بخلاف التطبيقات الأخرى.. لماذا يدفع تيك توك المراهقين نحو الانتحار؟

علي صباحي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في عدة سنوات، استطاع تطبيق المقاطع المرئية القصيرة الصيني "تيك توك"، التربع على عرش التطبيقات الذكية، متجاوزا من حيث عدد مرات التحميل، عمالقة الولايات المتحدة، فيسبوك، ويوتيوب، وتويتر.

ورافق الصعود السريع لهذا التطبيق، جدل متواصل بشأن مخاطره على الصحة النفسية لمستخدميه من الكبار والصغار، ما يتجلى بوضوح في الدعوات المتصاعدة لحذفه من الهواتف، بعد تأكيد دوره في حالات إدمان وحتى انتحار سجلتها عدة دول حول العالم.

هيمنة عالمية

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2022، كشف موقع "سوشيال ميديا توداي" التقني، أن تطبيق تيك توك تفوّق على أساس شهري من حيث عدد مرات التحميل على الهواتف الذكية، بالمقارنة مع كل تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى، ولا سيما بالنسبة لفئة المراهقين والشباب.

ونقل عن منصة "آب فيغورز "AppFigures المتخصصة بالتطبيقات الذكية، أن تيك توك حافظ على هيمنته على سوق التطبيقات العالمي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، متجاوزا فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب.

وعلى أساس سنوي، تفوق تيك توك من حيث عدد مرات التحميل على كل تطبيقات التواصل الاجتماعي، بنحو 4 مليارات مرة حول العالم عام 2022، وجاء بعده فيسبوك بما يزيد على 3 مليارات مرة.

تيك توك بعد صعوده السريع في العامين الأخيرين يبدو أنه سيلتهم اليوم كل تطبيق آخر في طريقه، رغم المخاوف المتواصلة حول نموه عالميا بسبب ما يواجهه من تحديات في دول مثل أميركا، وفق الموقع التقني.

وفاجأ تيك توك كثيرين عندما نجح في إزاحة العملاقين غوغل وفيسبوك عن عرش المواقع الأكثر زيارة عام 2021، وفق شركة "كلود فلير" الأميركية التي تتابع حركة الأنشطة على الإنترنت.

وأوضحت الشركة في تحليلها السنوي أن العديد من المواقع، وفي مقدمتها تيك توك استفادت من زيادة استهلاك الإنترنت بالمنازل نتيجة لجائحة كورونا.

وأضافت أن التطبيق الصيني الذي انطلق عام 2016 بدأ بالتفوق على بقية التطبيقات العالمية مطلع 2021، إذ تجاوزت أعداد زيارة "تيك توك"، موقع "غوغل" في 17 فبراير/ شباط للمرة الأولى.

وتكرر الأمر في مارس/ آذار، ومايو/ أيار، إلا أنه أصبح الأول في معظم الأيام بعد 10 أغسطس/آب.

وكان "غوغل" قد تصدر قائمة المواقع الأكثر زيارة التي أطلقتها الشركة عام 2020، وكان في القائمة ذاتها "تيك توك" الذي يستخدمه أكثر من مليار إنسان حول العالم شهريا.

صعود مقلق

وفي تعليقه على تحليل شركة كلود فلير، قال الخبير في الإعلام الرقمي محمد عبدالله: "بالفعل أصبح تيك توك يحظى بمعدل مشاهدات أعلى من مختلف المنصات، وحتى داخل الولايات المتحدة يقضي المستخدمون وقتا أكثر في استخدامه".

وأرجع عبدالله نمو الزيارات في تيك توك إلى الخوارزمية التي يعتمدها التطبيق، موضحا أنها "جعلته ينافس بقوة في وقت قياسي قصير، شركات عالمية لها باع طويل في السيطرة على فضاء الإنترنت".

وأضاف: "التطبيق صعد من المركز السابع في 2020 إلى المركز الأول في 2021، وفق أغلب التصنيفات ومن ضمنها كلاود فلير، متفوقا على فيسبوك في تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتمكن من الإطاحة بجوجل أيضا"، وفق قناة "سكاي نيوز عربية".

