"رمزية وبلا قيمة".. كيف فاقمت مشاريع السيسي الأزمة الاقتصادية وأفقرت المصريين؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يرى مركز دراسات إيطالي أنه "من الضروري مراجعة خيارات السياسة الاقتصادية التي اتخذتها القاهرة على مر السنين لفهم الوضع الحالي للقطاع".

وشدد مركز "الدراسات الجيوسياسية" على أن مصر تحت حكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي "بحاجة إلى قدر من الموارد لا يتناسب مع قدرة النظام الاقتصادي على إنتاجها". 

وانتقد الموقع "الكلفة الباهظة لإنجاز بعض المشاريع على غرار 58 مليار دولار لبناء العاصمة الإدارية الجديدة، و25 مليار دولار لبناء مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء في دولة لها فائض في الكهرباء، رغم نقص الموارد النفطية".

وكذلك ثماني مليارات دولار لتوسيع قناة السويس، وهو المشروع الذي شهد في الوقت الحالي تحقيق أرباح متواضعة تقدر بـ200 مليون دولار بين عامي 2017 و2020.

ورأى "مركز الدراسات الجيوسياسية" أن "هذه المشاريع رمزية فحسب، ولا تضيف قيمة مالية للنظام الاقتصادي المصري".

أزمة احتياطيات

وأوضح الموقع أنه "لا يتم تخصيص معظم عائدات البلاد لاحتياجات السكان المقدر عددهم 112 مليون نسمة يعيشون في منطقة تعاني شحا في المياه ولا تنتج سوى ثلث الطعام الذي تستهلكه". 

وذكر أن "60 بالمئة من المصريين تحت خط الفقر أو معرضون له، وفقا للبنك الدولي".

ومنذ عام 2013، وهو العام الذي انقلب فيه السيسي على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، التجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي أربع مرات، لتصبح ثاني أكبر مدين للمؤسسة المالية بعد الأرجنتين. 

ويتألف القرض الأخير، الذي تم توقيعه في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، من حزمة بقيمة 3 مليارات دولار، لسد النقص في الاحتياطيات الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي. 

وبحسب بيان الصندوق في ديسمبر/ كانون الأول 2022، "يهدف البرنامج إلى الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، واستعادة الاحتياطيات المالية، وتمهيد الطريق لنمو مستدام وشامل يقوده القطاع الخاص". 

ولتحقيق هذه الأهداف، نص الاتفاق على سياسة نقدية تهدف إلى الخفض التدريجي للتضخم وتعزيز الإيرادات الضريبية لضمان خفض الدين العام بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وفي الوقت نفسه، تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الفقيرة.

إلى جانب تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للحد من دور الدولة في النظام الاقتصادي وتعزيز المنافسة بين الفاعلين الاقتصاديين.

وذكر الموقع أن "المستثمرين الأجانب قاموا، بسبب الصراع في أوكرانيا الذي تسبب في ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة مؤقتا، بسحب حوالي 20 مليار دولار من الاستثمارات من الجهاز المصرفي في القاهرة، وتسبب ذلك في أزمة على مستوى احتياطيات النقد الأجنبي". 

ولاحظ أن "النظام الاقتصادي المصري يعتمد إلى حد كبير على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، نتيجة ضعف القطاع الخاص".

وأدى غزو أوكرانيا بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا إلى تفاقم معدل التضخم في القاهرة، أكبر مستورد للقمح في العالم. 

وبحسب البيانات الصادرة عن النظام المصري، قفز التضخم في فبراير/شباط 2023 إلى 32.9 بالمئة مسجلا زيادة بنسبة 7 بالمئة مقارنة بيناير/كانون الثاني 2023، فيما بلغ التضخم السنوي 10 بالمئة. 

ولمواجهة ارتفاع معدل التضخم، قرر البنك المركزي خلال الاجتماع الشهري في مارس/ آذار 2023 الرفع بنسبة 2 بالمئة في أسعار الفائدة. 

إلا أن ما يفاقم الموقف المصري في سياق الاقتصاد الكلي الصعب الحالي هو طبيعة النظام الاقتصادي، وفق تحليل الموقع. 

وشرح أن الاقتصاد المصري يشهد دورا كبيرا للجيش في إدارة الشركات الإستراتيجية للبلاد في مجالات البنية التحتية والطاقة والسياحة، وهو عنصر يثني المستثمرين الأجانب عن استثمار رؤوس الأموال في البلاد. 

