الصين حظرته وأوروبا تخشاه.. لماذا يقلق العالم من "شات جي بي تي"؟

علي صباحي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

"يجب أن نكون أكثر كفاءة، فهناك نقص في الأيدي العاملة بمجالات الرعاية الصحية والتعليم، ولو ذهبت إلى الدول منخفضة الدخل فستجد عجزا في الأطباء والمدرسين ، ونأمل أن تساعدنا تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي في أن نكون أكثر كفاءة".

هكذا جاء رد الملياردير الأميركي بيل غيتس، مؤسس عملاق التكنولوجيا الأميركي "مايكروسوفت"، على سؤال مفاده "ما مدى تأثير التكنولوجيا على الاقتصاد العالمي وسوق العمل خلال السنوات العشر القادمة؟"

لكن المثير في الأمر، لم يكن السؤال ولا الجواب في حد ذاتهما، بل كان السائل على وجه الخصوص، فهو ليس صحفيا أو باحثا كما قد يتوقع كثيرون، بل روبوت المحادثة الشهير "شات جي بي تي" (ChatGPT)، وهو ما عده خبراء تقنيون دوليون "علامة فارقة" في تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي.

هذه الطفرة الكبيرة التي أحدثها "شات جي بي تي"، الذي نجح في أن يكون التطبيق الإلكتروني "الأسرع نموا في التاريخ"، وأن يصل لمحاورة غيتس ورؤساء دول وحكومات، تثير مخاوف عديدة في الأوساط السياسية والاقتصادية، لدرجة أن البعض يرى أنها قد تهدد الوجود الإنساني.

طفرة مخيفة

وجرت مقابلة بيل غيتس مع "شات جي بي تي" في 18 فبراير/شباط 2023، برفقة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في كلية لندن الإمبراطورية للعلوم والتكنولوجيا والطب.

وطرح التطبيق أسئلة مميزة على غيتس وسوناك، تعلق بعضها بحياتهما الخاصة، والبعض الآخر بأعمالهما ومناصبهما.

كما سألهما عن أجزاء وظيفتيهما التي يتمنيان أن يقوم بها نيابة عنهما، ليجيبه غيتس، قائلا إنه يود استخدامه في جعل ملاحظاته أذكى، وتحويل الصور وتطويرها لأنه لا يجيد الرسم، كما أشار إلى أنه يستخدمه الآن في كتابة بعض القصائد والأغاني.

أما سوناك فأراد أن يتولى عنه الذكاء الاصطناعي مهمة الإجابة عن الأسئلة الروتينية التي يتعرض لها بشكل أسبوعي بصفته رئيسا للوزراء، ووصف ذلك بأنه سيكون عظيما.

وتعليقا على ذلك، قالت صحيفة "بيزنس توداي" الهندية إن هذا الحدث أظهر قدرة خوارزميات التعلم الآلي على الانخراط في محادثات ذكية مع البشر.

وأضافت: استخدمت منصة الذكاء الاصطناعي خوارزميات متقدمة لمعالجة اللغة الطبيعية، لتوليد أسئلة للقائدين بناء على خطاباتهما السابقة ومقابلاتهما وبياناتهما العامة.

وطورت هذا التطبيق شركة أوبن إيه آي (OpenAI) الأميركية، وجرى تدريبه على تريليونات الكلمات من الإنترنت، ليجيب على أنواع الأسئلة كافة بلغة طبيعية.

ويمكنه أيضا الترجمة بين اللغات وإنشاء نص مرتجل بشكل متماسك، فضلا عن صياغة الشعر أو حتى نصوص برمجية ونقدية إذا طلب منه ذلك.

وجذب التطبيق الكثير من الاهتمام منذ إطلاقه في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وسرعان ما أعلنت شركة مايكروسوفت رغبتها بالاستثمار فيه ثم أضافته إلى متصفح الإنترنت الخاص بها.

وحقق "شات جي بي تي" نموا سريعا خلال الثلاثة شهور الأخيرة، ونجح في الإجابة على العديد من الأسئلة بصورة طبيعية مهما بلغت تعقيداتها، وبدأ كثير من المطورين والمبرمجين حول العالم في استخدامه بشكل كبير لتصحيح نماذجهم البرمجية.

وكشفت وكالة رويترز مطلع فبراير، أن "شات جي بي تي" وصل إلى 100 مليون مستخدم نشط شهريا في يناير/كانون الثاني 2023، بعد شهرين فقط من إطلاقه، ما يجعله التطبيق الإلكتروني الأسرع نموا في التاريخ.

