أليكسي نافالني.. معارض روسي كشف فضائح الكرملين ويسجنه بوتين بتهم كيدية

موسكو - الاستقلال | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تبقي عدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلف القضبان مدى الحياة، أصدرت موسكو حكما إضافيا على المعارض البارز أليكسي نافالني بالسجن 19 عاما بتهمة "التطرف" لتضاف إلى حكم سابق بالحبس تسع سنوات لهذا الناشط البالغ 47 عاما.

خلال جلسة مغلقة، أصدرت محكمة روسية بتاريخ 4 أغسطس/آب 2023 حكما بالسجن على نافالني أشد أعداء بوتين، لمدة 19 سنة إضافية سيقضيها في سجن آخر في ظروف صعبة.

وقالت المتحدثة باسم المحكمة كيرا يارميش على منصة أكس المعروف سابقا بـ "تويتر": "حكم على أليكسي نافالني بالسجن 19 سنة في مجمع سجون يحظى بحراسة قصوى".

وهذه العقوبة القاسية، أثارت غضب الغرب والولايات المتحدة، حيث وصفت ألمانيا الحكم بأنه "ظلم صارخ"، بينما عدته فرنسا "اضطهادا قضائيا"، أما الاتحاد الأوروبي فقال إنه "غير مقبول".

بدوره، قال المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك في بيان إن هذا الحكم "يثير قلقا جديدا يتصل بالمضايقات القضائية واستغلال النظام القضائي لأغراض سياسية في روسيا".

وأضاف تورك أن هذا الحكم الجديد بحق الخصم الرئيس للرئيس فلاديمير بوتين "يأتي وسط قمع أكثر حدة لحرية التعبير والمعارضة السياسية في روسيا".

ويقضي نافالني عقوبة بالسجن منذ يناير/كانون الثاني 2021 تسعة أعوام بتهمة الاحتيال، في قضية يرى مؤيدوه أنها عقاب له على معارضته للكرملين.

كما سبق لنافالني أن قال إنه مستهدف أيضا بقضية "إرهاب" يواجه فيها احتمال السجن المؤبد.

النشأة والتكوين

ولد أليكسي أناتولييفيتش نافالني عام 1976، في قرية تدعى "بوتين" تقع على بعد 49 كيلومترا عن منطقة أودينتسوفو في العاصمة موسكو.

وعائلته قادمة من أوكرانيا، ويعيش معظم أقاربه في منطقة كييف وبيرياسلاف خميلنيتسكي، وهو نفسه يشعر بأنه أوكراني جزئيا.

تخرج نافالني بالمدرسة في زاليسي "منطقة تشيرنوبيل سابقا"، أما والده فقد تخرج في مدرسة كييف العسكرية للاتصالات، وهذا ما جعل نافالني ينتقل من مدرسة لأخرى.

وبحكم عمل والده، قال أليكسي: "أطفال العسكريين ليس لديهم أصدقاء في مرحلة الطفولة، لأنهم يتحركون طوال الوقت".

بعد تخرجه في مدرسة ألابينسكي الثانوية عام 1993، التحق نافالني بكلية الحقوق في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، وتخرج عام 1998.

وفي عام 1999 التحق بالأكاديمية المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي وتخصص في قسم "الأوراق المالية وأعمال البورصة" وتخرج عام 2001، وعمل لاحقا خبيرا ماليا.

في 2007 طُرد من حزب يابلوكو الليبرالي المعارض الذي انضم إليه عام 2000، لمشاركته في "نشاطات قومية".

ونافالني متزوج من يوليا نافالنايا، ولديهما ابنة تدعى داريا (داشا)، وهي طالبة في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، وابن اسمه زاخار.

ويمتلك أليكسي نافالني حصة في شركة عائلية ذات مسؤولية محدودة وهي مصنع نسيج في موسكو، ولديه 25 بالمئة من رأس المال المصرح به، والباقي مملوك لأقاربه.

واكتسب المحامي والناشط السياسي والخبير المالي، شهرة واسعة في روسيا منذ عام 2009 وخصوصا في وسائل الإعلام الروسية كناقد للفساد، كما أنشأ مؤسسة لمحاربة الغش في 2011.