من جهته، تعهد رئيس النظام المصري، في سياق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بتقليص دور الجيش في الاقتصاد، إلا أنه لا تزال هناك شكوك حول إمكانية القيام بعمليات الخصخصة الواسعة التي وعدت بها الحكومة، لا سيما وأن سيطرة السيسي على السلطة تعتمد تحديدا على دعم الجيش، يؤكد الموقع.

ومن بين الشروط التي تم التفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي، يذكر أيضا الحاجة إلى الانتقال إلى نظام سعر مرن، بدلا من استخدام احتياطيات العملات الأجنبية للحفاظ على نظام سعر الصرف عند المستوى المطلوب. 

وللإشارة انخفضت قيمة الجنيه المصري بنحو 50 بالمئة مقابل الدولار في مارس 2022، كما أدى النقص الحاد في الدولار إلى تقليل الواردات وتراكم البضائع في الموانئ.

سيناريوهات الحل

وشدد الموقع على أن "الوضعية الحالية المصرية تقود إلى افتراض سيناريوهين، الأول إمكانية التقارب السريع من روسيا والصين للتعامل مع الديون الخارجية المقدرة بـ155 مليارا وفق بيانات البنك المركزي".

ولفت إلى أن "القاهرة وموسكو تشتركان في صعوبة الوصول إلى احتياطي كبير من الدولار، وبالتالي يمكن أن تشكل التجارة بالعملات الوطنية لكل منهما حلا لكلا النظامين الاقتصاديين". 

وعلى المدى القصير، شرحت الخبيرة الاقتصادية المصرية، حنان رمسيس، أن "استيراد المواد الخام الرخيصة من روسيا سيخفض الأسعار ويحارب التضخم". 

من ناحية أخرى، قد تمنح زيادة التجارة مع القاهرة بالنسبة لموسكو فرصة لتقليل اعتمادها على الاقتصادات الغربية.

فيما زادت العلاقات الاقتصادية مع الصين بشكل ملحوظ عام 2022، حيث إن بكين كانت الممول الرئيس للعاصمة الإدارية الجديدة لمصر.

وأشار الموقع كذلك إلى "إنشاء جمعية رجال الأعمال الصينية المصرية في ديسمبر 2022 للترويج لاستثمارات في مصر، كما تدرس الأخيرة إمكانية إصدار سندات باليوان".

وبالتالي، يبدو أن التطورات الأخيرة تؤكد الاتجاه نحو روسيا والصين كنوع من الملاذ الأخير للاقتصاد المصري المضطرب، يستنتج مركز الدراسات الإيطالي.

وأردف أن "التقارب مع تركيا عنصر جديد، خصوصا وأن وزيري خارجية البلدين تقابلا ثلاث مرات خلال 60 يوما".

ويرى المركز أنه "من الضروري انتظار نتائج الانتخابات التركية المقبلة لفهم ما إذا كانت حكومة أنقرة الجديدة تريد الاستمرار في هذا المسار وإلى أي مدى". 

أما السيناريو الثاني فيتمثل وفق افتراض مركز الدراسات الإيطالي، "في عدم صمود النظام الاقتصادي المصري طويلا بسبب الدور الغالب للقوات المسلحة في مختلف الشركات الإستراتيجية في البلاد". 

لذلك "لا يبدو أن اقتصاد السوق الخالص والعقلية التي تتميز بالمصالح التجارية متوافقة مع النظام الاقتصادي في القاهرة"، على حد تعبيره. 

ويرى أن "هذه العناصر تشير إلى أن الإصلاحات الموعودة لن تنفذ على المدى القصير وأن الدولة لن تكون قادرة على سداد ديونها للدائنين الأجانب".

وفي هذا الإطار، ذكر إعلان البنك الدولي الموافقة على اتفاقية تمويل مدتها 5 سنوات في نهاية مارس 2023 بقيمة 7 مليارات دولار.

وستركز الشراكة على خلق فرص العمل وتطوير التقنيات التي تسهل الانتقال الطاقي وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية.

وختم المركز بأن ذلك "يبدو طريقة لضمان مزيد من الأموال لمصر للتعامل مع الوضع الاقتصادي الحالي، وبالتالي تمديد الآجال اللازمة للوفاء بالشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي".