شاركت فيها إيران.. العراق قد يطالب إسرائيل بتعويض عن عملية عمرها 41 عاما

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أعاد العراق فتح ملف تدمير مفاعل تموز النووي، بطائرات حربية إسرائيلية في 7 يونيو/حزيران عام 1981، والذي أدى إلى مقتل 10 عراقيين ومدني فرنسي.

وعرفت العملية باسم "أوبرا" في وقت كان العراق يخوض حربا طاحنة مع إيران استمرت ثماني سنوات.

شروع العراق بالإجراءات للحصول على تعويضات من الجانب الإسرائيلي عن تدمير مفاعل تموز النووي، أثار تساؤلات عدة بخصوص الأسباب التي دفعته لتحريك القضية بهذا التوقيت، أي بعد مضي 41 عاما على القصة، وإلى أي مدى يمكن لبغداد كسبها؟

استعادة الحقوق

في 29 مارس/آذار 2022، بدأ العراق دراسة آليات تثبيت المطالبة بتعويضات المفاعل النووي العراقي الذي قصفه الاحتلال الإسرائيلي عام 1981.

جاء ذلك خلال اجتماع عقده مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، مع مسؤولين في وزارة الخارجية والطاقة الذرية، في بغداد.

وقال المكتب الإعلامي للأعرجي في بيان، إن "الاجتماع ناقش ملف تعويضات المفاعل النووي العراقي الذي قصفه الكيان الصهيوني عام 1981، وسبل وآليات المطالبة بتعويض العراق".

وأضاف أن هذه المطالبة تأتي "استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 487 لسنة 1981، وفق الوسائل والخيارات القانونية التي تضمن حصول العراق على حقوقه، وفقا للقوانين والمواثيق الدولية".

وأوضح البيان أنه "جرى خلال الاجتماع، التأكيد على انسجام حقوق العراق مع قرارات مجلس الأمن الدولي والتزامات الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

وأكد أن "محاور الموضوع، ستعرض لاحقا أمام رئيس الوزراء، للبت في آليات تثبيت حقوق العراق في هذا الملف والعمل على استعادتها".

وينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 487 على أنه "من حق العراق الحصول على تعويضات عن الهجوم الإسرائيلي على مفاعل تموز النووي، وأن مجلس الأمن يشجب بشدة الغارة العسكرية، ويطالب إسرائيل بالامتناع في المستقبل عن تنفيذ أعمال من هذا النوع أو التهديد بها".

وعلى الجانب الآخر، لم يصدر أي تعليق رسمي عن مطالبة العراق بتعويضات جراء تدمير مفاعل تموز.

لكن الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين طالب بتعويضات عن مصادرة ممتلكات يهود العراق عام 1969، وقصف إسرائيل بـ39 صارخا في 1991.

وفي تغريدة على تويتر، تحدى كوهين الحكومة العراقية برفع قضية ضد إسرائيل.

"فرصة مناسبة"

وبخصوص مدى إمكانية حصول العراق على التعويضات من إسرائيل وسبب تحركه بالوقت الحالي، قال الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، إن "سيادة الدول محترمة حسب المواد (1، 2، 3) من ميثاق الأمم المتحدة".

وأضاف التميمي لـ"الاستقلال" أنه "في حال حصل تجاوز، تكون الدولة تدخل في حالة العدوان وفق المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، وأن مثل هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم أو مضي المدة ولا تسقط بتغير الحكومات، لأن هذه الحقوق للدول وليس للحكومات، وبالتالي يمكن المطالبة بهذا الحق في أي وقت من الأوقات".

وأشار الخبير العراقي إلى أن "الطائرات الإسرائيلية عندما قصفت مفاعل تموز النووي انتهكت السيادة العراقية، وأدين العدوان من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وهذا بحد ذاته يتيح للعراق المطالبة بالتعويضات المناسبة".

ورأى التميمي أن "تحرك العراق في الوقت الحالي يعد أنسب فرصة حتى يطالب بتعويضات، كونه خرج من حرب ضد تنظيم الدولة، وأن المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة تتيح للدول التي تحارب تنظيمات إرهابية موضوعة على البند السابع أن تطلب المساعدة الاقتصادية من الأمم المتحدة".

وأردف: "العراق لديه اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة وقعت بينهما عام 2008، وهذه تتيح في مادتها الـ 27، طلب المساعدة من واشنطن التي تعتبر عضوا فعالا في مجلس الأمن".

ولفت التميمي إلى أن "التعويضات التي تطالب بها بغداد، هي بالتالي حقوق الشعب العراقي، وذلك حصل مع الكويت حيث أخذت التعويضات من العراق على مدار 30 عاما جراء الغزو عليها عام 1990".

وكانت وثائق نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، في 22 يونيو/حزيران 2021، كشفت تفاصيل حول العملية العسكرية السرية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية ضد المفاعل النووي العراق في عام 1981، وعرضت مقطع فيديو وتصريحات من طيار شارك في قصفه. 

وقالت وزارة الجيش الإسرائيلية في بيان إن هذه الوثائق نشرت ضمن مشروع رقمنة ينفذه الأرشيف التابع لنا، بهدف إتاحة آلاف الساعات من الفيديو للأجيال القادمة.

