تحقيقات وإقالات.. هل تنجح حكومة العراق في القضاء على مافيا السجون؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوات غير مسبوقة منذ بدء مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، اتخذت وزارة العدل في العراق، مجموعة قرارات أطاحت بالعديد من مسؤولي السجون وإحالة البعض منهم إلى المحاكم، وذلك بعد شكوى تتعلق بالفساد وابتزاز السجناء.

وتُعد سجون العراق، إحدى أبرز الملفات الشائكة في البلاد، إذ تعتاش مافيات الفساد منذ سنوات على معاناة نحو 70 ألف معتقل وسجين، بعدما منع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عام 2006 زيارتها من المنظمات الحقوقية والاطلاع عليها.

قرارات جريئة

منذ تولي القيادي في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، خالد شواني، وزارة العدل في حكومة محمد شياع السوداني، اتخذ جملة من القرارات تتعلق بالسجون العراقية، رفعت من سقف التوقعات في تحسين ملف حقوق الإنسان الذي شهد انتكاسة كبيرة بعد عام 2003.

آخر تلك القرارات، كانت إعفاء مديرة سجن النساء المركزي وسحب يد المعاون الفني لها وذلك لمخالفتهم "الأوامر والتعليمات"، حسب بيان صدر عن وزارة العدل في 19 أبريل/ نيسان 2023.

ويأتي هذا القرار على خلفية "تسريبات صوتية" عرضتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ جرى بعد ذلك تشكيل لجنة تحقيقية بالموضوع وأصدرت توصياتها بهذا الشأن، إضافة إلى إحالة التسجيلات الصوتية للمحاكم المختصة لثبوت صحتها، وفقا للبيان.

وبثت قناة "وان نيوز" العراقية في 11 أبريل 2023، تسريبات صوتية تتعلق بتلقي معاونة مديرة سجن النساء المركزي في بغداد رِشا من إحدى السجينات، مقابل تواصلهن مع ذويهن، وأن الاتصال قيمته 100 دولار لقاء مكالمة واحدة عبر "الواتساب".

وفي 3 أبريل 2023، أصدر وزير العدل أمرا بإعفاء مدير سجن "الحلة" المركزي، ومعاونَيه، ومدير قسم الشؤون الداخلية للسجن لإخلالهم بواجباتهم الوظيفية، وجرى ذلك بعد جولة تفتيشية مفاجئة أقامها، استمع فيها إلى المشاكل التي يواجهها النزلاء وسرعة إجراءات إطلاق السراح لمن انتهت مدة محكوميتهم، حسب بيان لوزارة العدل.

ونقل البيان عن شواني أن "الوزارة تعمل على الإيفاء بالتزاماتها كافة في تحسين الظروف الإنسانية داخل السجون بما ينسجم مع الإستراتيجية الحكومية بتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان".

وفي 17 يناير 2023، قرر وزير العدل إعفاء مدير سجن "التاجي" ومعاونيه وعدد من المسؤولين فيه، على خلفية التحقيق بالفيديو المسرب من داخل السجن والذي تناولته بعض منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

وكشف الفيديو المسرب، استغاثة نزلاء في سجن "التاجي" من انتهاكات غير أخلاقية تمارسها الإدارة في حقهم، وذلك من خلال إجبارهم على شراء المخدرات وبيع أجهزة الهاتف النقال لهم بأسعار خيالية.

وخلافا لمن سبقوه، أجرى شواني زيارات ميدانية مفاجئة للسجون، شدد فيها على أهمية حماية حقوق النزلاء بغض النظر عن الأحكام الصادرة بحقهم، كونها سياسة تنتهجها الوزارة والحكومة الحالية بوضع حقوق الإنسان ضمن أولويات عملها، حسبما نقل بيان عنه في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وأكد وزير العدل العراقي، على عدم السماح بأي "انتهاكات أو إجراءات تعسفية"، تنال نزلاء السجون، وفيما تحدث عن خطط الحكومة ووزارته فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، أكد إعادة النظر بملف إطعام السجناء، المثير للجدل.

وعلق السياسي والعضو السابق في البرلمان، مشعان الجبوري، على خطوات وزير العدل عبر تغريدة على "تويتر" في 19 أبريل 2023، بالقول: "السجناء إرادتهم مسلوبة وعُزل والكثير منهم أبرياء انتزعت منهم الاعترافات تحت سياط المحققين في بعض الأجهزة".

