فرحة منقوصة وشعيرة معطلة.. ما سر تصاعد أسعار الأضاحي في مصر؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل نحو شهر من عيد الأضحى المبارك الذي يحل فلكيا 9 يوليو/ تموز 2022، ارتفعت أسعار الأضاحي في مصر من الماعز والخراف والعجول والجمال بشكل يحرم كثيرا من الراغبين في أداء هذه الشعيرة الإسلامية، ويقلل فرص الفقراء في الحصول على لحوم ينتظرونها كل عام يوم النحر.

ويتزامن الارتفاع في أسعار الأضاحي مع موجة ارتفاع كبيرة بأسعار الأعلاف والمواد الوسيطة في طعام المواشي، مع احتمالات كبيرة لتزايد جديد بالأسعار مع قرار مصر مطلع يونيو/ حزيران 2022، رفع سعر الدولار الجمركي من 17 إلى 18.64 جنيها.

ووسط نسب تضخم غير مسبوقة تشهدها مصر وصلت رسميا في أبريل/ نيسان 2022، نحو 14.9 بالمئة، أعلنت الغرفة التجارية في 4 يونيو/ حزيران 2022، ارتفاع أسعار الأضاحي 30 بالمئة.

ليسجل سعر كيلو لحم الضأن الحي 83 جنيها، ما يعني أن سعر الخروف سيبلغ ما بين 4 إلى 6 آلاف جنيه (الدولار يساوي 18.64 جنيها)، بينما الأرقام في السوق غير الرسمية أعلى من ذلك بكثير.

سوق ملتهب

وهو ما أكده الحاج عبدالله، أحد الجزارين وتجار المواشي القائمين على توفير الأضاحي للأهالي سنويا، بالقول "تلك الأسعار هي الرسمية ولكن ما يجرى في السوق أعلى بكثير وخاصة في المدن عنها في الريف".

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "كلما اقترب عيد الأضحى اشتعلت الأسعار أكثر، خاصة مع زيادة الطلب على اللحوم ومع تطبيق قرار الدولار الجمركي الأخير".

وتابع: "بشكل عام ارتفعت أسعار اللحوم بنحو 30 بالمئة خلال عام واحد، والكيلو من اللحم الجملي كان بنحو 100 جنيه في الريف وهو أقل سعر، ويزيد في المدينة بنحو 20 جنيها، لكن في 2022 وقبل عيد الأضحى وصل 130 جنيها و150 و160 في المدينة".

وأوضح الحاج عبدالله أن "الإقبال هذا العام موجود على الأضحية لكنه أقل بنسب ما عن الأعوام السابقة، والكثير من طالبي الأضحية لتخفيف حدة الأسعار والتكلفة عليهم يتجمعون على أضحية واحدة في عجل أو جمل يقتسمونه ما بين خمسة وسبعة أفراد".

وأشار إلى "ظاهرة مستجدة أفقدت الأضحية هدفها وقيمتها بإطعام الفقراء، وهي أن راغبي الأضحية وبسبب ارتفاع الأسعار يطلبون من الجزار تشفيتها وتقطيعها، ويضعونها في أكياس داخل مبردات بالبيوت يأكلون منها طوال العام ولا يوزعون إلا نسبة قليلة منها".

ورأى الحاج عبدالله، أن "الأسعار قبل عيد الأضحى 2022، لا تساعد على توزيع اللحوم على الفقراء"، مشيرا إلى أن العجل يزن 400 كيلوغرام بعظمه وبسعر الكيلو نحو 74 جنيها بإجمالي حوالي 30 ألف جنيه يعطي نحو 200 كيلو مشفى".

وبين أن "سعر القاعود والجمل بين 25 و30 ألف جنيه، ولكنه يرمي لحما أكثر من العجل بنحو 40 كيلو جراما، لذا يفضله المصريون، الذين يقبلون بشكل كبير في الريف على اللحم الجملي". 

