فندق فور سيزونز دمشق.. مقر الصفقات المشبوهة بين الأسد والبعثات الدولية

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ العام 2011، تحول فندق "فور سيزونز" ذو الخمس نجوم وسط العاصمة السورية دمشق، إلى دار إقامة شبه دائمة لبعثات وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين الزائرين إلى سوريا.

وبات الفندق "العملاق" محلا لعقد الصفقات تحت حجج إنسانية بين المنظمات الدولية والنظام السوري ومؤسساته وشخصياته الكبار، قيمتها ملايين الدولارات.

إذ شكل فندق "فور سيزونز"، وحده نافذة تدر ملايين الدولارات على النظام السوري خاصة بالعملة الأجنبية، ولا سيما بعدما بات "بقعة آمنة" لمسؤولي المجموعات الإغاثية والدبلوماسيين الزائرين إلى سوريا بحكم عملهم، عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011.

ووفر الفندق لهؤلاء أيضا مساحة لصرف أموال باهظة من المخصصات الإنسانية على حفلات ومناسبات شخصية بعيدا عن عملهم الرسمي، بما يصب في صالح اقتصاد النظام المعاقب دوليا لقمعه الثورة.

فضحية جديدة

وجديد ذلك، ما أكدته منظمة الصحة العالمية في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بأن مكتب خدمات الرقابة الداخلية، التابع لها، يحقق في ادعاءات الفساد التي طالت مديرة مكتبها في سوريا، أكجمال ماغتيموفا.

ووجه موظفو مكتب منظمة الصحة العالمية في سوريا اتهامات بالفساد إلى مديرتهم، مشيرين إلى إساءة إدارتها لملايين الدولارات وزعت على مسؤولي النظام السوري كهدايا.

وشمل ذلك أجهزة كمبيوتر وعملات ذهبية وسيارات باهظة الثمن لوزارة الصحة في البلاد، وذلك خلال فترة جائحة "كورونا"، وفقا لتحقيق أجرته وكالة "أسوشيتيد برس" الأميركية، ونشرته في 20 أكتوبر.

ومن الشكاوى التي قدمها الموظفون، ضغط ماغتيموفا وهي مواطنة من دولة تركمانستان، من أجل توقيع العقود مع مسؤولي النظام السوري والسياسيين التابعين له.

وماغتيموفا التي قادت عمليات منظمة الصحة العالمية في سوريا لما يقرب من ثلاث سنوات، اتهمت في التحقيق بإقامة حفل تكلفته 11 ألف دولار أميركي في فندق "فور سيزونز" بدمشق خلال جائحة كورونا التي بدأت عام 2020، ودفعت كذلك "عقودا مشكوكا فيها" للأدوية والنقل لمسؤولي النظام السوري.

وتتهم شكاوي أخرى منظمة الصحة العالمية بتوظيف أقارب غير أكفاء للمسؤولين السوريين للعمل في برامج المساعدات الدولية، خاصة أن بعض المسؤولين متهمون بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بسوريا.

كما اتهمت المسؤولة الأممية، ماغتيموفا، بالاجتماع سرا مع الجيش الروسي في سوريا، وكذلك الحفاظ على اتصال وثيق مع المسؤولين السوريين.

ومن المعروف أن روسيا تدخلت عسكريا عام 2015 لإنقاذ رأس النظام بشار الأسد من السقوط أمام الثورة الشعبية ضده، ودمرت طائراتها المدن السورية، وأمالت الكفة العسكرية حينها لصالحه.

كما أن موسكو لعبت دورا أساسيا بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن وامتلاكها حق النقض الفيتو" فيه، من حصر مرور معظم المساعدات الدولية إلى سوريا عبر نظام الأسد.

وأصرت روسيا على تسليم تلك المساعدات من خلال النظام السوري إلى مناطق المعارضة والذي شكل "أداة ابتزاز سياسي" واضحة.

فندق مشبوه

اللافت أن ميزانية المكتب القطري لمنظمة الصحة العالمية في سوريا تبلغ حوالي 115 مليون دولار عام 2021، مما يفتح باب التساؤل حول كيفية إنفاق هذه الأموال وكيف استفاد منها النظام؟

والآن ما يقرب من 90 بالمئة من السوريين يعيشون في فقر مدقع، وسط اعتماد 13 مليون شخص على المساعدات الإنسانية.

مع وجود ما يقرب من سبعة ملايين سوري مهجرين من منازلهم إلى مخيمات معظمها من الخيام تقع خارج المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد.

وأمام ذلك، أعاد الكشف عن فساد المسؤولة الأممية وإغداق الأموال على النظام السوري، تسليط الضوء على فندق "فور سيزونز" كشاهد رئيس على رفد خزينة النظام السوري من الأموال بالعملة الصعبة من جيوب وميزانيات المنظمات الدولية.

