رغم تحالفه معها.. لماذا تصر إيران على إهانة رئيس وزراء العراق الجديد؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

منذ تسلم محمد شياع السوداني منصب رئيس مجلس الوزراء في العراق، تتعرض حكومته إلى مواقف محرجة من إيران، رغم أنها الحليف الرئيس لقوى الإطار التنسيقي الشيعي الذي شكل الحكومة.

وأكد برنامج حكومة السوداني التي نالت الثقة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على "الحفاظ على سيادة البلاد من الانتهاكات الخارجية وحماية مصالحه"، لكن يبدو أن إيران لا تأبه بهذه الوعود أمام مصالحها الخاصة.

إحراجات متتالية

وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تعرض إقليم كردستان العراق لقصف من الحرس الثوري الإيراني، أودى بحياة شخص وإصابة 8 آخرين، بدعوى استهداف مواقع لجماعات كردية إيرانية معارضة تصفها بأنها "إرهابية وتثير المظاهرات الداخلية بطهران".

وهدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في 14 نوفمبر بأن هجمات الحرس الثوري القادمة ستكون على المدن والقرى والمناطق السكنية في هذه المنطقة، بالقول إن الهجمات المقبلة ستستهدف "المناطق المزدحمة بالسكان" في كردستان العراق.

وأضاف أن منطقة بكرجو في السليمانية وقرية توبوز آباد من المناطق التي يسكنها مواطنون عاديون و"سنستهدفها بالتأكيد في العمليات القادمة"، مهددا أهالي هذه المناطق بأنهم إذا أرادوا استتباب أمنهم فعليهم نبذ هؤلاء "الإرهابيين"، حسبما نقل موقع "إيران إنترناشيونال".

وردا على ذلك، أدانت الخارجية العراقية خلال بيان في 14 نوفمبر "بعبارات شديدة ومكررة، ما أقدم عليه الجانب الإيراني من قصف مدفعي وبالطائرات المسيرة، على عدد من مناطق إقليم كردستان العراق، والتي أوقعت العديد من المواطنين الآمنين بين شهيد وجريح".

وأضافت: "هذا النهج الأحادي، العدائي، لن يكون عاملا للدفع بحلول تفضي للاستقرار، وسبقت مواقفنا لتؤشر خطر هذا التجاوز السافر على سيادة العراق وأمن مواطنيه، وما يعكسه من تهديد مستمر سيتسبب بإرباك المنطقة ويرفع مستوى التوتر فيها".

وأكدت الخارجية العراقية أنها "ستتخذ إجراءات دبلوماسية عالية المستوى في هذا الجانب، غير متوانية عن حفظ وصون سيادة العراق، وبما يعزز أمن شعبه".

وقبل ذلك، تعرضت الحكومة العراقية إلى حرج آخر من إيران بعدما دشنت منفذا حدوديا جديدا مع العراق، وتحديدا مع محافظة ديالى، رغم رفض مجلس الوزراء العراقي إنشاءه أو أي خطوات أخرى حتى الآن، رغم الكشوفات التي أجرتها فرق مختصة من ديالى وبغداد، حسبما نقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 13 نوفمبر.

ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول في ديالى (لم تسمه) قيام الجانب الإيراني بإكمال أولى خطوات تدشين منفذ حدودي مع العراق شرقي ديالى، وهو منفذ ثالث للمحافظة مع الجانب الإيراني بعد منفذي المنذرية ومندلي.

ولفت المسؤول العراقي إلى أن "القانون الإيراني يسمح للمحافظين إنشاء وفتح منافذ حدودية مع الدول الأخرى وفق ضوابط قانونية حكومية محددة، ألا أن الحكومة العراقية لا تمنح هكذا صلاحيات".

وتعرضت حكومة السوداني إلى حرج شديد آخر كان بمثابة أول اختبار لها، عندما قتلت مليشيات موالية لإيران تدعى "سرايا أهل الكهف" المواطن الأميركي ستيفن ترول، وسط بغداد في 7 نوفمبر، وأكدت أنها كانت ثأرا للجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي قتل بغارة أميركية ببغداد في يناير/ كانون الثاني 2020.

"حديقة خلفية"

وبخصوص تعامل السوداني مع ما تقوم به إيران، أوضح الباحث في الشأن العراقي زيد الحاج لـ"الاستقلال" أن "إيران لا تأبه لما يحصل للسوداني وحكومته من حرج؛ سواء أمام الرأي العام العراقي، أو حتى أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي".

وأضاف أن "إيران تتعامل مع العراق على أنه حديقة خلفية تعبث فيها كيفما تشاء وتستغلها أبشع استغلال خدمة لمصالحها، وللتخلص من مشاكلها الداخلية المتفاقمة، لذلك نتوقع منها المزيد، خصوصا في ظل حكومة عراقية تعد حليفة لها".

وتابع: "ما نخشاه اليوم هو أن تسير حكومة السوداني على نهج رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، من خلال افتعال أزمات داخلية، سواء أمنية أو سياسية، وتتهم الدول العربية بالتدخل في الشؤون الداخلية من أجل تغييب الرأي العام المحلي عن العبث الإيراني في العراق".

واستدرك الباحث قائلا: "لكن الشعب العراقي اليوم لم يعد كما كان في عهد المالكي، لذلك كل شيء من هذا القبيل سيكون مفضوحا، لأن الإطار التنسيقي رفضه المجتمع الشيعي وكان خاسرا في انتخابات 2021، ولولا انسحاب التيار الصدري من البرلمان لما أصبح أغلبية برلمانية مكنته من تشكيل الحكومة".