ولفت إلى أن "تلك الأسعار قابلة للزيادة أكثر حتى عيد الأضحى لأن السوق الآن به أعلاف وذرة ومواد لإطعام الحيوانات لكن مع اعتماد سعر الدولار الجمركي سوف ترتفع جميع تلك المواد المستوردة ما يعني رفع سعر اللحوم مجددا، موجها نصيحته بالشراء الآن".

الأعلاف تتطاير

من جانبها، ذكرت صحيفة "المال" الاقتصادية المحلية، أن أسعار الأضاحي في 2022، شهدت ارتفاعا بنسبة 15 بالمئة مقارنة بموسم عيد الأضحى 2021، إذ بلغ متوسط الكيلو 75 جنيها مقارنة بـ65 جنيها في 2021، فضلا عن ارتفاع تكاليف تربية وتسمين الماشية جراء صعود سعر الأعلاف.

وأضافت في تقرير نشرته في 18 مايو/ أيار 2022، أن أسعار العجول بين 25 إلى 32 ألف جنيه، والخرفان بين 3 إلى 6 آلاف جنيه، والماعز بين 3 إلى 5 آلاف جنيه، بينما كيلو اللحم البقري القائم 70 جنيها، والجاموسي 60 جنيها، والضاني 90 جنيها.

ولفتت الصحيفة إلى أن أسعار الأضاحي بوزارة الزراعة كانت أقل بكثير في موسم 2021، إذ سجل كيلو الضاني القائم 75 جنيها، والبقري 65 جنيها.

ومنذ مارس/ آذار 2022، ارتفعت أسعار النخالة "الردة" التي يستخدمها الفلاحون لإطعام الماشية والدواجن لتسجل 6600 جنيه للطن مقابل 6500 جنيه، في ظل ارتفاع أسعار الحبوب والقمح، تأثرا بالحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فبراير/ شباط 2022.

وارتفع سعر طن العلف بنحو 1500 جنيه من 9 آلاف جنيه إلى 10 آلاف و500 جنيه بزيادة نحو 20 بالمئة، فيما ارتفعت خامات الأعلاف، ليسجل سعر طن الذرة أرجنتيني 7160 جنيها، والبرازيلي 7210 جنيهات، والأوكراني 6960 جنيها.

وفي 10 أبريل 2022، سجل طن الذرة الصفراء الأرجنتيني زيادة 80 جنيها ليسجل 7660 جنيها، وسعر الذرة الروماني 7420 جنيها بزيادة 100 جنيه، وارتفعت أسعار كسب الصويا المحلي بقيمة 200 جنيه مسجلا 11850 جنيها بدلا من 11650 جنيها.

وفي 8 مايو، قفزت أسعار خامات الأعلاف، ليسجل طن الذرة الصفراء الأرجنتيني والبرازيلي صعودا بقيمة 550 جنيها مسجلا 8700 جنيه، والذرة الأوكراني 8150 جنيها بارتفاع 400 جنيه، وأسعار كسب الصويا المحلي بقيمة 100 جنيه مسجلا 11950 جنيها.

وفي 16 مايو، ارتفعت أسعار الأعلاف إلى أعلى مستوى بالسوق المحلي حيث زاد سعر الطن بقيمة 2500 جنيه بالأسواق، ليسجل سعر طن العلف 11500 جنيه من 9 آلاف جنيه.

وتستورد مصر الأعلاف من أميركا والبرازيل وأوكرانيا، وتنتج مصر نسبة لا تتعدى 15 إلى 20 بالمئة منها، بحسب تقرير لموقع "مصراوي" المحلي في 16 مايو 2022.

وتنص المادة 29 من الدستور المصري على ضرورة أن توفر الدولة مستلزمات الإنتاج الحيواني وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما.

لعبة الصكوك

وقبل سنوات دخلت الجمعيات الأهلية التابعة للنظام مثل "بنك الطعام" و"الأورمان" و"مصر الخير" و"صناع الحياة" وغيرها، إلى جانب وزارة الأوقاف سوق الأضاحي للحصول على كعكة سائغة يدفعها الأغنياء لتلك الجمعيات عبر ما يسمى بمشروع صكوك الأضاحي.

