الجيش السوداني لـ"الاستقلال": لا نفاوض الدعم السريع سياسيا وإنهاء التمرد سيأخذ وقتا

12

طباعة

مشاركة

 

قال المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، إن وفد القوات المسلحة في مدينة جدة السعودية بحث أمورا عسكرية وإنسانية، ولم ولن يتفاوض مع المتمردين (الدعم السريع) سياسيا.

وأضاف عبد الله لـ"الاستقلال" أن "المليشيا المتمردة تسعى لإشعال الصراع القبلي في إقليم دارفور تارة وبمدينة الجنينة تارة أخرى للوقيعة بين أبناء القبائل".

وأوضح أن "وجهة نظر الجيش في مواجهة المتمردين هي مواصلة كسر التمرد العسكري والقضاء عليه، حيث إن ما تشهده السودان ليس نزاعا بين دولتين، كما أنه ليس خلافا سياسيا يتم حله بالتفاوض، ولكنه تمرد قوة مسلحة على الجيش الذي كانت جزءا منه وتابعة لقيادته".

وأرجع المتحدث باسم الجيش عدم صمود أية هدنة "بعدم التزام المتمردين من مليشيا الدعم السريع بها وسعيهم الدائم لاستغلال الهدنة في استهداف عناصر الجيش أو التحرك العسكري أو استجلاب الدعم من خارج الخرطوم، الأمر الذي يتسبب في عدم صمود أية هدنة معلنة حتى بعد إعلان جدة لأن سلوك التمرد هكذا".

وأشار إلى أن "مليشيا الدعم السريع اعتقدت أن الجيش لقمة سائغة فوقعت في شر أعمالها، إذ سيطر الجيش على مقار المليشيا في مدن بورتسودان والقضارف وكسلا وكادوقلي".

وشدد عبد الله على أن أوضاع البلاد "تحت سيطرة الجيش، عدا الجيوب المتمردة بالخرطوم".

كما تناول العميد نبيل عبد الله، العديد من القضايا المتعلقة بالشأن السوداني الميداني خلال هذا الحوار.

ومنذ 15 أبريل/ نيسان 2023، اندلعت في عدد من مدن السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وفي 11 مايو/ أيار 2023، وقع ممثلو كل من الجيش والدعم السريع، بمدينة جدة "إعلان مبادئ أوليا" في ختام محادثات مباشرة لإنهاء الاقتتال.

عسكرية لا سياسية

ما أهم الالتزامات التي اتفق عليها الجيش والدعم السريع في مفاوضات جدة؟

نحن في جدة لا نتفاوض، حيث إننا نرفض مبدأ التفاوض مع المتمردين عسكريا على الجيش، وإنما نبحث في السعودية الجوانب التي تتعلق بالهدنة، من أجل خدمة الأغراض الإنسانية فقط ولتخفيف العبء عن المواطن.

من جهة أخرى، لم نذهب إلى السعودية من أجل بحث أية قضايا سياسية أو إبرام اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، وإنما لتمديد الهدنة وآليات ذلك لأغراض إنسانية بحتة؟

ولذلك وقعنا في جدة على الالتزام بسيادة السودان، والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه، ورعاية مصالح الشعب، وتسيير العمل الإنساني من خلال السماح بالمرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني، وتلبية احتياجات المدنيين  وحماية المرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.

لماذا لا تصمد أية هدنة ويتم اختراقها من أول ساعة رغم الموافقة عليها؟

السبب الرئيس هو عدم التزام المتمردين من مليشيا الدعم السريع فضلا عن عدم وقف تحركاتها العسكرية ومحاولاتها المتكررة بقصف قوات الجيش مستغلة أجواء الهدنة ومستخدمة المدنيين دروعا بشرية للاختباء خلفهم ومن ثم يتصدى الجيش لهذه الخروقات ولا يقف مكتوف الأيدي حيال خروقات المتمردين.

وللأسف فإن عدم التزام المتمردين بالهدنة يتسبب في عدم صمودها، حيث إن توقيع أي هدنة يتطلب التزاما كاملا من طرف المليشيا، بينما الجيش الذي يمثل القوات الشرعية الوحيدة على الأرض وبالتالي لا يخضع لهذه الشروط.

