مؤامرات ومخاطر.. ماذا وراء "الاختراق الصهيوني" لمعاهد وجامعات المغرب؟
_(1).jpg)
دقت مجموعة من الهيئات المدنية والشخصيات السياسية والحقوقية ناقوس الخطر بشأن تصاعد اختراق الكيان الصهيوني للجامعات والمعاهد العليا بالمغرب عبر خطوات التطبيع المتسارعة.
الهيئات والشخصيات المناهضة للتطبيع، حذرت من مخاطر هذا الاختراق على الطلبة المغاربة، في ظل سعيه لتجميل صورة "إسرائيل" لدى الشباب، وتزييف الحقيقة التاريخية للكيان الصهيوني الذي نشأ على نهب أراضي الفلسطينيين وتشريدهم.
فضلا عن تداعيات تبعية مدارس ومعاهد وجامعات المملكة لرؤى ومخططات الكيان الصهيوني التعليمية، في ظل مواصلة الإقدام على توقيع مذكرات تفاهم والحديث عن توأمة مدارس وتبادل طلابي.
خطر كبير
في 26 مايو/ أيار 2022، ترأس وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار المغربي، عبد اللطيف ميراوي، ووزيرة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية أوريت فركاش هكوهين، بالعاصمة الرباط، مراسيم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانبين في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا.
وتعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها في مجال التعليم العالي منذ تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين البلدين، بعد توقيع "الإعلان الثلاثي المشترك" بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 بالعاصمة الرباط.
وذكرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، في بيان آنذاك، أن هذه الاتفاقية تهدف لتعزيز العلاقات الثنائية ومد جسور التعاون بين المؤسسات الجامعية المغربية ونظيراتها الإسرائيلية فيما يتعلق بالتعاون العلمي والتكنولوجيا، إضافة إلى تطوير برامج بحثية مشتركة في المجالات ذات الأولوية بالنسبة للبلدين.
وتفاعلا مع تصاعد وتيرة التطبيع في مجال التعليم العالي، وجهت "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" (غير حكومية)، و"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، مراسلة تحت عنوان "الاختراق الصهيوني للجامعة المغربية"، لكل من الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي (الأكثر تمثيلية بالبلاد)، وأعضاء اللجنة الإدارية للنقابة وعموم أساتذة الجامعات.
وعبرت المجموعة والمرصد في المراسلة التي وجهت في 29 يونيو/حزيران 2022، عن قلقهما البالغ جراء تصاعد الاختراق الصهيوني للجامعات والمعاهد العليا بالمغرب عبر خطوات التطبيع المتسارعة.
وأضافت المراسلة، أنه تم "كشف عدد من تسللات ومخاتلات أدوات العدو الصهيوني وأجهزته الاستخبارية المتخفية منها والمعلنة إلى الحرم الجامعي".
وتابعت أن "هذه التسللات تتم من خلال ما يسمى فعاليات علمية وبحثية يؤطرها ضباط وقادة بالجيش الصهيوني بعدد من المؤسسات الجامعية، تحت صفات ومسميات مضللة وبتكتم شديد على هوياتهم الحقيقية".
ونبهت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين"، و"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، إلى خطورة "التطبيع العلمي" على "مستقبل جامعاتنا وعلى البحث العلمي بمؤسساتها، وخصوصا على طلبتنا وشبابنا .. أي على مستقبل شعبنا ووطننا ككل".
وأوضحت المراسلة، أن "التطبيع الرسمي المدان الذي توج بإقدام وزير التعليم العالي على فضيحة التوقيع، باسم قطاع التعليم العالي، على ما يسمى "مذكرة تفاهم" مع الكيان الصهيوني الغاصب، قد وفر الشروط الذاتية والموضوعية لتسرب الصهاينة لجامعاتنا مستغلين تواطؤ بعض ضعاف النفوس والعملاء المجندين من طرف الصهيونية".
ودعت المجموعة والمرصد، عموم أعضاء النقابة الجامعية إلى التصدي لكل مظاهر الاختراق الصهيوني للجامعات والمعاهد العليا، مستحضرة "نضالات وتضحيات النقابة الوطنية للتعليم العالي، للدفاع على كل القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية فلسطين التي عدتها النقابة، على الدوام، قضية وطنية".
