لا يكفيه ما ارتكبه من جرائم.. لماذا يصر نوري المالكي على استفزاز سنة العراق؟

يوسف العلي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بين الحين والآخر، يطل رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي المقرب من إيران، بفعل أو قول ينتهك فيه القانون، ما يثير جدلا واسعا في البلاد، عن أسباب عدم محاسبته وبقائه كواحد من أبرز الزعامات السياسية الشيعية النافذة في البلاد، رغم كل المصائب التي تسبب بها.

المالكي الذي تولى رئاسة الحكومة في العراق لمدة ثماني سنوات من 2006 وحتى 2014، يواجه الكثير من الملفات القضائية التي قد توصله البعض منها إلى عقوبة الإعدام، لكن أحدا لم يُحاكمه رغم توفر جميع الشروط القانونية التي تفضي إلى محاسبته.

شتم الصحابة

في احتفالية أجراها حزب "الدعوة الإسلامية" الشيعي الذي يرأسه نوري المالكي بمناسبة "عيد الغدير" الذي يحتفي بها الشيعة سنويا، شتم الأخير، الصحابيين عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري.

ويأتي احتفال الشيعة بما يسمى بـ"عيد الغدير" لاعتقادهم بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عيّن علي بن أبي طالب خليفته الأول والإمام من بعده للمسلمين، لكن الصحابة كانوا "غادرين" له.

المالكي، ألقى محاضرة أمام حشد من أنصار الحزب في مجمع "الأبرار" بالعاصمة بغداد في 6 يوليو/ تموز 2023، تحدث فيها عن الفترة التي أعقبت وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، زاعما أن "منابر المسلمين ظلت تشتم الصحابي علي بن أبي طالب سبعين سنة".

كما زعم المالكي أن الخليفة عمر بن عبد العزيز هو من أوقف شتم الصحابي علي بن أبي طالب، مدعيا أن الصحابة والتابعين كانوا حينما ينتهون من صلاتهم، يسلمون على بعضهم بعضا عبر شتم زوج فاطمة بنت النبي محمد، رضي الله عنها.

وادعى أنه: "في عهد بني أمية 41هـ (662م) إلى 132 هـ (750م)، ظل الإمام علي يشتم على منابر المسلمين 70 سنة، وهم يعلمون، ونحن عندما نقول عن الغدير وما ورد عنه لا نقول فقط عن كتبنا وإنما عن كتب كل المسلمين يذكرون هذا العيد ويذكرون هذه الحادثة ويؤيدونها ولكن الشيطان غلب عليهم".

وأضاف: "ما كان أسوأ من الأمة التي كانت مع الإمام علي حتى أن مجرد رفع المصاحف من هذا الخبيث عمرو بن العاص وهو قال لمعاوية لا تخف.. وأخذ (عمرو بن العاص) القرآن وحطه على رمح وصاحوا انزل على حكم القرآن".

واتهم المالكي كذلك، الصحابي أبي موسى الأشعري بأنه خائن لعلي ابن أبي طالب، زاعما أن جميع من كانوا مع الأخير من جيش قوامه 20 ألف شخص كلهم وضعوا سيوفهم على رأسه واصطفوا مع الصحابي معاوية بن أبي سفيان.

وعن أسباب عدم محاكمة المالكي على خطابه هذا، قال الباحث والأكاديمي العراقي أحمد الجبوري، إن "هذا الرجل سجله حافل بالانتهاكات منذ كان يدير المكتب الجهادي لحزب الدعوة ويقيم في سوريا قبل عام 2003، وارتكابهم تفجيرات في بغداد وبيروت وغيرها من الدول".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "المالكي حين تولى السلطة في العراق ارتكب جرائم عديدة، لكنه محمي من إيران، وهي من تمنع الوصول إليه أو محاسبته، فضلا عن كونه هو وغيره من زعامات الأحزاب الشيعية يمثلون النظام السياسي بعد عام 2003، وهم من يديره".