تتحدث الوثائق عن أن سربا من الطائرات الحربية الإسرائيلية قطع نحو 3 آلاف كيلومتر، حتى وصل إلى مدينة بغداد الموجودة في قلب العراق، ودمرت الطائرات المفاعل في 7 يونيو/حزيران 1981.

تضمنت الوثائق رسوما تخطيطية تقريبية لموقع المفاعل النووي العراقي، وكذلك رسوما للطائرات الإسرائيلية وهي تحلق باتجاهه.

وقالت وزارة الجيش الإسرائيلية إن هذه الرسوم هي جزء مما هو موجود في ملف الاستخبارات حول العملية. 

تعاون إيراني

وفي 4 أغسطس/آب 2019، كشفت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأميركية، أن هذه الغارة وثقت رغم غموضها، ووثق كذلك السياق الذي حدثت فيه إذ كانت إسرائيل في تحالف قائم مع إيران قبل اندلاع الثورة الإيرانية.

وأوضحت المجلة أن "تل أبيب واصلت ضخ طهران بالأسلحة الحيوية وغيرها من أشكال الأمن خلال الثمانينيات على الرغم من خطب آية الله الخميني (المرشد الإيراني الراحل) المناهضة لإسرائيل. ويعزو ذلك بشكل كبير إلى المخاوف المشتركة للبلدين من الحشد العسكري في العراق خلال عهد الرئيس الراحل صدام حسين".

في عام 1975، نجح العراق بالتفاوض على صفقة بقيمة 300 مليون دولار (أي ما يعادل 1.3 مليار دولار حاليا) مع فرنسا لبناء مفاعل من طراز "أوزوريس" لأبحاث المياه الخفيفة بإجمالي طاقة 40 ميغاواط في العراق، منح اسم "أوزيراك".

تضمن هذا المشروع بناء مفاعلين باسم تموز 1 و2 في منشأة التويثة للأبحاث النووية جنوب بغداد.

صمم مفاعل "أوزوريس" لأغراض مدنية، لكنه امتلك المقومات لأن يصبح نقطة انطلاق لكفاءة الأسلحة النووية، على الرغم من أن الخبراء يختلفون حتى يومنا هذا بشأن هذه الوثبة، وإلى أي درجة كانت وشيكة بشأن صناعة أسلحة نووية.

وحسب المجلة، فإن صدام حسين نجح بالضغط على الحكومة الفرنسية لتسليم عشرات الكيلوغرامات من الوقود النووي المخصب بنسبة 93 بالمئة الذي يرقى لصنع الأسلحة النووية، بينما حصل على كيلوغرامات من اليورانيوم من أميركا الجنوبية ومصادر أخرى.

وأشارت إلى أن المفاعل أزعج كلا من إسرائيل، التي لا تزال حتى اليوم الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية، وإيران، التي صدت غزو دبابات عراقي فاشل عام 1975.

وفي إطار سعيها لوقف البرنامج، قصف عملاء إسرائيليون قلب مفاعل نووي مكتمل البناء بالقرب من مدينة تولون جنوب فرنسا.

في حين طعن عملاء فرنسيون عالم الفيزياء المصري يحيى المشد، حتى الموت في فندق بباريس في 14 يونيو/حزيران 1980.

نجحت تلك الإجراءات في تأخير وليس وقف بناء مفاعل "أوزيراك" النووي في منشأة ذات قبة مكشوفة، وليس في مجمع محصن تحت سطح الأرض.

وخلال هجوم شنته الطائرات الإيرانية على مفاعل تموز في منطقة التويثة العراقية قبل الهجوم الإسرائيلي بيومين، تمكنت الدفاعات الجوية العراقية من صد ذلك القصف، والذي كان بأربعة صواريخ أحدها روسي الصنع، والأخرى فرنسية قصيرة المدى.

ومع ذلك، استغلت طائرات "فانتوم" الإيرانية غفوة أخذها أفراد قوات الدفاع العراقي، وأسقطت قنابلها على إحدى محطات الطاقة العراقية، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في بغداد لمدة يومين، حسب المجلة.

وفي غضون ذلك، شنت الطائرات الإسرائيلية غارتها على منشأة تموز النووية، وأطلقت عليها قنابلها الاثني عشر في غضون ثوان قبل أن تعود إلى قاعدتها. ولا توجد تقارير عن أي إطلاق نار دفاعي من جهة العراق، وفقا للمجلة الأميركية.

وكان العراق قد حاول منذ ستينيات القرن العشرين الدخول رسميا في النادي النووي السلمي وربما العسكري عبر برنامج نووي طموح، حيث استغل حينها إمكانياته البشرية العلمية والثروة التي تحققت بعد تأميم نفطه عام 1973، حيث وافقت فرنسا على المشروع مطلع عام 1975.

ومع قرب اكتمال بناء المفاعل العراقي، شهدت البلاد أول عملية عسكرية نوعية في العالم، عندما تمكنت القوات الجوية الإسرائيلية من تدمير المفاعل النووي العراقي بصورة كلية في 7 يونيو/حزيران 1981.