فضلا عن أن حرص المليشيا المتمردة على استخدام المواطنين دروعا بشرية، وانتشارهم في الشوارع وداخل الأحياء السكنية يؤكد عدم التزامها ومن ثم لا تصمد أي هدنة.

ما إمكانية الجلوس على طاولة التفاوض من وجهة نظركم لإنهاء الاشتباكات والحفاظ على ما تبقى من البلاد؟

ليس هناك تفاوض مع الذين يتمردون على الأوامر العسكرية ولكن هؤلاء يجب محاكمتهم، فمن المعلوم أن موقف الجيش ثابت من هؤلاء المتمردين وهو يرفض ما يصفه البعض بالتفاوض، وإنما الجيش يتحدث دائما عن موقف موحد خلف قرار قيادته بضرورة إنهاء هذا التمرد عسكريا.

فضلا عن أن ما تشهده السودان اليوم ليس نزاعا بين دولتين، كما أنه ليس خلافا سياسيا يتم حله بالتفاوض، ولكنه تمرد قوة مسلحة على القوات الرئيسة ومن ثم يخطئ من يتوهم أن هناك مجالا للتفاوض مع المتمردين بأسلحتهم ضد جيش بلادهم.

لقمة سائغة

ما أسباب طول أمد المواجهات وعدم الحسم في محيط القصر الجمهوري والقيادة العامة؟

مليشيا الدعم السريع اعتقدت أن الجيش السوداني لقمة سائغة، لكنها وقعت في ورطة كبيرة، حيث إن العملية العسكرية التي قام بها الجيش ضدها تسير ببطء لحماية أرواح السكان المدنيين الذين تختبئ هذه المليشيا خلفهم وتتخذ منهم دروعا بشرية يحتمون فيها من ضربات الجيش.

وبعد أن قمنا بامتصاص الصدمة وتهيئة الظروف، وتأمين الموقف انتقلنا إلى مرحلة ملاحقة بقايا مليشيا الدعم السريع فسيطرنا على مقارهم التي تساقطت واحدة تلو الأخرى، فضلا عن تسليم الكثير من أفراد الدعم السريع أنفسهم لمقارهم.

ولم نشأ أن نتوسع في المواجهة مع الجيوب التي احتمت بالمدنيين في بعض أحياء الخرطوم المكتظة بالسكان حتى لا يتأذى المواطنون من آثار المواجهات، وحفاظا على أرواحهم وعلى ممتلكاتهم الخاصة والعامة وعلى البنية التحتية للعاصمة الخرطوم.

أضف إلى ما سبق أن قواتنا المسلحة محترفة وتتعامل وفقا لقواعد الاشتباك والقانون الدولي الإنساني، وتدير الموقف باتزان ومهنية وثبات رغم أن الكثير من مقار الدعم السريع باتت تحت سيطرتنا، وأن المليشيا لم تضع يدها على أي من المواقع التابعة للجيش والقيادة العامة التي أشاعت أنها استولت عليها.

وأصبح الموقف تحت السيطرة تماما، سواء من خلال الاستيلاء على مواقع المليشيا في مدن عديدة على رأسها الخرطوم والقضارف وكادوقلي وكسلا وبورتسودان والأبيض وغيرها، حيث استسلمت تلك القوات وسلمت مواقعها لقادة مناطقهم العسكرية في كل مدينة.

ما تفاصيل ميزان القوى بين الجيش والدعم السريع على أرض الميدان؟

هذا السؤال خطأ من الناحية المهنية العسكرية ويجب احترام طبيعتنا العسكرية حيث لا يمكن الحديث عن ميزان قوتنا العسكري.

ولكن يكفي أن يعلم الجميع أن الجيش سيطر على جميع مقار المليشيا في ولايات بورتسودان والقضارف وكسلا وكادوقلي وبعض المقار في العاصمة، علما بأنه قد وقعت بعض المواقع في أيديهم وجارٍ استردادها منهم.

والموقف يتلخص في مناوشات واشتباكات تقوم بها عناصر الدعم السريع الذين يختبئون على أسطح منازل سكنية ومقار حكومية ولا يمكن أن نضرب بالسلاح الثقيل هذه المواقع..

فنحن ندير هذه العملية بمفهوم عسكري محدد، وهي الالتزام بقواعد الاشتباك والقانون الدولي الإنساني حتى لا نعرض حياة المدنيين للخطر.

