عبر إحدى أذرعه الإعلامية.. هكذا يبتز السيسي حلفاءه في دول الخليج

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في توقيت واحد، حذر إعلاميو النظام المصري من سيناريو أسود ينتظر البلاد واستنجدوا بدول الخليج، فيما تبدو توجيهات من جهاز المخابرات، لابتزاز وتهديد شركاء الانقلاب.

جاء التحذير الأول من قبل الإعلامي عماد الدين أديب، في مقال نشره موقع "أساس ميديا" اللبناني 12 يونيو/حزيران 2022 حذر فيه من عدم استقرار قادم لمصر.

وحذر أديب من مجاعة ستدفع المصريين للنزوح والهروب برا وبحرا، ما لم يدفع الخليج لمصر 25 مليارا "دولارات طازجة" على الفور.

وهذه أول مرة يتحدث فيها إعلامي مقرب من السلطة عن احتمالات ثورة قادمة ضد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ويحذر الخليج من تداعيات الانهيار ويبتزهم بالحديث عن نزوح المصريين إليهم لو لم يدفعوا تلك الأموال.

المقال يؤكد أن البلاد تسير نحو الهاوية اقتصاديا، ما يتعارض مع ما يعلنه السيسي. وروجت له بصورة واسعة أذرع السلطة الإعلامية التي تحركها المخابرات، وأولهم شقيقه "عمرو" ونشأت الديهي ومحمد الباز وغيرهم.

لكنهم اختلفوا وهم يعرضون فكرة المقال، حيث أنكر بعضهم صلة عماد أديب بالنظام، وطلب آخرون المساعدة الخليجية صراحة كأنها فرض عين عليهم، وتحدث فريق ثالث عن أموال لحلم "الجمهورية الجديدة".

وكان ملفتا قول المذيع محمد الباز إن الدعم العربي "لا يأتي مجانا"، وأن المقال يحمل روح تشاؤم واضحة، ورفض السيناريوهات الكارثية التي عرضها أديب.

وهاجم "الباز" المقرب من جهاز الأمن الوطني، عماد أديب الأكثر قربا من المخابرات المصرية، لأنه تحدث عن اضطراب سياسي قادم على غرار ما حدث في ثورة 2011، واتهمه باختلال في بوصلة ولائه لمصر وأنه يتحدث باسم جهات أخرى.

وعد ناشطون على مواقع التواصل، تبني وسائل الإعلام التي تديرها الأجهزة الأمنية والاستخبارية المصرية لمقال أديب والترويج له، مؤشرا على أن من كتبته جهة عليا مصرية كرسالة تحذير لأنظمة الخليج.

ثورة قادمة! 

وتحت عنوان "من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية – الأوكرانية؟" زعم أديب أن هناك 25 مليار دولار أميركي زادت بين ليلة وضحاها على الموازنة المصرية بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة والحبوب والسلع التموينية الأساسية.

وأكد أن ترك الحالة المصرية كما هي دون تدخل اقتصادي ومالي عاجل "كارثة بكل المقاييس".

وحذر من أنه مع بدايات 2023 ستحدث اضطرابات في مصر مشابهة لثورة يناير 2011، وعدم "توقع ردود فعل القوى الشعبية الداخلية، وساعتها سيكون على أوروبا والخليج الاستعداد لنزوح عشرات الملايين من المصريين"، كما يقول.

وخير أنظمة الخليج بين "تدبير موارد من الدولارات الطازجة لتنعش الاقتصاد، وبين استفحال الأزمة والضغط الشديد على حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي بما يفتح أبواب جهنم في مصر".

وسعى لربط حالة عدم الاستقرار المتوقعة في مصر بسبب المجاعة والفشل بما أسماه "كابوس النزوح البري الكبير عبر الحدود مع ليبيا وفلسطين والسودان والهجرة بالملايين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، والبحر الأحمر إلى دول الخليج.

وهو أسلوب غريب يشير إلى أن عماد أديب، أو من يقف وراء مقاله، ويرجح أنه نظام السيسي نفسه، يرسل رسائل تهديد مغلفة إلى دول الخليج.

