مسؤول يمني لـ”الاستقلال”: أرباح الحوثي من تهريب الدواء تفوق المخدرات

عصام الأحمدي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

كشف مدير عام الخدمات الطبية والعلاجية بوزارة الصحة في اليمن عبدالرقيب محرز، عن "الحالة الكارثية" التي تواجه القطاع الصحي في بلاده، مع تراجع الدعم الدولي للقطاع.

وأوضح محرز في حوار مع "الاستقلال"، أن أكثر من 80 بالمئة من السكان في اليمن يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية.

وشدد على أن اليمن يواجه "حربا شرسة" ضد الأدوية المغشوشة التي انتشرت خلال الفترة الأخيرة، خصوصا في مناطق سيطرة مليشيا "الحوثي".

وعن حقنة الدواء الفاسد الذي أودى بحياة عشرات الأطفال، أكد محرز على أن ما حصل لأطفال مرضى اللوكيميا هي "جريمة بحق الطفولة والإنسانية جمعاء".

وأشار إلى أن وزارة الصحة طالبت بتحقيق دولي في الحادثة التي شهدتها اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وأدت إلى وفاة عدد من الأطفال المصابين بسرطان الدم "اللوكيميا"، بعد تلقيهم في صنعاء جرعات من دواء ملوث جرى تهريبه إلى البلاد نهاية سبتمبر/أيلول 2022.

ومحرز (47 عاما) من مواليد مديرية ردفان بمحافظة لحج جنوب اليمن، يعمل حاليا مديرا للخدمات الطبية والعلاجية بوزارة الصحة، وسبق له الإشراف على مراكز العزل الخاصة بمرضى كورونا، وهو مدرب معتمد في الجودة وسلامة المرضى، وله عديد من المشاركات في مؤتمرات محلية ودولية.

تحديات كبيرة

ما تقييمكم للوضع الصحي في اليمن؟

تسببت الحرب والوضع الاقتصادي والسياسي والأوبئة، بتدهور النظام الصحي في اليمن وتدني مستوى الخدمات الصحية والطبية، إذ يواجه نسبة كبيرة من السكان تحديات في الحصول على الرعاية الصحية.

وفي الوقت الحالي، يواجه أكثر من 80 بالمئة من السكان تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وخدمات الرعاية الصحية. 

ويُعَد نقص الموارد البشرية والمعدات والمستلزمات "حجر عثرة" في سبيل تقديم خدمات الرعاية الصحية.

علاوة على ذلك، فقد أدى الصراع إلى تفاقم التحديات والصعوبات في تقديم الخدمات الصحية، ويشمل ذلك ارتفاع مستويات سوء التغذية بين الأطفال، وانخفاض معدلات التحصين، وتفشي الأمراض المعدية.

كما يعاني النظام الصحي من انخفاض التمويل الخارجي، مقترنا بتحديات غير مسبوقة مثل ما حصل في جائحة كورونا وكثير من أمراض الحميات والأمراض المعدية.

هذه التحديات أثارت حالة من عدم الاستقرار بشأن مستقبل الخدمات الصحية في اليمن الذي يعوِّل كثيرا على التمويل الخارجي، من خلال دعم المنظمات والاعتماد المفرط على شركاء التنمية.

حدثنا عن أبرز الصعوبات الصحية التي تواجهكم وكيف تتغلبون عليها؟

الصعوبات كثيرة ومتعددة، منها المتراكمة من الفترات السابقة مثل هشاشة النظام الصحي.

ومنها المشاكل الطارئة التي تحدث بين الحين والآخر، مثل الجائحات والأوبئة والتي كان آخرها جائحة كورونا التي أربكت العالم بأسره وانهارت بسببها أنظمة صحية عالمية، رغم الإمكانيات الكبيرة المتوفرة لديها.

إذن الصعوبات فوق طاقة النظام الصحي في اليمن وفوق طاقة الحكومة كلها، كما نعاني أيضا من مشكلة التهريب والتزوير لبعض الأدوية. 

ومع كل هذا حاولت وزارة الصحة العامة والسكان التغلب على تلك الصعوبات مستعينة بالله والكفاءات الطبية والإدارية والفنية المخلصة والتي تسهم إلى حد كبير في الحفاظ على النظام الصحي من الانهيار.

ولا ننسى دعم الأشقاء والأصدقاء والمنظمات الدولية والمحلية والشركاء العاملين في بلادنا.

ما مدى قدرة الوزارة على تلبية الاحتياجات الصحية المواطنين؟

تسعى وزارة الصحة العامة والسكان ممثلة بوزير الصحة قاسم بحيبح، وفريق الوزارة وكل الطواقم الطبية والإدارية والفنية في عموم المحافظات بكل قوة وتبذل جهودا كبيرة، من أجل تلبية الحد الأدنى من الخدمات الطبية الأساسية لكل السكان، بدعم من المنظمات.

والحقيقة أنه في وضع كهذا يصعب على الوزارة تلبية كل الخدمات، خصوصا أن الإنفاق على قطاع الصحة لا يزيد على 7 بالمئة.

