"انتخابات مزورة".. التوتر السياسي يطرق أبواب موريتانيا بعد سنوات من التهدئة

نواكشوط - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن موريتانيا تتجه للانتقال من أزمة انتخابية إلى أخرى سياسية، جراء اتفاق أحزاب المعارضة والموالاة على وجود خروقات كبيرة في الانتخابات البلدية والجهوية والنيابية التي جرت في 13 مايو/أيار 2023، ومطالبتها بإعادتها.

وفي 18 مايو 2023، حذرت أحزاب المعارضة الموريتانية، من اندلاع "أزمة سياسية" بالبلاد إذا لم تُحل "الأزمة الانتخابية". 

جاء ذلك، خلال مؤتمر صحفي مشترك بالعاصمة نواكشوط لقادة 7 أحزاب معارضة هم محمد ولد مولود رئيس "اتحاد قوى التقدم"، وامادي ولد سيدي المختار زعيم "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية"، ومسعود ولد بلخير رئيس "التحالف الشعبي التقدمي".

وكذلك مرابط ولد منداه نائب رئيس "التحالف من أجل العدالة والديمقراطية"، وآمادو تيجاني جوب زعيم "الجبهة الجمهورية"، وأحمد ولد داداه رئيس "تكتل القوى الديمقراطية"، وعبد السلام ولد حرمه زعيم "حزب الصواب".

حمل السلاح

وقالت الأحزاب السبعة المعارضة في بيان مشترك خلال المؤتمر الصحفي، إن "الأزمة الانتخابية الحالية إذا لم تتم معالجتها بحكمة وسرعة في إطار تشاور وطني، فستؤدي بالبلاد إلى أزمة سياسية".

وشددت أحزاب المعارضة على "ضرورة إعادة الانتخابات في عموم البلاد" التي وصفوها بـ "مهزلة طالها التلاعب في كل المراحل".

وقررت المعارضة "تشكيل لجنة قانونية مختصة لإعداد ملف الطعون القانونية المتعلقة بالعملية الانتخابية، وتجميع الأدلة على التزوير الذي حصل"، حسبما أكده قادتها.

وطالبت هذه الأحزاب - قبيل موعد تنظيم التصويت بالشوط الثاني في 27 مايو 2023- بعقد اجتماع عاجل للجنة المتابعة المكونة من الأحزاب السياسية ولجنة الانتخابات ووزارة الداخلية لتدارس الوضع، بينما طالبت أخرى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بالتدخل.

وأكثر من ذلك، ذهب النائب البرلماني المعارض ورئيس جمعية إيرا الحقوقية بيرام الداه ولد اعبيدي، إلى القول إنه "إذا اعتمدت انتخابات 13 مايو التشريعية والجهوية والبلدية فسيحمل أحرار موريتانيا السلاح ضد النظام الحالي".

وفي 23 مايو 2023، رأى ولد اعبيدي، خلال مؤتمر صحفي، أنه "يلتزم بالسلمية، لكنه لن يكذب الموريتانيين"، مضيفا أن "ما حدث في هذه الانتخابات أعاد موريتانيا من التقدم البطيء إلى الديمقراطية، إلى التراجع".

وأظهرت النتائج المعلنة للشوط الأول من الاستحقاق الثلاثي ليوم 13 مايو (انتخابات برلمانية وجهوية وبلدية)، حصول حزب "الإنصاف" على 80 مقعدا في البرلمان.

بينما حصلت المعارضة على 24 مقعدا من بينها 9 مقاعد لحزب "تواصل" (إسلامي) و5 لحزب صواب (قومي).

لكن أحزاب المعارضة التقليدية التي تصدرت المشهد لسنوات مثل تكتل القوى الديمقراطية وحزب اتحاد قوى التقدم والتحالف الشعبي التقدمي فشلت في الفوز ولو بمقعد واحد في هذه الاستحقاقات.

خروقات كبيرة

بدورها، طالبت 9 أحزاب موالية للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في 17 مايو 2023، بوقف فرز نتائج الانتخابات النيابية والمحلية وإعادتها في عموم البلاد.

وتحدثت الأحزاب الموالية التي تصنّف على أنها جزء من الأغلبية الداعمة للرئيس الحالي في بيان مشترك، عن خروقات وصفتها بالكبيرة، مشددة على ضرورة إعادة الانتخابات في عموم البلاد.

وأشارت أحزاب "الفضيلة" و"الرفاه" و"الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم" و"الاتحاد والتغيير الموريتاني" و"الحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد"، "البناء والتقدم" و"الوسط والعمل من أجل التقدم" و"الكتل الموريتانية" و"الوحدة والتنمية" إلى أن الانتخابات شهدت عمليات تزوير واسعة.

وفي المقابل، قال رئيس حزب الإنصاف الحاكم محمد ماء العينين ولد أييه، إن لجان حزبه رصدت خروقات أثناء المسار الانتخابي، وأبلغت بها فروع اللجنة، وكان قضايا محددة، وليست إطلاق أحكام عامة.

وفي 19 مايو 2023، رأى ولد أييه، أن حزبه تضرر من الواقع الذي جرت فيه الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، مؤكدا أنه لو تمت حماية أصوات الحزب لكان في وضعية أفضل.

