احتجاج غير تقليدي.. هكذا أجبر أكاديميو المغرب أخنوش على زيادة رواتبهم

فاتحة المودن | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على مدار أسابيع متوالية، شهدت الجامعات المغربية وتيرة مرتفعة في عدد الاستقالات وطلبات التقاعد لعدد كبير من الأكاديميين، على خلفية تجاهل حكومة عزيز أخنوش لمطالبهم بزيادة الأجور.

فرغم شكاوى وبيانات عديدة صدرت من نقابة أساتذة التعليم العالي في المغرب بشأن هذه الأزمة المتفاقمة، إلا أنها قوبلت بجمود من قبل الحكومة، ما دفع الأكاديميين لتبني تحركات غير مسبوقة.

ومقابل هذا التطور صدرت مذكرة وزارية عبرت عن قلقها لهذا الكم الكبير لطلبات مغادرة الكوادر التربوية، ما مهد الطريق لاجتماع نقابة أساتذة التعليم العالي مع أخنوش في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وعد خلاله بحل الملف نهاية السنة.

لكن أكاديميي المغرب لم يتوقفوا وواصلوا استقالاتهم، ليضطر أخنوش للخنوع والقبول بإقرار زيادة تقدر بـ 3000 درهم (نحو 275 دولارا) في رواتب الأساتذة والكوادر التربوية.

قلق كبير

وكانت تشتكي نقابات أساتذة التعليم العالي من جمود الأجور منذ 25 سنة، والاستمرار في اعتماد النظام الأساسي لسنة 1997؛ وهو ما كان موضوع جلسات مع الوزير عبد اللطيف ميراوي وكذا أخنوش.

وأعرب ميراوي في بيان في 6 أكتوبر عن قلقه تجاه العدد المتزايد في طلبات الاستقالة والاستفادة من التقاعد النسبي الذي يستفيد منه العامل ابتداء من عمر 55 سنة.

وقال: وصلت الوزارة في الآونة الأخيرة العديد من طلبات الاستفادة من التقاعد النسبي والاستقالة تقدم بها بعض الأساتذة والموظفين الإداريين والتقنيين العاملين بمختلف المصالح الجامعية.

وأضاف: لوحظ أن وتيرة هذه الطلبات تعرف ارتفاعا متزايدا وأن جل الطلبات المقدمة مذيلة بموافقة الرؤساء التسلسليين والهياكل الجامعية المختصة، الأمر الذي أصبح يطرح إشكالا كبيرا.

وحذر ميراوي من أن الاستجابة لهذه الطلبات سيؤدي لا محالة إلى إحداث خصاص كبير في عدد الأساتذة والموظفين بالمصالح والمؤسسات الجامعية المعنية، وبالتالي سينعكس بشكل سلبي على نسبة التأطير التربوي والإداري بها.

وأشار إلى أنه في حالة عدم الموافقة على هذه الطلبات، وهذا أمر وارد، يحتمل لجوء المعنيين بالأمر للمحاكم الإدارية من أجل الطعن، علما بأن الوزارة مقبلة على تفعيل مخططها الوطني لتسريع منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار والذي يستوجب تعبئة مزيد من الموارد البشرية.

وطلب ميراوي من المسؤولين بالجامعات "استحضار المصلحة العامة عند البث في الطلبات وألا تتم الموافقة عليها إلا في الحالات القصوى والمبررة".

كما كشف ميراوي خلال جلسة استجواب بمجلس النواب في 18 أكتوبر، أن المغرب يواجه بالفعل إحالة أزيد من 8 آلاف أستاذ جامعي على المعاش.

وأوضح أن 3 آلاف أستاذ جامعي سيحال على التقاعد بحلول 2026، فيما سيتقاعد 5 آلاف أستاذ جامعي في أفق 2030. 

يشار إلى أن عدد الأساتذة الجامعيين بالمغرب حوالي 14 ألف أستاذ وأستاذة.

وفي ندوة صحفية سابقة عقدتها الوزارة بمناسبة بدء العام الجامعي الجديد، أكد ميراوي أن العدد الإجمالي للطلبة في السنة الجامعية 2022-2023، يناهز مليونا و238 ألف طالب، أي بزائد 5,97 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية.

وسجل الوزير خلال الندوة الصحفية أن الطاقة الاستيعابية الجامعية ارتفعت بحوالي 20 ألف مقعد جديد خلال السنة الجامعية الحالية، والذي يعزى بالأساس لمشاريع توسعة المؤسسات الحالية في العديد من الجامعات.

وبخصوص التوظيفات برسم السنة الجامعية الحالية، أشار الوزير، إلى أنها عرفت ارتفاعا مهما هي الأخرى، وذلك بخلق 2349 منصبا جديدا.

أوضاع غير مناسبة

وعن هذه الأزمة، قال الكاتب الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي محمد بن جبور أن "مذكرة ميراوي المتعلقة بالاستقالات وطلبات التقاعد كانت مؤشرا على العدد الكبير من الأساتذة الباحثين الذين اختاروا هذا التوجه تاركين وراءهم مؤسسات التعليم العالي".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "يبدو أن هذا الأمر شكل عنوانا دالا على واقع مهني معين يعيشه نساء ورجال التعليم العالي والبحث العلمي بمختلف المؤسسات، هذا الواقع الذي أحدث نزيفا حادا على مستوى الموارد البشرية التربوية بالتعليم العالي والذي له انعكاسات سلبية مخيفة.

