إنجازات المغرب بمونديال قطر.. لماذا احتفى بها الجزائريون وتجاهلها تبون؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في موقف لافت، تضامنت شخصيات سياسية في الجزائر، مع المنتخب المغربي عقب إنجازه التاريخي بالتأهل للمربع الذهبي في نهائي كأس العالم لكرة القدم في قطر للمرة الأولى عربيا وإفريقيا.

ورغم الخلافات السياسية الكبيرة بين البلدين، خالف سياسيون التوقعات وانتصروا لـ"المشترك الجغرافي والإنساني" بينهما بعد البصمة الكبيرة في المونديال، لكن الرئيس عبد المجيد تبون مازال غائبا.

وتساءل متابعون عن دلالة الانتقال من المواقف الشعبية إلى السياسية، وإمكانية تجاوز الأجواء المشحونة من بوابة الساحرة المستديرة.

تحصيل حاصل

وينافس المغرب على المركز الثالث في المباراة أمام كرواتيا التي تعقد في 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، بعد فوز فرنسا عليه بهدفين دون رد في 14 ديسمبر، وفوزه على البرتغال بهدف دون رد في 10 من الشهر نفسه.

ونجح المغرب في كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والإفريقية، وبات بذلك، ثالث منتخب من خارج أوروبا وأميركا الجنوبية يتأهل إلى المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم بعد الولايات المتحدة عام 1930 وكوريا الجنوبية في 2002.

وعمت الأفراح أنحاء إفريقيا والدول العربية ابتهاجا بإنجازات المغرب التاريخية في بطولة كأس العالم المقامة في قطر، لكن الأنظار اتجهت إلى الجزائر، الجارة التي تشهد علاقاتها مع المملكة توترا سياسيا.

وبعد أن كانت التهاني تقتصر على الجانب الشعبي بين الجزائر والمغرب، بسبب الخلافات السياسية بين البلدين، تجاوزته هذه المرة وقدم التهاني سياسيون وزعماء أحزاب من الجزائر.

البرلماني عبد الوهاب يعقوبي هنأ فرنسا بالفوز، والمغرب بإنجازاته منذ بداية المونديال، وكتب على فيسبوك: "ويبقى الفوز الحقيقي للروح الرياضية العالية والصداقة بين الشعوب".

وعقب فوز المغرب على البرتغال، قال يعقوبي: "العرب لأول مرة في نصف نهائي المونديال.. هنيئا  لفريق الأشقاء المغاربة وتأهلهم التاريخي ومزيدا من الفخر بالعلم الفلسطيني".

وأضاف: "هنيئا لكل شعوب المغرب العربي وإفريقيا بهذا الفوز والعاقبة للنهائي إن شاء الله". وختم قائلا: "الشعب الجزائري والشعب المغربي خاوة خاوة (إخوة)".

رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، زبيدة عسول، كتبت: "برافو للمنتخب وهنيئا للشعب المغربي على هذا الإنجاز بالتأهل لنصف نهائي كأس العالم".  وأضافت في تدوينة عبر فيسبوك في 10 ديسمبر: "إنه فوز لكامل إفريقيا".

وفي مقطع مصور، قال الدبلوماسي الجزائري السابق، محمد العربي زيتوت: "الانتصار التاريخي للفريق المغربي...فرحة شعب واحد في بلدين..هنيئا لنا".

وفي تدوينة نشرها في ديسمبر، وجه عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) لأسود الأطلس التحية بالقول: "هنيئا للشعب المغربي ومزيدا من التألق. كلنا مع هذا الفريق الواعد".

وبعد هذه التهاني أعرب متابعون من البلدين عن "كسر جليد" التجاهل خلال الفترة الأخيرة، وأن هذه التدوينات والتغريدات والتصريحات تبقي على أمل تجاوز الأزمة.

والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين مقطوعة منذ أغسطس/آب 2021، على خلفية نزاع في ملفات معقدة.

وتعاني العلاقات بين الجارين المغاربيين انسدادا على خلفية ملفي الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وقضية إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقريرالمصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

كما رأت الجزائر أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، برعاية أميركية، موجه ضدها، وقد تضمن التطبيع أيضا اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على إقليم الصحراء، أواخر عام 2020.

