مبعوث أممي ثامن إلى ليبيا.. ما المفتاح الذي "يمتلكه وحده" لحل الأزمة؟

12

طباعة

مشاركة

في مهمة يجمع سياسيون ومتتبعون للشأن الليبي على صعوبتها، تدخل جهود الأمم المتحدة لتكريس حل سياسي للأزمة الليبية مرحلة مبعوثها الثامن على التوالي.

ووسط انقسام سياسي داخلي وعدم تجانس مواقف الأطراف الإقليمية وانشغال القوى الدولية بأزمة الطاقة وتطورات الحرب في أوكرانيا، دشن المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا الدبلوماسي السنغالي عبد الله باتيلي، مهامه بشكل رسمي رئيسا لبعثة الأمم المتحدة.

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قال باتيلي: "سأتولى قيادة المساعي الحميدة للأمم المتحدة وأداء جهود الوساطة من أجل التوصل إلى حل سلمي ومستدام يقوده ويملك زمامه الليبيون، كما سأتولى أيضا الإشراف على عمل البعثة".

مهمة صعبة

وأوضح باتيلي، في بيان صحفي، أن "الأولوية هي تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة بالاستناد إلى إطار دستوري متين"، مؤكدا أن "استعادة العملية الانتخابية كفيل بتعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار وتجديد شرعية المؤسسات في البلاد".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أعلن في 3 سبتمبر/أيلول 2022، عن تعيين السنغالي عبد الله باتيلي ممثلا خاصا له في ليبيا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم فيها، خلفا للسلوفاكي يان كوبيش.

ويواجه باتيلي، مهمة إيجاد حل منطقي وسلمي للأزمة السياسية المعقدة التي لم يتمكن أي مبعوث سابق من حلها رغم تعاقبهم وطرحهم لعدد من المبادرات.

ونظرا للتعقيد الداخلي الذي يتسم به المشهد الليبي إضافة لتشابك التدخلات الدولية والإقليمية التي يرى فيها كثيرون عائقا قويا أمام تحقيق التوافق الداخلي، يُنتظر من باتيلي العمل على عودة جميع أطراف النزاع سريعا إلى طاولة التفاوض السياسي للتوافق على إطار دستوري يفضي إلى إجراء انتخابات في أقرب فرصة. 

ومنذ قدومه إلى العاصمة طرابلس، عقد باتيلي لقاءات مع مختلف أطراف النزاع الليبي، والتقى في 16 أكتوبر 2022، برئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، وبرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وعضو المجلس عبد الله اللافي.

وفي 17 أكتوبر 2022، التقى الممثل الخاص للأمين العام، برئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح في مدينة القبة، وناقشا خيارات معالجة الوضع السياسي في البلاد. 

وبعدها بيومين، التقى باتيلي برئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، كما التقى في نفس اليوم وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش.

وفي بنغازي، التقى باتيلي، في 22 أكتوبر 2022، برئيس الوزراء المعين من مجلس النواب فتحي باشاغا، وبالمشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي. 

وتتنازع حكومتان على السلطة منذ مارس/آذار 2022، هما حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى مكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.

ويرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، بينما يصر باشاغا على تسلم مهامه، معتبرا حكومة الدبيبة "منتهية الولاية"، ما تسبب في تعطيل المفاوضات السياسية والعودة للاحتكام إلى السلاح.

وبعد شروع المبعوث الأممي باتيلي في عقد لقاءات مع مختلف أطراف الملف الليبي، تباينت آراء مراقبين في قراءة إمكانياته وقدرته على حلحلة الأزمة المتعثرة، وتحقيق الاستحقاق الانتخابي المؤجل.

مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية السنوسي بسيكري، يرى أن المبعوث الأممي يواجه مهمة صعبة في ظل المشهد الداخلي المعقد خاصة بعد فشل حوارات القاهرة وجنيف، وكذا لبُعد المبادرات السياسية عن أي توافق.

وفي 20 أكتوبر 2022، رأى بسيكري، أن هناك حاجة لدبلوماسية بصلاحية وقدرة ضغط أكبر مما يستطيع فعله باتيلي، وفق مقابلة على قناة الجزيرة.

وتوقع بسكيري، أن المؤشرات تظهر أن الصراع الإقليمي سيلقي بتداعياته على أطراف النزاع في الدخل الليبي.

وإضافة لحالة الانقسام الداخلي، هناك أيضا قوى إقليمية محيطة بليبيا لا تبدو متفقة على حل واحد للأزمة.

فمصر تدعم حكومة باشاغا، بينما تساند الجزائر حكومة الوحدة الوطنية، ناهيك عن التنافس المشتد بين الدول الكبرى من قبيل الولايات المتحدة الأميركية روسيا وفرنسا وإيطاليا. 

وبدورها، قطعت تركيا مسافة أبعد بتوقيعها اتفاقية مع حكومة الدبيبة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية.

بداية غير مطمئنة

وإذا كان المتتبعون للشأن الليبي يؤكدون صعوبة مهمة المبعوث الأممي الجديد، فإن المحلل السياسي الليبي فيصل معيتيق، لا يرى اختلافا في خطوات باتيلي عن سابقيه من المبعوثين الأمميين.