ورأى الأكاديمي العراقي أن "المالكي وغيره من زعامات المليشيات لا يمنعهم شيء من ارتكاب جرائم قتل بحق العراقيين، لأنهم يؤثرون حتى على القضاء، أما موضوع شتم الصحابة فهو نهج شيعي يجهرون به، ليل نهار في تصريحاتهم وقنواتهم التلفزيونية".

وأورد القانون العراقي عقوبة رادعة بحق من يسيء إلى الرموز الدينية في المادة (372) من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969، والتي تتعلق بجريمة المساس بالشعور الديني وعد الاعتداء على الرمز الديني جريمة يستحق مرتكبها العقوبة.

ونص قانون العقوبات العراقي على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات لكل من "من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقّر من شعائرها، ومن أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية".

تهديد السلم

وبعيدا عن الخطاب الطائفي، فإن المالكي قبل ذلك أثار جدلا واسعا بالعراق عبر تحريضه على قتل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وإدخال البلد في حرب أهلية.

وجاء ذلك حسب تسريبات صوتية نشرها الناشط العراقي المقيم بالولايات المتحدة علي فاضل، في يوليو/ تموز 2022، وقال إنها من اجتماع مدته ساعة للمالكي مع مليشيا عراقية تدعى "أمة البقيع".

واتهم المالكي في التسريبات الصدر بـ"الخيانة"، وتلقي أتباعه التدريبات من بريطانيا، وأنه لا بد من التصدي لهذا المشروع سياسيا وعسكريا، فهو على استعداد لاقتحام النجف مقر إقامة زعيم التيار الصدري وقتاله.

ووصف المالكي، أتباع الصدر بأنهم "جبناء"، وسبق أن انتصر عليهم وحده بإمكانيات ضعيفة للدولة في وقت كانت إيران تدعم زعيم التيار الصدري بالصواريخ، لأنها كانت تريده أن يكون مثل حسن نصر الله (أمين عام حزب الله اللبناني)، رغم أنه "جاهل".

وبعد ساعات معدودة من بث "التسريبات" سارع المكتب الإعلامي للمالكي، في بيان إلى نفي صحة التسجيل، مدعيا أن ما نشر هو تسجيل تم توليفه عبر تقنيات الصوت الحديثة مستخدمين تقنية "ديب فيك"، لخداع الجمهور بواسطة الأجهزة الذكية المتوفرة في الأسواق.

وفي تأكيد النفي، أصدر المالكي بيانا ثانيا في اليوم ذاته، قال فيه "أبلغ تحذيري لكل إخواني في العملية السياسية من عمليات التزوير والتزييف واستخدام أجهزة التقنية الحديثة في نسبة تصريحات لي ولغيري".

وعلى ضوء ذلك، تقدم التيار الصدري في 7 سبتمبر/ أيلول 2022 بدعوى ضد المالكي، من أجل محاكمته وفقا لقانون "مكافحة الإرهاب" العراقي، إذ اتهمت الدعوى رئيس الوزراء الأسبق، بالتحضير لمخططات واضحة لتهديد السلم والأمن في البلاد.

لكن مصير الدعوى القضائية للتيار الصدري ضد المالكي، انتهت بخروج الأخير بكفالة مالية بعد مثوله أمام القضاء في محكمة الكرخ ببغداد، حسبما كشف عضو التيار الصدري فتاح الشيخ خلال مقابلته التلفزيونية في 23 فبراير/ شباط 2023.

سقوط الموصل

كما أن المالكي تلاحقه تهمة "الخيانة العظمى" بشكل رسمي من قبل لجنة تحقيق مكلفة من البرلمان العراقي عام 2015، إذ تحمله أسباب سقوط مدينة الموصل وثلث مساحة البلاد بيد تنظيم الدولة في عام 2014.

وفي 17 أغسطس/ آب 2015، أعلن رئيس البرلمان العراقي (السابق) سليم الجبوري، أن مجلس النواب أحال إلى القضاء، تقريرا يحمل مسؤولية سقوط الموصل بيد تنظيم "الدولة" لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي، و35 آخرين بينهم مسؤولون سياسيون وعسكريون سابقون.

