات المتحدة".

وبحسب معلومات الأبيض، فإن الجيش الأميركي، درّب أفرادا من العراقيين أطلق عليهم "قوات النخبة" على قتال المليشيات، ورسموا في أذهان هؤلاء المقاتلين استهداف العمامة السوداء"، في إشارة إلى الزعامات الدينية التي تتولى إدارة الفصائل المسلحة بالعراق.

وأوضح السياسي العراقي أن "خطة القوات الأميركية في العراق، وضع لها معياران، الأول، نسبة الخطأ تساوي صفرا في استهداف رؤوس المليشيات، وذلك بالتوجيه في قتل هؤلاء (أذرع إيران) بنسبة 95 بالمئة، والاعتقال 5 بالمئة فقط".

وتابع: "أما المعيار الآخر، هو في نسبة الخسائر بين المدنيين، وهي أيضا صفر بالمئة، وكذلك فإن المواطنين وتحديدا من أهالي ضحايا المليشيات في جنوب العراق، هم من سيثور ضد أذرع إيران".

ولم يصدر عن الجانب الحكومي في العراق أي تعليق بشأن الحديث عن تحركات وتعزيزات عسكرية أميركية على الحدود وفي القواعد العسكرية داخل البلاد، حتى 20 أغسطس 2023.


"المليشيات متخوّفة"

وعلى ضوء ذلك، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، حامد العبيدي، أن "القوات الأميركية تنتشر حاليا في سوريا بشكل أكثر من العراق، لذلك أعتقد أن الضربات العسكرية ضد أذرع إيران ستكون على الحدود سواء في مدينة البوكمال السورية التابعة لمحافظة دير الزور".

وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أن "المليشيات مضطربة ومتخوفة داخل العراق من تصفية قياداتها عبر الطائرات المسيرة الأميركية، لذلك هناك حديث عن نشر قوات الحشد الشعبي أسلحة لمقاومة هذه الطائرات في عدد من أحياء العاصمة بغداد".

ولفت إلى أن "الأعداد التي تحدث عنها البرلماني السابق فائق الشيخ علي، قد تكون حقيقية بمجموعها في سوريا والعراق، لكن أشك في أن الولايات المتحدة ستنهي حكم المليشيات في البلد، كونهم كانوا سببا في إنشائها من خلال تسليم البلد إلى إيران".

من جانبها، لخصت الكاتبة والخبيرة في الشأن العراقي، رنا خالد، المشهد الحالي المرتبط بالحديث عن التحركات العسكرية الأميركية في تدوينة نشرتها على موقع "إكس" في 13 أغسطس.

وقالت الكاتبة العراقية إن "واشنطن مصرة على تجريد إيران من قوتها الضاربة والمهددة التي تستقي منها قدرتها على الردع، وهي، التهديد النووي، الأذرع والمليشيات، والتمويل، والقدرة على عرقلة التجارة والنقل عبر الخليج العربي ومضيق هرمز".

ورأت الخبيرة المقيمة في الولايات المتحدة أن "كل ما سبق يبرر تعزيز التواجد الأميركي في الخليج العربي، وإعادة تسليح العشائر في منطقة شرق الفرات مع تجهيز قوات قسد (سوريا الديمقراطية) بأسلحة الدفاع الجوي وأسلحة هيماريس (راجمات صواريخ)".

وأوضحت أن "شرق الفرات (في الأراضي السورية) جزء من إستراتيجية أميركية طويلة الأمد، تهدف إلى إحداث الشقوق بين التحالفات الإقليمية الناشئة في المنطقة، وبالتالي واشنطن تستهدف اللاعبين الإقليميين الكبار في المنطقة وليس البيادق الصغيرة (المليشيات)".

ورأت الكاتبة أن "التحشيدات الأميركية تهدف لإيصال رسالة إلى جميع اللاعبين تُفيد برفض واشنطن لأي تغيرات ميدانية قد تنتج عن هذه التحالفات والتفاهمات الإقليمية، ولا سيما بين أطراف الطاولة الرباعية (روسيا، وتركيا، وإيران، والنظام السوري) التي توافقت على رفض مشروع الإدارة الذاتية الكردية وعده مشروعا انفصاليا".

وأشارت الى أن "العراق هنا، يعد منطقة تماس بالنسبة لإيران والولايات المتحدة لذلك يحافظ الطرفان (حتى الآن) على عدم خرق مناطق التماس، وبالتالي لن تستخدم أميركا قوات عسكرية، وإنما نوعا آخر من الحروب، إذ يجري استخدام المليشيات المتقابلة، أي حروب بالإنابة".

توضح أميركي

على صعيد الولايات المتحدة، نفى متحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) ما يتم تداوله في الإعلام المحلي ووسائل التواصل الاجتماعي بالعراق حول "تحركات عسكرية أميركية هناك".

ونقلت قناة "الحرة" الأميركية في 15 أغسطس، عن المتحدث الذي لم تكشف عن هويته، قوله: "عدم حصول أي تحركات من هذا القبيل في الأيام القليلة الماضية، سواء كان باتجاه العراق أو  داخله".

وأشار المسؤول إلى أن مقاطع الفيديو المتداولة على أنها لقوافل جيش بلادنا "لا علاقة لها بالقوات الأميركية".

وكانت وسائل إعلام محلية وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي في العراق تداولت أنباء ومقاطع فيديو تشير إلى ما وصفوه بـ"تحركات عسكرية" و"قوافل أميركية" في البلاد.

وعلى الوتيرة ذاتها، قال المحلل السياسي العراقي، نزار حيدر، إنه "لا يُحرّك جندي أميركي واحد في أي مكان بالعالم إلا بموافقات، ويعلن ذلك بالإعلام بشكل شفاف".

وأكد الخبير العراقي المقيم في الولايات المتحدة، خلال مقابلة تلفزيونية في 15 أغسطس 2023، أنه "عادة ما تكون مثل أخبار التحركات العسكرية معززة ببيانات من البنتاغون، ولم يصدر أي شيء بخصوص الموضوع، حتى من وسائل الإعلام الأميركية، لا أعرف من وراء هذا التهويل، وتسريب مثل هذه الأنباء؟"

ووصف حيدر البرلمانيين العراقيين الذين يتحدثون في الإعلام عن قضايا حساسة، بأنهم "منافقون" لأنه إذا كان لديهم صور ومقاطع مصورة عن تحركات عسكرية، فعليهم استدعاء القادة الأمنيين لمناقشة ذلك، وليس الحديث بالمحطات التلفزيونية عن تواجد آلاف الجنود الأميركيين بالعراق.

وكان عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، وعد قدو، أعلن أن زيارة وزير الدفاع العباسي، إلى واشنطن تعد الأولى من نوعها بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، لتوضيح العلاقة بين بغداد واشنطن وكانت هناك مجموعة من الملفات وعلى رأسها الملف الأمني.

ولفت قدو خلال مقابلة تلفزيونية في 14 أغسطس إلى أن "الوفد الأمني العراقي، ركز على ملف الأمن بشكل خاص، ولا سيما أن واشنطن تعتزم إرسال قوات أميركية ونشرها في منطقة التنف الحدودية بين العراقية وسوريا قوامها ثلاثة آلاف جندي".

وأكد البرلماني أن "توقيت إرسال وفد عراقي يرأسه وزير الدفاع، إلى واشنطن واستقباله من نظيره الأميركي، أوستن، يقتصر على بحث ملف نزول القوات الأميركية على الحدود العراقية بشكل خاص".

وفي 15 أغسطس 2023، أطلع الوفد العراقي برئاسة العباسي، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، على نتائج زيارته الأخيرة إلى واشنطن وبنود الاتفاق المشترك المُبرم بين الطرفين بشأن طبيعة العلاقات بين أمريكا والعراق.

وقال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، اللواء يحيى رسول، خلال بيان له إن "السوداني ترأس اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن الوطني، بحضور أعضاء المجلس، وشهد الاجتماع البحث في آخر المستجدات الأمنية وأهمّ التحديات، وسبل مواجهتها".

وأضاف أن السوداني استمع إلى إيجاز مفصل عن زيارة الوفد العراقي، إلى واشنطن بناء على دعوة من أوستن، مطلعا على "استعراض للحوار المشترك بين البلدين الذي تناول التعاون الأمني الثنائي ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وشكل العلاقة المستقبلية بين العراق والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب".

ولفت رسول إلى أن المجلس الوزاري للأمن الوطني أقرّ "اتفاق الوفد العراقي مع الجانب الأميركي على تشكيل لجنة عليا مشتركة مع التحالف الدولي، للبدء بتنفيذ مخرجات الحوار المشترك".

وفي بيان مشترك عقب لقاءات الوفد الأمني العراقي مع مساعدة وزير الدفاع الأميركية سيليست واندر، أكدت واشنطن وبغداد التزامهما بـ"مواصلة التعاون العسكري الثنائي في جميع المجالات، وخصوصا مكافحة تنظيم الدولة والعمل على منع عودة نشاطه، وتدريب القوات العسكرية العراقية".

وأشار البيان الصادر بواشنطن في 8 أغسطس 2023 إلى أن الجانبين "أكدا التزامهما بتطوير قدرات العراق الأمنية والدفاعية وعزمهما على تعميق التعاون الأمني عبر مجموعة كاملة من القضايا لتعزيز المصلحة المشتركة للبلدين في أمن العراق وسيادته وفي استقرار المنطقة".

ووقع العراق والولايات المتحدة، اتفاقية الإطار الإستراتيجي عام 2008، تضمنت عدة محاور، من بينها تنظيم وجود القوات الأميركية في البلاد، بالإضافة لبنود تتعلق بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.

وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2020، صادق البرلمان على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأرض العراقية، في جلسة استثنائية بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حينها، عادل عبد المهدي.

وجاء القرار البرلماني بعد يومين من مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، بطائرة أميركية مسيرة قرب مطار بغداد الدولي.