ويمنح تيك توك المستخدمين خاصة المراهقين والشباب، فرصة كبيرة لنشر المحتوى المرئي الذي يعبّر عنهم، ويساعدهم في ترويج محتوياتهم وزيادة عدد المتابعين بسرعة مقارنة ببقية التطبيقات، كما يتيح للعلامات التجارية الوصول إلى الجمهور المستهدف بطرق مسلية وغير تقليدية.

ومن الأسباب الأخرى، لفت عبد الله إلى أن "سياسة التطبيق التي لا تضع الكثير من القيود ساهمت في انتشاره، كما أنه يتميز بسهولة الاستخدام، وطبيعة الفيديوهات القصيرة تجذب انتباه المستخدمين، خاصة المقاطع الفكاهية وتقليد الآخرين.

كما أن تيك توك لا يشترط عند فتحه تسجيل دخول أو التأكد من العمر رغم أنه يشترط تجاوز المستخدم 13 عاما، لكنه يأخذه مباشرة إلى محتوى التطبيق، وهي إستراتيجية أسهمت في زيادة عدد المستخدمين والزيارات بشكل أكبر، وفق عبدالله.

ووسط هذه الهيمنة العالمية، أقر مجلس الشيوخ الأميركي، في 14 ديسمبر 2022، مشروع قانون يمنع الموظفين الفيدراليين من استخدام تطبيق "تيك توك" على الأجهزة المملوكة للحكومة.

والتصويت الأخير يعد، وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أحدث إجراء من جانب المشرعين الأميركيين لقمع التطبيق الصيني، وسط مخاوف من أن بكين قد تستخدمه للتجسس على الأميركيين، فضلا عن مخاطر أخرى.

وفي عام 2020، حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منع الأميركيين من تحميل التطبيق، لكن معارك قضائية عديدة أجلت هذا الإجراء.

غير أن العديد من الوكالات الفيدرالية، بما في ذلك وزارة الدفاع والأمن الداخلي ووزارات الخارجية، تحظر بالفعل التطبيق على الأجهزة المملوكة للحكومة.

ومقابل ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن تيك توك بات الأكثر شعبية في العالم، ويستخدمه ثلثا المراهقين الأميركيين، مضيفة أن الشركة أكدت مرارا وتكرارا أنها لم تشارك أبدا بيانات المستخدمين مع الحكومة الصينية ولن تفعل ذلك إذا طلب منها.

من جانبها، قالت شركة "تيك توك" عبر بيان، في اليوم نفسه، إن المخاوف الأميركية تغذيها "معلومات مضللة"، ويسعدها الاجتماع مع صنّاع السياسة لمناقشة ممارسات الشركة.

وأضافت: "نشعر بخيبة أمل، لأن العديد من الدول تقفز على العربة السياسية لسن سياسات تستند إلى أكاذيب لا أساس لها من الصحة حول تيك توك".

مخاطر كبيرة

ويعد تيك توك، أكثر تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تطاردها اتهامات بالتسبب بإصابة الأطفال والمراهقين بإدمان الاستخدام لفترات طويلة، وهوس بتحري الفلترات للظهور بأفضل مظهر، ما يصيبهم بأمراض عصبية ونفسية مثل فقدان الشهية والاكتئاب والأرق.

وأصبح هؤلاء الأطفال والمراهقون وجوها لمساعٍ جديدة للتوجه إلى القضاء لتحميل الشركات التي تدير المنصات الرقمية الأكثر انتشارا مسؤولية المخاطر المزعومة لوسائل التواصل الاجتماعي.

وذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أنه رُفعت أكثر من 70 دعوى قضائية عام 2022 ضد تطبيقات التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها تيك توك.

وقالت إن هذه الدعاوى ترتكز على ادعاءات من مراهقين وشباب بأنَهم عانوا القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والأرق بسبب إدمانهم على هذه التطبيقات.

وكان المدّعون في سبع حالات على الأقل من الآباء والأمهات الذين أقدم أطفالهم على الانتحار، إذ حمّلت الدعاوى تيك توك المسؤولية عن خوارزمياتها التي تقف وراء ذلك، وفق الوكالة الأميركية.

