استقالة أم إقالة.. هل أطاح "قانون الإضراب" بزعيم أكبر تنظيم نقابي في الجزائر؟

الجزائر - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع أثارته استقالة الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، سليم لباطشة، وسط تساؤلات عن أسباب هذا القرار المفاجئ وغير المنتظر.

وبعد الإعلان عن استقالة لباطشة تضاربت القراءات بشأن أسبابها الحقيقية، كونها تأتي في سياق التوتر الذي يعيشه المشهد الاجتماعي والعمالي بالبلاد في المرحلة الراهنة، خاصة مع رفض النقابات لمشاريع قوانين جديدة تعدها محاولة من الحكومة لضبط ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب.

و"الاتحاد العام للعمال"، الذي تأسس عام 1956 في مرحلة "ثورة التحرير"، يعد أكبر فصيل نقابي موالٍ للسلطة في الجزائر.

موقف معارض

وفي 5 مارس/آذار 2023، أعلن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، في بيان نشره عبر فيسبوك، أن أمانته الوطنية عقدت اجتماعا طارئا للبت في حالة شغور منصب الأمين العام للاتحاد بعد انسحاب سليم لباطشة من المنصب.

وأضاف البيان، أن "الأمانة الوطنية اختارت حمو طواهرية أمينا عاما بالنيابة لتسيير المرحلة القادمة خلفا لباطشة المستقيل من منصبه لأسباب شخصية جعلته غير قادر على التفرغ بشكل كلي لأداء مهامه على أحسن وجه".

ووصل لباطشة إلى هرم أكبر التنظيمات النقابية الجزائرية سنة 2019، إثر انسحاب الأمين العام السابق، عبد المجيد سيدي سعيد، بعد تنحي الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في مايو/ أيار 2019، حيث وُجهت له تهم فساد انتهت بسجنه عام 2022.

وتزامنت استقالة لباطشة، مع استمرار رفض النقابات لمشاريع قوانين جديدة تعدها النقابات المستقلة محاولة من الحكومة لضبط ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب.

وفي 28 فبراير/شباط 2023، شلت النقابات المستقلة في الجزائر عدة قطاعات، احتجاجا على مشروعي قانونين عرضتهما الحكومة على البرلمان، يتعلقان بممارسة العمل النقابي وإنشاء النقابات المهنية والحق في الإضراب والوقاية من النزاعات المهنية.

ونفذت 32 نقابة مستقلة ممثلة لعمال التربية والتعليم، بالإضافة إلى الصحة والبريد والتضامن والإدارات (البلديات) ونقابة الأئمة وعمال الشؤون الدينية، إضرابات للضغط على الحكومة من أجل سحب مشاريع القوانين المكبلة لحق الإضراب وممارسة العمل النقابي.

ومقابل خوض النقابات المستقلة لعدة إضرابات، لم يشارك "الاتحاد العام للعمال الجزائريين" الموالي للسلطة في هذه الإضرابات، بعدما أبدى تحفظا على مشاريع القوانين الجديدة المنظمة للنشاط النقابي، أتبعه بسكوت فُسِّر على أنه تراجع إلى الوراء تحت ضغط الحكومة.

وفي 22 يناير/ كانون الثاني 2023، أعلن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، للمرة الأولى في تاريخه، عن موقف معارض لمشروعي الحكومة بخصوص تنظيم الحق في الإضراب وممارسة العمل النقابي.

وأعرب الاتحاد في بيان، عن آسفه لعدم إشراكه في التحضير لهذه المشاريع من أجل "إثراء أكبر لمحتواها، وذلك تماشيا مع ما أكد عليه رئيس الجمهورية (عبدالمجيد تبون) المتعلق بإشراك المنظمات التمثيلية في إثراء المشروعين، بهدف تعزيز واستدراك النقائص المسجلة من أجل التعددية النقابية".

ورأى الاتحاد أن "مواد المشروعين تتنافى مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، والدستور الجزائري فيما يخص الحقوق المدنية والسياسية".

ويعد الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر تنظيم جماهيري داعم للسلطة في الجزائر، حيث من عاداته ألا يسجل أي موقف يعارض سياساتها.

معارضة نادرة

معارضة الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، لمشروعي القانونين المنظمين لممارسة الحق في الإضراب والعمل النقابي عده مراقبون مؤشرا على ارتباط استقالته من قيادة الاتحاد بموقفه الرافض لمضامين المشروعين.

وفي هذا الاتجاه، تساءل العديد من النشطاء في الجزائر عما إذا كان "لباطشة" استقال بمحض إرادته أم جرت إقالته من المنصب على خلفية معارضته لقوانين تكبيل الحق في الإضراب وممارسة العمل النقابي.

وتساءل المغرد عبد الرزاق بوقمح، في تغريدة عبر تويتر، أن "سليم لباطشة ينسحب من اتحاد العمال الجزائريين.. استقال أم أقيل أم استقيل؟".