وأكد الحاج أن "توجه السوداني سيظهر بعد ثلاثة أشهر من تسلمه رئاسة الحكومة، وينكشف أمام العراقيين، سواء إذا كان بالفعل يعمل لصالح العراقيين ويحافظ على سيادة البلد من كل التدخلات، أم أنه خاضع لإيران ويتبع سياسة التطنيش كما فعل ذلك أسلافه من بعد عام 2003، والاكتفاء بالحديث عن مشاريع ومساعيه للنهوض بواقع العراق".

واستبعد أن "يكون السوداني مختلفا عمن سبقه في المنصب، وبالتالي لن يقف بوجه إيران ويطالب بكف قصفها وتدخلاتها في العراق، وإنما سيكتفي بالتصريحات التي لا تسبب أي أذى أو إزعاج لإيران، لأنه محكوم بسياسة الإطار التنسيقي، وهو اعترف بأنه مرتبط بالأخير قانونيا".

وكان الصحفي والكاتب العراقي، مازن الزيدي قد أكد عبر "تويتر" في 12 نوفمبر بعد لقاء جمعه ومحللين عراقيين برئيس الوزراء العراقي، أن السوداني أكد لهم أنه مرشح الإطار التنسيقي، وأن الحكومة حكومة الإطار، وأنه مرتبط بالأخير بشكل قانوني ودستوري ولا يخجل من ذلك.

"زيارة قاآني"

وفي خضم هذه المشاكل الإيرانية التي تواجهها حكومة السوداني في بداية عهدها، كشفت وسائل إعلام إيرانية عن زيارة غير معلنة لقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني في 15 نوفمبر التقى خلالها رئيسي الجمهورية عبد اللطيف رشيد، والوزراء محمد شياع السوداني.

وصرحت وكالة "يونيوز" الحكومية الإيرانية في 15 نوفمبر نقلا عن مصادر عراقية (لم تسمها) قولها إن "قاآني، يصل إلى بغداد، ويجتمع بالرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ومن المفترض أيضا أن يلتقي في وقت لاحق برئيس الوزراء محمد شياع السوداني".

وزيارة قاآني، هي الأولى له بعد تشكيل حكومة السوداني، وجاءت بعد ساعات من قصف إيراني جديد استهدف مناطق داخل العمق العراقي في إقليم كردستان واستهدف مواقع لجماعات كردية إيرانية معارضة تصفها بأنها "إرهابية".

بحسب  قناة "وان نيوز" العراقية، فإن أولى الملفات التي حملها قاآني إلى بغداد هو بحث القصف الإيراني على إقليم كردستان العراق، حيث أكد للرئيس العراقي بأن إيران ستواصل استهداف قوى المعارضة الإيرانية أيا كانت كردية أم فارسية أو حتى عربية.

وبالتزامن مع زيارة الجنرال قاآني إلى العراق، نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية، عن مصادر (لم تسمها) في 15 نوفمبر أن "استهداف الحرس الثوري لمواقع التنظيمات الإرهابية الانفصالية في إقليم كردستان العراق ستستمر في قادم الأيام إلى أن يتم وأد نشاطاتها المزعزعة للأمن تجاه البلاد".

وأضاف المصدر الإيراني أنه "بناء على ذلك، نحتفظ لأنفسنا بحق القيام بأي عمليات عسكرية، بما في ذلك العمليات البرية والصاروخية والمدفعية والمسيرة للقضاء على التهديدات"، مؤكدا أن "العمليات العسكرية ستستمر إلى أن يتم نزع سلاح هذه المجموعات أو طردها بالكامل من إقليم كردستان العراق".

وفي هذا الصدد، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الشريفي، خلال حديث لصحيفة "العربي الجديد" في 15 نوفمبر، إن "زيارة المسؤول العسكري الإيراني إلى بغداد تأكيد استمرارية طهران في التعامل مع العراق من منطلق النفوذ".

وأشار الشريفي إلى أن "وصول قاآني يؤكد أيضا أن إيران تواصل العمل على توسيع نفوذها في العراق وتعويض ما فقدته خلال الفترة الماضية بسبب عوامل كثيرة سواء داخلية أو خارجية".

ولفت إلى أن "وجود قاآني في العراق بعد تشكيل الحكومة يؤكد أن دور إيران في العراق لا يقتصر على حل الأزمات السياسية التي تشهدها البلاد فحسب، بل هذا الدور يتعدى قضية الوساطة، ويصل إلى حد التدخل في بعض القرارات في بعض الأحيان على مختلف الأصعدة".

وتوقع الخبير العراقي أن "النفوذ الإيراني خلال الفترة المقبلة سيكون هو الأقوى على مستوى النفوذ الآخر (الأميركي)، وهذا النفوذ سيعاود فرض سيطرته وقوته من جديد على الكثير من الملفات العراقية، خصوصا باستغلال حكومة السوداني، التي جاءت بها قوى لها علاقات قوية مع طهران منذ سنين طويلة".

ورغم التهديدات الإيرانية والقصف المتواصل على إقليم كردستان، إلا أن السوداني لم يتطرق إلى الموضوع بتاتا في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد اجتماع لمجلس الوزراء في 15 نوفمبر، الأمر الذي يثبت أثر زيارة قاآني إلى بغداد، بحسب مراقبين.