90 بالمئة في فقر مدقع.. ماذا يعني خفض المساعدات الأممية للنصف في سوريا؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم الجهود الدولية لتأمين الأموال المخصصة للسوريين عبر حث المانحين على الدعم السخي لسد احتياجات النازحين واللاجئين، إلا أن معيار الالتزام بالتعهدات المالية ما يزال محدودا.

وأمام هذه الحالة المتكررة سنويا، منذ أن بات السوريون يعتمدون على المساعدات الأممية عقب عام 2011، بدأ ينعكس ضعف التزام الدول بتعهداتها على اضطرار الأمم المتحدة لخفض مساعداتها الغذائية للسوريين بنحو النصف بسبب نقص التمويل.

تخفيض المساعدات

وأعلنت الأمم المتحدة ذلك صراحة في بيان لها نشره "برنامج الأغذية العالمي" في 13 يونيو/حزيران 2023 موضحا بالقول: "تجبر أزمة التمويل غير المسبوقة في سوريا برنامج الأغذية على تخفيض مساعداته لحوالي 2.5 مليون شخص من حوالي 5.5 ملايين يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الوكالة لاحتياجاتهم الأساسية من الغذاء".

وبعد استنفاد جميع الخيارات في ظل الموارد المحدودة للغاية، قرر برنامج الأغذية العالمي إعطاء الأولوية لـ3 ملايين سوري غير قادرين على البقاء من أسبوع إلى آخر دون مساعدة غذائية بدلا من مواصلة المساعدة لـ5.5 ملايين شخص ونفاد المساعدات الغذائية تماما بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفق بيان البرنامج.

ونقل البيان عن ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير المحلي في سوريا، كين كروسلي، قوله: "بدلا من زيادة المساعدات أو حتى الإبقاء على نفس السوية لمواكبة الاحتياجات المتزايدة، نواجه مشهدا قاتما يتمثل في انتزاع المساعدات من الناس في وقت هم في أشد الحاجة إليها".

وراهنا نتيجة مزيد من انهيار الليرة السورية التي وصلت لـ10 آلاف مقابل الدولار، وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار، وعدم تساوي الدخل الشهري مع الاحتياجات المعيشية، فقد اضطرت معظم الأسر لتخفيض حصصها الغذائية للربع للبقاء على قيد الحياة.

يأتي ذلك مع بلوغ نسبة التضخم في سوريا لعام 2022 أكثر من 130 بالمئة في وقت يعيش حوالي 90 بالمئة من السكان في فقر مدقع.

ومركز الاحتياج الأكبر للمساعدات الدولية هو مناطق شمال غربي سوريا (الشمال السوري) الخارج عن سيطرة رئيس النظام بشار الأسد والتي يقطنها 5 ملايين نازح.

وتدخل إلى تلك المناطق المساعدات الإنسانية الدولية عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثتهم، وهي نقطة العبور الوحيدة التي يضمنها قرار صادر عن مجلس الأمن حول المساعدات العابرة للحدود.

ويجري عبر معبر "باب الهوى" الذي يبعد عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلو مترا إيصال نحو 85 بالمئة من حجم المساعدات الإنسانية الإجمالي إلى سوريا، قبل أن يفاقم الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا فجر 6 فبراير/شباط 2023، حجم معاناة ملايين النازحين وسط مخاوف من صعوبة التعافي قريبا.

بينما المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد رغم أنها تئن كذلك تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة، إلا أن حلفاء النظام يمدونه ببعض الاحتياجات نظرا لوجود المطارات والموانئ ضمن مناطقه.

فعند وقوع الزلزال المذكور آنفا تسارعت الطائرات المحملة بالمساعدات الإغاثية للمتضررين بمناطق النظام حصرا من السوريين، عبر مطارات دمشق وحلب واللاذقية، حيث كان العدد الأكبر منها من الإمارات، إضافة إلى روسيا وإيران وفنزويلا وليبيا والصين وتونس والهند وباكستان والأردن ودول أخرى.

ومما يشكل ضربة لجهود المساعدات الدولية، هي توصل الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن الدولي في 10 يناير/كانون الثاني 2023 إلى اتفاق على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا لستة أشهر بدلا من عام كامل، ورضخوا بذلك لرغبة روسيا حليفة الأسد، رغم أن هذه المدة القصيرة تُعقد عملية إيصال المساعدة والتخطيط لها.

