"دلع قاتل".. هكذا يستقوي "ولاد الفشوش" على المغاربة ويخرقون القانون دون حساب

12

طباعة

مشاركة

على نطاق واسع، عبر مغاربة عن رفضهم لاستغلال أبناء الأثرياء والمسؤولين سلطة والديهم، في الاستهتار بأرواح البسطاء، مستفيدين من غياب أي نوع من المحاسبة أمام القانون.

وفي الأيام الأخيرة، انتشر بشكل واسع في المغرب مقطع فيديو يوثق مقتل شاب دهسا بسيارة واحد ممن يُطلق عليهم محليا "ولد الفشوش"، ويقصد بها "المدلع" أو "المدلل" بالمعنى السلبي للكلمة.

الفيديو الذي وثقته كاميرا مراقبة في مرآب أحد مطاعم الوجبات السريعة، بمنطقة عين دياب في مدينة الدار البيضاء، بتاريخ 31 يوليو/تموز 2023، أظهر تلقي الشاب "بدر بولجواهل" ضربة قوية على الرأس، سقط على إثرها على الأرض.

ولم يكتف الفاعل بضرب القتيل، بل توجه إلى سيارته ودهس "بولجواهل" مرتين ثم هرب مسرعا.

فيما أرجعت منابر محلية سبب الحادث إلى دفاع المغدور عن فتاة تعرضت للتحرش من القاتل ورفاقه، ما جعل "بولجواهل" يوصف بأنه كان ضحية شهامته.

"ابن مقاول شهير"

بشكل سريع تفاعلت قوات الأمن مع الحادث، وتم إصدار بلاغ في اليوم نفسه، جاء فيه أن قوات الشرطة بمدينة الدار البيضاء وبتنسيق ميداني مع نظيرتها بالعيون، جنوب البلاد، تمكنت من توقيف المشتبه فيه الرئيس المتورط في قضية الإيذاء والتسبب بشكل عمدي في صدم أحد الأشخاص بواسطة سيارة.

وأوضح بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني، وفق وكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تم تحديد مكان المشتبه فيه الرئيس وتوقيفه بمدينة العيون، بعدما كان قد لاذ بالفرار، مباشرة بعد ارتكابه لهذه الأفعال الإجرامية.

وأشار المصدر ذاته، إلى أن الأبحاث والتحريات مكنت، بشكل أولي، من تحديد مكان السيارة المستعملة في ارتكاب هذه الجريمة وحجزها بمدينة الدار البيضاء.

بعدها بيومين، قدمت عناصر الشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء، على أنظار النائب العام لدى محكمة الاستئناف، 5 أشخاص يشتبه تورطهم في الارتباط بمقتل الشاب بدر.

وذكر موقع "الحياة اليومية" المحلي، أنه تمت متابعة المشتبه فيهم، بعد فحص الأفعال الإجرامية المنسوبة إليهم، بتهمة "تكوين عصابة إجرامية والقتل العمد والسرقة الموصوفة ومحاولة القتل العمد والمشاركة".

أما موقع "360le" المحلي، فذكر في 3 أغسطس 2023، أن "ولد الفشوش"، الذي قتل الطالب الباحث بدر، هو ابن مقاول شهير وعائلة ثرية بالدار البيضاء، ويبلغ من العمر 21 سنة، وهو أصغر إخوته، ومعروف بعدوانيته المفرطة واستهانته بالقانون.

واسمه الحقيقي “أ.ص” ويلقب بـ”هابلو2″، ويرتدي في كثير من الأحيان أقنعة على وجهه تقليدا لمغني الراب الحقيقي “هابلو”.

وأكد المصدر ذاته، أن المتهم الرئيس (لم يذكر اسمه أو اسم والده كاملا) استعان بشركائه في الاعتداء الجسدي على رفاق الضحية وسرقة هواتفهم المحمولة.

ويواجه المتهم تهما ثقيلة تصل عقوبتها إلى الإعدام، بفعل تورطه في ارتكاب جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، إذ لم يكتف بالتربص للضحية في مسرح الجريمة، بل عمد إلى الإيذاء العمدي والنية في تصفيته بعد دهسه بسيارته رباعية الدفع وتكرار العملية لإزهاق روحه.