وأخيرا، وجه الوزير بالتركيز على المشاريع التنموية المستدامة، بدلا عن المشاريع والأنشطة المؤقتة التي تنتهي بانتهاء المشروع.

وعلى سبيل المثال، كان يتم شراء مادة الأكسجين من السوق المحلي مما يكلف الوزارة مبالغ باهظة، أما الآن تم شراء مصانع أكسجين في كل المحافظات، وأصبح لدينا ما يزيد على 25 مصنعا لإنتاج مادة الأكسجين تنتج ما يقارب 3 آلاف أسطوانة يوميا.

وحاليا يجرى تحويل بعض مراكز العزل لعلاج كورونا التي أنشأت بشكل طارئ خلال الجائحة إلى مراكز حميات دائمة، وخلال الأيام القريبة سيتم البدء بتشغيل مستشفى عدن العام بخدمات نوعية وبكوادر مؤهلة محلية وأجنبية.

وكل ذلك يصب في خدمة المرضى، وهذا لا يعني أننا استطعنا تلبية احتياجات المواطنين بشكل كامل، فمازال أمام الوزارة الكثير ويحتاج إلى دعم كبير من قبل الحكومة.

سوق الدواء

ماهي الآلية المنظمة لتجارة وتوريد الدواء؟

هناك هيئة عليا تختص بالأدوية والمستلزمات الطبية يترأس مجلس إدارتها وزير الصحة ولها لوائح قانونية تنظم الآلية للاستيراد ولست مخولا بالحديث عنها.

كيف تقيمون وضع الصناعات الدوائية في اليمن؟

الصناعات الدوائية في اليمن حديثة، وما ينتج محليا يغطي من 10 إلى 15 بالمئة فقط من الاحتياج الفعلي للسوق.

من المهم دعم وتشجيع الصناعات الدوائية المحلية تحت رقابة وإشراف وزارة الصحة العامة والسكان ووزارة الصناعة والتجارة، والالتزام بمعايير ضبط الجودة حرصا على سلامة المواطن.

لذلك فالصناعات الدوائية مازالت بحاجة إلى التطوير والتحديث ومواكبة كل جديد في عالم الطب.

هل هناك أدوية مجانية تقدم للمواطنين الذين يعانون من الأمراض المزمنة وكذا جرحى الحرب، وما هي الآلية المنظمة لذلك؟

نعم، هناك أدوية مجانية تقدم للمواطنين وخاصة مرضى السكر والقلب والأوعية الدموية، وكذلك أدوية الأمراض النفسية وأدوية زارعي الأعضاء، وقد تكون غير كافية بنسبة 100 بالمئة، مع تزايد عدد الحالات المصابة بالأمراض المزمنة.

هذه الأدوية توزع بحسب عدد المرضى على مستوى كل محافظة، من خلال الآلية المتبعة للصرف بالوصفة الطبية، وبطاقات خاصة بالحالات المرضية محدد فيها اسم العلاج وقوته والكمية المستخدمة يوميا.

نواجه بعض الإشكاليات مثل الاستلام من أكثر من مرفق أحيانا للشخص الواحد خاصة مع عملية النزوح، ونحن بصدد عمل نظام إلكتروني لضمان حصول كل المرضى المصابين بالأمراض المزمنة على أدويتهم بشكل عادل.

أما ما يخص جرحى الحرب فهذا الملف تم إحالته من قبل رئاسة الجمهورية والحكومة منذ 2016، إلى وزارة الدفاع لتحمل مسؤولية علاج جرحى الحرب.

وهذا لا يعني أن وزارة الصحة لن تقوم بعلاج أي جريح يصل إلى المستشفيات الحكومية، بل تقوم بتقديم الخدمات الطبية اللازمة لكل مريض وجريح وفق الإمكانيات المتاحة.

الأدوية المهربة

ما آلية الرقابة والتقييم على الأدوية المستوردة؟

الدولة تواجه حربا شرسة ضد الأدوية المغشوشة التي انتشرت أخيرا، وهي إما أن تكون خالية من المادة الفعالة أو تحتوي على كميات قليلة منها، وربما تكون سليمة بنسبة 0، ولكن تم استيرادها من الخارج وتهريبها من الجمارك.

هذا التهريب يخلق سوقا موازية للدواء الحقيقي بأرباح قد تفوق تجارة المخدرات، في ظل ضعف الدور الحقيقي والفعال لأجهزة الرقابة، خصوصا أن اليمن يقع على امتداد شريط ساحلي كبير، وبالتالي فإن عملية التهريب ماتزال تشكل إحدى الصعوبات البارزة.

واتخذت عمليات الغش الدوائي أشكالا أخرى، مثل تجارة الأدوية منتهية الصلاحية والمهربة والمزورة، وظهور ما يعرفون بـ"تجار الـExpired"، وكذلك تجارة الأدوية المستوردة من الصين مثل اللاصقة السحرية، وأدوية العظام وعلاج الخشونة والمنشطات.