تعهدات مالية

وتعهدت جهات دولية مانحة في 16 يونيو/حزيران 2023 بتقديم مساعدات للسوريين في الداخل والخارج، بـ5,6 مليارات يورو، وذلك خلال المؤتمر الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، برئاسة مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.

وصدر التعهد المالي الأكبر عن التكتل الأوروبي الذي وعد بتقديم مساعدات بـ3,8 مليارات يورو، إذ أوضحت المفوضية الأوروبية أنها ستؤمن 55 بالمئة من هذا المبلغ، فيما ستؤمن الدول الأعضاء في التكتل الـ45 بالمئة المتبقية.

وتهدف الأموال خصوصا إلى مساعدة الدول المجاورة لسوريا - تركيا والعراق والأردن ولبنان - التي تستضيف ما مجموعه 5,4 ملايين لاجئ سوري.

وتعهدت الولايات المتحدة، بتقديم 920 مليون دولار إضافية (حوالى 850 مليون يورو) على شكل مساعدات إنسانية للسوريين لعام 2023، ليصل إجمالي المساعدات لعام 2023 إلى 1,1 مليار دولار (1,01 مليار يورو).

وتعهدت المملكة المتحدة المساهمة بمبلغ 150 مليون جنيه إسترليني (175 مليون يورو) لعام 2023.

إلى ذلك، تعهّدت الجهات المانحة بتقديم أربعة مليارات يورو إضافية على شكل قروض، لترتفع بذلك القيمة الإجمالية للهبات والقروض إلى 9,6 مليارات يورو.

واستبق ذلك بيوم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، بدعوته المجتمع الدولي إلى تقديم 11.1 مليار دولار لدعم المنظمة الأممية من أجل مساندة الشعب السوري.

وشدد بوريل على أن المساعدات ليست مخصصة لنظام الأسد، مؤكدا أن "سياسة الاتحاد الأوروبي حيال سوريا لم تتغير"، ومضى قائلا: "لن نعيد العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع نظام الأسد أو نبدأ العمل على إعادة الإعمار طالما لم تبدأ عملية سياسية انتقالية حقيقية وكاملة، وهذا ما لم يحصل بعد".

ويعد كلام بوريل ردا مباشرا على إعادة الجامعة العربية رأس النظام في 6 مايو/ أيار 2023، وحضور الأسد القمة العربية التي انعقدت في جدة السعودية بتاريخ 19 من الشهر المذكور.

وأكدت وكالة "بلومبرغ" الأميركية، في تقرير لها نشر في 15 يونيو/حزيران 2023، عن أشخاص مطلعين، قولهم إن "السعودية والإمارات تضغطان على حلفائهما في أوروبا من أجل إحياء العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وتخفيف العقوبات المفروضة عليه"، بحسب ما نقلته.

كما قال المسؤولون إن "الانتعاشة الاقتصادية قد تجذب الملايين من اللاجئين السوريين للعودة إلى وطنهم، ما سيخفف الضغوطات الواقعة على الدول المجاورة التي تستضيفهم، ومنها لبنان والأردن".

جهود منقوصة

يأتي ذلك رغم أن استطلاعات الرأي التي أجرتها الأمم المتحدة تقول إن غالبية السوريين لا يرغبون في العودة إلى سوريا في ظل نظام الأسد، وتوعد الأجهزة الأمنية بالانتقام من المعارضين، رغم محاولة النظام الترويج لبدء صفحة جديدة يراها من غادر البلد أنها "خدعة مفضوحة".

ورأت المديرة القطرية للجنة الإنقاذ الدولية في سوريا، تانيا إيفانز، أن المبالغ التي جرى الالتزام بها خلال مؤتمر بروكسل السابع، بإجمالي 5.6 مليارات يورو "بعيد عن أن يكون كافيا لتغطية المستوى المتصاعد من الاحتياجات في سوريا والمنطقة".

وخلال حوار مع المنظمات غير الحكومية الدولية والمجتمع المدني السوري، في 16 يونيو/حزيران 2023، قالت إيفانز: "أدرك المانحون مرة أخرى أن طول النزاع في سوريا يتطلب تكثيفا جماعيا لجهود الإنعاش المبكر".