ونافالني يعد عضو مجلس تنسيق المعارضة الروسية والزعيم غير الرسمي لحزب التحالف الشعبي. ولا يزال الحزب يواجه مشكلات متعددة فيما يتعلق بالشرعية، فلم يجر تسجليه إلى الآن بشكل رسمي.

وقد استغل المعارض مدونته على موقع "لايف جورنال" لتنظيم مظاهرات واسعة النطاق مناهضة للحكم، كما أنه كان يكتب مقالات في الكثير من المنشورات الروسية، مثل "فوربس روسيا".

عرف باستخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي في إيصال رسائله السياسية إلى الرأي العام معتمدا في الغالب لغة حادة وساخرة من المؤسسات الحكومية.

وبدأ نافالني شراء أسهم في شركات نفط عملاقة تملكها الدولة بهدف الوصول إلى تقارير الشركات بحثا عن أدلة على الفساد وثقها في منشورات على مدونته.

في العام 2011، أسس مؤسسة لمكافحة الفساد كشفت فضائح حول الثروات الهائلة التي تملكها النخب المقربة من الكرملين.

وفي مقابلة عام 2011 مع وكالة "رويترز" البريطانية، ادعى نافالني أن النظام السياسي في بلاده يضعف لدرجة أن روسيا قد تواجه تمردا على غرار الربيع العربي بغضون خمس سنوات.

اعتقل نافالني ثلاث مرات في 2017 لأنه نظم مظاهرات غير مصرح بها ضمت أحيانا آلاف المشاركين في جميع أنحاء روسيا

شارك في المسيرات القومية الروسية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأعرب عن آراء مناهضة للمهاجرين.

عندما اندلعت المظاهرات ضد بوتين في ديسمبر/كانون الأول 2011، كان من أوائل قادة الاحتجاج الذين جرى اعتقالهم.

ونال نافالني في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021 جائزة سخاروف للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التفكير لذات العام، وهي جائزة يمنحها البرلمان الأوروبي كل سنة.

ووقتها أشار رئيس البرلمان ديفيد ساسولي الذي أعلن الخبر إلى أن نافالني "حارب بلا هوادة فساد نظام فلاديمير بوتين".

وجائزة ساخاروف التي أُطلقت عام 1988 من أجل "حرية الفكر" تكافئ سنويا الأشخاص أو المنظمات التي تدافع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتخصص مبلغ 50 ألف يورو.

صعود سياسي

صعد نافالني، إلى الصدارة مع المدونات التي كشفت ما قال إنه فساد واسع النطاق في روسيا، إذ يرى أن البلاد يحكمها "محتالون ولصوص".

وسخر نافالني وفريقه من بوتين وأنتجوا مقاطع فيديو حصدت ملايين المشاهدات على منصة يوتيوب، لفضح أنماط الحياة المترفة للنخبة الروسية.

وقد توقع منذ فترة طويلة أن تواجه روسيا اضطرابات سياسية زلزالية، بما في ذلك الثورة، لأنه يقول إن بوتين بنى نظاما هشا للحكم الشخصي يعتمد على التملق والفساد.

وتعكس محاكمة نافالني خلف أبواب موصدة، النهج القمعي الذي تعتمده روسيا في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022 والذي عارضه هذا الرجل.

إذ ندد المعارض نافالني خلال جلسة محاكمته بـ"الحرب الغبية والعبثية" التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، بحسب تصريحات نشرها مساعدون له عبر تطبيق تلغرام.

وظهر في فيديو نشرته قناة "دوجد" المعارضة، في 24 فبراير 2022 قائلا: "أنا ضد هذه الحرب. أعتقد أنها تشن لإخفاء سرقة المواطنين الروس، وصرف انتباههم عن المشاكل الموجودة داخل بلدهم وتدهور الاقتصاد".

وأمام ذلك يضغط سجانو نافالني عليه، وهذا ما أكده محاميه فاديم كوبزيف بقوله في 13 أبريل/نيسان 2023 إن موكله مريض منذ سنتين ومتروك "بلا رعاية"، مدينا وضعا "غريبا جدا".

وأشار إلى أن "سجلاته الطبية تكشف أنه فقد في الأسبوعين الماضيين ثمانية كيلوغرامات".

