التحسن في وصول الكهرباء يكشف فساد مافيا المولدات بالعراق.. ما القصة؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في ظل التحسن الملحوظ الذي يشهده قطاع الطاقة الكهربائية بالعراق منذ ثلاثة أشهر، تدور تساؤلات عن مدى مغادرة البلاد مرحلة المولدات الأهلية التي اعتمد عليها العراقيون طيلة عقدين جرّاء عجز الحكومات التي تولت السلطة بعد عام 2003 عن إنهاء الأزمة.

خلال الأشهر الثلاثة لم ينقطع التيار الكهربائي ببغداد وباقي المحافظات العراقية سوى ساعة أو ساعتين في الشهر الواحد، وسط وعود حكومية باستمرار تحسن الخدمة خلال موسم الصيف اللاهب الذي تصل فيه درجة الحرارة في بعض مدن البلاد لأكثر من 55 مئوية.

تواطؤ حكومي

لعل أبرز عقبة تواجه الحكومة في هذا الملف، هي التواطؤ الحاصل بين الجهات الرسمية وأصحاب المولدات الأهلية من أجل استمرار الأزمة ودفع العراقيين اشتراكات تصل إلى 15 دولارا للأمبير الواحد، والتي وجه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وزارة الكهرباء بالتحقيق فيها.

وقال السوداني خلال زيارته مركز السيطرة الوطني للكهرباء ببغداد في 24 أبريل/نيسان 2023، إنه "على الوزارة فتح تحقيق في ظاهرة تراجع ساعات تجهيز الطاقة مع بداية ونهاية كلّ شهر في ظل اتهامات بالفساد من مواطنين لموظفين في مركز السيطرة".

التوجيهات التي أصدرها السوداني، وفق بيان لمكتبه، تضمنت "توضيح مواقع الخلل ومحاسبة الأشخاص الذين يقفون خلفها، مع تقديم تقرير شهري عن ساعات التجهيز في بداية الشهر ونهايته".

السوداني شدد على "التعامل مع شكاوى المواطنين خلال 24 ساعة، ومنح صلاحيات لمسؤولي الفروع في المناطق؛ لتمكينهم من التعاطي معها ومعالجتها بشكل سريع".

ومركز السيطرة هو المسؤول عن توزيع حصص إنتاج التيار الكهربائي للعاصمة بغداد والمحافظات، ونقل التوجيهات في حال حدوث انفصال أو عارض فني أو تجاوزِ على حصص الطاقة.

وقال السوداني أثناء الزيارة إنّ "الانقطاع يحدث مع استحقاق قسط المولدات، مطالبًا المسؤولين في المركز بتقديم إجابات واضحة حول تزامن الانقطاع مع موعد دفع الأجور الشهرية للمولدات الأهلية".

وعلى ضوء ذلك، أصدر محافظ بغداد محمد جابر العطا، توجيها في 25 أبريل 2023 إلى جميع  الوحدات الإدارية "بالمتابعة الجدية لأصحاب المولدات الأهلية والحكومية، حسب  التعليمات الجديدة لرئيس الوزراء، واتخاذ أقصى الإجراءات القانونية اللازمة ضد مخالفي ضوابط التشغيل".

وبحسب البيان، فان محافظ بغداد وجّه أيضا بـ"متابعة ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية في نهاية وبداية كل شهر وتزويد المحافظة بتقرير مفصل عن ذلك، إضافة إلى إجراء جرد مفصل عن أعداد المولدات الحكومية والأهلية الموجودة في مناطقهم، وطبيعة عملها، وتحديد من تُوفر لهم حصص وقود من عدمها".

وأكد العطا "تشكيل فرق تفتيشية مشتركة بين المحافظة والوحدات الادارية، مهمتها تنفيذ زيارات مفاجئة إلى المناطق ورصد عمل المولدات ورفع تقرير شهري مفصل عن نتائج الإجراءات المتخذة، فضلاً على محاسبة المقصرين"، وفقا للبيان.

مافيات منظمة

وعن معاناة العراقيين من أزمة الكهرباء، يؤكد المواطن أحمد العاني من بغداد أن "التواطؤ واضح بين مالكي المولدات الأهلية وبين المسؤولين الحكوميين سواء في دوائر وزارة الكهرباء أو الأجهزة الأمنية ومحافظة بغداد، وهذا يلمسه كل عراقي بشكل يومي".

وأوضح العاني لـ"الاستقلال" أن "الكهرباء عندما تكون مستقرة ولا تشهد أي انقطاع، يتكرر الأمر نفسه قبل نهاية كل شهر بخمسة أيام أو يومين، وذلك بقطع التيار الكهربائي قبل موعد سداد الاشتراك مع المولدات الأهلية".