كما تصدت النقابة، تردف المراسلة، "على الدوام لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني مجسدة الشعار الذي ردده نساء ورجال التعليم العالي في كل المناسبات والمحطات النضالية".
وشدد المصدر ذاته، على أن "النقابة الوطنية للتعليم العالي، كانت دائما في الصف الأمامي إلى جانب كل القوى الحية بالبلاد، لمواجهة وفضح الكيان الصهيوني الإرهابي، وأدانت كل مجازره وهمجية جيشه وقطعان مستوطنيه وعنصريته".
وعدت المراسلة، أن "أي تعامل، من أي مستوى كان مع هذا العدو الغاصب، أو السكوت عن جرائمه هو تزكية لمجازره وتبييض لوجهه البشع وتشجيع له على ارتكاب مزيد من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي والميز العنصري".
ودعت إلى "إيلاء هذا الاختراق الصهيوني الخطير لجامعاتنا الاهتمام اللازم واليقظة والتعبئة الضروريتين حتى نكون جميعا في مستوى ثابتنا المشترك: فلسطين أمانة والتطبيع خيانة".
مسؤولية تاريخية
وفي مقابل هذه الدعوة، لم تصدر النقابة الوطنية للتعليم العالي (غير حكومية)، أي موقف بخصوص الاختراق الإسرائيلي للجامعات المغربية، مكتفية في بيانها الصادر في 29 مايو/أيار 2022، بالتعبير عن دعم الشعب الفلسطيني.
وجددت النقابة في بيانها، "موقفها الثابت في مساندة الشعب الفلسطيني من أجل حقه المشروع في العيش الكريم، مكتمل المواطنة في كنف دولة مستقلة وديمقراطية على كافة أرض فلسطين، عاصمتها القدس".
ونددت النقابة الوطنية للتعليم العالي، "بالسكوت المنتظم الدولي على جرائم جيش الاحتلال والمحاولات الرامية إلى تهويد مدينة القدس وتغيير معالمها".
وفي المقابل، استنكرت النقابة المغربية للتعليم العالي (غير حكومية)، "إقدام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على إقحام مؤسسات التعليم العالي في محافل التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت مسميات الشراكة الأكاديمية والبحثية".
وعدت النقابة، في بيان بتاريخ 6 يونيو، أن استقبال وزير التعليم العالي المغربي لنظيرته الإسرائيلية "لا يعني سوى الوزير وحده، ولا يمثل الأساتذة الباحثين"، مؤكدة أن "القضية الفلسطينية ستبقى حية في ضمير الجامعة والجامعيين وكل المغاربة".
ودعت النقابة، الأساتذة المنضوين تحت لوائها في مختلف الجامعات المغربية إلى “التصدي لكل الفعاليات والمبادرات التطبيعية التي تستهدف اختراق الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي، وتدنيس حرمها، وتلويث سمعتها، بهدف النيل من صمودها وكسر مناعتها التاريخية".
من جانبه الأكاديمي العامل بوزارة التعليم يوسف بن العيساوي، قال إن "أمام أساتذة الجامعات في المغرب مسؤولية تاريخية جسيمة، خاصة بعد توقيع وزير التعليم العالي لاتفاقية مع نظيرته الصهيونية".
وأضاف بن العيساوي، في تدوينة عبر فيسبوك في 29 مايو، أن "هذه الاتفاقية ستمهد الطريق للاختراق الصهيوني للجامعات المغربية بالطول والعرض...".
ودعا بن العيساوي، الأساتذة الجامعيين لـ"اتخاذ موقف تاريخي شجاع، وقطع الطريق على كل محاولات الاختراق الإسرائيلي، ومقاطعة كل الأنشطة ذات الصلة".
وطالب بن العيساوي، النقابات الممثلة للتعليم العالي، بأن "يكون موقفها واضحا صريحا، وإلا يجب الانسحاب منها ومقاطعتها أيضا".
من جهته، قال رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع (غير حكومي) أحمد ويحمان، إن تطبيع العلاقات في مجال التعليم ما هو إلا جزء يسير من خطة الاحتلال الصهيوني للاستيلاء على كافة المجالات.
وأضاف ويحمان، في تصريح لموقع حزب العدالة والتنمية (معارض)، أن التطبيع في المغرب توسع بشكل غير مسبوق ليشمل مجالات واسعة.
