تفاصيل غامضة.. هل ينجح اتفاق "النفط مقابل الغاز" بين العراق وإيران؟

يوسف العلي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الاتفاق الذي وقعته بغداد وطهران، والذي أطلق عليه "النفط مقابل الغاز"، مجهولا لدى كثير من العراقيين، لا سيما الخبراء الاقتصاديين منهم، إذ لم ينشر البلدان تفاصيل ما جرى التوقيع عليه أخيرا، لإنهاء أزمة الطاقة الكهربائية في العراق.

وفي 11 يوليو/ تموز 2023، وقع عن الجانبين، مدير مكتب رئيس الوزراء، إحسان ياسين العوادي، وسفير طهران في بغداد، محمد كاظم آل صادق، اتفاقا يقضي بمقايضة الغاز الإيراني المستورد والمشغّل لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية، بالنفط الخام العراقي والنفط الأسود.

عدم نشر تفاصيل الاتفاق، إضافة إلى ذكر مصطلحي النفط الخام والنفط الأسود في بيان الحكومة العراقية، أثار تساؤلات عن مدى تكافؤ المقايضة الحاصلة، وفرص نجاحها، وذلك في ظل حاجة العراق الماسة لإمدادات الغاز الإيراني لتجاوز موسم الصيف اللاهب.

اتفاق غامض

وصف خبراء اقتصاد عراقيون، اتفاق المقايضة الحاصل بين طهران وبغداد، بأنه "غامض"، وينطوي على مخاطر عالية، من بينها ما يفسر بأنه التفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، إضافة إلى غياب الآلية الحقيقية لإتمام ما اتفق عليه.

وقال الخبير النفطي العراقي، حمزة الجواهري، إن "الاتفاق غامض حتى الآن، إضافة إلى أن إعطاء العراق نفط خام إلى إيران، لا يمكن أن يتحقق لأنه يباع وفق ضوابط منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، كما أن طهران تملكه ولا تستطيع بيعه، لذلك لا يمكنها أخذ النفط الخام العراقي مقابل تصديرها الغاز".

وأضاف الجواهري لـ"الاستقلال" أن "الاتفاق باعتقادي يكون مقابل النفط الأسود العراقي، مقابل الغاز الإيراني، وأن المقايضة ستتم على أساس أسعار اليوم، إذ إن سعر الطن الواحد للأول تعادل تقريبا 420 دولارا، والثاني تتم معادلته وفق السعر الذي تبيعه إيران للعراق".

وأوضح أن "العراق وإيران بينهما اتفاق بيع غاز، وبذلك تبقى الاتفاقية موجودة ويتم الاحتكام إليها لأنها ضمن عقد طويل الأمد مبرم بين البلدين، لذلك لا يتم تقييم الموضوع لمرة واحدة، وإنما في وقتها يحسب كم سعر المادتين، لأن سعر الغاز مرتبط بأسعار النفط".

واستبعد الجواهري أن يكون الاتفاق المبرم فيه بخس للعراق، بقدر ما هو ارتفاع بنسبة قليلة لسعر الغاز الإيراني عن الأسعار العالمية لأنه مرتبط بالنفط، فهم وضعوا معادلة سعرية لها علاقة بالأخير.

وتوقع الخبير أن تكون المقايضة مع النفط الأسود الذي هو من مخلفات المصافي القديمة في العراق، والتي ينتج بنحو 50 بالمئة من النفط الخام بعد تصفيته، ويسمى "فيول أويل"، وبالتالي يعد أحد مشتقات النفط الخام.

ولفت الجواهري إلى أن "إيران يمكن لها أن تبيع النفط الأسود في الخليج والهند والصين، فهو يستخدم لإنتاج الطاقة، وكذلك تستخرج منه البتروكيماويات التي تحتاج إلى نفط ثقيل، فهو مطلوب عالميا وسعره جيد".

ويأتي إبرام الاتفاق بين البلدين، بعد أن أقدمت إيران في 7 يوليو 2023، على خفضت إمدادات الغاز التي تصدرها إلى العراق بنسبة تجاوزت 50 بالمئة، الأمر الذي أدى إلى تدهور إنتاج الطاقة الكهربائية التي تعتمد على الغاز مع ارتفاع درجات الحرارة إلى 50 مئوية.

وبفعل العقوبات الأميركية على طهران، لا يمكن لبغداد أن تدفع مستحقات استيراد الغاز من إيران مباشرة، ولترغم بغداد على دفع تلك الأموال، تقطع مرارا الإمدادات الضرورية لتشغيل محطات الكهرباء وتغطية ثلث احتياجات البلد من الغاز.

مخاطر عالية

من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل المرسومي، إن "واحدة من مآخذ هذه الاتفاقية أنها تتعارض مع العقوبات الأميركية على طهران، لأنها تسمح فقط لاستخدام الأموال العراقية في شراء الحاجيات الإنسانية لإيران، مثل الغذاء والدواء، وبالتالي الأخيرة نفسها لا تستطيع تصدير نفطها بشكل رسمي، وإنما تلجأ إلى غسيل النفط أو التهريب".

وأضاف المرسومي خلال مقابلة تلفزيونية في 11 يوليو 2023 أن "العراق يصدر يوميا 180 ألف برميل يوميا من النفط الأسود والباقي يُستهلك داخليا، وأن قيمة الأخير تعادل تقريبا نصف قيمة النفط الخام".

