لتفادي ضغوط الغرب والشركاء.. "برهان السودان" يبحث عن حل في الإمارات

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وسط اشتعال الأوضاع الداخلية بالسودان، واستمرار المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين المناهضين للانقلاب العسكري، سافر رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى الإمارات، ليثير جدلا كبيرا عن أهداف الزيارة وتوقيتها.

وإضافة إلى الأوضاع الداخلية الملتهبة، أتت زيارة البرهان عقب نحو أسبوعين من سفر نائبه، قائد قوات الدعم السريع سيئ السمعة، محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى روسيا، بالتزامن مع غزو الأخيرة جارتها أوكرانيا، ما أثار تكهنات عديدة داخل الأوساط السودانية.

أبعاد الزيارة

في 10 مارس/ آذار 2022، وصل البرهان، إلى الإمارات في زيارة رسمية، لعقد مباحثات ثنائية بين البلدين، وفق بيان لمجلس السيادة السوداني.

ورافق البرهان في الزيارة، مجموعة من كبار مسؤولي الدولة، بينهم وزيرا الخارجية علي الصادق، والمالية جبريل إبراهيم، بالإضافة إلى مدير جهاز المخابرات العامة أحمد إبراهيم.

ولم يذكر البيان تفاصيل أكثر حول الزيارة أو المواضيع التي ستتم مناقشتها خلالها، إلا أنها تأتي في ظل أزمة داخلية يشهدها السودان، وتنازع وتصارع بين القوى السياسية المختلفة. 

والبرهان معروف بعلاقته الوثيقة مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، لا سيما وأنه تولى رئاسة المجلس السيادي عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بتوافق وترحيب إماراتي.

ومنذ ذلك الحين، تعددت زيارات الجنرال السوداني إلى الإمارات، بشكل سري وعلني، وفق ظروف مختلفة، بين هيكلة السلطة الانتقالية، وصولا إلى انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والآن يشد الرحال إلى حاضنته الإقليمية تحت رايات وأهداف محددة، حسبما ذكرت صحف سودانية معارضة. 

فيما قالت وكالة الأنباء الإماراتية في بيان عن الزيارة إن ابن زايد أكد للبرهان خلال المباحثات دعمه الكامل لشركاء المرحلة الانتقالية لتجاوز التحديات التي تواجه العملية السياسية، والاضطرابات التي يشهدها الشارع السوداني. 

وعقب يومين، أعلنت وكالة الأنباء السودانية الرسمية أن "ولي عهد أبوظبي قرر صرف ودائع كبيرة للبنوك السودانية، وإقامة مشروعات تنموية تدفع بالاقتصاد السوداني". 

 وأضافت أن "ابن زايد أظهر رغبة بلاده في بناء شراكات إستراتيجية مع السودان والاستثمار في الزراعة والموانئ البحرية وتطوير السكك  الحديدية، إلى جانب التعاون في المجال العسكري  وتبادل الخبرات".

تدخلات مرصودة 

وفي معرض تعليقه على هذه الخطوة، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوداني، الفريق جلال تاور: "على ما يبدو حتى الآن أن آثار زيارة البرهان إلى أبوظبي غير واضحة، وأعتقد أنها شكل من أشكال الوساطة لاختراق جمود الأزمة السودانية".

وأضاف تاور لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 15 مارس 2022، أن الوضع الراهن بالسودان يشهد دخول الاتحاد الإفريقي من جانب، والأمم المتحدة من جانب آخر، إضافة إلى الترويكا الأوروبية.

وتابع: "كل تلك الوساطات لم تأت بنتيجة واضحة، ولا تزال المظاهرات والمليونيات في الشارع، وهناك ضيق وأزمة تتفاقم يوما بعد يوم في جميع مناحي الحياة، وعلى الجميع إدراك أن السودان على حافة الانهيار". 

وكانت "ديلي تليغراف" البريطانية، قد سردت في تقرير نشرته في 26 أكتوبر 2021، بعنوان "انقلاب السودان هو تحد لبريطانيا والولايات المتحدة"، تدخلات الإمارات في إفساد العملية السياسية السودانية عبر تحالفها مع البرهان. 

وأكدت الصحيفة البريطانية، أن عملية الانقلاب العسكري حظيت بدعم كامل من الحلفاء الإقليميين لعسكر السودان في الإمارات.

وأوضحت أن "الجيش لم يعد لديه صبر على الضغوط الغربية، ورغم حساباتهم أنهم لن يتخلصوا أبدا من النقد الغربي وتوقف الدعم الأجنبي، لذا تشجعوا من لاعبين إقليميين، على رأسهم مصر والإمارات اللتان تقيمان علاقات قوية مع الجيش السوداني وقادته". 

