بعد حظر الحديث عن الجيش والدستور والسياسة الخارجية.. ما جدوى "الحوار" بمصر؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مفارقة صادمة بعد موافقة الشخصيات "المعارضة" التي شاركت في "الحوار الوطني" الذي دعا له رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في 3 مايو/أيار 2023 على شروط الحوار وأبرزها ثلاثة ممنوعات، إضافة لاستبعاد "جماعة الإخوان المسلمين" أكبر فصيل سياسي.

شركاء الانقلاب من التيارات اليسارية والليبرالية، ورموز الحزب الوطني المنحل، -وفي غياب أي تمثيل للإسلاميين خاصة الإخوان و"الجماعة الإسلامية"-، ممن شاركوا رغم عدم الاستجابة لشروطهم بإطلاق معتقليهم، رضخوا للشروط بلا مقابل.

أما منسق الحوار، ضياء رشوان، الذي زعم سابقا أن جميع القضايا مطروحة "دون خطوط حمراء"، عاد ليعلن قرارا من مجلس الأمناء باستبعاد 3 قضايا من النقاش، هي الدستور، والأمن القومي الإستراتيجي، الذي قال إن "الجيش مسؤول عنه ولا يصح مناقشته"، والسياسة الخارجية.

"اللاءات الثلاثة"

وخلال كلمته بالجلسة الافتتاحية للحوار الوطني، قال رشوان: "لا مساس بالدستور المصري القائم الآن، وهناك انصياع كامل لكل مواده، لذلك لن يتم التطرق لمواده في مناقشات الحوار"، رغم أن السلطة لم تحترم هذا الدستور، وهناك مقترح بتعديل بنود به.

وأثيرت تكهنات، من معارضين في المؤتمر، أن سبب استبعاد مناقشة الدستور ربما لتوقع تعديلات لاحقة علية تُبقي السيسي "مدى الحياة"، رغم أن التعديلات الأخيرة عام 2019 ستبقيه في السلطة حتى 2030.  

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، قال رشوان إن أدواتها "متفق عليها بالإجماع، ولا نقاش للسياسة الخارجية"، زاعما أن خارجية النظام المصرية تتعامل مع كل القضايا بمحددات "معروفة للجميع".

وهو حديث غامض في ظل فشل السياسة الخارجية في قضايا عديدة، خاصة ليبيا والسودان و"سد النهضة".

أما عن الأمن القومي الإستراتيجي، فأشار رشوان إلى أن هذا الملف يُدار من قبل القوات المسلحة، وهي "خط أحمر"، ما عده معارضون محاولة للتهرب من مساءلة الجيش عن الفشل في ملفات مثل مياه النيل وسد النهضة والسودان وغيرها.

وروجت جميع الصحف الحكومية والخاصة والحزبية للحوار الوطني بحكم سيطرة الأجهزة الأمنية عليها وركزت على أنه "بلا خطوط حمراء!"، وقول السيسي "دعونا نتفق على كلمة سواء".

سبب استغراب المصريين، عبر منصات التواصل الاجتماعي، المنفذ الوحيد لإبداء الرأي بعد "تأميم" و"قمع" الإعلام، هو أن هذه اللاءات أو المحظورات الثلاثة من النقاش هي رؤوس موضوعات كل القضايا المفترض أن تناقش في أي "حوار حقيقي" لو كان هناك بالفعل حوار.

وانتقدوا "اللاءات الثلاث"، لأن الاعتقالات والمحاكمات العسكرية للمدنيين تدخل ضمن مناقشات "الدستور" الذي يتضمن بنودا لا تطبق وتُنتهك، عن حرية التعبير والحريات العامة.

وقالوا إن بيع نظام السيسي الأرض والتنازل عن الجزر (تيران وصنافير) والتفريط في حقوق مصر التاريخية في النيل وترك إثيوبيا تتحكم في مياه ومصير مصر، هو في صميم "السياسة الخارجية"، و"الأمن القومي والإستراتيجي"، فكيف لا تناقش.

وتساءلوا عن استحواذ جنرالات المؤسسة العسكرية على كل اقتصاد مصر وإغراق البلد في الديون وبيع كل المؤسسات المنتجة والرابحة لدول الخليج وتهريب الآثار.