وتابع أن الطرود التي أرسلتها والدة نافالني وتحوي أدوية "أعيدت إليها" ولم يتمكن من تسلمها، في محاولة "لقتله" ببطء وفق ما يصرح مناصروه.

مانديلا روسيا

نافالني يعد إلى حد بعيد الشخصية الأكثر شهرة في المعارضة الروسية المنقسمة، إذ يصفه مؤيدوه بأنه شخصية على غرار زعيم جنوب إفريقيا الراحل نيلسون مانديلا سيجرى إطلاق سراحه يوما ما من السجن لقيادة البلاد.

إذ إن الادعاء الموجه إلى نافالني غير واضح، فهو لم يكن أمام محامي الدفاع عنه سوى عشرة أيام لفحص 196 مجلدا من الملف الذي جمع ضده

وفي جلسة محاكمة في 19 يونيو/حزيران 2023 حضر نافالني مع وكلاء الدفاع عنه الجلسة.

لكن المدعي العام طلب في مستهل الجلسة أن تجرى المحاكمة خلف أبواب مغلقة، معللا ذلك بأسباب أمنية وبرغبته في حماية هوية شاهد إثبات.

ووقتها استنكر والد المعارض القرار "المخزي" بفرض إجراء جلسة مغلقة في إطار هذه المحاكمة، حيث قال أنتوني نافالني "لا حياء، لا ضمير، لا شرف".

وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن نافالني قال باستهزاء "رغم أنه من الواضح نظرا إلى كثرة المجلدات أنني مجرم منهجي ودؤوب، يستحيل أن يفهم بالضبط ما أنا متهم به".

وفي محاولة لفعل أي شيء تجاه نافالني، أعلن الاتحاد الأوروبي في 20 يوليو/تموز 2023، فرض عقوبات على 12 فردا في روسيا، بينهم مدير السجن حيث يعتقل المعارض.

ونسبت الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي إلى دميتري نوجكين مدير سجن "آي كاي-6" في ميليخوفو على بُعد 250 كيلومترا من موسكو، مسؤولية "تنفيذ أعمال تعذيب وممارسة سلوكيات وحشية أخرى غير إنسانية او مهينة".

عدو بوتين

المعارض الروسي يتهم الكرملين برغبته في إبقائه بالسجن مدى الحياة لجعله يدفع ثمن انتقاداته التي لم تضعف رغم سجنه.

وقالت كيرا يارميش، وهي إحدى الناطقات باسم نافالني، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إن المعارض الروسي "يُحاكم لنشاطه السياسي".

ويقول مناصرو نافالني إنه يخضع لمعاملة قاسية بشكل خاص في السجن، حيث يرسل إلى الحبس الانفرادي لأدنى ذريعة.

وفي رسالة نشرت مطلع يونيو/حزيران 2023، قال نافالني إنه أُرسل للمرة السادسة عشرة إلى زنزانة تأديبية حيث يُترك المعتقلون بمفردهم في ظروف قاسية.

ويتهم نافالني إدارة السجن بمضايقته من خلال وضعه مع سجين مصاب بعدوى فيروسية وتفوح منه رائحة كريهة، أو عبر إجبار السجناء على الاستماع إلى خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويوم عيد ميلاده السابع والأربعين مطلع يونيو، أعلن نافالني أنه يحافظ على معنوياته على الرغم من تشديد ظروف احتجازه.

وكتب "من الواضح أنني لا أريد أن أستيقظ في هذه الحفرة، بل أن أتناول الفطور مع عائلتي، وأن أقبّل خدود أطفالي، وأفتح هداياي وأقول: هذا حقا ما كنت أحلم به".

وأضاف "لكن هكذا هي الحياة، لا يمكن تحقيق تقدّم اجتماعي ومستقبل أفضل إلا إذا كان عدد معيّن من الناس على استعداد لدفع ثمن الحق في أن يكون لدينا قناعات".

وحينما تمردت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في 23 يونيو 2023، علق حساب نافالني بالقول في تغريدة، إن ذلك يظهر أن سلطة بوتين تشكل "تهديدا لروسيا إلى حد أن انهياره المحتم يشكل تهديدا بحرب أهلية".

وعن طريق فريقه، يواصل نافالني النشر بانتظام على شبكات التواصل الاجتماعي للتنديد بشكل خاص بالنزاع في أوكرانيا.