وفي 17 أكتوبر 2022، قال معيتيق، لقناة "فبراير" الليبية، إن "بداية باتيلي غير مطمئنة ولا تبشر بأن المشهد السياسي الليبي سيتغير وبأنه ستكون هناك نتائج تختلف عن السابق".

وتابع أن تصريحات المبعوث الأممي إلى ليبيا، تدل على جمود عقلية البعثة الأممية والأمم المتحدة، مبينا أنه "لا يوجد شيء يبشر بأن هناك تغييرا".

ورأى أن باتيلي "سيسير في نفس المسار السابق وسيلتقي بنفس الأطراف المختلفة والتي لا يرجى منها أي أمل في حل المشكل الليبي"، متسائلا: "ماذا سننتظر إذا سار في نفس المسار الذي سار فيه السابقون؟".

وتعاقب على ليبيا سبعة مبعوثين للأمم المتحدة منذ عام 2011، هم الأردني عبد الإله الخطيب والبريطاني إيان مارتن واللبنانيان طارق متري وغسان سلامة والإسباني برناردينو ليون والألماني مارتن كوبلر والسلوفاكي يان كوبيتش الذي استقال في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وأكد معيتيق، أنه كان يفترض من باتيلي أن يعلن عن رؤيته الخاصة لحل الأزمة الليبية، مشيرا إلى أن على الليبيين الاعتماد على أنفسهم لحل الأزمة.

وتنتظر باتيلي ملفات داخلية شائكة، في مقدمتها عدم توافق مجلسي النواب والدولة على قاعدة دستورية تفضي إلى إجراء الانتخابات، خصوصا ما يتعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية لسباق الرئاسة.

والمعني بها في الدرجة الأولى الجنرال خليفة حفتر، الذي يعد وضعه العسكري والسياسي من أكبر العراقيل التي رافقت كل الحلول والمبادرات السياسية السابقة.

وفي مقابل تأكيد بعض المتتبعين على صعوبة مهمة باتيلي، في ظل ازدواجية السلطة الحكومية وانعدام الأمن الذي يتسم بالقتال المتكرر بين الجماعات المسلحة، يرى المحلل السياسي الليبي إبراهيم اللاصفير، أن المبعوث الأممي يأتي اليوم في ظروف جيدة في ليبيا. 

وأضاف المحلل السياسي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن هناك شبه إجماع أو شبه توافق بين الأطراف الليبية على ضرورة وضع قاعدة دستورية جديدة تفضي إلى انتخابات برلمانية.

وشدد على أن إجراء الانتخابات البرلمانية هو المطلب الذي يريده جل الفرقاء الليبيين، مشيرا إلى أن هذا التوافق سيكون في مصلحة باتيلي وسيساعد ويسهل من مهمته. 

وأفاد اللاصفير، أنه "لن يكون هناك اتفاق على موضوع انتخاب رئيس للبلاد، وفي المقابل ستنحصر القاعدة الدستورية الجديدة في إجراء انتخابات برلمانية".

 وأوضح أن باتيلي يأتي في مهمة مشابهة لما جاء به غسان سلامة والتي أكملتها المستشارة السابقة للأمين العام بشأن ليبيا ستيفاني وليامز بلقاء جنيف وهي "إذابة الحكومتين وتوحيد المؤسسات والخروج بحكومة موحدة".

وبين اللاصفير، أن "ما سيساعد على تسهيل مهمة باتيلي هو عدم التدخل المسلح الإقليمي الذي كانت تعاني منه ليبيا، إضافة إلى توقف -ولو بشكل مؤقت- شبح الحرب الذي كان يؤرقها". 

وأكد أن هذه الأمور والمعطيات ستساعد المبعوث الأممي في ليبيا على أن يخرج باتفاق على قاعدة دستورية أولا ومن ثم الذهاب إلى انتخابات برلمانية.

وشدد المحلل على أن باتيلي يمتلك مفتاحا رئيسا لم يتسن لأغلب المبعوثين إلى ليبيا وهو توقف الاشتباكات المسلحة التي كادت تعصف بالملف الليبي.

وفي 27 أغسطس/آب 2022، اندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة في عدة أحياء وشوارع بالعاصمة الليبية طرابلس، بين فصائل مسلحة محسوبة على كل من عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.

وأضاف اللاصفير، أن خطوط التماس المسلحة مرسومة وموجودة وبنود وقف إطلاق النار حاضرة، وبالتالي لن يكون باتيلي أمام مشاكل فض الاشتباك التي كانت تأخذ شهورا عديدة للمبعوثين الأمميين.

وذكر أن باتيلي لن يجد أيضا أمامه إشكاليات إغلاق منابع النفط والطاقة في ليبيا كما أن الوضع الاقتصادي جيد نوعا ما، مؤكدا أن المبعوث الأممي الجديد لديه فرصة ذهبية لإنجاح مهمته.

وخلص اللاصفير، إلى أن كل هذه الأمور لن تكون عائقا أمام باتيلي، وبالتالي عليه أن "يركز على ملف واحد وهو التسوية السياسية، أما الملفان  الاقتصادي والعسكري فلن يأخذا منه وقتا طويلا".