ما بين المقال وترويج أذرع السلطة الإعلامية له، وصراخ المذيع مفيد فوزي محذرا من انفجار بسبب زيادة الأسعار، وغيرهم، جاءت تصريحات السيسي في 13 يونيو/حزيران لتعزف نفس لحن "الانهيار".

السيسي تحدث ضمنا عن عدم الاستقرار بقوله إنه لا يقصد بحديثه عن حالة الاستقرار في مصر "استقرار حكمه وحفظ النظام أو الرئيس"، ولكن "أنا بتكلم عن 100 مليون هيضيعوا لو حصل حاجة (ثورة)"، وفق زعمه. 

وكانت تصريحاته رسالة واضحة إلى الخارج، وتشير إلى أن مصر على قدر مغلي والأوضاع تقترب من الانفجار، وكأن لديه تقارير أمنية تحذر من ذلك.

أكد أن مصر تحتاج إلى دخل سنوي بمقدار تريليون دولار، وعندها فقط يمكن محاسبته، مضيفا أنه "ينام ويحلم بـ 10 تريليونات دولار".

والمفارقة أن السيسي ذكر نفس الأرقام التي رواها عماد أديب عن احتمالات ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارا وتأثير ذلك على مصر.

 وتحدث عن صعود الأسعار بعد نهاية 2022، وهو نفس التاريخ الذي حدده أديب لفترة عدم الاستقرار.

كما اتفق السيسي مع "أديب" في تكرار فكرة مطالبة الخليج بتحويل ودائعهم الدولارية في البنك المركزي المصري لاستثمارات، كي لا تسحبها تلك الدول عقب انتهاء مدتها فينهار الاحتياطي النقدي الذي نقص من 47 إلى 35 مليار دولار في عامين. 

وتراجع الاحتياطي النقدي لمصر في مايو/أيار 2022 إلى 35 مليار دولار، منها 17 على شكل ودائع خليجية توزعت بين 6 مليارات دولار للإمارات، و4 للكويت، و7 للسعودية.

وطالب السيسي خلال لقائه عددا من الصحفيين على هامش افتتاح مشروع لتنمية الإنتاج الحيواني بمصر في 13 يونيو/حزيران 2022، السعودية والإمارات ودول الخليج عامة بتحويل ودائعها إلى استثمارات في مصر.

وعلق عمرو أديب قائلا إن القاهرة تتبع سياسة "شكرا على السمكة لكنني أريد السنارة".

قال: "احنا متشكرين جدا على الودائع وعلى الدعم العربي الموجود ولكن لماذا لا يكون استثمارا؟، احنا مش عايزين قروضا وودائع، عايزين كمان تحويل هذا الأمر لاستثمارات"، حسب قوله.

وتابع أديب: "ليه نأخذ قرض؟ وليه نحط وديعة؟ طب ما الأفضل تيجي نوطن استثماراتك ونبقى شركاء".

دلالات ورسائل

وعقب تحذيرات مقال أديب وحديث السيسي بشأن مجاعة ونزوح المصريين عبر البحر لأوروبا، أصدر سفراء دول مجموعة السبع الصناعية بيانا في 14 يونيو/حزيران 2022 يعلنون التزامهم بدعم مصر في أزمة الغذاء الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأكدت مجموعة السبع أنها ستقدم مساعدات ثنائية، وأنهم "يتشاورون عن كثب" مع الحكومة المصرية بشأن الأزمة.

وفي اليوم التالي التقى السيسي مع رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" وأكد أنه "اتفق معها على تخفيف تداعيات الأزمة الغذائية العالمية".

ثم أعلنت المفوضية تقديم الاتحاد الأوروبي 100 مليون يورو فورا لدعم مصر، ما عده ناشطون "ثمنا" مدفوعا لتهديدات القاهرة لأوروبا بإغراقها باللاجئين هذه المرة.

ولم يصدر أي رد فعل رسمي من دول الخليج على الطلب المصري غير المباشر الذي نقل عبر وسائل الإعلام في صورة تهديدات، واكتفى خليجيون بانتقاد الابتزاز المصري على مواقع التواصل.