ذلك التوجه والدعاية الواسعة عبر الفضائيات والإذاعات والصحف قلل بشكل كبير ممارسة المصريين وخاصة في المدن شعيرة الذبح وشراء الأضحية بأنفسهم وذبحها في بيتهم وتعويد الأبناء على توزيع اللحوم بأنفسهم على الفقراء.

وفي 30 مايو 2022، أطلقت جمعية "الأورمان"، بالتعاون مع 5 آلاف جمعية خيرية صغيرة حملة "صكوك الأضاحي 2022" بأسعار تبدأ من 2250 جنيها للعجل الصغير المستورد، و2950 للكبير، و3600 جنيه للعجل البلدي، تدفع مرة واحدة، أو على 6 أقساط.

وفي وقت مبكر جدا ومنذ منتصف شهر رمضان تقوم وزارة الأوقاف ببيع صكوك الأضاحي بالمساجد والمديريات، وفتحت حسابات بـ4 بنوك وطنية والبريد المصري، محددة قيمة الصك للحوم البلدية بـ3800 جنيه و2200 للسودانية.

وتشير الأرقام إلى ارتفاع كبير في قيمة الصكوك في 2022 عنها في 2021 التي تراوح سعر الصكوك فيها بين 1950 جنيها حتى 3550 جنيها، فيما جمعت الأوقاف نحو 140 مليون جنيه لصك الأضاحي في 2021.

المثير هو أن وزارة الأوقاف، تقوم بتوزيع اللحوم في اليوم الخامس من عيد الأضحى ما يفقد شعيرة الأضحية قيمتها وهدفها بوصول اللحوم للفقراء صباح يوم العيد.

وذكرت الوزارة في بيان بتاريخ 19 مايو 2022، أن ذبح الأضاحي يكون أول أيام عيد الأضحى وحتى عصر اليوم الرابع، وتبدأ عملية التوزيع خامس أيام العيد.

 وأعلنت عن هدف آخر من محاولتها السيطرة على صكوك الأضاحي وتقليل عمليات الذبح التي يقوم بها الأهالي، بقولها إن مشروع صكوك الأضاحي يقطع الطريق على الجماعات المتطرفة التي تتاجر بالعمل الاجتماعي.

"حرمنا من الأضحية"

أحد القائمين سابقا على العمل الخيري بجماعة الإخوان المسلمين ومنه ذبح وتوزيع الأضاحي، أكد لـ"الاستقلال"، أن "خسارة الفقراء كبيرة بإبعاد التيار الإسلامي والجمعيات الخيرية التابعة له عن العمل المجتمعي".

وأضاف: "كنا قبيل موسم عيد الأضحى بكل حي وقرية ونجع، نشتري الأضاحي لذبحها وتوزيع لحومها على الفقراء والأرامل والمحتاجين"، مبينا أننا "كنا نكفيهم هذا اليوم مؤونة السؤال، بل كنا نذهب للبيوت بيتا بيتا دون أن نجرحهم".

وتابع: "بل كنا نجمع جلود الأضاحي من الأغنياء ونبيعها ونتبرع بقيمة تلك الجلود لإخواننا في فلسطين، بعدما يكتفي فقراء مصر، ولكن اليوم انقطعت معظم سبل الخير، وحتى من يوزعون الأضحية مثل حزب (مستقبل وطن) يهينون الفقراء بتصويرهم ووقوفهم في طوابير مذلة".

من جانبه، قال أحد المزارعين ومربي المواشي الحاج عزمي، إن "الفلاح المصري يعيش أسوأ عصور الزراعة على مر التاريخ، فهو يبذل جهدا وينفق أموالا والحاصل صفر، ولو أراد اليوم أن يضحي بدجاجة بيضاء سوف يفكر قبلها ويحسب التكاليف".

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن طعام الحيوانات بداية من الماعز والخراف والعجول والأبقار والجاموس ارتفع من عيد الأضحى عام 2021، إلى عيد الأضحى 2022، عدة مرات، وأسعار الأعلاف والردة والذرة والتبن شاهدة على ذلك".