وهو ما يدفع الأخير إلى التشغيل ساعة أو ساعتين فقط، ثم يطالب المواطنين بدفع 15 إلى 20 ألف دينار (13 دولار) للأمبير الواحد، وبذلك يحصل على مبالغ ضخمة لأن المشتركين بالمئات وبعضها بالآلاف، مع بيع حصة الوقود الشهرية المخصصة له كونه لم يستخدمها، وفق قوله.

ولفت إلى أن "الجهات الرسمية في محافظة بغداد لا ترد على أي شكوى تقدم إليها ضد أصحاب المولدات، إضافة إلى أن الأجهزة الأمنية سواء الأمن الوطني أو غيره متهمة بالحصول على رشاوى مالية شهرية من هؤلاء مقابل عدم التعرض لهم أو تنفيذ أي توجيه يصدر بحقهم".

وأشار العاني إلى أن "الكثير من أصحاب المولدات عبارة عن مافيات متحالفة مع قوى سياسية ومليشيات تورد إليها الوقود، فهم يرفضون حتى نقل الاشتراك من مولد إلى آخر في المنطقة ذاتها، وبالتالي يرغم المواطن على البقاء معهم وعدم التفكير بإلغاء اشتراكه، لأنه لن يجد مكانا لدى الآخرين".

وبيّن أن "المواطنين مضطرون لدفع نحو 65 دولارا عن 5 أمبير بالحد الأدنى شهريا في موسم الشتاء والربيع رغم أنه لا يستفيد من المولد الأهلي سوى ساعة أو ساعتين، لأنه إذا قرر إلغاء الاشتراك فإنه لا يأمن بقاء التيار الكهربائي الوطني (الحكومي) مستمرا دون انقطاع خلال فصل الصيف، وبالتالي يكون أكبر الخاسرين".

وتوقع العاني أن "تستمر أزمة الكهرباء وبقاء المولدات الأهلية، لأنه ثمة جهات سياسية مستفيدة من الواقع الحالي، وأن الحكومة ليست جادة في معالجة أصل المشكلة والإتيان بمولدات هي من تديرها بدلا من بقاء المواطن تحت رحمة أصحاب المولدات".

من جهته، يقول حسين عمار أحد موظفي دوائر توزيع الكهرباء في بغداد، إن "التواطؤ قد يكون موجودا، لكن الأحمال على التيار الكهربائي في فصل الصيف تكون مرتفعة جدا ولا يمكن السيطرة عليها".

وأوضح عمار لـ"الاستقلال" أنه "لا يمكن الاعتماد على ما تجهزه الحكومة من طاقة كهربائية سواء إلى بغداد أو المحافظات، لأن الجو ساخن جدا وكل منزل يلجأ إلى تشغيل مكيفين للتبريد بالحد الأدنى، فيتضاعف الطلب على الكهرباء بشكل كبير". 

ولفت إلى أن "الحكومة مطالبة أيضا بتوعية المواطنين لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية في فصل الصيف، وزيادة انتاج الطاقة خلال هذا الموسم الذي يشكل تحديا كبيرا لها في كل عام".

وفي السياق ذاته، دعا الكاتب قاسم الغزاوي خلال مقال نشره موقع "المراقب العراقي" في 19 أبريل 2023 إلى "ربط الأجور (للمولدات) بعدد ساعات التجهيز ومغادرة مسألة الإجحاف والظلم وتحقيق الاطمئنان والاستقرار لدى للطرفين".

وشدد الكاتب العراقي على ضرورة أن "تكون هناك محاسبة وغرامات وتعليمات من الحكومة لأصحاب المولدات المخالفة الذين يتجاوزون على الأسعار المقررة، لا أن تكون هناك مساومات ورِشا تسكت المسؤولين ويكتفون بالتنديد وإصدار التعليمات التي لاتنفع".

إنفاق المليارات 

وفي إحصائية رسمية أعدتها وزارة التخطيط العراقية خلال شهر مارس/آذار 2023، كشفت فيها أن العدد الإجمالي للمولدات الأهلية في عموم البلاد ما عدا إقليم كردستان بلغت 48533 مولدا، في حين سجل عدد العاملين الكلي في هذا القطاع 44640 عاملا.

وأشار بيان وزارة التخطيط إلى أن "قيمة الأجور الممنوحة للعاملين في المولدات بلغت 200,648 مليون دينار (143 ألف دولار)، فيما بلغ عدد المستفيدين الكلي 6,700,665 مشتركا. أما عدد الأمبيرات المجهزة خلال الشهر الواحد فوصلت إلى 25,875,722 أمبير". 

ولفت البيان إلى أن "إجمالي الإيرادات المتحققة بلغت 3,479 مليار دينار عراقي (نحو 2.7 مليون دولار)، توزعت داخل فترة الذروة بمقدار 2,105 مليار دينار، أما خارجها فقد وصلت إلى 1,374 مليار دينار".