إضافة إلى تكوينه عصابة إجرامية بالاستعانة بخمسة أشخاص وقيامهم باستعمال أساليب العصابات بتحريض كلب شرس وإزالة لوحات ترقيم السيارة وسرقة هواتف المعتدى عليهم رفاق الضحية بدر.

مقاربة اجتماعية

في قراءته للمسألة، قال علي الشعباني، الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن "ولاد لفشوش" ظاهرة موجودة في المغرب، وفي العالم العربي بصفة عامة، نظرا للروابط الخاصة التي تكون بين الآباء والأبناء.

وأوضح الشعباني لـ "الاستقلال"، أن للأبناء والأمهات في منطقتنا نوع من الحضانة على الأبناء حتى بعد وصولهم إلى سن البلوغ، بخلاف الثقافة الغربية.

واسترسل، ولذلك ينظر مجموعة من الآباء إلى أبنائهم كاستثمار، وينتظرون لحظة قطف ثماره، وعليه، يفردون أبناءهم بنوع من الحضانة والاحتواء والدلال المبالغ فيه، وهؤلاء هم الذين يسمون بالمجتمع المغربي بـ "الفشوش".

واسترسل، ولنا محليا مقولة جامعة لهذا، جاء فيها "كل ولد لفشوش مسخوط"، أي أن ابن الدلال لابد وأن يكون عاقا.

ومرد هذا الأمر، يقول الأكاديمي المغربي، أن الطفل الذي ينشأ في أسرة تتساهل وتتسامح مع كل أخطائه منذ صغره، لا شك سيكرر هذه الأخطاء حين الكبر، مع محيطه الأسري والعملي ومع عامة الناس، أي أنه مشروع إنسان منحرف منذ البداية.

وحمل الشعباني مسؤولية هذا الأمر للآباء، لأنهم هم الذين عودوا أبناءهم على هذه التجاوزات، وعلى الإفلات من العقاب، وعلى عدم تحمل المسؤولية، والاستهتار والاستهزاء بالقوانين، وتجاوز القيم الاجتماعية، وعدم احترام الآخرين.

وشدد أن "ولاد لفشوش" يوغلون في هذه التجاوزات، لأنهم يعرفون أن هناك من سيحميهم، بسبب انتمائهم وانحدارهم من أسر ميسورة أو ذات جاه ونفوذ، مشيرا إلى أن النماذج التي رأيناها في هذا الصدد كثيرة ومتعددة.

تفاعلات مجتمعية

تفاعل واسع للمغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع مقتل بدر، معبرين عن تضامنهم مع أسرته، ومطالبتهم بالعدالة لمقتله، ومواجهة استهتار "ولاد لفشوش" بالقانون.

وفي هذا الصدد، قال الناشط السياسي والإعلامي عبد المنعم بيدوري، في تدوينة على فيسبوك، في 3 أغسطس 2023، "ليس اسمه ولد لفشوش، بل ولد الفساد". 

وأضاف: "الفساد الذي لا يكتفي بسرقة خبز الفقراء وتحويل حياتهم الى جحيم، بل إلى دهسهم والتلذذ بقتلهم".

أما الأكاديمي والأستاذ الجامعي يحيى اليحياوي، فحاول إعطاء تعريف للظاهرة، فقال، إن "ولد لفشوش" هو الابن المدلل لعائلته، لأمه وأبيه على وجه التحديد، يخرج للدنيا وفي فمه ملعقة من ذهب، فيعيش "حياته" بالطول والعرض، غير مكترث بشيء إلا بترفه ولذاته.

وتابع اليحياوي في تدوينة على فيسبوك، في 4 أغسطس، "يعربد بالليل بسياراته الفارهة المتنوعة، ويفرد النهار للنوم، يشرب الخمر حتى الثمالة، يتناول الحشيش والأقراص المخدرة حتى يفقد الإدراك، ثم يعمد إلى تدبير مواعيده مع فتيات من طينته".

وأضاف: ولد لفشوش لا يعير اهتماما لشرطة أو لدرك، لا يعرف معنى "قانون السير"، ولا فكرة لديه عما تعنيه شارة مرور أو علامة "قف"، ولذلك، يردف الأستاذ الجامعي، "من الطبيعي والحالة هذه، أن يأتي يوم يدهس فيه عابر طريق أو تصطدم سيارته بسيارة الاتجاه المعاكس".

واسترسل، "وعندما يردي مواطنا قتيلا، أو يكسر عظام آخر، فإنه لا يكترث، يستمر في قيادة سيارته بالسرعة التي يريد".

وأضاف: "وعندما تلتقطه كاميرا المرور، ويتم التأكد من كونه "ولد الفشوش"، يتم التستر على هويته، في انتظار "توجيهات جوالة" تدمر بمقتضاها وعلى عجل، معالم الجريمة".

"ولد لفشوش" لا يتابع، فما بالك أن يحاكم أو يعتقل، يكتفي بالتواري عن الأنظار لحين لملمة المصيبة، فيخرج من جديد لعربدته، وكأن شيئا لم يكن".

وقال اليحياوي إن ولد لفشوش قد يكون ابن شخصيات تنتمي لمجالات اشتغال عدة، لكنه أبدا لن يكون ابن الشعب، إذ لو كان كذلك، لكان ابن أصول، وابن الأصول لا يمكن أبدا أن يكون "ولد لفشوش"، لأن ابن الأصول "يخاف على أصله"، أما "ولد لفشوش" فلا أصل له ولا أصول.

جرائم سابقة

ما زاد من غضب المغاربة إزاء ما وقع، انتشار الأخبار بالمنابر الإعلامية المحلية، من أن الفاعل ليس هذا حادثه الأول، بل سبق أن تسبب في حوادث مميتة، وخرج منها وكأن شيئا لم يقع.

وفي هذا الصدد، صرح عزيز لاغا، وهو شرطي سابق بأمن الدار البيضاء، أن ابنه الوحيد وليد، راح ضحية قتل لنفس المتهم في قضية قتل الطالب بدر بولجواهر قبل خمس سنوات، لكنه خرج حينها بدون أن يتعاقب على فعلته.

وأبرز موقع "العمق المغربي"، 03 غشت 2023، أن قاتل بدر، "قتل وليد لاغا قبل خمس سنوات رفقة صديقه بعدما كانا يمتطيان دراجة نارية كبيرة الحجم، حيث دخلا مع المتهم في مشادات كلامية على الطريق، ليقرر دهسهما، في حادثة سير مميتة".

وأكد لاغا والد ضحية "ولد الفشوش"، بأنه "علم بإلقاء القبض على قاتل ابنه في قضية قتل جديدة، وحضر لوضع شكاية لدى الوكيل العام للملك من أجل إعادة البحث في قضية ابنه، كون مسطرة متابعة الجاني عرفت قبل خمس سنوات عدة خروقات".

وأكد والد ضحية 2018، "أن ابنه كان قد اجتاز مباراة الشرطة بنجاح حينها، وكان مقبلا على إكمال مسار والده في المهنة التي ضحى فيها لحوالي 37 سنة، لكن للأسف هناك من تواطأ مع الجاني وأفلت من العقاب، مقابل الحكم عليه بغرامة مالية فقط على أساس الجريمة كانت حادثة".

وشدد أبو الضحية السابق وليد بأن "الجاني لو كان قد عوقب بعد قتل ابنه، ما كان ليقتل اليوم الطالب بدر بولجواهر بطريقة بشعة".

وأعرب عزيز لاغا عن ثقته في القضاء، قائلا إن به نزهاء، مردفا: "وأنا سعيد لأن المسطرة ستبدأ من جديد".

ولم تكن حادثة "ولد لفشوش" هي الأولى بالمغرب، فقبل عشرة أيام فقط، أوقفت مصالح أمن السعيدية، شرق المملكة، ابنة وزير الفلاحة والصيد البحري، محمد صديقي، بعدما تسببت في حادثة خطيرة وهي في حالة سكر طافح.