وفندق "فور سيزونز" يقع في موقع إستراتيجي يشكل عصب العاصمة الاقتصادي وسط دمشق، وافتتحه عام 2006 رأس النظام بشار الأسد، ومالكه الأول هو الأمير السعودي الوليد بن طلال.

وجرى الافتتاح كفرع لسلسلة فنادق "فور سيزونز" التي يملكها ابن طلال حول العالم وتضم 17 فندقا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

لكن رجل الأعمال السعودي باع حصته في الفندق إلى سامر الفوز رجل الأعمال السوري البارز المقرب من بشار الأسد، في مارس 2018، بحسب ما قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن عملية البيع جرت في أثناء احتجاز الوليد بن طلال وعدد من الأمراء السعوديين وكبار رجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون بالعاصمة الرياض، في إطار "مكافحة الفساد" التي قادها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال عامي 2017 و2018، وأفرج عنهم لاحقا بعد تخليهم عن أجزاء كبيرة من أموالهم.

وبقي سعر الصفقة بين الوليد والفوز الذي له الحصة الأكبر من الفندق غامضة، إلا أنه في تلك الفترة بيع فندق "فور سيزونز" بيروت بمبلغ يصل إلى 115 مليون دولار.

وعقب الثورة السورية حظي فندق "فور سيزونز" بشعبية لدى شخصيات وممثلين من وكالات الأمم المتحدة ومجموعات الإغاثة والدبلوماسيين القادمين سوريا، وما يزال حتى يومنا هذا.

وتملك سامر الفوز الحصة الأكبر في الفندق، وهو شخص معاقب دوليا ومتهم بالسيطرة على أملاك المهجرين عبر شراء أراضيهم، يعد أمرا كافيا لأن تطال منظمات الأمم المتحدة اتهامات بالفساد ومساعدة النظام السوري ماليا، وفق مراقبين.

فكثيرا ما سربت صفقات مشبوهة وغير قانونية بين النظام السوري والمنظمات الدولية داخل ذلك الفندق، وصرفت أموال طائلة وغير منطقية فقط على أمور لوجستية.

حصالة أموال

وبحسب تقرير نشرته في 18 يوليو/تموز 2022 مؤسسة "FDD" للأبحاث، ومقرها واشنطن، فإن وكالات الأمم المتحدة أنفقت 11.5 مليون دولار أميركي في فندق "فور سيزونز" بدمشق، خلال عام 2021 وحده، في حين وصل المبلغ إلى 81 مليون دولار منذ عام 2014.

وشارك التقرير الإحصائيات السنوية لعام 2020 حول مشتريات الأمم المتحدة، التي تبين أن الوكالات الأممية اشترت ما قيمته 244.5 مليون دولار من السلع والخدمات في سوريا للعام المذكور.

كما دفعت وكالات الأمم المتحدة مبلغ 9.3 ملايين دولار أميركي لفندق "فور سيزونز" بدمشق في 2014-2015، حسب تحقيق لصحيفة "الغارديان” البريطانية نشرته في 29 أغسطس/آب 2016.

علما أن ثلث الفندق مملوك لوزارة السياحة السورية، المعاقبة من الاتحاد الأوروبي. وبررت الأمم المتحدة بأن الفندق يعد المكان الأكثر أمانا لموظفي الأمم المتحدة للإقامة في العاصمة السورية.

يؤكد تقرير لمؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" الأميركية غير الحكومية نشر في يوليو 2021، إنفاق وكالات الأمم المتحدة 14.9 مليون دولار 2020 على الإسكان والخدمات الأخرى في فندق "فور سيزونز" بدمشق، ووصول مجموع الإنفاق في الفندق إلى 70 مليونا و100 ألف دولار منذ عام 2014.

وفي 11 يونيو/حزيران 2019 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سامر الفوز، بما في ذلك فندقه الراقي فور سيزونز في دمشق، بدعوى إثراء بشار الأسد.

ومنذ أن أصبح الفندق قاعدة سكنية لموظفي الأمم المتحدة في سوريا، كان معارضو الأسد يطرحون على الدوام تساؤلات على رأسها أين تذهب الأموال التي يدفعها الموظفون الدوليون؟

ويرسل أعضاء من موظفي الأمم المتحدة المنتشرين في سوريا تقارير يومية من مقر إقامتهم في "فور سيزونز" إلى الأمانة العامة في نيويورك.

وفي أكثر من مرة اشتكى هؤلاء من صعوبات تمنعهم من أداء مهمتهم على أكمل وجه، وهو أمر تمارسه أجهزة النظام السوري لتقييد حركتهم ووضعهم تحت الابتزاز، وصرفت الهبات لهم من الأموال الأممية.

كما أنه وفقا لمصادر من فندق فور سيزونز، يقضي موظفو الأمم المتحدة وقتهم في عقد اجتماعات قصيرة حيث يوفر لهم إنترنت فضائي خاص.