مجاملات ومباركات

من جانبه، قال المحلل السياسي الجزائري والمتخصص في العلاقات المغاربية، علي بن عمر: "الحقيقة ابتداء، الاحتفالات التي عرفتها كثير من المناطق الشعبية هي تحصيل حاصل للمشاعر التي تترابط فيها شعوب المغرب العربي".

وأضاف ابن عمر لـ"الاستقلال" أن "التعبير عن فرحة عفوية التقت فيها الشعوب مع متنفس كرة القدم التي تعطيهم مساحة حقيقية للتعبير بحرية عن الحب والمآزرة، بعيدا عن البروباغندا التي يحاول نظام البلدين تسويقها".

ورأى أن "المكاسب السياسية تتسبب في شرخ متعمد بين الإخوة في البلدين؛ وهو ما ترجمته أصوات نشاز في الجزائر حاولت التقليل من الإنجاز التاريخي لفريق أسود الأطلس، بالإضافة إلى بعض الأصوات المغربية التي تركت فرحة الانتصارات واختارت التنمر".

وحول إمكانية تحسن العلاقات الثنائية بعد انتقال التهاني من المستوى السياسي، قال ابن عمر: "أعتقد أن الأسباب التي قامت عليها الخلافات السياسية بين النظامين الجزائري والمغربي لا تزال قائمة إلى حد الآن".

وأوضح أن هذه الخلافات تبدأ "من قضية الصحراء وصولا إلى التطبيع المغربي مع إسرائيل ومرورا بالاتهامات المتبادلة بين الطرفين بمحاولة زعزعة الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية في كلا البلدين".

وتابع: "بالتالي لا يمكن أبدا أن نرى ذوبانا للجليد في العلاقات بين الجزائر والمغرب وأن الاحتفالات الشعبية في الجزائر ستبقى على المستوى الشعبي، رغم مجاملات بعض السياسيين ومباركتهم للمنتخب المغربي".

لكن بعد سنوات من العلاقات الباردة وتاريخ طويل وصعب اتسم بتبادل الاتهامات، تجاهلت الحكومة الجزائرية منجزات كرة القدم المغربية، حتى إن القنوات التلفزيونية فرضت رقابة على بعض الإشادة بانتصارات المنتخب المغربي.

وفي هذا السياق، علّق الصحفي الجزائري المعارض، وليد كبير، على هذه الحادثة، قائلا، إن "التلفزيون العمومي الجزائري يتجاهل فوز المغرب على بلجيكا!".

وتابع عبر حسابه على تويتر: "شاهدوا يا قادة العرب من يدعي أنه عقد قمة لم الشمل!"، في إشارة منه إلى القمة العربية التي احتضنت الجزائر فعالياتها مطلع نوفمبر 2022، تحت عنوان "قمة لم الشمل العربي".

وغاب العاهل المغربي عن حضور القمة العربية التي انعقدت بالجزائر، جراء استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وفي الوقت الذي قدمت فيه دول عربية وإفريقية أخرى تهنئة رسمية، التزمت الحكومة الجزائرية، التي قطعت علاقاتها مع الرباط في عام 2021 بعد سنوات من تدهور العلاقات، الصمت بشكل ملحوظ.

ورغم الأجواء المشحونة سياسيا بين البلدين، فقد بدت حالة الفرح على الجمهور الجزائري الذي احتفل بالإنجاز المغربي.

كما أظهرت المقاطع المصورة على منصات التواصل الاجتماعي احتفالات مشجعيين جزائريين قرب الحدود بين البلدين.

وقال الباحث المغربي في العلوم السياسية، أمين الإدريسي: "مبادرة بعض السياسيين الجزائريين خطوة جيدة تترك الأمل بين الفاعلين الأساسيين في التواصل المستقبلي".

وبين الإدريسي لـ"الاستقلال" أن "صمت السياسيين أو مشاركتهم سلبا في العلاقات غير الجيدة تبعد أي تقارب محتمل في الوقت القريب".

وبالتالي تصريحات السياسيين الجزائريين وتعبيرهم عن فرحتهم بتأهل منتخبنا الوطني تترك الباب مفتوحا أمام المبادرات حتى ولو على المدى المتوسط، وفق تقديره.