واستدركت بالقول: "وذلك لاستعادة الخدمات الأساسية وتقليل اعتماد الناس على المساعدات، من الضروري خلال الاثني عشر شهرا القادمة، أن نرى هذه الالتزامات تصبح حقيقة واقعة، لتمكين ملايين الأشخاص في سوريا من البدء بإعادة بناء حياتهم".

وطالبت إيفانز صانعي السياسات باستخدام "الزخم السياسي" الناتج عن هذا المؤتمر؛ لحشد الدعم لإعادة تفويض المساعدة عبر الحدود التي تقودها الأمم المتحدة في مجلس الأمن قبل أن تنتهي صلاحيتها في 10 يوليو/تموز 2023".

ورأت أن هذه المساعدة "توفر شريان حياة حيوي" لملايين السوريين في شمال غربي البلاد.

وأمام هذه التحذيرات الأممية، انكشف أمر بالغ الخطورة يتمثل في أن مبالغ التعهدات للسوريين لا تجمع بشكل كامل؛ نتيجة عدم وفاء الدول بالتزاماتها المالية.

مجاعة كبرى

ويشكل إعلان برنامج الأغذية العالمي، إجراءات تخفيض 2.5 مليون مستفيد في سوريا من أصل 5.5 ملايين مستفيد من عمليات البرنامج، أكبر عملية تخفيض يقوم بها البرنامج على مستوى سوريا منذ سنوات.

وفي السياق، أوضح محمد جفا من منظمة "منسقو استجابة سوريا" العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أن "التخفيض الأخير، لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية، وسيدفع مئات الآلاف من المدنيين إلى مستويات جديدة من الفقر والجوع، عدا العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية الذي وصل إلى مستويات قياسية".

وأضاف جفا لـ"الاستقلال": أن "قطاع الأمن الغذائي وسبل العيش يتحمل المسؤولية الكاملة عن التخفيض، إضافة إلى برنامج الأغذية العالمي الذي لم يستطع أن يوازن بين الاحتياجات الفعلية وأسعار المواد والسلع الغذائية في السوق المحلية بذريعة ضعف التمويل".

وتابع: "هذا الأمر يطرح تساؤلات عديدة عن مدى فعالية مؤتمرات المانحين، ومعرفة أين تذهب أموال التبرعات المقدمة باسم السوريين".

ولفت جفا إلى أن منظمة "منسقو استجابة سوريا" لطالما "حذرت الجهات الإنسانية كافة من استمرار عمليات التخفيض في المساعدات الإنسانية، ومن الانزلاق إلى مجاعة كبرى لا يمكن السيطرة عليها".

ومضى يقول: "الآن نطالب من الجهات الدولية كافة العمل على زيادة الدعم المقدم للمدنيين، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي شمال غرب سوريا وعدم قدرة الآلاف من المدنيين تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء".

إضافة إلى "المناطق الأخرى التي يسيطر عليها نظام الأسد، ونجدد المطالبات بضرورة إجراء عمليات تدقيق واسعة في مناطق النظام الذي يمول الآلة العسكرية بشكل هائل من مساعدات الأمم المتحدة عبر شركاء معتمدين من النظام (الهلال الأحمر السوري، الأمانة السورية للتنمية)، وفق جفا.

ومؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" أطلقتها عام 2001، زوجة بشار الأسد (أسماء)، وتنفذ أعمالها بالشراكة مع المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية الأخرى والحكومة والقطاع الخاص.

وعبر هذه المؤسسة، تستفيد حاليا أسماء الأسد من وكالات تابعة للأمم المتحدة عبر الإيهام بأنها تشرف على مشاريع إنسانية بسوريا وبذلك تختطف جهود الإغاثة وتتلقى منها مساعدات ومبالغ مالية بالدولار، مما يكسب خزينة النظام بالعملة الصعبة.

أما منظمة الهلال الأحمر التابعة للنظام، فقد نجحت بنقل أموال آل الأسد للخارج بفضل روابط المنظمة مع نظيراتها الدولية، والقيام بأدوار مشبوهة لصالح النظام عقب عام 2011 تحت قناع إنساني، فضلا عن توجيه المساعدات الدولية لصالح كسو وإطعام قوات الأسد في ثكناتها العسكرية وعلى الجبهات وحتى في دفع الرواتب.