لذا شبهوا استبعاد 3 قضايا حيوية من الحوار الوطن، بمسرحية "الديكتاتور" أو "تخاريف" للممثل محمد صبحي وفرض وإملاء ما تريده السلطة باسم الشعب.

بديل مدني

وأشاد مصريون بخطاب الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، المرشح الرئاسي السابق، عمرو موسى، خلال افتتاح الحوار الوطني، خاصة دعوته إلى "إنهاء ملف الحبس الاحتياطي" وانتقاده تخبط سياسات السيسي، ضمنا، لكنهم استغربوا إشادته به مع ذلك في كلمته.

وتساءل عمرو موسى: "أين فقه الأولويات في اختيار المشروعات؟، تحدث صعوبات وتحديات "خطيرة وغير مسبوقة بسبب أخطاء في الداخل والخارج، يجب أن نكون صرحاء ويجب أن نعالجها سريعا".

وقال إن "المصريين يشعرون بالقلق على السياسات والتوجهات الحالية لمصر ويخافون على مصير البلاد، وهل تكون مصر أو لا تكون".

وهو ما بدا كأنه جردة حساب لنظام السيسي وسرد لأخطائه وربما محاولة جديدة لتقديم نفسه للغرب كبديل مدني حال انهيار حكم السيسي ومعه الحكم العسكري، خاصة أن قناة "CNN" الأميركية وصفت في 4 مايو 2023 خطابه بأنه "رسائل نارية".

مع هذا رأى الصحفي المعارض، وائل قنديل، أن ملخص كلمة عمرو موسى في الحوار الوطني هي: "نحن لم ننجح في إبراز إنجازات الرئيس السيسي كما يجب!!".

ونوه في مقال بصحيفة "العربي الجديد" 5 مايو 2023 إلى أنه "في مقابل هذه العبارات الخلابة التي أعجبت الجمهور، أنفق عمرو موسى أكثر من نصف كلمته في بيان وشرح الإنجازات العظيمة لعهد السيسي الذي أشرف على كتابة دستوره، فتناول ثمانية إنجازات عاب على الجميع أنهم لم يبرزوها كما يجب!".

وفي تغريدة نشرها في 3 مايو 2023، قال قنديل: "لو رجعنا لأرشيف منظمة الشباب والتنظيم الطليعي لن نجد فرقا بين الشاب الواعد عمرو موسى الناصري والشيخ القاعد عمرو موسى السيساوي".

حوار واعتقالات

بعد ساعات من تصريح السيسي، في كلمته "عن بعد" بالحوار الوطني، بأن الخلاف في الرأي "لا يفرق بيننا"، أي لا يفسد للوطن قضية، اعتقلت قوات الأمن أفراد من عائلة وأنصار المرشح الرئاسي المحتمل، أحمد الطنطاوي، قبيل عودته لمصر والتي كانت مقررة في 6 مايو 2023.

وقررت النيابة حبسهم على ذمة القضية رقم 2397 لسنة 2021 حصر أمن دولة، وبينهم، حسب مصادر من عائلة النائب السابق الطنطاوي، عمه النائب السابق محمد نجيب الطنطاوي، وخاله محمد سيد أحمد عطية، وعدد من أصدقائه.

وقال المحامي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لوكالة "رويترز" في 4 مايو 2023، إن ما لا يقل عن 10 من أقارب الطنطاوي وأصدقائه وأنصاره اعتقلوا، وحبستهم نيابة أمن الدولة 15 يوما بتهمة الانضمام إلى "جماعة إرهابية".

وعقب الطنطاوي على الاعتقالات بإعلان تأجيل عودته لمصر إلى موعد آخر، كاشفا أن "سبب الاعتقالات وتوتر الأمن، هو سعي أنصاره لاستقباله في المطار، وسعيه لاستئجار قاعة قرب المطار للقائهم".

وقال إن تهمة المعتقلين من أقاربه وأنصاره هي أن "معهم منشورات تقول إنه لو لم أدخل مصر بهدوء سيدخلونني بالقوة"، ودعا عائلته وأصدقاءه لعدم انتظاره في المطار لدى عودته.

اعتقال 10 من عائلة وأصدقاء الطنطاوي قبل عودته "المؤجلة" بساعات، ومن قبلهم اعتقال الصحفي حسن القباني فجر يوم بدء الحوار ثم إطلاق سراحه، وأيضا اعتقال الناشطة في حزب "الكرامة"، نجوى طه خشبه، من منزلها ثم إطلاقها، عده محللون مؤشرا على أمرين.