وشدد ولد أييه، على أن اتهام حزبه بالتأثير على النتائج في بعض الدوائر غير مقبول، وتنفيه الوقائع، حيث تأثر الحزب في الدوائر التي كان يستطيع التأثير فيها لو أراد ذلك.

واستغرب ولد أييه، تحميل بعض الجهات حزبه المسؤولية عن أمور ترجع المسؤولية فيها للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.

ولفت إلى أن هيئة حكماء اللجنة والتي يعود إليها القرار تتشكل بالتوازن بين الموالاة والمعارضة.

ظروف سيئة

ورغم هذه التشكيكات في نزاهتها والمطالب بإعادتها بسبب الخروقات الكبيرة التي شهدتها، فإن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أعلنت عن النتائج الرسمية المؤقتة للانتخابات البلدية والجهوية والتشريعية.

وفي 21 مايو 2023، أعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الداه ولد عبد الجليل، عن النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية.

وقال ولد عبد الجليل، إن الانتخابات جرت في كل الدوائر البلدية، والجهوية والتشريعية، باستثناء بلدية واحدة في ولاية كيدي ماغا، ستجرى إعادتها فيها بالتزامن مع الشوط الثاني المقرر في 27 مايو 2023.

وأوضح ولد عبد الجليل أن الانتخابات نظمت في 62 دائرة برلمانية، و13 دائرة جهوية، و238 دائرة بلدية، وبمشاركة 25 حزبا سياسيا، هي مجموع الأحزاب المرخصة في البلاد.

وأكد أنه جرى حسم كل الدوائر الجهوية والبلدية، والتي تُنظم وفق نظام النسبية.

فيما جرى حسم 40 دائرة برلمانية، وتأجل الحسم إلى الشوط الثاني في 22 دائرة أربع منها في الخارج، الذي يُنظم في 27 مايو 2023.

وفي تعليقه على الضجة والجدل الواسع، أكد المدير الناشر لصحيفة "النهار" المحلية، محمد المختار ولد محمد فال، أن الانتخابات البلدية والجهوية والتشريعية "جرت في ظروف غير جيدة وشابتها خروقات ظن الناس أنه انتهى عهدها وانتهت مع زمن ولد عبد العزيز" الرئيس السابق لموريتانيا.

وأضاف ولد محمد فال، في حديث لـ "الاستقلال"، أن سبب حدة الرفض لنتائج هذه الانتخابات يرجع إلى الآمال التي كانت معقودة على النظام الحالي لتجاوز ممارسات سلفه.

وتابع "لكن للأسف كانوا تلامذة غير نجباء للنظام الماضي الذي كان يتصرف في الظلام ويعطي النتائج التي يريد ويُقدم من يشاء ويؤخر من يشاء لكن لا أحد يعرف حقيقة ما يجري".

وأوضح ولد محمد فال، أنه نتيجة لظروف كثيرة فإن الشعب الموريتاني، "متحفز وحريص على أن يطلع على كل مجريات العملية الانتخابية التي لُدغ من جحرها ألف مرة وبالتالي كان متحفزا للدفاع عن حقوقه وعن شفافية الانتخابات".

هيبة النظام

ورأى أن الجميع ظن أن هذه الانتخابات ستكون شفافة، رغم تحفظات الكثيرين على رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الذي يعد وزير داخلية سابقا وشخصا معروفا بغير الشفافية.

وأوضح أنه رغم كون المعارضة أيضا ممثلة في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات تمثيلا قويا، غير أنه أحيانا يتم بشخصيات من خارجها، وهذا ما أضعف المعارضة داخل اللجنة المستقلة للانتخابات.

وبخصوص سيناريوهات الخروج من هذه الأزمة الانتخابية قبل أن تنتقل إلى أزمة سياسية ترهن البلاد، قال ولد محمد فال، إن "النظام الحالي لا يستطيع أن يتراجع".

وأردف أنه "إذا تراجع النظام، فسيفقد ما بقي من هيبته وهي ليست كثيرة جدا وسيظهر أضعف مما يتصوره الناس وهنا ستكون النتائج كارثية على البلد".

ولفت إلى أن "الأمور ستسير بنفس الشكل، فما هو مفضوح ومكشوف مثل بعض الصناديق التي يكون فيها عدد المصوتين أكثر من عدد المسجلين لا بد أن يُحسم فيها".

وأشار إلى أن الكثير من صناديق الاقتراع جرى استبدالها بأخرى مليئة ولربما هو ما أدى إلى زيادة عدد المصوتين على عدد المسجلين. 

وعن الخطوات التصعيدية المنتظرة من أحزاب المعارضة، رأى ولد محمد فال، أن الأخيرة ضعيفة في هذه الظروف إلى أقصى درجة لأنها كانت في هدنة مستمرة مع النظام الجديد وهذا ما أضعفها وحرمها من التمثيل في البرلمان.

وأضاف أن "أحزاب المولاة ليس لها إلا تسجيل موقف لأن أصحابها لا يريدون النضال ولا يسعون إلى تحقيق تحولات كبيرة جدا".

فهم يسعون إلى إرضاء النظام أكثر مما يسعون لإرضاء الشعب والعملية الانتخابية"، وفق تقديره. 

وخلص ولد محمد فال، إلى أن "قافلة النظام ستسير، والناس ستدرك خطورة المرحلة، وقد تبتلع ما حدث وتتحفز لمرحلة أخرى، لكن في النهاية السلطة خرجت أضعف مما كانت".