وأضافت الوكالة نقلا عن بيانات من شركة "سيميلار ويب"(Similar web)  للتحليلات، أن 13 مليون زائر استخدم "شات جي بي تي" يوميا في يناير، أي أكثر من ضعف مستويات ديسمبر/ كانون الأول 2023. 

ونقلت عن المحللين قولهم: "في 20 عاما بعد فضاء الإنترنت، لا يمكننا أن نتذكر ارتفاعا أسرع في تطبيق على الإنترنت خاص بالمستهلكين".

فاستغرق تطبيق تيك توك حوالي 9 أشهر بعد إطلاقه العالمي ليصل إلى 100 مليون مستخدم، في حين احتاج إنستغرام إلى فترة بين عام وعامين، وفق الوكالة.

مخاوف كبيرة

في 25 فبراير، حجبت الحكومة الصينية وصول مواطنيها إلى تطبيق “شات جي بي تي”، بسبب ما عدته نشر “معلومات مضللة” تعكس وجهة النظر الأميركية حول العالم.

وذكرت رويترز أن السلطات الصينية أبلغت الشركات التقنية الصينية الرئيسة، ومنها "تنسنت" التي تمتلك تطبيق "وي شات" الشهير بقطع الوصول إلى "شات جي بي تي".

كما أكدت الحكومة الصينية من الشركات التقنية التي ترغب في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التواصل مع الجهات الحكومية قبل إطلاق أي تطبيق جديد.

وتأتي هذه الخطوة في ظل المخاوف المتزايدة في الصين بشأن بعض الردود التي لا تستطيع الحكومة فرض الرقابة عليها، ولا سيما أسئلة المستخدمين المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان مثل تلك المتعلقة بمسلمي الإيغور.

وكانت الحكومة الصينية قد مررت عام 2019 تشريعات تطلب من الشركات تقديم تقنيات الذكاء الاصطناعي للحكومة للموافقة عليها قبل بيعها أو تصديرها.

وبالعموم، تعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات على معالجة تنتج ردودا على استفسارات المستخدمين، وتستمد معلوماتها وفقا للبيانات التي تدرّبت عليها.

وهذا يعني أن الردود التي يولدها التطبيق قد تعكس التحيزات الموجودة في مواد المصدر، وفق رويترز.

وقبل الخطوة الصينية بأسبوعين، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يعمل على صياغة قواعد جديدة بشأن الذكاء الاصطناعي تهدف إلى معالجة المخاوف المتعلقة بمخاطر "شات جي بي تي" وهذه التكنولوجيا بشكل عام.

وفي 3 فبراير، قال المفوض المعني بالصناعة في الاتحاد الأوروبي "تيري بريتون"، إن المخاطر التي يشكلها التطبيق وأنظمة الذكاء الاصطناعي أكدت الحاجة الملحة لوضع المعيار المرجعي العالمي للتكنولوجيا، ولا تزال هذه القواعد قيد المناقشة حاليا في بروكسل.

وأضاف لرويترز: "أوضح تطبيق شات جي بي تي، أنه يمكن لحلول الذكاء الاصطناعي أن توفر فرصا رائعة للشركات والمواطنين، لكنها قد تشكل أيضا مخاطر. ولهذا السبب نحتاج إلى إطار تنظيمي قوي لضمان موثوقية الذكاء الاصطناعي".

وعن أبرز القواعد الجديدة الجاري دراستها، أوضح بريتون أنه "سيتعين إبلاغ الأفراد بأنهم يتعاملون مع تطبيق دردشة لا مع شخص، وستكتسب الشفافية أهمية أيضا فيما يتعلق بخطر التحيز والمعلومات الخاطئة".

وبينما يصف مناصرو الذكاء الاصطناعي التطبيق بأنه طفرة تكنولوجية، يثير خبراء ومنصات تحليلية مثل "يو بي إس" و"سيميلار ويب"، مخاوف من أن الأنظمة التي تستخدمها مثل هذه التطبيقات يمكن أن يساء استخدامها في السرقة الأدبية والاحتيال ونشر المعلومات الخاطئة.

ويعتقد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي يتقدم نحو القدرة على إعادة تصميم نفسه بمعدل متزايد، ما قد يؤدي إلى "انفجار ذكاء" لا يمكن إيقافه، وإلى السيطرة على الإنسان من قبل الروبوت.