الأول، تخبط وتضارب الأجهزة الأمنية الكثيرة في مصر (أمن دولة، مخابرات حربية، مخابرات عامة..).

وقالوا إن الرئاسة (السيسي) هي التي دعت للحوار، ومن ثم فقيام أجهزة أمنية باعتقالات لمعارضين في نفس يوم الحوار الوطني معناه أن "هناك أجهزة معادية للحوار الوطني وترفض استكمال جلساته وتسعى لتخريبه".

دفع هذا عضو مجلس الحوار الوطني، ياسر الهواري، لانتقاد استمرار الملاحقات الأمنية وعده "ضربا في مصداقية الحوار الوطني".

فيما أعرب المحامي الناصري، طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي، عن غضبه واكتفى بكتابة كلمة "منتهى العبث" ثلاثة مرات عبر حسابه على "تويتر" في 4 مايو 2023.

الثاني، أن ما جرى من اعتقالات هو رسالة من الأمن والرئاسة معا، للمعارضين في مؤتمر الحوار بأنهم لا قيمة لهم وعليهم أن يقبلوا ما يُملى عليهم فيه، بصفتهم جزءا من عملية تجميل النظام وليس أكثر.

مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسن، وصف اعتقالات يوم افتتاح "الحوار الوطني"، بأنها متعمدة من الأجهزة التي تدير المشهد "لإذلال المعارضة التي قبلت بالمشاركة، وعدم الاكتفاء بمشاركتها التنازلية".

محللون آخرون رأوا أن الأمر قد لا يعدو محاولة لإظهار سخونة الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل "المنافس الكرتوني" الجديد، وأنه "في كل الأحوال يبقى الناصري ابنهم ومرشح أي وقت للعودة لحضنهم".

أيد هذا التصور القاضي، وليد شرابي، الذي رأى أن اعتقال أقارب الطنطاوي ربما يكون محاولة أمنية مبكرة لـ"حملة النفخ الإعلامي في الكومبارس الذي يتم إعداده لمسرحية انتخابات 2024".

وكانت مفارقة أن ينفي أمين عام حزب "الكرامة"، محمد بيومي، لموقع "مدى مصر" في 4 مايو/ 2023، فكرة انسحاب الحزب من الحوار الوطني، بعد استهداف الطنطاوي باعتباره "مرشحا رئاسيا محتملا".

وقال بيومي إن "موقف الحزب من هذه الخطوة ومدى تأثيرها أصلا على استمرار الحزب من عدمه في الحوار الوطني لا يمكن الحديث عنه إلا بعد أن يخوض الحزب جولة من النقاشات الداخلية!".

لكن "الحركة المدنية الديمقراطية" أعلنت في 4 مايو/أيار 2023 أنها ستعيد التفكير في المشاركة في الحوار الوطني بسبب توقيف أقارب وأصدقاء الطنطاوي لإعلان عزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقالت في بيان، إنه لا يمكن الاستمرار في الحوار الوطني بينما "تطاردنا أخبار الحبس يوميا لأعضاء الأحزاب وأصحاب الرأي وأقارب السياسيين، في ممارسات لا يمكن معها أن ينجح أي حوار جاد".

وبالتزامن، أصدر "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، دراسة في 2 مايو 2023 تؤكد أن "نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة مستحيلة"، و"من المستحيل أن تتسم بالحرية والنزاهة".

وكان من اللافت غياب رئيس التيار الشعبي ومؤسس حزب الكرامة، حمدين صباحي، خلال الكلمة الافتتاحية للحوار الوطني، وقيل إن السبب وفاة شقيقته الكبرى، وأنه لم يغب بدليل إرساله خطابا للمؤتمر وإشادة رشوان بدوره.

وعلقت وكالة "رويترز" في 3 مايو 2023 على بدء الحوار بالاعتقالات، بتأكيدها أن "مصر تطلق حوارا وطنيا وسط حملة أمنية مستمرة".

وقالت إنه (الحوار) واحد من عدة خطوات تهدف إلى مواجهة الانتقادات الموجهة لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان. 