وقال الجبوري، خلال مؤتمر صحفي بثه التلفزيون الرسمي بعد جلسة للبرلمان، إن "مجلس النواب صوت على إحالة الملف بما فيه من حيثيات وأدلة وأسماء" إلى القضاء وسيحال إلى الادعاء العام ليأخذ مداه، مؤكدا أنه "لم يستثن فقرة من التقرير ولا شخص ما".

وشدد على أن "كل الأسماء التي تم ذكرها في هذا التقرير لم يحذف اسم منها، وستحال جميعها إلى القضاء وستجري عملية التحقيق والمتابعة والمحاسبة لكل من كان سببا في سقوط الموصل".

وفي اليوم التالي من إعلان الجبوري، رأى المالكي أن تقرير لجنة التحقيق في سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة "لا قيمة له"، زاعما أن اللجنة "سيطرت عليها الخلافات السياسية وخرجت عن موضوعيتها".

وزعم رئيس الوزراء العراقي الأسبق أن "ما حصل في الموصل كان مؤامرة تم التخطيط لها في أنقرة ثم انتقلت المؤامرة إلى أربيل" عاصمة إقليم كردستان العراق.

ومن ضمن الاتهامات التي توجه ضد المالكي، في قضية تسببه بدخول تنظيم الدولة للعراق، هو سيطرة الأخير على معسكر "سبايكر" في محافظة صلاح الدين شمال البلاد، وإعدامه نحو 700 جندي متدرب كانوا موجودين فيها.

تهريب السجناء

وفي 10 يونيو/ حزيران 2014، سيطر تنظيم الدولة على مدينة الموصل العراقية وأعلن "دولة الخلافة" في سوريا والعراق، وذلك في ظل حراك غير مسبوق خرجت فيه المحافظات السنية العراقية للمطالبة بإنهاء الإقصاء والتهميش الطائفي، والإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين في عهد المالكي.

لكن موضوع سقوط الموصل واجتياح تنظيم الدولة للبلد، لم يكن بعيدا عن هروب نحو 600 سجين من بينهم قادة بارزون في تنظيم القاعدة، من سجني "التاجي" و"أبي غريب" في يوليو/ تموز 2013 بالعاصمة العراقية بغداد، بحسب تصريحات وزير العدل العراقي الأسبق حسن الشمري.

الشمري وهو شيعي ينتمي لحزب الفضيلة كان وزيرا عام 2013، في حكومة المالكي، قال خلال مقابلة تلفزيونية في 6 يناير/ كانون الثاني 2014، إن هجوم عناصر القاعدة على السجنين بعملية أطلق عليها التنظيم "هدم الأسوار"، كانت مدبرة ومتورط فيها رؤوس كبار في الدولة العراقية.

وأوضح أن "رؤوسا كبيرة في الدولة سهلت هروب سجناء تنظيم القاعدة من سجني أبي غريب والتاجي في بغداد"، معتبرا أن ذلك يهدف "لتقوية النظام السوري من خلال تقوية التنظيم، وتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، وتأكيدا أن البديل له هو ذلك التنظيم".

وأكد الشمري أن "جهاز المخابرات العراقي أرسل في الشهر السابع من السنة ذاتها، وقبل أسبوع واحد فقط من حادثة الهروب الكبير من سجن أبي غريب، كتابا سريا للغاية معنونا إلى مكتب القائد العام التابع للمالكي ووزارات الداخلية والدفاع والعدل يشير إلى وجود نية للإرهاب باستهداف سجني التاجي وأبي غريب بعجلات مفخخة وتحرير النزلاء التابعين للإرهاب فيهما".

وأشار الوزير الأسبق إلى أن "الغريب في الأمر لم يجر أحد أي فعل على سبيل الاحتياط، بل حدث العكس تماما، إذ انسحبت وحدات أمنية بالكامل كانت مكلفة بحماية السجون، وبعد أسبوع واحد حدث الهجوم بالطريقة ذاتها التي حذرت منها المخابرات".

من جهتها، قالت لقاء وردي البرلمانية العراقية السابقة عن تحالف القوى السنية، إن "ما ذكره وزير العدل، حسن الشمري، بشأن ضلوع رؤوس كبيرة في الدولة، في تهريب السجناء لمصلحة نظام بشار الأسد في سوريا، هي الأصح والأقرب إلى المنطق والواقع".