وأضاف: "رعايتهم (السجناء) وتلبية احتياجاتهم الإنسانية ومنع التجاوز عليهم وعلى أسرهم واجب أخلاقي ووطني لكل العاملين في السجون والمكلفين بإدارتها وزيارات وزير العدل لها ومحاسبة الإدارات السيئة والفاسدة واستبدالها عمل إنساني مسؤول يستحق الثناء".

انعكاسات إيجابية

وبخصوص مدى تغير واقع السجون في ظل الخطوات التي يتخذها وزير العدل الحالي، أكد الخبير الحقوقي، علي التميمي، أن "الوزير يمتلك صلاحيات وفق قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991، الذي يتيح له تشكيل لجان تحقيقية، وإحالة المخالفات إلى المحكمة لاتخاذ إجراءات فيها".

وأوضح التميمي لـ"الاستقلال" أنه "عندما يشكل الوزير لجنة تحقيقية نتيجة بلاغ أو معلومة وصلته، فهي بالتالي مطالبة بالكشف عن تفاصيل القضية والحالات التي تنظر فيها- لأنه تحقيق إداري- ثم توصي بعدها إلى الوزير بالعقوبة المطلوبة، وقد تصل إلى إنهاء الخدمة".

ولفت إلى أن "الإجراءات التي تقوم بها وزارة العدل بالتأكيد ستنعكس إيجابا على واقع السجون، كونها تضع رادعا لمثل هذه الحالات التي تحصل بين وقت وآخر، وتحقق العدالة الاجتماعية، لأن المتورطين بقضايا الابتزاز وأخذ الرشا وغيرها سيحالون إلى المحاكم".

وأكد التميمي أن "الرقابة على السجون يجب أن تكون من البرلمان، كونه جهة رقابية أولا، إضافة إلى أن رئيس الوزراء بحكم صلاحياته الواسعة بإمكانه فسح المجال أمام اللجان والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية لزيارة هذه المنشآت والاطلاع على واقعها".

ورأى الخبير أن "الوزير الحالي يعمل بشكل جيد وإيجابي منذ توليه منصبه في وزارة العدل، فهو حريص بشكل شخصي على متابعة هذه المؤسسات المعنية بالسجناء، وخصوصا ما يتعلق بالتغذية والتعاقد مع الشركات التي تتعاقد مع الوزارة لتقديم هذه الخدمات".

وأردف قائلا: "الوزير يتابع موضوع قانون العفو العام الذي يجب أن يحل، لذلك فإن ما يقوم به الأخير من خطوات بشكل متواصل هي بالفعل جيدة، ومن شأنها أن تنعكس بشكل إيجابي على عمل هذه المؤسسات".

وخلال كلمة له في ملتقى متابعة تنفيذ "الخطة الوطنية لحقوق الإنسان" المنعقد ببغداد في 22 ديسمبر 2022، قال الوزير شواني إن "العراق يعمل على ضمان سيادته عبر التعاون مع تلك المنظمات وفق التخويل القانوني الممنوح لها ويشجعها على ممارسة دورها البناء في مساعدة الشعب في المجالات ذات الصلة".

وأشار إلى أن "العراق يقدم تقاريره إلى لجان الأمم المتحدة بشكل دوري وفي المواعيد المناسبة، بعد صياغتها من قبل لجان متخصصة تدون فيها كل المعلومات ذات الصلة بالتنفيذ الفعال للاتفاقيات الدولية ذات الصلة".

وفي مجال إنشاء المؤسسات الخاصة بملف حقوق الإنسان، أشار إلى أن "العراق يسعى لخلق مؤسسات ذات تخصص للتعامل مع الأمر".

وأردف: "كما عزز قدرات مؤسسات قائمة للقيام بمهامها في مجال حقوق الإنسان، ومنها ما يتعلق بالطفل والمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة ومكافحة الفقر وغيرها، فضلا عن المفوضية العليا لحقوق الإنسان".

ووفقا للوزير، فإن "وزارة العدل بدأت أولى خطواتها العملية في مجال تكريس مبادئ حقوق الإنسان، خاصة في المؤسسات الإصلاحية، من خلال المباشرة في تشكيل اللجان لمراقبة مدى التزام القائمين على المؤسسات الإصلاحية، وكذلك المؤسسات الأخرى بشأن حقوق الإنسان وتعاملهم مع النزلاء".