ومع ذلك، لدى وزارة الصحة ممثلة بالهيئة العليا للأدوية آلية للرقابة على الأدوية، لضمان سلامة المجتمع من مخاطر الأدوية المزورة ومنها فحص عينات الأدوية التي تدخل البلد ومدى مطابقتها المواصفات والمقاييس العالمية للجودة.

وقبل ذلك، يتم زيارة الشركة الأم في بلد التصنيع من قبل مختصين، للتأكد من مصدر وسلامة تلك المصانع وطابعها القانوني، من حيث التصاريح ومؤهلات القائمين عليها، بالإضافة إلى الرقابة والتقييم في محلات بيع الجملة والصيدليات.

كيف تتعاملون مع الأدوية المهربة؟ 

الأدوية المهربة موجودة في العالم كله وتعاني منها كثير من الدول، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن الأدوية المهربة بالعالم تساوي 10 بالمئة تقريبا.

خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022، تم ضبط وإتلاف 136 "كرتونة" من الأدوية غير المطابقة للمواصفات.

وفي حال ضبط أي أدوية مهربة أو منتهية يتم مصادرتها وإحالة أصحابها إلى الجهات الضبطية والقانونية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة وفقا للقانون.

كيف تتأكدون من مطابقة الأدوية للمواصفات العالمية؟

هناك أجهزة حديثة لدى الهيئة العليا للأدوية تساهم بشكل كبير في فحص الأدوية، من الناحية الكمية والنوعية ومطابقتها للمواصفات والمقاييس العالمية.

 كما أن وزارة الصحة ممثلة بالهيئة تمتلك كوادر طبية مقتدرة في التعامل مع هذه الأجهزة الحديثة التي تستخدم في فحص الأدوية.

ما إجراءات الوزارة لمنع تهريب الدواء؟

محاربة التهريب مسؤولية تقع على الجميع وفي المقدمة وزارة الداخلية والجمارك والعاملين في المنافذ والموانئ والمطارات.

حادثة مؤسفة

حدثنا عن الفاجعة التي حصلت لأطفال السرطان في صنعاء؟ 

حقيقة ما حصل للأطفال هي "جريمة بحق الطفولة والإنسانية جمعاء".

وقد طالبنا حينها كافة المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمتا الصحة العالمية، والأمم المتحدة للطفولة، وكافة الجهات الدولية ذات الصلة، بفتح تحقيق دولي عاجل في حادثة وفاة وإصابة عشرات الأطفال المصابين بمرض السرطان داخل أحد المشافي الخاضعة لسلطة "الحوثي" في صنعاء، بعد إعطائهم أدوية منتهية الصلاحية.

ما إجراءات الوزارة بعد هذه الحادثة؟

بعد الحادثة المؤسفة التي أودت بحياة أكثر من 20 طفلا، وجه وزير الصحة بتشكيل لجنة فنية مختصة للتحقيق، تكونت اللجنة من وكيل الوزارة لقطاع الطب العلاجي ومدير عام المركز الوطني لعلاج الأورام ونائب مدير عام الهيئة العليا للأدوية.

كما نفذت اللجنة نزولا ميدانيا إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية ورفعت تقريرها إلى الوزير، الذي شدد على مراقبة الصيدليات وتجار الجملة للبحث عن أي أدوية مزورة أو منتهية الصلاحية واتخاذ إجراءات صارمة لمن يخل بسلامة ومأمونية الدواء والإضرار بالمواطن.

كيف وصلت الأدوية إلى مناطق سيطرة مليشيا "الحوثي"؟

وصلت عبر التهريب، مع عدم وجود آلية للرقابة على الأدوية من قبل سلطات المليشيات الحوثية في صنعاء وحمايتها لتجار الأدوية المواليين لها.

ما حجم الدعم الذي تقدمه المنظمات الدولية المختصة في مجال الصحة؟ 

حقيقة نشكر كل المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية التي دعمت القطاع الصحي خصوصا خلال الأعوام المنصرمة، فالدعم الذي يقدم لليمن كبير جدا ويذهب أكثر من 70 بالمئة من الدعم إلى صنعاء.

ولولا هذه التدخلات لما صمد النظام الصحي ولو بالحد الأدنى وبالتحديد في فترة جائحة كورونا، وما سبقها من أزمات وأعاصير وأوبئة مرت بها اليمن إلى جانب الحرب.

وبفعل هذا الدعم، استطاع النظام الصحي أن يلبي الحد الأدنى من حزمة الخدمات الأساسية.

كيف يمكن الوثوق بالتحقيق الذي أعلنت عنه سلطات مليشيا "الحوثي"؟

لا نثق بنتائج تحقيقات "الحوثيين" ما لم تشارك فيها جهات محايدة من المنظمات الإنسانية والحقوقية وممثلين عن أهالي الضحايا كونهم أحق بأن يكونوا على بينة من إجراء عملية التحقيق من عدمها.