وذلك رغم أن هذه المليشيا المتمردة وضعت يدها على ساحات عامة وعلى مراكز شبابية في مناطق مأهولة بالسكان، وضعوا فيها عرباتهم ومعداتهم ولا يمكن أن نقصف هذه المناطق حرصا على السكان المدنيين.

وجميع المقار العسكرية التي تتبع القيادة العامة للقوات المسلحة تحت سيطرتنا بالكامل، وكل ما يروجون له بالسيطرة هنا أو هناك كلها أكاذيب، حيث يروجون فيديوهات مفبركة سابقة التجهيز لتضليل السودانيين ولكننا نفضح كذبهم أمام الجميع.

ما طبيعة مليشيا الدعم السريع وكيف تغولت بهذه الصورة؟

مليشيا الدعم السريع عملت على استغلال ظروف السودان في السنوات الاخيرة لتبني لنفسها قوة عسكرية كبيرة وهي كانت تعمل في كنف القوات المسلحة وتحت إشرافها مما جعل منها قوة كبيرة بسبب الكثير من التنازلات طوال السنوات الثلاث الماضية من أجل تفادي الصدام معها حتى لا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم.

ولكن للأسف روح التمرد لدى قائدها (حميدتي) أوصلت الوضع إلى ما نحن عليه اليوم، وهذه القوة منذ اليوم الثاني من المواجهات انفصل عنها أعداد كبيرة من الجنود الذين سلموا أنفسهم للجيش، في مواقع كثيرة داخل وخارج العاصمة وهذه العملية العسكرية للقضاء على التمرد لا تزال مستمرة..

ونحن في القوات المسلحة نناشد المخدوعين ألا ينخرطوا في هذه المؤامرة، وأن يسلموا أسلحتهم، وإذا كانت لديهم رغبة في الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة أو القوات الأمنية ليكونوا جزءا من المنظومة العسكرية الشرعية فنحن نرحب بهم.

وبالنسبة لقائد مليشيا الدعم السريع "حميدتي" هو اليوم خارج على الجيش ومتمرد ضد الدولة بعد أن حول القوات العسكرية التي كان يقودها إلى قوة تمرد ترفع سلاحها ضد  الدولة السودانية، ولابد من القضاء على حركة التمرد تلك.

من الذي يقف بقوة وراء الدعم السريع من الدول العربية والأجنبية؟ ولماذا؟

الدول التي تقف وراءهم معروفة ولا داعي لذكرها مجددا، ولكن الجيش يقوم بواجبه من أجل الحفاظ على وحدة وأمن الدولة السودانية.

شر الوقيعة

هل يمكن أن تتوسع رقعة المواجهات إلى خارج الخرطوم؟

ليست هناك مواجهات بين جيشين، ولا يمكن أن نطلق على الاشتباكات الحاصلة في شوارع الخرطوم وغيرها مواجهات عسكرية، ولكن ما حدث هو تمرد مجموعة مسلحة على أوامر الجيش، ومن جهته يقوم الجيش بتصحيح الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها.

وهذا لا يمنع من المحاولات الخبيثة من المليشيا المتمردة بإشعال الصراع القبلي في دارفور تارة وبالجنينة تارة أخرى للوقيعة بين أبناء القبائل من خلال قصف المدنيين من مواقع تمركزهم بالمدينة ودخولهم طرفا في الأزمة لإثارة الفوضى في السودان وإظهار الوضع بأنه خارج السيطرة وهذا غير حقيقي على أرض الواقع.

الجيش مسيطر على الوضع في جميع الولايات ويسعى لإفشال مخطط إثارة الصراعات القبلية في السودان ويأخذ الأوضاع نحو الاستقرار، إلا أنه في الخرطوم المليشيا المتمردة تختبئ تحت الجسور وتتحصن في وسط المدنيين وتجعل منهم رهائن لحماية نفسها ولكن الجيش يسعى بكل السبل لإنهاء هذا التمرد.

لماذا الخرطوم التي يستميت الدعم السريع في التشبث بها ؟

مليشيا الدعم السريع حشدت قوات كثيرة لهذا التمرد، لكن القوات المسلحة أفشلت مخططها، بعد امتصاص الصدمة بسبب مفاجأة التمرد، وحافظت القوات المسلحة على مراكزها وواجهت التمرد بكل حسم.