عد سياسيون وناشطون مصريون مقال أديب، "سكربتا" موحدا وزعته المخابرات على إعلاميي السلطة.

ووصف الحقوقي "بهي الدين حسن" المقال بأنه "تجسيد لهول الكارثة وابتزاز لدول الخليج"، بحسب تعبيره على حسابه على تويتر.

وأكد الصحفي جمال سلطان أن المقال معناه أن "الأذرع الإعلامية لنظام السيسي في مصر تهدد دول الخليج بتفجر ثورة يناير جديدة إذا لم يساعدوه".

واتهم السيسي، عبر تويتر، أنه يتهرب من إعلان فشله وإهدار مئات المليارات بدون تخطيط وتوريط مصر.

وقرأ الباحث "عمار علي حسن" خروج عماد الدين أديب ومفيد فوزي ومن على دربهما للتحذير من انفجار مصر بسبب الغلاء، بأنه "يظهر أن أجهزة الأمن قد اتفقت على هذا، وأنها رفعت تقارير تنبيه إلى رئيس الجمهورية".

قال عبر حسابه على تويتر إن "أديب وفوزي ما كان لهما أن يقدما على هذه الخطوة إلا بإيعاز، فإن لم يكن، فهذا معناه أنه حتى مؤيدو السلطة يشعرون بالخطر".

وسخر "حسن" ضمنا من المصير الذي آلت إليه مصر قائلا: "صارت فعلا في حتة تانية ورأينا العجب العجاب، وأصبحنا فعلا قد الدنيا".

ورجح مصريون أن يكون مقال أديب، جاء لإحراج دول الخليج علنا بعدما رفضت سرا بالفعل مطالب للسيسي بمزيد من الدعم المالي.

وهو ما فسره "المجلس الثوري المصري" بأن المقال ليس تهديدا، وإنما "رسالة استغاثة" أطلقها نظام السيسي بعدما تخلى عنه داعموه من العرب وغيرهم.

وانتقد الكاتب السعودي نواف القديمي، تهديد السيسي للسعودية والخليج، عبر أديب، بموجات هجرة ضخمة عبر البحر الأحمر، إذا لم يقدموا الدعم والمليارات لمصر بينما أضاع أموال البلاد في مشاريع وهمية وسوء إدارة وفساد.

وقال ناشطون إن حكومات الخليج لن تستجيب لدعوة أديب (السيسي) وقد يكون لها أثر سلبي كبير، سواء بمزيد من التحكم في القرار المصري أو التجاهل التام.

وعد آخرون رسائل المقال بأنها "فلوس الخليج أو الفوضى"، واستغربوا ذكر "أديب" اسم "فلسطين" ضمن الدول التي سيلجأ لها المصريون بعد الانفجار القادم وانهيار البلاد.

وعدوا أنها رسالة تحذيرية خبيثة تشير إلى أن سقوط السيسي "تهديد لأمن إسرائيل". 

ويحرص نظام السيسي على التأكيد للقادة الأوروبيين الذين يلتقيهم على تأكيد نجاح الدولة المصرية في السيطرة على مراكب الهجرة غير الشرعية، لذا استغرب باحثون تحويل أذرع السلطة هذا النجاح إلى تهديد مباشر لجيران مصر كما ورد في مقال أديب.

تفسير آخر لا يقل أهمية حول توقيت صدور مقال عماد أديب، ألمح له خبراء سياسيون مصريون يتعلق بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة وسعي السيسي لطلب مقابل للمطلوب منهم.

ألمح أستاذا العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، ومصطفى كامل عبر تويتر، إلى علاقة الأمر بزيارة بايدن للسعودية ولقائه تسعة من القادة العرب هناك هم زعماء دول الخليج ومصر والأردن والعراق.

كما ألمح سفير القاهرة الأسبق في قطر محمد مرسي، إلى علاقة الأمر بإنهاء بايدن المرتقب أزمة نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى المملكة بموافقة تل أبيب.