فاضح الفساد

وكان نافالني قادرا على تحريك الشارع الروسي ضد فساد الطبقة الحاكمة المقربة من بوتين، بما بمتلكه من أدلة وشواهد وتسجيلات مصورة.

وقد قاد في شتاء عامي 2011 و2012 احتجاجات ضخمة ضد حكم بوتين بعد الانتخابات البرلمانية التي فاز بها حزب روسيا الموحدة الذي ينتمي إليه الرئيس الروسي والتي شابتها مزاعم بالتزوير.

في العام 2013، أدين بالاحتيال على الحكومة في منطقة كيروف بمبلغ 16 مليون روبل (500 ألف دولار) في صفقة أخشاب أثناء عمله كمستشار لحاكم المنطقة، ونفى نافالني التهمة قائلا إنها محاولة لإسكاته.

حل في المركز الثاني خلف سيرغي سوبيانين المدعوم من الكرملين في السباق على رئاسة بلدية موسكو في سبتمبر/أيلول 2013.

قال نافالني يومها إن سوبيانين رشى ناخبين بحزم من المواد الغذائية وزوّر التصويت في العديد من مراكز الاقتراع. كما رُفضت مطالبات المعارض بإعادة فرز بطاقات التصويت.

وفي مارس/آذار 2017 نشر نافالني مقطع فيديو حول أسلوب الحياة الفاره لرئيس الوزراء آنذاك دميتري ميدفيديف يتضمّن ادعاء بأن أحد عقاراته يشمل مأوى للبط في وسط بركة.

وأثار الفيديو مسيرات في عشرات المدن حمل خلالها المتظاهرون بطات مطاطية كرمز لثروات ميدفيديف غير المشروعة.

كما أنه بعد توقيف المعارض في 17 يناير/ كانون الثاني 2021، نشر تحقيقا عن قصر فخم على البحر الأسود يعود لبوتين، نال أكثر من 100 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.

حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتهم في 14 فبراير 2021 الدول الغربية باستخدام نافالني، في إطار "حملة لاحتواء" روسيا.

لم تتوقف جهود المعارض الروسي الشرس، في ملاحقة بوتين وتشويه صورته، الأمر الذي أغضب الكرملين.

وبعدها قررت السلطات عام 2018 منعه من الترشح للرئاسة بسبب إدانته بالاختلاس، مما دفع الرجل للطلب من الروس مقاطعة التصويت الذي منح بوتين ولاية رابعة.

وعقب هذه المسيرة الساخنة، كانت اللحظة الفارقة في حياة نافالني حينما نقل إلى مستشفى في سيبيريا في 20 أغسطس/آب 2020 وأُدخل في غيبوبة طبية بعدما فقد وعيه أثناء رحلة جوية.

ووقتها طلبت عائلته نقله إلى مستشفى في برلين حيث أظهرت الفحوص أنه سمم بمادة نوفيتشوك، وهو غاز أعصاب يعود إلى الحقبة السوفياتية.

واتهم نافالني بوتين بالوقوف وراء تسميمه وهو ما نفاه الكرملين، لكن الرجل قرر المواجهة داخل موطنه الأصلي.

ورغم الخطر، عاد إلى موسكو في فبراير 2021 حيث اعتقل بعد فترة وجيزة من وصوله الى المطار.

وأدت واقعة اعتقاله إلى هيجان في الشارع من قبل عشرات الآلاف في كل أنحاء روسيا من أجل إطلاق سراحه، وهو ما لم يتحقق.

وفي فبراير 2021 حكم عليه بالسجن عامين ونصف العام لخرقه شروط عقوبته مع وقف التنفيذ أثناء تعافيه في ألمانيا.

وأرسل إلى مجمع سجون على مسافة 100 كيلومتر شرق موسكو، حيث حض أنصاره على مواصلة التظاهر قائلا إنه "لا يمكن سجن الملايين".

وفي مارس 2022 رفعت عقوبته إلى تسع سنوات بعد إدانته بتهم جديدة بالاختلاس وازدراء المحكمة، قبل أن يمثل في أغسطس 2023 للمحاكمة وتوجه له تهمة "التطرف" ويحكم عليه بالسجن 19 عاما.