وأوضحت أن فكرة تحميل شركات وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية عن الأضرار المحتملة التي قد تسببها منتجاتها للشباب نشأت أواخر 2021 حين كشفت فرانسيس هوغين، الموظفة السابقة في شركة "ميتا بلاتفورمز"، عن وثائق خطيرة.

إذ تضمّنت ادعاءات هوغين تعمد الشركة استغلال الشباب سريعي التأثر من أجل زيادة أرباحها، كاشفة عن دراسة داخلية أجراها تطبيق إنستغرام، التابع لـ"ميتا"، وجدت دليلا على معاناة عديد من المراهقات اللواتي يستخدمن تطبيق مشاركة الصور من الاكتئاب والقلق بسبب عقد تتعلق بشكل أجسادهن أو لون بشرتهن.

وأصدرت محكمة استئناف فيدرالية في كاليفورنيا عام 2021 حكمها في إحدى الدعاوى المستندة إلى المسؤولية عن المنتج، بإمكانية رفع دعوى قضائية بسبب الفلترات المستخدمة في تطبيقات تيك توك وسناب شات تسمح بتسجيل سرعة القيادة، إذ زعمت الدعوى أنَ هذا شجّع مراهقين على القيادة المتهورة، ما أدى لوقوع حوادث قاتلة.

وفي أحدث صور لمخاطر هذه الفلاتر، كشفت وسائل إعلام مصرية في 21 ديسمبر 2022، أن طفلا يبلغ من العمر 10 سنوات توفي داخل غرفته إثر أدائه تحديا جديدا على تيك توك يُسمى "المشنقة".

وكشفت تحقيقات النيابة المصرية وفق صحيفة الوطن المحلية، أن ذلك الطفل كان يقلد فيديوهات لشباب أكبر سنا منه على تيك توك وهم ينافسون بعضهم في "تحدي المشنقة".

وربط الطفل حبلا في المروحة ووضعه حول رقبته وبدأ في الصراخ لكن الأسرة لم تستطع إنقاذه، وفي هذا التحدي يشنق بعض الشباب أنفسهم من خلال حبل لمدة من الوقت ليروا من يمكنه الصمود لوقت أطول.

وعقب انتشار الخبر، علقت مغردة من لبنان بالقول إن صديق ابنها طفل يبلغ من العمر 13 عاما يفكر في الانتحار بسبب فيديو نشره أصدقاؤه سخروا منه على تيك توك.

من جانبها قالت الناشطة داليا من مصر إن هناك تحديات أخرى منتشرة حاليا على التطبيق منها الطلب من الأطفال تقطيع أيديهم بأدوات حادة أو مشاهدة فيديوهات خطيرة أو القفز من السطح.

ولم تتوقف مخاطر التطبيق على المراهقين، إذ أنهى الراقص والكوميديان الأميركي الشهير ستيفن بوس المعروف باسم " "tWitchحياته عن عمر ناهز 40 عاما، في 14 ديسمبر 2022، مخلفا صدمة لجمهوره وأسرته.

وتلقت شرطة لوس أنجلوس، مكالمة من أحد فنادق المدينة، بالعثور على ستيفن بوس ميتا متأثرا بجراحه التي أصيب بها إثر طلق ناري ذاتي.

وجاء الانتحار بعد يومين من نشر بوس صاحب البشرة السوداء مقطعا مصورا مرحا وراقصا مع زوجته أليسون هوكر، وهي مؤثرة شقراء على منصات التواصل الاجتماعي.

وبينما لم يتضح بعد السبب الحقيقي وراء الانتحار المفاجئ، ربط بعض الناشطين الأمر بظاهرة السخرية أو التنمر المستفحلة في تيك توك الذي كان يتابع بوس عليه نحو 6 ملايين شخصا.

وترك بوس وراءه ثلاثة أطفال هم: زايا 3 أعوام، ومادوكس 6 أعوام، وويسلي 14 عاما، ونعته زوجته هوكر بالقول لمجلة "بيبول": "كان العمود الفقري للعائلة، وأفضل زوج وأب، ومصدر إلهام لمعجبيه".