وحمّلت وردي خلال مقابلة تلفزيونية لها في يناير 2014، حكومة المالكي مسؤولية هروب السجناء من سجني أبو غريب والتاجي، وباقي المعتقلات في البلاد، مشيرة إلى أن "أشخاصا يعملون بمكتب رئيس الحكومة، سبق أن تورطوا بتهريب سجناء تنظيم القاعدة من السجون الرئاسية في البصرة".

وأوضحت وردي، أن "السجناء الفارين وجدوا بانتظارهم سيارات وهويات شخصية جاهزة، وتم تهريبهم إلى سوريا، وإحراق ملفاتهم بعد ذلك في وزارة العدل".

وأكدت، أن "تهريب السجناء يتم بالاتفاق بين الحكومتين العراقية والإيرانية لدفعهم إلى سوريا، لدعم تنظيم الدولة، وتمكينه من قتل الأبرياء بحجة وجود هذه التنظيمات، بنحو ينذر بتكرار السيناريو ذاته في العراق".

جرائم قتل

وخلال هذه المدة التي كانت فيها المحافظات السنية بالعراق (الأنبار، نينوى، صلاح الدين، كركوك، ديالى، ومناطق من العاصمة بغداد) منتفضة ضد سياسات نوري المالكي ضد المكون السني، أمر الأخير بقتل متظاهرين عزّل بمنطقة الحويجة شمالي البلاد في أبريل/ نيسان 2013.

وفي 7 مايو 2013، قال تقرير صادر عن لجنة تحقيق برلمانية بالعراق إن ما جرى في ساحة اعتصام الحويجة في يونيو من العام نفسه، يعد جريمة بكل المقاييس بسبب الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، والتي أدت إلى مقتل نحو 50 شخصا وجرحت قرابة 150 آخرين.

وفي 2 يوليو 2014 حصلت "مجزرة كربلاء"، وراح ضحيتها أكثر من 20 شخصًا بينهم أطفال من أتباع المرجع الديني الشيعي محمود الحسني الصرخي، على يد القوات الحكومية.

وحصلت المجزرة على إثر انتقاد الصرخي فتوى "الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع الديني الأعلى للشيعة علي السيستاني، والتي دعا فيها إلى التطوع للقتال ضد تنظيم الدولة، بعد الانهيار العسكري وسقوط مدينة الموصل.

وقال الصرخي حينها، إن "هذه الفتوى ستشرعن الطائفية ولها آثار خطيرة على مستقبل العراق"، منتقدا أداء حكومة المالكي، ودعا إلى حل الأمور بالطرق السلمية مع المتظاهرين في المدن السنية، والكف عن قصفها، وتبني دعواتهم لإسقاط حكومة المالكي في عامي 2013 - 2014.

ويعد المالكي المتهم الرئيس بمجزرة وقعت في 29 يناير/ كانون الثاني 2007، حين هاجمت القوات الحكومية وبإسناد من الطيران الأميركي قرية "الزركة" في مدينة النجف، ونتج عنها مقتل أكثر من 300 شخص بينهم نساء وأطفال، ودفن أغلبهم تحت أنقاض بيوتهم.

كان معظم القتلى من عشيرتي "الحواتمة" و "الخزعل" أثناء مسيرهم إلى كربلاء، واتهمت حكومة المالكي الضحايا بأنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة، لكنها عدلت عن هذا الاتهام، واتهمتهم بتشكيل جماعة "جند السماء" الجماعة التي يدعي زعيمها المهدوية.

لكن الرواية الحكومية هذه دفعت أهالي القرية إلى التظاهر لتفنيد هذه التهمة، إذ قال أحد شيوخ العشائر لإحدى القنوات التلفزيونية في حينها: "إن كل ما نسب إليهم كذب وافتراء، وقتل أبناؤنا عمدا وهم عزل".

وعلى ضوء ذلك، شكلت حكومة المالكي نفسها آنذاك، لجنة للتحقيق بمجزرة "الزركة"، لكنها لم تخرج بنتائج كالعادة لتطوى هذه الإبادة البشرية طي النسيان.