"سنناضل لإسقاطه".. هل ينفذ اتحاد الشغل بتونس تهديده ضد قيس سعيد؟

تونس - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد تأجيل متكرر وتكتم شديد حول محتواه، إلا من بعض التسريبات التي حملت معها تخوفات جديّة لنتائجه على وضعية العمال والموظفين والطبقة المتوسطة والضعيفة في تونس، وقع الرئيس قيس سعيد أخيرا على "قانون المالية الخاص بعام 2023".

ورغم تحذيرات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، من قبول سعيد بقانون المالية الجديد حيث قال إنه في صورة إمضاء الرئيس عليه فإن الاتحاد سيخوض كل أشكال النضال من أجل إسقاطه.

وحملت الموازنة الجديدة في طياتها تخفيضا في قيمة الدعم الموجه للمواد الأساسية، وتقليصا في موازنة الأجور وترفيعا في الضرائب التي أصبحت تمثّل 90 بالمئة من مداخيل الدولة.

وبالمصادقة على هذه الموازنة في 22 ديسمبر/كانون الأول 2022، تدخل علاقة "اتحاد الشغل" بالسلطة مرحلة تجاذب وصراع، بعد فترة برود عاشتها لأشهر رغم مساندة المنظمة لانقلاب 25 يوليو/تموز 2021 وعدتها حينها "فرصة" لتصحيح مسار الثورة، ووقوفها على الحياد خلال الاستفتاء على الدستور الجديد.

انتقاد وغضب 

وفي أول ردّ بعد التوقيع على قانون المالية، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل إن "قانون المالية كشف زيف تلك الشعارات المرفوعة التي تدعي الدفاع عن الفئات الاجتماعية المهمشة".

وخلال مؤتمر نقابي في 24 ديسمبر/كانون الأول 2022، رأى أن "قانون المالية ضرب تلك الفئات وضرب منظومة الدعم وسيتسبب في ارتفاع الأسعار".

وشدد الطبوبي على أن "تونس تحتاج صورة أفضل مما يحدث فيها اليوم" .

وأكد على أن "الاتحاد لن يكون حطب نار لأي كان ولأي طرف سياسي، ولكن سيدافع عن الوطن وحقوق الشغالين والفئات المسحوقة وسيدافع عن الحريات وحقوق الإنسان" .

وأوضح الطبوبي أن المنظمة "ستدافع عن مصلحة البلاد والشعب لا طمعا في مكاسب أو مناصب أو انتخابات كما يحاول البعض ترويجه لفائدات أجندات مشبوهة داخلية وخارجية".

وتظهر من خلال التصريحات والمواقف والبيانات الصادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل والقيادات النقابية أن المنظمة دخلت بالفعل في صراع مع السلطة القائمة.

ولأول مرة، يوجّه الأمين العام للاتحاد الانتقاد إلى سعيد مباشرة ونظامه السياسي، حيث رأى أن "الانتخابات التشريعية (في 17 ديسمبر 2022) كانت بلا لون ولا طعم".

ورأى في تصريح إذاعي على "آي اف ام" المحلية، في 23 ديسمبر 2023، أن ما وصفها بـ"سياسة الهروب للأمام" التي تعتمدها السلطة أدت إلى "كره التونسيين للمنظومة السياسية ككل".

وأشار الطبوبي، في سياق متصل، إلى أنه "مع نظام رئاسي لكنه يرفض ما آل إليه النظام التونسي من نظام رئاسوي تحتكر في السلط بيد شخص واحد".

مزيد من الضرائب

ولم يأت موقف الاتحاد الحاد من قانون المالية لعام 2023 "صدفة"، حيث شعرت المنظمة النقابية بأن إقصاء مورس عليها منذ 25 يوليو/تموز 2021، وخاصة خلال مرحلة سنّ الدستور الجديد، حيث تم وضعها في إحدى اللجان الفرعية في موقع "لا يتناسب مع حجمها وتاريخها"، مما دفعها للانسحاب.

كما أثار المنشور "رقم 20" الصادر في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021 غضب الاتحاد الذي عده ضربا للعمل النقابي وحقوق الشغالين.

ويحدد المنشور شروط بدء الاتصال والتفاوض مع النقابات، كما أنه يمنع وزراء الدولة ورؤساء الشركات أو المؤسسات العامة من إبرام الاتفاقات، بما فيها الزيادات في الرواتب، دون موافقة رسمية من رئاسة الحكومة، وهو ما يعد "ضربا للعمل النقابي".

والميزانية التي صدرت في 23 ديسمبر 2022، على شكل مرسوم رئاسي، كانت في السابق تمر منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، من الحكومة إلى البرلمان ولجانه حيث يُناقش ويتعرف عليه الإعلام والباحثون ويتداولون حوله لأكثر من شهر بالنقد والاقتراح.

ثم تتم المصادقة على مشروع الميزانية في جلسة عامة، كأقصى حد يوم 10 ديسمبر، كما كان ينص على ذلك دستور 2014.

ولم يلق قانون المالية لسنة 2023 نفس المسار المذكور، وتلقى التونسيون وإعلامهم قانون المالية للسنة الجديدة على صفحات "الرائد" الرسمي (الجريدة الرسمية)، بعد أن تمت المصادقة عليه من سعيد.