وذكر موقع "المغرب 35"، في 27 يوليو 2023، أن ابنة وزير الفلاحة والصيد البحري كانت تقود سيارتها حوالي الساعة الثانية صباحا بسرعة مفرطة بمارينا السعيدية، قبل أن تصدم سيارة مهاجر مغربي يقضي عطلة الصيف رفقة ذويه.

وأوضح المصدر، أنه عقب هذا الحادث تم اقتياد ابنة الوزير ليتم وضعها تحت الحراسة النظرية، بأمر من النيابة العامة، لتُفرج عنها بعدها النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية لمدينة بركان.

وقال الموقع إن قرار النيابة العامة جاء بعد أداء نجلة صديقي البالغة من العمر (27 عاما) كفالة مالية بقيمة 2500 درهما، أي حوالي 250 دولار أمريكي.

وتفاعلا مع ما وقع لابنة الوزير، انتقد الكاتب الصحفي مصطفى الفن، متابعة النيابة العامة لابنة الوزير في حالة سراح، لما تشكله من خطر على نفسها وعلى الناس.

وأضاف الفن في تدوينة فيسبوكية نشرها في اليوم نفسه، إن المثير أيضا في هذه القضية، هو قيمة الكفالة المالية الهزيلة التي وضعتها ابنة الوزير بالمحكمة مقابل إطلاق السراح.

وتابع، ومن سخرية الصدفة، ما راج في سياق هذا كله، من أنه تم العثور في مسرح الحادثة على قنينة خمر وعلى قطع من "الحشيش"، معبرا عن خشيته من أن لا تمضي الأمور في طريقها المطلوب.

واسترسل، لا أتحدث هنا بدافع من "الكراهية" لعينة من الشباب المغاربة ممن يطلق عليهم "أولاد الفشوش"، اغتنى آباؤهم في ظروف غامضة، لكن علينا أن نعترف بأن بعض هؤلاء يكادون يشكلون اليوم سلطة "خامسة" تصول وتجول فوق باقي السلط.

حتمية المعالجة

شدد علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن آثار ومخلفات "ولاد لفشوش" محبطة وسلبية على الرأي العام.

وأضاف لـ"الاستقلال"، لأنه مثلا عندما تُرتكب فوضى في ملهى ليلي من لدن أبناء ينتمون لعائلات مختلفة، ويُؤخذون إلى مخافر الشرطة، فينفذ "أبناء لفشوش" بجلودهم، ولا يُعاقب إلا أبناء العائلات المتوسطة أو البسيطة، فهذا يخلق لهؤلاء العديد من الاحباطات.

وأضاف، بل إن مثل هذا التمييز يخلق لهم مشاعر الحقد والانتقام والكراهية تجاه المجتمع والمؤسسات، لأن الأخيرة لم تنصفهم ولم تعط لهم حقهم، أو لأنها لم تعاملهم بمساواة.

وأكد الشعباني أن أثر الظاهرة سلبي أيضا على المنظومة السياسية والتربوية والقضائية، مما يجعل الأذى يتجاوز الأفراد إلى أن يصل للدولة بصفة عامة.

ونبه الأستاذ الجامعي، إلى أن هذا الأمر، هو من العوامل الرئيسة التي تدفع بفئات متعلمة ومكونة للهجرة ومغادرة الوطن، ليس بحثا فقط عن فرص العمل، بل أساسا تبحث عن الحرية والإنصاف والمساواة بين الناس.

وأردف: المتضررون من "ولاد لفشوش" وأضرابهم، يشعرون أنهم عالة على المجتمع، ولذلك يفرون منه، إلى حيث تجد أنفسهم ما تطمئن إليه.

وعليه، يقول الشعباني، واجب أكيد على المسؤولين السياسيين والبرلمانيين والمشرعين والقضائيين والتربويين وغيرهم، الوعي بمسؤوليتهم تجاه ما يقع.

وتابع، هذه المسؤولية، تقتضي منهم، كل حسب موقعه ودوره، محاربة ظاهرة "ولاد لفشوش"، وعدم التسامح معها، والعمل الجاد على ضمان سيادة الحق والقانون، والمساواة بين جميع المواطنين، بصرف النظر عن انتمائهم الاجتماعي أو الجغرافي أو غيره من أشكال التمييز.