وباقي الساعات يقضيها الموظفون في التسلية، وخاصة أنه موفر لهم كل أنواع الأطعمة والمشروبات، حتى أن الأكل واللحوم غير المتوفرة في دمشق تأتي إلى الفندق من العاصمة بيروت التي تقع على مرمى حجر.

تورط أممي

وتؤكد الشواهد أن موظفي الأمم المتحدة والوكالات الدولية مقصرون في رصد احتياجات المواطنين السوريين من المساعدات والأدوية منذ أن قدموا إلى سوريا لهذا الغرض.

وكثيرا ما تحدثت مواقع سورية معارضة عن أن الرغبة الوحيدة للفرق الأممية والدولية في دمشق القابعة في الفندق، هي كسب المال وقضاء وقت ممتع في العاصمة السورية.

وللمفارقة، فإن كثيرا من الشركات الأجنبية والمصانع نقلت مكاتبها إلى فندق "فور سيزونز" خلال العقد الأخير من باب الحماية الأمنية وتوفر الكهرباء والاتصالات.

واستغل النظام السوري الفندق كمنصة لإعادة تعريف "اقتصاد الحرب" الذي تقوده أسماء زوجة الأسد، عبر إقامة ملتقيات ولقاءات يحضرها رجال الأعمال المرتبطون بالنظام.

إذ شكل الفندق أيضا محطة مهمة لمسؤولي النظام السوري ورجال الأعمال التابعين له، لإعادة تفعيل شبكات تواصل جديدة مع المسؤولين الأمميين، عقب محاصرة النظام وفرض عقوبات غربية عليه لقمعه الثورة.

وفي خطوة لإضفاء ميزات إضافية لفندق فور سيزونز، جرى في 18 نوفمبر/تشرين الأول 2019 بداخله افتتاح فرع لسلسلة مطاعم "أم شريف"، الدولية الشهيرة والمنتشرة في عدد من الدول العربية.

وحينها حضر وزير السياحة بالنظام محمد مرتيني، الافتتاح وقال: إطلاق هذه المنشأة الدولية تشكل رسالة لعودة الألق السياحي وبداية التعافي، إضافة لكونها رسالة تشجيعية لكافة المستثمرين، لا سيما المغتربين السوريين، للعودة والاستثمار في سوريا".

وأثار افتتاح المطعم ذو الخمس نجوم، الجدل في الشارع السوري الذي يعاني فيه المواطنون من ظروف اقتصادية صعبة، يعجزون فيها عن تأمين قوت يومهم.

وبينما توجد مئات الفنادق في العاصمة دمشق الأرخص سعرا، فإن النظام السوري يجبر الأمم المتحدة على تسكين طاقم عملها الدولي في فندق "فور سيزونز"، والذي تفوق أسعار الليلة الواحدة فيه سعر إقامة لمدة أسبوع في بعض الفنادق.

كما أن النقطة الأبرز في إقامة موظفي الأمم المتحدة بفندق فور سيزونز وصرف الأموال على إقامتهم، هو تأثير الأسد على مكاتبها وتقاريرها حول خطط الاستجابة الإنسانية عبر استخدام لغة مفضلة لدى النظام.

وهذا ما حدث بالفعل عام 2016 عندما استخدم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون المساعدات الإنسانية، كلمة "صراع" بدلا من "أزمة"، ومصطلح "مواقع مدرجة في قرارات ذات صلة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" بدلا من "مناطق محاصرة من قبل القوات الحكومية".

وكذلك حذف مكتب الأمم المتحدة برنامج إزالة الألغام؛ لأنه كان سيضطر إلى العمل عبر الحدود خارج سيطرة النظام السوري.

وخاصة أن الأسد يبدي امتعاضه من تفضيل بعض منظمات المساعدات الدولية العمل عبر الحدود التركية أو الأردنية، للتعاون مع شركاء سوريين من خارج قوس النظام.

وكثيرا ما طالبت تقارير صحفية، منظمات الأمم المتحدة بأن تعيد النظر في اتفاقها مع نظام الأسد، ومراجعة ما إذا كان وجودهم في دمشق يتسبب في أضرار أكثر من منافع.

ولهذا فإن النظام السوري كان مدركا من البداية لحجم الأموال بالعملة الصعبة التي ستدخل مصرفه المركزي من الوكالات والمنظمات الدولية لقاء الخدمات والسلع التي تستهلكها خلال فترة وجودها.

ومن أجل ذلك، أسس نظام الأسد عام 2013 اللجنة العليا للإغاثة، وهي منظمة أوكلت إليها مهمة التنسيق بين طلبات الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية والوزارات الحكومية والفروع المختلفة والتي تدار من قبل أجهزة المخابرات السورية.