وأضاف: "لا نخفي أننا سعداء بتدوينات الأحزاب السياسية وأعضائها ومشاركتهم لأفراحنا، مثلما شاركناها معهم في كأس إفريقيا 2019، وغيرها من البطولات القارية، وهذا دأب لا يمكن أن نتجاهله مهما كانت الظروف".

جدير بالذكر أن العاهل المغربي بعث ببرقية تهنئة للرئيس الجزائري المؤقت، عبد القادر بن صالح، بمناسبة نجاح "محاربي الصحراء" في تحقيق لقب كأس إفريقيا في يوليو/تموز 2019.

وشدد الإدريسي على أن "التهاني المتبادلة خاصة في عالم كرة القدم تعطي للرياضة وجهها الجميل".

منافسة رياضية

لكن الملاحظ أن الدولة الجزائرية والإعلام الرسمي تجاهل إنجازات المنتخب المغربي، في وقت رصدت وسائل إعلامية دولية ذلك.

وقال موقع "بي بي سي" البريطاني، عبر تقرير نشره في 11 ديسمبر، إن "التلفزيون الرسمي الجزائري تجاهل إنجازات المنتخب المغربي في مونديال قطر، أما الشعب الجزائري فلم يكترث بالقطيعة بين الدولتين واحتفل بفوز منتخب أسود الأطلس".

وتجاهلت وكالة الأنباء الجزائرية والإذاعة الرسمية، وكذلك صحيفة "الشروق" المقربة من الحكومة النتائج التي حققها المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، مكتفية بنقل أخبار رياضية متفرقة، محلية ودولية.

وانتقد الكاتب والإعلامي الجزائري، توفيق رباحي، ذلك بشدة وقال: "هذا الإعلام، الحكومي منه خاصة، صنع مسلسلا بائسا تمسك ببثه منذ بداية انتصارات المنتخب المغربي".

فيما تسلى المشجعون المغاربة والجزائريون والعرب بمسلسل التلفزيون الجزائري الذي تقوم الحبكة فيه على إنكار تام لوجود المغرب في المونديال، وفق مقال نشره عبر صحيفة "القدس العربي"، في 12 ديسمبر.

وأضاف "أتمنى لو عادوا إلى رشدهم، لا أقصد صحفيي التلفزيون ولكن الذين يتحكمون فيه ويستعملونه أداة دعائية، لأنهم أدركوا خطأ ما فعلوا منذ البداية، وبلغت السخرية منهم مبلغها ولم يعد ممكنا تجاهل منتخب بلغ نصف نهائي كأس العالم في سابقة تاريخية".

من جانبه، رأى الناشط السياسي الجزائري، صالح عبد الرحمن، أن ما فعلته بعض وسائل الإعلام الوطنية "سقطة إعلامية".

وقال لموقع "الحرة" الأميركي، في 7 ديسمبر إنه "كان يُفترض أن ينقل الخبر كما هو، بغض النظر عن أي خلافات سياسية، خصوصا أن الأمر يتعلق بمنافسة رياضية بحتة".

وأكد عبد الرحمن أن "المنتخب المغربي لا يمثل النظام السياسي في بلاده، وإنما يمثل المغرب كدولة وشعب وأمة".

وتابع: "لذلك له منا كل الدعم والتشجيع، وهذا ما عبر عنه الشعب الجزائري في مختلف الأماكن، عندما خرج للاحتفال بفوز المنتخب المغربي".

من جهته، شدد الباحث المغربي في العلوم السياسية، أمين الإدريسي، على أن "الممارسات التي تسيئ للطرفين وجب الابتعاد عنها، والبحث عن القاسم المشترك الإيجابي الذي يكون في صالح الشعبين".

وأكد الإدريسي لـ "الاستقلال" أن "الأصوات العاقلة من الجانبين مدعوة دائما للتركيز على هكذا مناسبات تفرح شعوبنا العربية والإسلامية لكسر جدار القطيعة".

وأردف أن "الخلافات السياسية بين الأنظمة طبيعية، لكن إنهاءها من أجل المصالح الكبرى لرفاهية الشعوب مسؤولية النخب المثقة والسياسية".