وتشمل الإجراءات الأخرى "إستراتيجية حقوق الإنسان" لمدة خمس سنوات، ووصفتها بأنها "شكلية"، ولجنة عفو رئاسية تدرس آلاف الطلبات للإفراج عن بعض المسجونين في ظل حكم السيسي، والتي توصف بأنها "خديعة العفو الرئاسي".

وسبق لـ"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" أن أكد في "ورقة موقف" أصدرها  في 19 يوليو/تموز 2022 أن الحوار الوطني "محاولة جديدة لتبييض سجل حقوق الإنسان".

وأوضح أن قرارات العفو الرئاسي عن بعض المسجونين السياسيين "لا ترقى أن تكون علامة على البدء في عملية إصلاح حقيقي، في ظل استمرار احتجاز عشرات الآلاف".

أين أبو الفتوح؟

قبل أن يبدأ الحوار الوطني بـ24 ساعة، كشف المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، في حوار مع المذيعة لميس الحديدي على شاشة "ON" المحلية أنه اجتمع بـ3 قيادات من حزب "مصر القوية"، برئاسة (المعتقل) عبد المنعم أبو الفتوح، وأنهم وقعوا على مشاركتهم في الحوار الوطني.

كما صرح بأن حزب "النور" مشارك في الحوار، بصفته "شريكا في تحالف 30 يونيو"، مؤكدا أن "الحوار الوطني فرصة لإعادة تحالف 30 يونيو من جديد".

لكن حزب "مصر القوية" غاب وقاطع جلسة الحوار الوطني بشكل رسمي، بينما شارك حزب "النور" بسبعة من قياداته وكوادره، وعلى رأسهم رئيس الحزب، محمد إبراهيم منصور، وقال في بيان 3 مايو، "تعاملنا بإيجابية مع كل مراحل الحوار".

ومع هذا تحدثت الناشطة السابقة، إسراء عبد الفتاح، التي شاركت في الحوار أيضا، عن "حضور مفاجئ وقوي لشباب حزب مصر القوية اللي هم مش إخوان"، وفق قولها، لكنها لم تذكر أسماءهم.

بالمقابل، حضر جلسة افتتاحية الحوار غالبية من أعضاء الحزب الوطني السابق على رأسهم أمينه العام الأخير حسام بدراوي، ورئيس نادي الزمالك مرتضي منصور، وعدد من المحسوبين على شباب "ثورة 25 يناير" ممن اختفوا من الساحة ولزموا الصمت.

ومنهم أسماء محفوظ وإسراء عبد الفتاح وأحمد ماهر مؤسس تيار 6 أبريل، وكانت مفارقة أن تهاجم لجان إلكترونية موالية للسلطة حضورهم الحوار الوطني، رغم أن الأجهزة الأمنية التي دعتهم هي التي تُحرك هذه اللجان الإلكترونية.

وأصدر 13 من هؤلاء النشطاء المحسوبين سابقا على شباب "يناير 2011"، بيانا عبر فيسبوك في 5 مايو، يؤكدون فيها أنهم شاركوا في الحوار الوطني "بكل انفتاح" رغم "عدم تصفية ملف سجناء الرأي بشكل نهائي واستمرار حبس آلاف من أصحاب الرأي".

وأكدوا: أن "أحد التعهدات التي اتفقنا عليها مع الجهة الداعية للحوار تمثلت في استمرار عمليات الإفراج عن السجناء السياسيين بشكل منتظم لحين إنهاء هذا الملف، بالإضافة إلى وقف عمليات القبض والملاحقة الأمنية لأصحاب الرأي"، مستغربين استمرار الاعتقالات أثناء الحوار.

وتخوفوا من أن "يتحول الحوار الوطني لمشهد ديكوري غير مقبول بدلا من أن يكون جسرا لاستعادة الثقة".

ووقع على البيان، مصطفى شوقي، وخالد تليمة وياسر الهواري وأسماء محفوظ وإسراء عبد الفتاح ومحمد صلاح وعمرو إمام ومحمود السقا وهيثم الخطيب وخالد القاضي وهادي زايد وعمرو عز وعمرو الوزيري.

وضمن استبعاد الإسلاميين، باستثناء حزب النور، الذي تم وصفه بأنه من "شركاء 30 يونيو"، في إشارة لمشاركته في انقلاب السيسي، أكد القيادي في الجماعة الإسلامية، عبود الزمر، أن الجماعة وجناحها السياسي "حزب البناء والتنمية" لم يشاركا.