وبحسب ما نشر بـ"الرائد" الرسمي، فإن الحكومة ستلجأ للاقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار (7 مليار دولار) متأتية بنسبة 66.2 بالمئة من الاقتراض الخارجي، دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض خاصة في ظل تأخر نظر صندوق النقد الدولي في ملف القرض الموجه لتونس.

القرار انتقده الاتحاد أيضا باعتبار أن "خيار الحكومة حصر مصادر التمويل للميزانية العمومية في القروض الخارجية هو سياسة خرقاء قتلت روح المبادرة وأهدرت إمكانيات التعويل على الموارد الذاتية ورهنت البلاد وأغرقتها في مزيد من الديون".

وتفسر الحكومة التونسية ما تأمله من تراجع في عجز ميزانية الدولة لعام 2023 بـ"ارتفاع منتظر في المداخيل الجبائية بنسبة 12.5 بالمئة مقابل تراجع نفقات الدعم بنسبة 26.4 بالمئة وانخفاض نفقات العمليات المالية بـ56.5 بالمئة".

وهو ما يراه الاتحاد استهدافا لأجور العمال وقوت عموم الطبقات الشعبية، من خلال رفع الدعم والهرولة نحو التفويت في المؤسسات العمومية (بيعها للقطاع الخاص) والضغط التعسفي على كتلة الأجور "تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي التي جربتها بلدان كثيرة فأدّت إلى خرابها".

وقدرت الحكومة التونسية في القانون حجم نفقات الدولة للسنة القادمة بنحو 53,9 مليار دينار (17.1 مليار دولار) محددة المداخيل المرخص في استخلاصها بنحو 46.4 مليار دينار (14.7 مليار دولار) من بينها 40,5 مليار دينار (13 مليار دولار) مداخيل جبائية، مع تقديرات العجز بزهاء 7,5 مليار دينار (2.4 مليار دولار).

نحو المواجهة

ويرى الناشط السياسي التونسي، وسيم البوثوري، أنه "لا يمكن الجزم أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد تحول من حالة الحياد في علاقة بمسار 25 يوليو 2021 برمته إلى حالة الرفض والتحفظ، بل من المؤكد أن الاتحاد قد تجاوز مرحلة التطبيع مع تسونامي/إجراءات 25 يوليو" .

وأضاف البوثوري لـ"الاستقلال" أن "الاتحاد العام للشغل اختار عدم دخول في مواجهة مع المزاج العام الشعبي وفضل انتظار سقوط سردية التفويض الشعبي إيمانا منه بأن منظومة سعيد منظومة عاجزة على الإنجاز".   

وتابع: "كما أنه اختار الحفاظ على توازنات الداخلية والحفاظ على مسافة من الانقلاب إيمانا منه بأن الوطن يحتاج لاتحاد الشغل في مرحلة ما قويا موحدا قادرا على المواجهة، ويبدو أن هذه المرحلة قد أتت".

ورأى الناشط السياسي أن "الاتحاد في موقع قوة أمام منظومة سعيد التي تنكرت لاتفاقياتها في علاقة بتطبيق مضامين وإجراءات 6 فبراير/شباط 2022 والتي أنجزت ميزانية بشكل أحادي ميزانية أطلق عليها: حرب الحكومة ضد الكل حيث لم تستثن أي قطاع من إجراءات مضاعفة الضرائب وإثقال كاهل المؤسسات والأفراد".

واستطرد: "لذلك فإن كل المؤشرات تؤكد أن بوادر الانفجار الاجتماعي قد اجتمعت، وكل البوادر تؤكد أن اتحاد الشغل جاهز لاحتضان مضامينها الاجتماعية بأفق سياسي سيرى النور قريبا".

وشدد على أن "كل الآراء في تونس تجمع على أن موقف الاتحاد من الموازنة جاء في سياق رفض للوضع الذي وصلت إليه البلاد مع تفاقم الأزمة السياسية التي تجلت آثارها مع نسبة المشاركة الهزيلة في الانتخابات التشريعية التي أقيمت في 17 ديسمبر 2022 والتي وصفها الطبوبي بأنها بلا طعم ولا لون".

وشرع بالفعل الاتحاد بالتواصل مع عدد من منظمات المجتمع المدني، بينها هيئة المحامين التي قال عميدها، حاتم المزيو، أنه "تم تنسيق المواقف مع بقية المهن الحرة مع الاتحاد العام للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبدأت في إعداد مبادرة وطنية لإنقاذ البلاد من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي آلت إليه".

من جهة ثانية، أكد المزيو أن الهيئة "ستصدر خلال الساعات القادمة توصيات تتضمن رفضا تاما لمشروع قانون المالية 2023".

وشدد في مداخلة مع إذاعة “ديوان” المحلية في 25 ديسمبر، على أن "هيئة المحامين ستتصدى للقانون حتى عبر العصيان الجبائي"، مشيرا إلى أنه "تم تشكيل لجنة للطعن فيه أمام المحكمة الإدارية".

وأمام تسارع التصريحات والمواقف فإن المتابع للوضع في تونس يرى الأحداث تتجه إمّا لإجراء حوار وطني تشارك فيه كل الأطياف سلطة ومعارضة أو دخول البلاد في صراع بين شارع محتج تؤطره نسبيا الأحزاب والمنظمات من جهة، وسلطة الأمر الواقع تحت قيادة سعيد التي خسرت تقريبا كلّ مناصريها.