وأوردت أنه مع بدء الانقلاب ذكر صحفيون في وسائل إعلام إماراتية أن محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، رئيس الوزراء الإماراتي أمر بفتح جسر جوي لدعم السودان، وبخطط لهبوط الطائرات في السودان حاملة معها كل أشكال الدعم الممكنة.

وفي 25 أكتوبر 2021، بعد سويعات قليلة من الانقلاب العسكري، كشف موقع "إمارات ليكس" المعارض، عن مصادر خاصة، أن "الإمارات شجعت القادة العسكريين في السودان على وضع يدهم الكاملة على السلطة في البلاد ورفض نقلها إلى المدنيين".

ونبهت المصادر، التي لم يكشف عنها الموقع، إلى أن "أبوظبي تتمتع بعلاقات وثيقة مع البرهان، وقد حرضته طويلا على الاستفراد بالسلطة ووعدت بدعمه". 

ويبدو أن الإمارات حاولت التحكم أكثر بآليات التغيير في المنطقة المضطربة، على إثر ثورات الربيع العربي، وكذلك أرادت الاستئثار بمصالح خاصة في السودان الغني بموارده، الضعيف بحكومته ونظامه. 

لغة المصالح 

وفي قراءته للمشهد، قال الصحفي السوداني محمد نصر لـ"الاستقلال"،إن "تلك الزيارة لا تأتي بمعزل عن رحلات الشتاء والصيف التي طالما اقتطعها البرهان إلى حليفته الأولى الإمارات، فإنها لا تقوم بدور الداعم الموثوق للعسكر فقط، بل هي إحدى أهم القوى الخارجية التي ترسم معالم المرحلة الانتقالية والحالة السياسية في السودان منذ اللحظات الأولى". 

وأضاف: "دعونا نرجع بالزمن إلى الوراء ونتذكر عقب الإطاحة بالبشير وتولي الفريق أول عوض بن عوف زمام الأمور والسلطة القائمة، حينها اعترضت الإمارات، وامتنع حميدتي عن المشاركة في هيكل المجلس العسكري، إلا عندما يتم استبدال ابن عوف، والإتيان برجل مناسب يرضى عنه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد".

وتابع نصر: "وبالفعل جاء حينها عبدالفتاح البرهان بموافقة إماراتية أولا ثم سعودية ومصرية، وأصبح هو الفاعل الأساسي والحاكم الأول في البلاد". 

ومضى يقول: "الإمارات كما جعلت البرهان وقيادات المجلس العسكري، ينقسمون بالبلاد ويقودون الإسلاميين، ويقومون بحملات تطهير داخل أجهزة الدولة وفي المخابرات والشرطة، وجعلتهم يذهبون إلى مرحلة متقدمة في التطبيع مع إسرائيل، ها هي تحدد لهم معالم مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري في ظل التوترات القائمة".

ولفت الصحفي السوداني إلى أن سوء العلاقة بين المجلس السيادي والقوى الغربية، تحديدا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ثم دخول حميدتي على الخط بطموحات واسعة وقوة عسكرية ومالية يمتلكها بين جنباته، تستطيع أن تقلب الطاولة برمتها، كلها عوامل تتعلق بالزيارة عن قرب.

وزاد نصر: "لا شك أن زيارة حميدتي إلى روسيا، والطريقة التي استقبل بها والصفقات التي عقدها لإثقال قواته، وتقديم نفسه كرجل السودان القوي، أقلقت البرهان وقيادات المجلس العسكري بشكل قاطع".

وشدد على أن "الجنرالات وإن كانوا في صراع مع قوى الحرية والتغيير والحركات السياسية، لكنهم يعلمون أن خطورة حميدتي ومليشياته لا تضاهيها خطورة، وهو الوحيد القادر على إحداث تغيير في المعادلة السياسية بجيشه الموازي وأدواته الكثيرة ودعم القوى الخارجية له أيضا". 

واستدرك: "لكن السؤال المهم والمفصلي في الزيارة الأخيرة، ليس ما يريده البرهان من الإمارات، فهذا معلوم بالضرورة، لكن ما سوف يتنازل عنه لها وما ستحصل عليه مقابل الدعم المستمر، وتغليب كفته على الطرف الآخر، فلا شيء يحدث بلا ثمن، ومعروف أن الإمارات لها أطماع وخطط كبرى في السودان".

وشرح ذلك بالقول: "بداية من موانىء بورتسودان الإستراتيجية إلى المناجم وتحديدا الذهب، وصولا إلى الأرض الخصبة والمزارع، فلا نعلم على أي شيء سيقايض البرهان، أم هل يقايض على السودان برمته ويسلمه إلى آل زايد، فمع الأسف صار الأمر ببلدنا وكأنه كعكة تتقاسمها القوى المحيطة، ولا نصيب لأهله فيه، فإن سقط فاسد يأتي إلينا ألف فاسد".