احتياطيات النقد الأجنبي تكفي لشهر واحد.. هل اقتربت باكستان من الإفلاس؟

سلطت صحيفة إيطالية الضوء على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في باكستان، جراء الفيضانات وعدم الاستقرار السياسي وعوامل أخرى أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في الدولة الآسيوية.
وقالت صحيفة "إيل بوست" إن "باكستان تسابق الزمن للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، في ظل تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي الضروري لتمويل شراء مواد أساسية للاستهلاك السكاني وأولية لأنشطة الصناعة".
وذكرت أن "المفاوضات الأخيرة مع صندوق النقد الدولي خلال 31 يناير/كانون الثاني- 9 فبراير/شبط 2023، لم تنتج حلا نهائيا بشأن إمكانية الإفراج عن حزمة بقيمة 1.1 مليار يورو من التمويلات الضروروية لتجنب الإفلاس".
ولفتت الصحيفة إلى "وجود تفاؤل لدى الحكومة والصندوق بشأن التوصل إلى اتفاق في المستقبل"، مبينة أن الوضع الاقتصادي لخامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان "لا يزال مقلقا".
أزمة عميقة
ومنذ عام 2019، دخلت باكستان في برنامج إنقاذ لاقتصادها ممول بقروض من صندوق النقد الدولي بنحو 6 مليارات دولار، ارتفعت إلى 7 في عام 2022.
وذكرت الصحيفة الإيطالية أن "منح هذه القروض، كما يحدث دائما في هذه الحالات، يشترط تنفيذ إصلاحات اقتصادية عميقة وهو ما لم تمتثل له باكستان دائما".
وأشارت إلى أن "مفاوضات الأشهر الأخيرة على وجه الخصوص، والتي كان من المنتظر أن تفرج عن جزء من المساعدات، تعطلت بسبب بعض الإصلاحات".
وبينت بأن إسلام أباد "في حاجة ماسة في هذه المرحلة إلى التمويل والنقد الأجنبي، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية العميقة أثرت بشدة على احتياطيات البلاد من الدولار اللازم لشراء السلع من الخارج، مثل الطاقة والمواد الأولية و الغذائية".
وقالت الصحيفة: "لطالما شكلت المعاملات بالدولار مشكلة رئيسة لمعظم البلدان الناشئة وعقبة رئيسة أمام التنمية".
وتابعت: "بشكل مبسط للغاية، العملات هي مرآة للاقتصادات التي تمثلها، تلك القوية لديها عملات قوية ومستقرة، مثل الدولار أو اليورو".
في المقابل، تمتلك الاقتصادات الضعيفة عملات ضعيفة وغير مستقرة ويمكن أن تفقد قيمتها بسرعة.
واستطردت الصحيفة: "لهذا السبب، تستخدم الدول الناشئة، مثل باكستان، الدولار كثيرا وتعتمد عليه غالبا".
كما يقوم المستهلكون والشركات بإجراء العديد من المدفوعات بالدولار، لأن العملة المحلية غالبا ما تكون غير مقبولة أو أنها في ذلك الحين فاقدة لقيمتها بشكل كبير.
بالإضافة إلى ذلك، يتم الاحتفاظ بجزء من الثروة بالدولار خاصة وأنها عملة لا تفقد قيمتها مطلقا على عكس العملات المحلية وهو ما يسهم في حماية المقدرة الشرائية، وفق قول الصحيفة.
شهر واحد
كما أشارت "إيل بوست" إلى أن "جزءا كبيرا من الدين العام هو أيضا بالدولار وبنفس العملة يتم سداد الواردات، مثل الطاقة والغذاء".
احتياطي النقد الأجنبي المتاح حاليا لباكستان يكفي لتغطية واردات السلع الضرورية، مثل الطاقة والوقود والغذاء لمدة شهر واحد.
كما أن فشل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيجعل من المستحيل سداد جزء من القروض المستحقة لدول ثالثة، مثل الصين والسعودية والإمارات ودول أخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن "الأزمة الاقتصادية في باكستان تعد نتيجة سلسلة من العوامل بعضها دولي وبعضها الآخر محلي".