ومضى ابن جبور قائلا، إننا أمام هجرة جماعية للأساتذة الباحثين بسبب الإحالة على التقاعد بحكم بلوغهم السن القانوني للتقاعد، ما يجعل الجامعات أمام هبوط حاد في نسبة الكوادر التربوية، ما سيترتب عنه من تداعيات على مستوى التحصيل العلمي واكتساب المعارف من قبل الطلاب.

وأردف: "نعتقد أن ما فعله الأكاديميون هو شكل من أشكال الاحتجاج، وتعبير جديد يقصد إثارة انتباه المسؤولين إلى الأزمة التي تشهدها مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، التي أضحت فيها مهنة الأستاذ الباحث تشكل نقطة نفور عوض أن تكون نقطة جذب".

وكان أساتذة التعليم العالي قد خرجوا أخيرا في احتجاجات يوم 22 سبتمبر /أيلول 2022، مقاطعين الدخول الجامعي الجديد لمدة أسبوع.

واسترسل بن جبور قائلا: "أصبح التدخل الحكومي لإنقاذ الوضع يكتسي صبغة الاستعجال والفورية أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في أسلوب التعاطي مع الشأن الجامعي ومؤسساته، وجعلها في صلب اهتمامه وأولوياته، وذلك من خلال إعادة المكانة إلى مهنة الأستاذ الباحث ووضعه داخل المجتمع الذي تراجع بشكل كبير". 

 وذلك من خلال إقرار نظام أساسي عادل ومنصف ومحفز يستجيب لانتظارات الأساتذة الباحثين، ومتضمن لنظام مفتوح للترقية يتيح إمكانات واسعة للتطور والتقدم السريع للأستاذ الباحث على مستوى مساره المهني على أساس التميز العلمي، وهو المدخل الطبيعي لإصلاح منظومة التعليم العالي، يؤكد ابن جبور.

وبعد المذكرة الوزارية لوزير التعليم العالي التي نبه فيها إلى الوضع دعا رئيس الحكومة أخنوش إلى اجتماع لتدارس الملف بمقر رئاسة الحكومة بالرباط في 7 أكتوبر.

ودعت خلال اللقاء نقابة التعليم العالي إلى إعادة المكانة لمهنة الأستاذ الباحث، من خلال إصدار نظام أساسي جديد عادل ومنصف ومحفز على قاعدة الحفاظ على المكتسبات، مع زيادة وازنة في أجور جميع فئات الأساتذة الباحثين.

فضلا عن نظام مفتوح للترقية والتعويضات، يتيح إمكانات واسعة للتطور السريع للأستاذ الباحث في مساره المهني على أساس التميز العلمي.

تعويض إجباري

وعقب الاجتماع طالب الكاتب الوطني ابن جبور رئيس الحكومة بضرورة حصول النقابة المغربية للتعليم العالي على آخر صيغة مُتَوفرة لمشروع النظام الأساسي ونصوصه التطبيقية، بعد المسار الطويل من الحوارات مع الوزارة، بصفته منطلقا لاستئناف أي حوار جاد ومسؤول، مع ضرورة تحديد سقف زمني لتقديم العرض الحكومي فيما يخص الزيادة في أجور الأساتذة.

ويعد إصلاح مشروع النظام الأساسي لأساتذة التعليم مطلبا قديما وذلك منذ إقراره في فبراير/شباط 1997.

ويتكون مشروع قانون النظام الأساسي الجديد، من 31 مادة، موزعة على أجزاء ثلاث: أحكام عامة، والأساتذة الباحثين، وأحكام خاصة وانتقالية، ويكتنفه كثير من الغموض، إثر تعديلات عديدة لم يكشف عن تفاصيلها.

ويبدو أن نضال أساتذة التعليم العالي جاء بنتيجة طالما انتظروها بعد 25 سنة من تجميد أجورهم وعدم الزيادة بها.

فأقرت حكومة أخنوش زيادة 3000 درهم للأساتذة الجامعيين، وجرت مراسم توقيع الاتفاق في 20 أكتوبر بين الحكومة والنقابة الوطنية للتعليم العالي.

وأشادت مجموعة من المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الخطوة من قبل الحكومة، وكتب الصحفي المغربي رضوان الرمضاني على حسابه مهنأ: "مبروك لأساتذة التعليم العالي زيادة 3000 درهم". 

وتختلف رواتب الأساتذة الجامعيين في المغرب، حسب التخصص الذي يقوم بتدريسه والجامعة التي يدرس بها بالإضافة للكفاءات التي لديه.

ويبدأ راتب الأساتذة الجامعيين من 10200 درهم إلى 13000 كأجر أولي لهم (ما بين 1000 و1300 دولار تقريبا). 

وقد يصل حتى 44000 ألف درهم (حوالي 4400 دولار) بالنسبة لأستاذ جامعي باحث في كلية الطب والصيدلة كأقصى راتب لهم.