وقد تعامل الطيران العسكري مع الأرتال العسكرية للمليشيا والتي كانت تتجه من بعض الولايات نحو الخرطوم وانتهى أمرها في التو.

علما بأن المضادات الأرضية التي تمتلكها مليشيا الدعم السريع هي أسلحة بدائية عبارة عن مدافع هوائية وليست مدافع مضادة للطائرات وهي عديمة الجدوى عسكريا.

متى يمكن حسم هذا التمرد من وجهة نظركم وهل هناك مدى زمني؟

لا يمكن تحديد زمن واضح لإنهاء حالة التمرد التي تشهدها البلاد؛ لأنها تدور في الخرطوم المزدحمة بالسكان، وهو سبب بطء عمليات حسم المواجهة العسكرية مع المتمردين والقضاء على جيوبهم المتواجدة في مناطق متفرقة من العاصمة.

وهناك محاذير كبيرة من استخدام الأسلحة الثقيلة والقصف الجوي، ومخاوف من أن يتأثر المواطنون بهذه العمليات وبالتالي إنهاء هذا التمرد قد يأخذ وقتا ليس بالقصير.

هل يسمح الجيش بتقسيم السودان؟

لم ولن يسمح الجيش بمرور مخططات تقسيم وحدة السودان مهما كلفه ذلك ولن يتراجع عن إنهاء هذا التمرد.

محاولات الدعم السريع الاستيلاء على الحكم في السودان من يغذيها ومن المستفيد منها؟

سبق وقلنا إن الدول الداعمة له معروفة ولا نحب الحديث عنهم.

إلى أي شيء يمكن أن ينتهي إليه المشهد السوداني وهل الحسم العسكري هو الحل أم التفاوض؟

كما أكدت من قبل أنه لا تفاوض مع متمردين، وأنا بحكم موقعي العسكري لا أتحدث في الشؤون السياسية ولا حول المشهد وخلافه ويجب مراعاة ذلك، فالجيش يتعامل مع المتغيرات والمستجدات على الأرض.

مطالب الجماهير

ما موقع "الإسلاميين" مما يحدث وما حقيقة سيطرتهم على قيادات الجيش؟

الإسلاميون تم إبعادهم عن السلطة من خلال ثورة شعبية عام 2019 وانحاز الجيش إلى مطالب الجماهير حيث إن الجيش هو احترافي عمره نحو 100 عام، لا يخضع لأحد سواء إسلاميون أم غيرهم، وأن القوة العسكرية الوحيدة التي صنعها النظام البائد فهي مليشيا الدعم السريع التي أنشأها (الرئيس المعزول) عمر البشير بغرض حمايته هو ونظامه.

كما أن الإسلاميين تم إخراجهم من المشهد في ثورة قام بها الشعب وانحاز فيها الجيش إلى مطالب الجماهير وانتهت سيطرتهم منذ ذلك الوقت، الأمر الذي يكشف زيف وكذب الاتهامات التي يطلقها المتمردون من الدعم السريع بأن عناصر النظام البائد تسيطر على مفاصل الجيش..

فضلا عن أن المتمردين تحولوا إلى ببغاء يرددون ما يطلقه بعض السياسيين من "قوى الحرية والتغيير" وغيرهم من مناكفات سياسية واتهامات غير مقبول صدورها من وحدات عسكرية لا ينبغي لها أن تتحول لحزب يردد مثل هذه المقولات السياسية البعيدة عن الواقع. 

ماذا لو سيطر الدعم السريع وكيف سيكون مستقبل البلاد؟

هذا أمر مستحيل ومستبعد تماما وغير معقول أن تسيطر مليشيا متمردة على دولة بحجم وعراقة السودان، فضلا عن أن جميع مقار مليشيا الدعم السريع تحت سيطرة الجيش الوطني الآن، عدا بعض الجيوب التي يتمترسون فيها بالمدنيين ويمارسون فيها حرب شوارع.

ما مستقبل المشروع الديمقراطي في السودان في ظل الصراع القائم؟

أنا رجل عسكري ولا علاقة لي بالشأن السياسي وهناك من هو مَعْني بالحديث في هذه المسائل السياسية التي لا علاقة لنا بها ميدانيا.