وأشار إلى أن "العراق يبيع النفط الأسود في منطقة المخطاف قرب خور الزبير في البصرة جنوب البلاد، كوقود للناقلات، وأن كل قيمة المصدّر منه سنويا تصل إلى 3 مليار دولار".

ولفت المرسومي إلى أن "هناك إشكالية أخرى تتعلق بموضوع المالية العامة، إذ إن مبيعات النفط الأسود لا تذهب إلى حسابات وزارة المالية العراقية، وإنما إلى حسابات الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية (تابعة لوزارة النفط)، ثم تذهب منها نسبة 45 بالمئة إلى وزارة المالية".

وأكد أن "آلية تنفيذ الاتفاق عليها بعض الإشكالات، وربما تواجه اعتراضا من الولايات المتحدة، إلا إذا باع العراق النفط الأسود وسلّم الدولار لإيران وهذه أيضا غير مقبولة أميركيا، وفي كل الأحوال الأمر يتطلب موافقة أميركا لدفع مستحقات الغاز لإيران".

وبيّن المرسومي أن "آلية تسليم نفط أسود من العراق إلى إيران ليست سهلة التحقق، فما هي الكمية التي تعطى للأخيرة؟ وهل ستبيعها طهران؟ لأن هذا معناه خروج على العقوبات، لأن الأخيرة عندما تصدر النفط الخاص بها فإنها تهرّبه بطرق مختلفة".

وأكد الخبير أن "سعر الغاز يتغير بشكل شهري، كونه غازا مصنعا فهو جاف وليس خاما، وأن العراق يستورد من إيران بحدود ملياري دولار سنويا، وهذا المبلغ حتى عام 2022".

ابتزاز إيراني

وعلى صعيد البعد القانوني للاتفاق المبرم بين إيران والعراق، قال الخبير العراقي في القانون الدولي، علي التميمي، إن "مذكرات التفاهم من هذا النوع سليمة، فهي لا تحتاج إلى مصادقة البرلمان العراقي، وإنما تصبح نافذة عند توقيع الجهات الرسمية عليها من البلدين".

وأوضح التميمي لـ"الاستقلال" أن "القانون المدني العراقي يتيح المقايضة العينية بحسب المواد (597، 598، 599، 600)، والتي تتيح للحكومة التعاقد مع الدول الأخرى بتبادل البضائع دون دفع أموال وهذا كان شائعا في العراق إبان الحصار الاقتصادي الذي فرض على البلد بعد احتلال الكويت عام 1990"..

ورأى الخبير القانوني أن "خطوة الحكومة العراقية تعد بمثابة ضربة معلم حيال العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، والتي تمنع إيصال الأموال مقابل الغاز المستورد منهم، ولذلك هنا أصبح التفافا على هذه العقوبات بطريقة ذكية وتخدم الشعب العراقي".

وبحسب التميمي، فإن "المقايضة هذه ستنهي الديون الإيرانية على العراق، وبالنتيجة إعطاء النفط الأسود لا يؤثر على البلد، وهذا التبادل سيسحب المبالغ التي احتجزتها الولايات المتحدة من الدولار الذي كان ذاهبا إلى إيران لقاء الغاز المستورد، ويضاف إلى الخزينة العراقية".

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قد ظهر خلال مؤتمر صحفي في 11 يوليو 2023، أكد فيه أن الاتفاق مع الجانب الإيراني لإنهاء مشكلة الطاقة الكهربائية بالكامل، هو "ضمن السياقات الرسمية والقانونية، وضمن التزامنا في إنتاج النفط وفق حصة أوبك".

وكشف السوداني، أنه في ضوء الاتفاق تم استئناف استيراد الغاز الإيراني، وإطلاق 10 ملايين متر مكعب، ومن المؤمل أن تتصاعد، حتى تكتمل الكمية التي تمكّن وزارة الكهرباء من تشغيل كامل المحطات الكهربائية.

وفي السياق ذاته، نقلت قناة "الحرة" الأميركية في 13 يوليو 2023 عن متحدثة باسم خارجية الولايات المتحدة (لم تكشف اسمها) أن "إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تواصل تطبيق جميع العقوبات المفروضة على إيران".

وقالت المتحدثة: "تبقى أساسيات سياستنا على ما هي عليه وهي أنه يمكن لإيران فقط الوصول إلى عائدات مشتريات الطاقة العراقية من أجل المعاملات الإنسانية وغيرها من المعاملات غير الخاضعة للعقوبات".

وأشارت إلى وجود تشاور منتظم "مع نظرائنا العراقيين حول العقوبات المفروضة على إيران، والتي لا تزال سارية بسبب الأنشطة النووية الإيرانية المستمرة"، مضيفة: "نسعى للتأكد من أن عقوباتنا على إيران لا تضر بالعراق".

وأكدت أن "أي ادعاء بأن العقوبات الأميركية على إيران تجعل طهران تحد من إمدادات الغاز للعراق هو أمر خاطئ"، مؤكدة أن "حد إيران من إمدادات الغاز يهدف للضغط وابتزاز الحكومة العراقية وشعبها".

وختمت المتحدثة: "ليس لدينا أي تعليق في الوقت الحالي على تقارير عن ترتيب مقايضة بين العراق وإيران.. ونحيلكم إلى حكومة العراق للحصول على مزيد من التعليقات".