وفي السياق ذاته، قال مدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية في العراق، حسين طالب، إن "المولدات الأهلية تعد ذراعا ساندا إلى وزارة الكهرباء، وكميات الطاقة التي تنتجها تلك المولدات في المحافظات كافة تعادل 8 آلاف ميغا واط".

وأضاف طالب خلال بيان رسمي في 25 سبتمبر/أيلول 2022 أن وزارة النفط زودت أصحاب المولدات الأهلية بالوقود هذا الصيف بسعر 250 دينار للتر الواحد (6 لتر مقابل الدولار الواحد) كدعم للمواطن لمدة ثلاثة أشهر، رغم أن سعر اللتر الواحد يصل إلى ألف دينار (76 سنتا أميركيا)، ويجهز بالأيام العادية بشكل مدعوم بسعر 400 دينار (30 سنتا).

وأشار طالب إلى "وجود متابعة حثيثة ورقابة على أصحاب المولدات الأهلية رغم أن التفتيش والمتابعة من واجب الحكومات المحلية في المحافظات ولا سيما بما يتعلق في متابعة التزامهم بتسعيرة الأمبير وساعات تجهيز الكهرباء للمواطن حسب انقطاع ساعات الطاقة الكهربائية الوطنية".

وتُنفق الأُسَر العراقية بين 6 إلى 10 مليارات دولار أميركي سنويا كلها تذهب إلى جيوب أصحاب المولدات الخاصة، وهو قطاع ليس له إسهام في اقتصاد البلاد ولا يدفع ضرائب، إضافة إلى أنه بلا قانون ينظمه.

وفي سبتمبر 2021، نشرت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية تقريرا أكدت فيه أن أسعار تجهيز الكهرباء من المولدات الأهلية في العراق هي الأعلى بين دول المنطقة.

وأوضحت الوكالة أن "المولدات الأهلية، هي من تعمل على تسيير قسم من بلدان الشرق الأوسط والمنطقة أمثال العراق ولبنان واليمن وليبيا وكذلك أفغانستان".

وأضافت أن "هذه المولدات تنتشر في كل مكان عند ساحات وقوف السيارات والأزقة وفي فناءات المستشفيات وعند الأسطح، حيث تنفث أدخنة سُمّيّة خطرة تدخل البيوت والمحلات على مدار اليوم".

ورأى التقرير أن "الاعتماد على المولدات هو أحد نتائج فشل الدولة في بلدان مثل العراق ولبنان واليمن وليبيا وأفغانستان"، مؤكدا أن "الحكومات في هذه الدول لا تستطيع الإبقاء على مواصلة عمل شبكة الكهرباء الوطنية؛ لأسباب متعددة منها: الحروب والنزاعات أو سوء الإدارة أو تفشي الفساد".

ويواصل: "العراق، يضم أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم، رغم ذلك فإنه دائما ما تصاحب أيام فصل الصيف اللاهبة فيه أصوات هدير مولدات الكهرباء الأهلية المنتشرة بين أحياء وأزقة المدن ليتمكن الأهالي من إبقاء مكيفات الهواء لديهم تعمل لتلطيف الجو داخل بيوتهم".

وتحدث التقرير عن "مليارات الدولارات كانت مخصصة لإصلاح وتطوير هذه الشبكة جرى هدرها واختلاسها بسبب الفساد المستشري".

وفي 21 يوليو/تموز 2021، قال رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، إن العراق أنفق ما يقرب من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2003، لكن الفساد كان عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بشكل مستقر.

وأفاد تقرير الوكالة الأميركية بأن "ما يقارب من 17 مليار متر مكعب من الغاز يجري حرقها وهدرها سنويا من آبار العراق النفطية، لأنه لم يتم بناء محطات وبنى تحتية لتجميع هذا الغاز ومعالجته ليُستخدم في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية لمدّ بيوت العراقيين بالكهرباء".

ونبّه إلى أن "عائلات عراقية متوسطة الدخل تشتري الكهرباء من أصحاب المولدات الأهلية على مدى عشر ساعات كمعدل يومي، مقابل أسعار وفقا لكمية الطاقة المسحوبة"، مؤكدا أن "أجور كهرباء المحطات الأهلية في العراق هي الأعلى على مستوى المنطقة".

وكان وزير الكهرباء العراقي، زياد علي، قد كشف خلال اجتماعه مع اللجنة المالية البرلمانية في 8 فبراير/شباط 2023، أن العجز الحاصل في تجهيز الكهرباء يصل إلى 14 ألف ميغا واط، فيما يحتاج البلد إلى 37 الف ميغا واط للوصول للاكتفاء الذاتي من التجهيز بمعدل 24 ساعة.