ويصف إيلون ماسك الذي شارك في تأسيس شركة "أوبن إيه آي" المطورة للتطبيق، لكنه غادرها لاحقا، الذكاء الاصطناعي في شات جي تي بي، بأنه "أكبر تهديد وجودي للبشرية"، علما أن منافسته "مايكروسوفت" استغلت ذلك واستثمرت فيها مليارات الدولارات.

وقالت رويترز إن مايكروسوفت رفضت التعقيب على تعليق بريتون، كما لم ترد "أوبن إيه آي" على طلبها للتعليق، لكن الأخيرة تدعي على موقعها الإلكتروني أنها تهدف إلى إنتاج ذكاء اصطناعي "آمن يفيد البشرية جمعاء".

ثمن باهظ

وفي السياق، كشفت دراسة أجراها موقع "رزيوم بيلدر" Resumebuilder، مع نحو1000  من قادة الأعمال أن "شات جي بي تي" بات يمثل تهديدا كبيرا لوظائف ملايين البشر.

وأوضح مطلع فبراير، أن أكثر من نصف الشركات التي خضعت للدراسة في الولايات المتحدة استخدمت "شات جي بي تي" في بعض أعمالها.

وأضافت أن ما يقرب من نصف هذه الشركات استبدلت بالفعل عددا من موظفيها، بسبب الخدمات التي يوفرها "شات جي بي تي".

وقالت الشركات التي استعانت بالتطبيق، إنها وفرت المال عبر  الذكاء الاصطناعي، إذ وفرت 48 بالمئة منها أكثر من 50 ألف دولار، و11 بالمئة وفرت أكثر من 100 ألف دولار.

وقال ستايسي هالر: كبير المستشارين المهنيين في شركة "رزيوم بيلدر": "مع نمو هذه التكنولوجيا الجديدة سيحتاج العمال بالتأكيد إلى التفكير في كيفية تأثيرها على مسؤولياتهم الوظيفية".

وأضاف أن غالبية الشركات تستخدم التطبيق في كتابة الأكواد، والإعلانات، وإنشاء المحتوى، ودعم العملاء، وإعداد ملخصات الاجتماعات.

وللمفارقة، يستخدمه أيضا الباحثون عن عمل في كتابة السير الذاتية والخطابات التعريفية والتقديمية.

وكان معظم المستخدمين راضين عن النتائج، إذ قال 76 بالمئة منهم إن جودة المواد المكتوبة بواسطة التطبيق "عالية أو عالية جدا"، وفق الدراسة.

وكانت جامعة كاليفورنيا نشرت في نهاية يناير 2023، مقالا عن مخاطر "شات جي بي تي" على التعليم، كشفت فيه أنه "جرى الإبلاغ بالفعل عن أربع حالات كان فيها الذكاء الصناعي مشاركا في أربع أوراق بحثية".

وفي المقال، قال إقبال بيتالاوا، وهو مسؤول مكتب المعلومات في الجامعة، إن شات جي بي تي، كنموذج لغوي كبير، يستطيع إنشاء نص يشبه الإنسان بناء على موجة أو سياق معين. كما يمكنه تنفيذ معظم مهام توليد النصوص التي تتضمن لغة طبيعية للتواصل.

لكنه يضيف أنه "من غير العملي حظر أو منع النموذج الآلي، وبدلا من هذا "تحتاج الأقسام العلمية والمدرسين إلى تقييم مدى إشكالية شات جي بي تي في تحقيق نتائج التعلم في فصولهم الدراسية".

وإذا تمكن الطلاب من تجنب التعلم الحقيقي والحصول على درجات عالية في الواجبات المنزلية باستخدام النموذج، فسيحتاج المعلمون إما إلى إجراء تقييماتهم من خلال طريقة تقنية تكشف استخدام النموذج، أو إيجاد طرق لدمج التطبيق في مساعدة الطلاب على بناء مهارات جديدة، يوضح بيتالاوا.

وهو ما يبدو أنه تحقق بالفعل مع إعلان شركة "أوبن إيه آي" المطورة، مطلع فبراير، أنها أطلقت، أداة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي أيضا، لاكتشاف ما إذا كانت النصوص كتبت من قبل آلة أو بشر.

وأشارت الشركة، في بيان، إلى أن أداتها الجديدة "AI Text Classifier" توفر مقياسا على 5 درجات، مبينة أنه "غير مرجح جدا أن يكون الذكاء الاصطناعي من كتب هذا النص، وغير مرجح، وغير واضح، وممكن، ومحتمل"، مع التأكيد أنها لا تزال قيد التطوير.