ورأى ويحمان، أن "الاختراق الصهيوني يهدد المغرب في مصيره وفي كينونته"، داعيا المغاربة إلى أن "يعوا بأنهم في خطر حقيقي".
التبعية لإسرائيل
وفي تعليقه على خطورة الاختراق الإسرائيلي للجامعات والمعاهد العليا بالمغرب، أوضح الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، أن سياق تصاعد الموجة التطبيعية بالمغرب يأتي بعد التوقيع في 2020 على ما سمي حينها بـ"الاتفاق الثلاثي المغربي الأميركي الإسرائيلي".
وأضاف هناوي، لـ"الاستقلال"، أن التطبيع انطلق على أكثر من صعيد حيث شمل المجال الإعلامي، السياحي، والاقتصادي والصناعي والأمني إلى أن وصل إلى المجال التعليمي.
وكشف هناوي، أن "الاختراق الإسرائيلي للمنظومة التعليمية بالمغرب انطلق بشكل خطير جدا، على مستوى الجامعات والمعاهد العليا، وأيضا على مستوى التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي، عبر ما سمي بالاتصال الهاتفي بين وزير التعليم السابق ووزير التعليم الصهيوني وافتتاح ما يسمى بأندية التسامح على مستوى التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي".
وفي 15 فبراير/شباط 2021، كشف وزير التعليم المغربي السابق سعيد أمزازي، عن تفاصيل مكالمة هاتفية هي الأولى جرت بينه وبين نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت.
وأفاد أمزازي، في تصريحات لإذاعة هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، أنه تم الاتفاق على إطلاق عدد من البرامج المشتركة بين الدولتين في مجال التعليم، من قبيل "التوأمة بين مدرستين ثانويتين واحدة في إسرائيل والأخرى في المغرب، إضافة لتبادل الطلاب".
وعد هناوي، أن هدف الاختراق الإسرائيلي للتعليم هو "صناعة مزاج تطبيعي لدى الأطفال واليافعين تحضيرا لهم للقبول بالسردية الإسرائيلية وتقديم إسرائيل كحليفة وصديقة ومحاولة تجفيف منابع الذاكرة والمقاومة بالسردية الفلسطينية في الحق الفلسطيني".
وقال الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، "نحن إزاء عملية خطيرة للغاية تريد إلحاق منظومة التعليم المغربي سواء الأساسي أو العالي بالعجلة الإسرائيلية".
ويرى هناوي، أن "هذا الأمر خطير لأنه ضد الإرادة الشعبية المغربية التي كانت ولا تزال ملتفة على ثوابت القضية الفلسطينية ورافضة للتطبيع مع العدو الصهيوني العنصري الإرهابي".
وعد أن "اختراق بنية النسيج الاجتماعي للجامعات والمعاهد العليا يسعى لصناعة فئة من الطلبة والباحثين والمهندسين والأطباء المغاربة مرتبطين مهنيا بالمنظومة الإسرائيلية الاقتصادية والصناعية والسياسية وربما الأمنية، وبالتالي فإن خطورة هذا الموضوع واضحة للعيان".
وعن سبل مواجهة الاختراق الإسرائيلي للمنظومة التعليمية بالمغرب، أكد هناوي، أن "التطبيع بطبيعته استبدادي سواء في المغرب أو في غيره"، مبينا أنه "قرار فوقي وليس شعبيا إراديا".
وبالتالي، يضيف الكاتب العام للمرصد المغربي لمواجهة التطبيع، فإن "مواجهته ينبغي أن تكون شعبية لمواجهة جميع أشكال الفساد، لأن التطبيع جزء من الفساد والاستبداد".
وخلص إلى أن المطلوب من الحركة الطلابية والحركة النقابية في التعليم العالي وعلى رأسها النقابة الوطنية للتعليم العالي والنقابة المغربية للتعليم العالي ونقابة الموظفين في التعليم العالي وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ على مستوى التعليم الأساسي، هو "تشكيل جبهة لمواجهة الاختراق الإسرائيلي للجامعات والمعاهد العليا بالمغرب".
وشدد هناوي، على أن الاختراق الإسرائيلي للمنظومة التعليمية بالمغرب، "لا يهدد فقط الموقف من فلسطين بل يهدد النسيج الوطني والمزاج العام المغربي ويحاول ربطنا بالكيان الصهيوني".