هندسة إيرانية.. لماذا يسعى حزب الله لاحتلال بلدات حدودية بين لبنان وسوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يواصل "حزب الله" اللبناني التمدد أكثر داخل الأراضي السورية الملاصقة للحدود اللبنانية، عبر ممارسات وعمليات تمويه ترسخ وجوده عسكريا هناك بهندسة إيرانية وتواطؤ كامل من قوات النظام السوري.

إذ لجأت مليشيا "حزب الله"، أخيرا إلى منع مزارعي أبناء قرية فليطة في القلمون الغربي بريف دمشق من الوصول إلى أراضيهم في الجرود، ونصبت عددا من الحواجز على الطريق الواصل بين القرية ومنطقتي طلعة موسى والثلاجات في جرودها.

طرد المزارعين

وذكر موقع "صوت العاصمة" المعارض، في 24 مارس/ آذار 2022، أن عناصر حزب الله، وجهوا تعليمات لجميع المزارعين في الجرود بمغادرة المنطقة.

وتزامن إغلاق الطرق المؤدية إلى منطقة الجرود، مع تنقلات عسكرية أجرتها مليشيا حزب الله في منطقة القلمون الغربي، ومدينة الزبداني في ريف دمشق، نقلت خلالها مجموعات جديدة من عناصرها إلى النقاط العسكرية المتمركزة على الشريط الحدودي السوري اللبناني.

كما عمدت المليشيا لتعزيز النقاط العسكرية بأسلحة ثقيلة ومتوسطة، إضافة لنقل كميات من الأسلحة والذخائر إليها، بعد القيام بعمليات تحصين لأكثر من 20 مقرا عسكريا ونقطة مراقبة تابعة لحزب الله على الحدود السورية اللبنانية.

وتدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا عناصره لمنع سقوط الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.

إذ تشير التقديرات إلى أن الحزب خسر ألفين من مقاتليه وأصيب الآلاف منهم مع تعرض بعضهم لإعاقات جسدية دائمة.

لكن منذ انتهاء العمليات العسكرية في غالبية الأراضي السورية وبرود الجبهات خاصة بعد معارك ريفي حلب وإدلب مطلع 2020 التي شاركت فيها مليشيات إيرانية، ركز "حزب الله" على تثبيت حضوره بشكل يخدم المصالح الإيرانية.

وتشكل منطقة جبال القلمون شمال غربي دمشق المتاخمة للبقاع اللبناني، الباحة الخلفية اللوجستية والعملياتية لحزب الله وكذلك في جنوب لبنان.

لا سيما أنه نشر فيها ترسانة للدفاع الجوي من نظام صواريخ أرض-جو تكتيكية قصيرة المدى من طراز SA8 وكذلك SA17 وSA22، حسبما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن تقرير لمركز الأبحاث الإسرائيلي "ألما"، بما يجعله قادرا على التصدي للضربات الجوية الإسرائيلية بسوريا ولبنان.

مصادرة الأراضي

وفي هذا الإطار، أكدت "حركة تحرير الوطن" العسكرية السورية المعارضة، لـ "الاستقلال"، أنه بعد المتابعة الحثيثة لمنطقة القلمون الغربي تبين "أن حزب الله الإرهابي اللبناني وضع يده على آلاف الدونمات داخل الأراضي السورية المحاذية للحدود المشتركة بين لبنان وسوريا".

وأوضحت الحركة أن "هذه الخطوة تهدف إلى ترسيخ وجود حزب الله الإرهابي في هذه المنطقة التي أنشأ فيها منذ عام 2017 عدة قواعد ونقاط تمركز عسكرية، في سياق محاولته تشكيل منطقة آمنة له على طول الحدود السورية اللبنانية".

وبينت الحركة المعارضة أن "حزب الله الإرهابي اللبناني بدأ برفع سواتر ترابية ابتداء من جرود بلدة عسال الورد في القلمون الغربي القريبة من الحدود السورية اللبنانية، باتجاه قرى سورية حدودية".

وبذلك "استولى الحزب الإرهابي على مساحات هائلة من الأراضي التي يملكها أهالي بلدة عسال الورد المقيدة رسميا في دوائر الملكية في محافظة ريف دمشق"، وفق الحركة.

وقدرت الحركة "المساحة التي استولى عليها حزب الله الإرهابي بأنها تربو على 15 ألف دونم مزروعة بالتفاح والكرز، حيث إن الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد المجرم شقيق بشار تساعد الحزب في رفع السواتر الترابية".

ولا يتوانى حزب الله في القيام بعمليات شراء للأراضي الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، وخصوصا في منطقة القلمون، وذلك عبر وكلاء محليين يتبعون له.

وتكمن أهمية منطقة القلمون عدا عن قربها من مناطق نفوذ حزب الله بلبنان، من طبيعة التضاريس الجبلية التي تساعد الحزب وداعمته إيران، لإخفاء الأسلحة والترسانة العسكرية المتنوعة، في أنفاق أعدت لها في عمق الجبال ويصعب استهدافها.

وخاصة أن طهران ركزت منذ بداية الثورة السورية في 18 مارس/ آذار 2011، على القيام بعمليات تهجير الأهالي من هذه المناطق، والتي أصبحت حاليا شبه خالية من سكانها الأصليين منذ سنوات.

لعبة الحدود

ويستغل "حزب الله" الحدود لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا لمساندة نظام الأسد، وكذلك لإدخال الدعم من طهران إلى مواقعه في لبنان.

كما يسهل هذا التمركز لمجاميع قوات حزب الله، بالحركة والتنقل وتبديل المناوبات التي لا تستهلك أقل من ساعة لتعود إلى الضاحية الجنوبية في لبنان معقل المليشيا.

وأيضا تعد جرود القلمون محطة مركزية لخط سير شحنات المخدرات التي يصنعها حزب الله وتنطلق من مناطق نفوذه في بعلبك اللبنانية، ثم تعبر حواجز النظام السوري دون سؤال أو تفتيش لحمولتها حتى تصل الجنوب السوري، بهدف التهريب إلى الأردن ومنها إلى الخليج، وفق مواقع المعارضة السورية.

ولهذا تولي إيران لحزب الله أهمية كبيرة لوجوده في سوريا إلى جانب الأسد الذي ينظر إليه كدولة داخل دولة وأحد أذرعه الخفية في لبنان الذي خرج منه جيش النظام السوري عام 2005 بعد وصاية عليه استمرت منذ عام 1976.

ويشكل حزب الله رأس إيران في لبنان بينما يمثل قدماها على الخارطة العسكرية السورية، إضافة إلى باقي التشكيلات المليشاوية التي جلبتها إيران لدعم الأسد كحركة النجباء العراقية ولوائي الفاطميون الأفغاني، وزينبيون الباكستاني عند الحدود السورية العراقية.

وعن هذه الجزئية، يؤكد مدير تحرير شبكة "صوت العاصمة" المعارضة، أحمد عبيد، لـ "الاستقلال"، أن "القرى والبلدات السورية على الشريط الحدودية مع لبنان من مدينة الزبداني وصولا إلى بلدة قارة في القلمون الغربي، تقع تحت سيطرة مليشيا حزب الله اللبناني".

ولفت عبيد إلى أنه "منذ بداية السيطرة للحزب هناك عام 2013 بدأت عملية التوسع أكثر وأكثر وقضم مساحات وقرى جديدة قريبة من الحدود، بما يعني أن ذلك كان ضمن خطة مدروسة مسبقا".

وأشار مدير الشبكة المختصة بنقل أخبار العاصمة وريفها، إلى أنه "مع نهاية المعارك مع فصائل المعارضة والتمركز النهائي بدأت المليشيا منذ عام 2017 التقدم نحو الشريط الحدودي نحو الأراضي السورية".

ومضى يقول: "إذ يجرى ذلك عبر اقتطاع أراض زراعية هي غالبا كانت تزرع بشجر الكرز من قبل السكان المحليين، حتى وصل في بعض المناطق اقتطاع أراض أصبح الدخول من لبنان إلى سوريا يبلغ مسافة عشرة كيلو مترات على طول الشريط الحدودي، مما خلق مساحات إضافية بيد المليشيا".

سلطة احتلال

لكن النقطة الأهم كما يشير عبيد هي "أن الأراضي والمنازل التي في محيط مناطق تمركز مليشيا حزب الله حاليا، والبالغة في القلمون أكثر من 40 نقطة تمركز، منها داخل المدن ومنها في أراضي الجرود، تصبح مع كامل الجرد ضمن ملكية الحزب، إذ تجرى عملية اغتصاب هذه الأراضي السورية بالتعاون مع مليشيا الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد".

وشرح عبيد كيف يمارس حزب الله سلطة احتلال لأراض سورية بالقوة والترهيب العسكري بقوله: إن "مليشيا حزب الله تقوم بالتمركز في مغارات جبلية، بينما تقوم مليشيا الفرقة الرابعة بالتمركز في الطرقات التي تؤدي إلى النقطة التي يتمركز بها الحزب عبر إقامة حواجز تمنع المدنيين من الوصول إليه بشكل نهائي".

ولفت عبيد إلى أنه منذ مارس/آذار 2022، بدأت "مليشيا حزب الله بعمليات تحصين لكل مقراتها على الشريط الحدودي، فضلا عن القيام بعمليات تمركز جديدة وعمليات تمويه من أجل تثبيت تبعية المنطقة لها".

وتلجأ المليشيا لتحقيق ذلك عبر "رفع رايات حزب الله على مقرات وهمية، وكذلك عبر نصب مضادات حربية معطوبة في نقاط ثانية بعد رفع حولها سواتر ترابية داخل أراضي السكان الأصليين السوريين؛ مما يولد حالة خوف من دخولها أو الاقتراب منها".

 وأوضح مدير شبكة صوت "العاصمة"، أن "حزب الله يتبع تشتيت القصف الإسرائيلي ولا سيما أن إسرائيل ركزت منذ بداية عام 2022 على استهداف منطقة القلمون الشرقية والغربية والتي أصبحت حاليا منطقة التوجه الرئيسة للحزب بعدما أصبح القصف شبه دوري على نقاطه جنوب دمشق".

 مما يوفر بهذه الخطوة حزب الله "غطاء جديدا له داخل سوريا متداخل أصلا مع نقاط سيطرته وعمق نفوذه داخل لبنان، وبما يتيح حدودا مفتوحة على مصراعيها يتحكم به وحده".

يذكر أن حزب الله يمتلك معابر غير شرعية خاصة به مع سوريا، غير تلك الرسمية الموزعة على الشريط الحدودي الممتد على مسافة 375 كيلومترا والبالغ عددها خمسة، وهي "المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة".

ويستخدم حزب الله تلك المعابر لتهريب المواد الغذائية والبضائع والوقود إلى الداخل السوري لمساندة نظام الأسد؛ مما خلق أزمات داخلية لبيروت ظهرت نتائجها الاقتصادية أواخر 2019، وما زالت متواصلة وتلقي بظلالها على تعثر المشهد السياسي في لبنان.