وفي المقابل، ذكر الإعلامي الجزائري، فيصل ميطاوي، أن "لباطشة يستقيل من منصبه على رأس الاتحاد العام للعمال الجزائريين لأسباب صحية تمنعه من استمرار مزاولة مهامه".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر، أن "حمو طواهرية الذي خلفه، سيبقى على رأس المركزية النقابية إلى حين انعقاد المؤتمر الوطني".

الاستقالة لأسباب "صحية" أو "شخصية" لم تقنع أيضا العديد من النقابيين والإعلاميين الذين شككوا في أن تكون وراءها الأسباب المطروحة خاصة تزامنها مع طرح قوانين جديدة خاصة بتنظيم حق الإضراب وممارسة العمل النقابي.

وفي هذا الإطار، قال الناشط النقابي عبد القادر صادوقي، إن "التوقيت يعطي إشارة واضحة لوجود صلة بين استقالة لباطشة وموقف الاتحاد الأخير المناوئ لقانوني العمل النقابي والحق في الاضراب، اللذين بدأ البرلمان جلسات مناقشتهما".

وأضاف صادوقي، لموقع "العربي الجديد" في 6 مارس 2023، أن "موقف الاتحاد لا يخدم خيارات السلطة، وفي الوقت نفسه، فإن لباطشة غير قادر على الحد من حالة الغليان ورفض الفروع النقابية لمشاريع القوانين الجديدة، في موقف يتقاطع مع نفس مواقف مجموع النقابات المستقلة".

وكان الاتحاد العام للعمال الجزائريين، قد أعلن، للمرة الأولى في تاريخه النقابي، عن موقف معارض لمشروعي قانونين طرحتهما الحكومة على البرلمان بخصوص تنظيم الحق في الإضراب وممارسة العمل النقابي.

تقاليد الاستقالة

من جانبه، يرى الصحفي والمعارض الجزائري، وليد كبير، أن تقاليد الاستقالة بالجزائر لا توجد مع نظام العسكر بالجزائر، مضيفا أن "هذه الثقافة تم تغييبها من قبل هذا النظام الحاكم".

ورأى كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "بيان الاتحاد العام للعمال الجزائريين بخصوص استقالة لباطشة تحدث عن أسباب شخصية دون الحديث ولو بتلميح أو إشارة عن هذه الأسباب الشخصية هل هي مرض أم شيء آخر".   

وتابع أن "البيان جاء فيه أن الأمر يتعلق بأسباب شخصية لم تمكنه من التفرغ كليا لأداء مهام الأمين العام على أحسن وجه، لكن عدم توضيح هذه الأسباب الشخصية يؤكد أن الرجل أُقيل من منصبه لأنه لم يجار مشروعي قانوني تنظيم الحق في الإضراب وممارسة العمل النقابي".

ورجح كبير، أن "يكون الأمين العام السابق للاتحاد العام للعمال الجزائريين قد تعرض لضغوطات كبيرة بسبب عدم مجاراته للحكومة في مشاريع القوانين التي طرحتها على البرلمان والمتعلقة بتنظيم الحق في الإضراب وممارسة العمل النقابي".

وبعد يومين من الإعلان عن استقالة لبطاشة من قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، صادق البرلمان، بالأغلبية، خلال جلسة عامة في 7 مارس 2023، على مشروع القانون المتعلق بممارسة الحق النقابي. 

وأفاد كبير، بأن "بيان الاتحاد العام للعمال الجزائريين بخصوص استقالة لباطشة غير مقنع والأسباب التي تم عبرها محاولة تبرير الاستقالة بعيدة عن الواقع".

وتابع أنه "عندما يُصدر بيان غير مقنع فإن هذا يؤكد أن الرجل قالوا له غادر منصبك وأعطوا لها صورة تقديم الاستقالة".

وأبرز كبير، أن "الاتحاد العام للعمال الجزائريين هو أحد التنظيمات النقابية الجماهيرية المهمة الذي تأسس أثناء الثورة التحريرية الجزائرية من طرف الشهيد عيسات إيدير"، مشيرا إلى أن "النظام يوظفه لخدمة أجندته في الأمور المتعلقة بالمواعيد الانتخابية وحشد الجماهير حول مشروع ما".

وشدد على أن "لباطشة لم يقدم استقالته من قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين كما زعموا بل أقيل حتى لا يعرقل مشروع نظام العسكر بخصوص تنظيم الحق في الإضراب وممارسة العمل النقابي الذي يهدف لتقويض العمل النقابي ومحاصرة العمل السياسي".

وخلص كبير إلى أن "النظام يخشى من الممارسة السياسية لهذا لجأ إلى طرح مشاريع قوانين تمنع القيادات النقابية من ممارسة العمل السياسي، على اعتبار أن اللعبة السياسية في الجزائر هي مغلقة لأن العسكر لا يقبلون أن تكون مفتوحة".