وأكد أن "شيكارة العلف وزن 25 كيلوغراما تحركت من 200 إلى 300 جنيه خلال العام، وكذلك تحرك سعر شيكارة الردة إلى جانب ارتفاع أسعار الذرة المستوردة للأعلاف، ما دفع الأسعار للارتفاع بداية من الدجاجة وحتى المواشي والخراف".

وطالب عزمي، بوقف ما يحدث للمصريين "من نزيف ومن حرمانهم من شعيرة الذبح وفرحة الأضحية بكل بيت"، موضحا أنه "كان يقوم الناس بذبح الأضاحي والتوزيع على الفقراء، ولكن الآن الأكثرية تكتفي بشراء اللحوم من الجزارين دون ذبح أضحية لن يقدروا على ثمنها".

وفي تعليقه على الأزمة، قال مستشار وزير التموين الأسبق الدكتور عبد التواب بركات، إن "المواطن المصري يعاني من ارتفاع مزمن في أسعار السلع الأساسية والهامشية منذ منتصف 2013، وأصبحت اللحوم في غير متناول معظم طبقات المجتمع المصري".

الأكاديمي المصري المتخصص في العلوم الزراعية، أرجع بحديثه لـ"الاستقلال"، السبب إلى "انخفاض الإنتاج المحلي من اللحوم نتيجة إغراق الجيش السوق بسبوبة اللحوم المستوردة، حية ومبردة ومجمدة رديئة الجودة وبيعها بسعر أقل من البلدية".

ولفت بركات أيضا إلى "ارتفاع أسعار الأعلاف الحيوانية للضعف بالسوق الدولية والتي تستوردها مصر بنسبة 70 بالمئة".

الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية، أشار كذلك إلى أن "ارتفاع سعر الدولار مقابل انخفاض القوة الشرائية للجنيه أدى لارتفاع أسعار اللحوم المستوردة بأنواعها، وأصبحت في غير متناول كثير من الأسر رغم انخفاض جودتها وعدم تلبيتها لذوق المستهلك الذي يفضل اللحوم البلدية".

وتحدث عن سبب رئيس لارتفاع أسعار اللحوم المستوردة رغم تدني جودتها وهو "احتكار استيراد اللحوم شركات تابعة لجهات سيادية، مثل (ميدي تريد)، و(مالتي تريد)، و(وادي النيل)، ورجال أعمال معظمهم لواءات سابقون، يستوردون 60 بالمئة من احتياجات السوق، حية ومبردة ومجمدة".

بركات، رأى أيضا، أن "أزمة اللحوم والألبان والثروة الحيوانية في مصر سببها الأول غياب مشروع قومي لتنمية السلالات المحلية وقبله ارتفاع أسعار الأعلاف".

وأكد أن "حل أزمة اللحوم يحتاج إرادة سياسية وخطة اقتصادية يشارك فيها خبراء الإنتاج الحيواني، وتبدأ بتدشين مشروع قومي جاد لتحسين سلالات اللحم والألبان من الأبقار والجاموس المصري المتكيفة مع البيئة المصرية".

"ونشر تكنولوجيا التلقيح الصناعي الناتجة عن سلالات ذات تراكيب وراثية مرغوبة، سواء محلية أو أوروبية، دون التفريط بالسلالات المحلية عالية الإنتاج، ودعم إنتاج القطن والذرة الصفراء لتوفير الأعلاف محليا بأسعار مخفضة، وضبط سوق الاستيراد ومنع الإغراق" يضيف الخبير الزراعي.

وعن دعوة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي إلى إحلال الأصناف الأجنبية من الأبقار محل الأصناف المصرية، أكد بركات أنها "طريقة غير علمية في ظل عدم تأقلمها مع البيئة المصرية وحساسيتها للأمراض الموجودة وعدم ملائمة الأعلاف المحلية، ما يهدد الثروة الحيوانية في مصر وقد تتحول إلى كارثة".