وشرحت أن البلاد تواجه مثل العديد من البلدان تداعيات تفشي جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، مؤكدة أن آثار الزيادة في تكلفة الطاقة والغذاء "محسوسة بشكل أكبر في بلد يعتمد بشكل كبير على واردات الوقود الأحفوري والغذاء".
وفقدت العملة الوطنية الروبية الكثير من قيمتها في العام 2022، وارتفعت بسعر صرف 175 روبية للدولار إلى 275 حاليا، بسبب الأزمة التي يعيشها الاقتصاد.
وكذلك بسبب ارتفاع قيمة الدولار خلال الأشهر الأخيرة، مما أضر بشكل كبير بالبلدان ذات العملات الأضعف، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار البضائع الموردة من الخارج.
وبلغ معدل التضخم 27 بالمئة على أساس سنوي في يناير/كانون الثاني 2023، بالغا أعلى مستوى منذ عام 1975، وكذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية 39 بالمئة في المدن و 45 بالمئة في المناطق الريفية.
وبينت الصحيفة أن تراجع احتياطي العملة الأجنبية يعد المشكل الملح أكثر، لأنه يعيق الصناعة التحويلية بأكملها، خاصة صناعة القطن التي كانت من ركائز الاقتصاد الباكستاني.
وتابعت بأنه لم يعد لدى البنوك احتياطي من الدولار لتمويل مشتريات المواد الأولية للشركات، مما اضطرها بالتالي إلى الإغلاق.
للسبب نفسه، علقت أكثر من ثمانية آلاف حاوية تحتوي على الضروريات الأساسية في موانئ كراتشي في يناير/ كانون الثاني 2023 بانتظار تسديد ثمنها.
وضع معقد
وأردفت الصحيفة أن "باكستان تمتلك تاريخا طويلا من عدم الاستقرار الاقتصادي الناجم أيضا عن عدم الاستقرار السياسي الشديد وأخطاء مرتكبة في الخيارات الاقتصادية ما دفع البلاد إلى اللجوء إلى خطط إنقاذ من صندوق النقد الدولي في 13 مناسبة منذ عام 1980".
وفي السنوات الأخيرة، تعقد عمل الشركات أيضا بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، جراء نقص الاستثمار في شبكة البنية التحتية التي تواجه صعوبات كبيرة خاصة في أشهر الصيف عندما يزيد الطلب على الطاقة.
تضاف إلى هذه الصورة عواقب فيضانات أغسطس/آب 2022 الكارثية التي غمرت أجزاء كبيرة من البلاد وخلفت حوالي 1700 قتيل، بينما لا يزال عشرات الآلاف نازحين في مخيمات اللاجئين.
ودمرت الفيضانات المزارع وجعلت الزراعة مستحيلة، مما أثر بشدة على قدرة البلاد على إنتاج الغذاء لترتفع بذلك أسعار القمح والبصل، على سبيل المثال، إلى أكثر من الضعف.
وقدرت الأمم المتحدة أضرار الفيضانات بـ16 مليار دولار، لكن الرقم يرتفع إلى 30 مليارا إذا ما أخذ في الاعتبار أيضا تأثير نقص الإنتاج.
كما تسببت الكارثة في ما بين 8 و 9 ملايين من الفقراء الجدد لا سيما في المناطق الريفية.
في هذا السياق، حذرت الصحيفة الإيطالية بأن "خطر الإفلاس حقيقي في ظل تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2 بالمئة لعام 2023 وإمكانية عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي".
من جانبها، عبرت حكومة شهباز شريف عن تفاؤلها وأقرت بالحاجة إلى القيام بـ"إصلاحات مؤلمة".
يذكر أن رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف وصل إلى السلطة في أبريل/نيسان 2022 ليخلف عمران خان "الذي فقد الدعم البرلماني وجزءا كبيرا من التأييد الشعبي، وخاصة دعم الجيش الذي يلعب دائما دورا مهما في السياسة الباكستانية"، وفق "إيل بوست".
ووصفت الصحيفة الوضع في باكستان بـ"المعقد".
وعدت أن "التوترات الداخلية القوية على المستوى السياسي على غرار محاولة اغتيال عمران خان في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تشكل مصدرا آخر لعدم الاستقرار، إلى جانب تزايد نشاط الجماعات المتطرفة خاصة في شمال غرب البلاد".