واقع مأساوي

ويعاني المعتقلون في العراق من واقع مأساوي، ففي 13 فبراير 2023، أكد رئيس لجنة حقوق البرلمانية، أرشد الصالحي، "وجود مافيات لها نفوذ مُقسّمة بين من تُدخل المخدرات وتوزعها على المتعاطين، ومن تبيع وتشتري (تبتز) السجناء، وثالثة معنية بالأطعمة، وأخرى متخصصة بإدخال الهواتف النقالة (الخلوية) وشبكات الإنترنت".

وأوضح الصالحي في مقابلة مع صحيفة "العربي الجديد" أن اللجنة وجدت خلال زيارات مفاجئة للسجون، قاعات "VIP" دفع من خلالها السجناء، بغض النظر عن خلفياتهم، رشوة تصل قيمتها إلى 300 ألف دينار (200 دولار) شهريا لتوفير وسائل راحة وخدمات كاملة.

وتابع: "كذلك يُطلب في بعض السجون مبالغ من عوائل السجناء للسماح لهم بمقابلتهم، رغم أنه حق يُفترض أن يتم دوريا وحسب القوانين النافذة، وهذا فساد واضح ينبغي عدم السماح باستمراره".

وفي 27 يونيو/ حزيران 2019، قالت مقررة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، النائبة وحدة الجميلي، إن "80 بالمئة من المواطنين المحكوم عليهم بالإعدام والمؤبد في سجون البلد، أبرياء، اُنتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب".

وأضافت خلال مؤتمر صحفي في العاصمة بغداد، أن "الكثير من المعتقلين في السجون الحكومية والأجهزة الأمنية ومعتقلات الحشد الشعبي (شيعية مسلحة)، أدينوا عبر اعترافات انتزعت نتيجة ممارسات لا إنسانية ولا أخلاقية".

وطالبت الجميلي بتعديل المادة التاسعة من قانون العفو العام المتعلقة بإعادة التحقيق والمحاكمات، لـ"إنصاف هؤلاء الضحايا".

من جهتها، تؤكد "رايتس ووتش" في تقاريرها أنها وثّقت "شهادات مرعبة" بشأن تعذيب معتقلين عراقيين وموتهم تحت التعذيب أو من جرّائه في السجون الحكومية المعلنة.

وأشارت المنظمة خلال بيان لها في 19 أغسطس/آب 2018 إلى أن "هذه الشهادات لا تعكس المعاملة الوحشية لمحتجزي وزارة الداخلية في العراق فحسب، بل أيضا عدم إحقاق العدالة من قبل السلطات الأمنية والقضائية عند وجود دليل على التعذيب".

وأكدت "رايتس ووتش" أن "تقاعس الحكومة عن التحقيق في التعذيب والوفيات في الاحتجاز هو ضوء أخضر لقوات الأمن لممارسة التعذيب دون أي عواقب".

وأوضحت أنها "في كل مرة وفرت معلومات كافية للتحقيق في ادعاءات التعذيب والموت أثناء الاعتقال، بما فيها مدد الاحتجاز وأماكنه والأشخاص الذي لعبوا دورا، وقدمتها إلى مكتب رئيس الوزراء والمفتش العام بوزارة الداخلية، لكن لم يتم إجراء تحقيق شفاف في ممارسات التعذيب والوفيات في السجون الحكومية".

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، فتح السوداني ملف التعذيب بالسجون وانتزاع الاعترافات قسرا خلال التحقيقات القضائية، والتي زج بسببها آلاف العراقيين داخل المعتقلات خلال السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي.

وأهاب مكتب السوداني في بيان له "بمن تعرض لأي صورة من صور التعذيب، أو الانتزاع القسري للاعترافات، بتقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان، معززة بالأدلة الثبوتية".

وخصص السوداني، الذي تولى رئاسة الحكومة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بريدا إلكترونيا لمستشار حقوق الإنسان، وبريدا آخر للسكرتير الشخصي للقائد العام للقوات المسلحة لاستقبال الشكاوى، مؤكدا أن "ذلك يأتي من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان في العراق".