الغزو الروسي لأوكرانيا.. هكذا يضر الشعب الفلسطيني ويفيد الاحتلال الإسرائيلي

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ظل اليهود على مدار قرون في مؤامرات دفعتهم للترحال من بلد إلى آخر، يكونون مجتمعات مغلقة وثرية تقوم على التجارة والمال، واستغلال أراضي وثروات غيرهم، حتى حطوا رحالهم أخيرا في فلسطين، ليبدأ احتلالها منذ العام 1948.

ومع بدء الهجوم العسكري الروسي على الأراضي الأوكرانية 24 فبراير/شباط 2022، خرجت تصريحات من هنا وهناك أن 200 ألف يهودي مهددين في الدولة القابعة بأوروبا الشرقية.

ليظهر عقب ذلك الكيان الإسرائيلي المحتل كـ"المنقذ" لليهود، وتبدأ مساعيه الحثيثة لجلبهم في هجرة جماعية إلى ما يدعون أنها "أرض الميعاد"، في فلسطين.

وأطلقت موسكو عملية عسكرية لتنفيذ خططها لضم أجزاء من أوكرانيا العضو السابق في الاتحاد السوفيتي والدولة الحليفة الآن لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ودول أوروبا الغربية وأميركا، لتكون العملية العسكرية الثانية لموسكو ضد كييف بعد ضمها أراضي بمنطقة القرم عام 2014.

خطة طوارئ

وفي الوقت الذي تواصل فيه المدافع والمدرعات والطائرات الروسية اقترابها من كييف قبل الاستيلاء على مدن مهمة، تنفذ تل أبيب خطة طوارئ عاجلة لاستقدام يهود أوكرانيا، بمساعدة "الوكالة اليهودية" ذات التاريخ المشين في عمليات التوطين بأرض فلسطين.

ومع سعي إسرائيل لجلب يهود أوكرانيا إلى الأراضي المحتلة، وخشيتها على مصيرهم وسط الحرب، وقلقها الشديد من رد فعل روسيا بتقييد عملياتها الجوية على أهداف إيران و"حزب الله" اللبناني في سوريا؛ قررت عدم بيع بطاريات "القبة الحديدية" لكييف.

ولكن، تل أبيب وبعد تردد شديد وجهت إدانة ضعيفة المستوى للهجوم الروسي على أوكرانيا، وذلك في محاولة لعدم إغضاب موسكو وكييف في نفس الوقت، خاصة وأنها تولي أهمية لليهود في الدولتين، وفق مراقبين.

وقبل اندلاع الحرب بـ4 أيام، وفي 20 فبراير 2022، اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لبيد، ومجلس الأمن القومي، ومسؤولون بوزارات الدفاع، وشؤون الشتات، و"الوكالة اليهودية"، لترتيب أمر جلب يهود أوكرانيا إلى فلسطين المحتلة.

وبالفعل، وصل نحو 100 منهم في 21 فبراير 2022، إلى مطار "بن غوريون" بتل أبيب، هربا من احتمالات اندلاع الحرب، شكلوا خليطا بين رجال ونساء وأطفال وشباب يُخشى عليهم من تجنيد كييف لهم بالحرب، تاركين وطنهم الأم رغم خطورة الأزمة التي يمر بها.

ولاحقا، ومع اندلاع الحرب، أعلنت تل أبيب في 24 فبراير 2022، استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية لأكثر من 200 ألف يهودي بأوكرانيا، موجهة بتسهيل إصدار التأشيرات لهم عبر الإنترنت، دون مغادرة منازلهم حرصا على سلامتهم.

المؤسسة الدينية في دولة الاحتلال متمثلة في الحاخام الأكبر إسحق يوسف، انتفضت أيضا، لتسريع إجلاء يهود أوكرانيا للهجرة إلى فلسطين.

وجاء ذلك في دعوات رسمية تبعتها جهود على الأرض نجحت في نقل 500 يهودي خارج أوكرانيا خلال يومين من بداية المعارك.

وغُمرت الوكالة اليهودية بطلبات يهود حاولوا الفرار من أوكرانيا إلى إسرائيل، بحسب ما نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية في 24 فبراير 2022.

مكاتب الوكالة اليهودية بالقدس غُمرت أيضا بمكالمات من جنود بالجيش الإسرائيلي أصولهم أوكرانية، يتوسلون للوكالة وحكومة إسرائيل لترتيب رحلات جوية طارئة لوالديهم وأقاربهم.

وأوضحت "هآرتس" أنه يجب على المتقدمين للهجرة إلى إسرائيل بموجب ما يسمى "قانون العودة" إثبات أن لديهم جد يهودي واحد على الأقل، معلنة أن حكومة تل أبيب والوكالة اليهودية تبحثان طرقا مختصرة لتمكينهم من الوصول بسرعة.

و"قانون العودة" تشريع إسرائيلي صدر في 5 يوليو/ تموز 1950، يعطي اليهود حق الهجرة والاستقرار في إسرائيل ونيل جنسيتها.

الأمر لم ينته عند دعوات إسرائيل ليهود أوكرانيا وإعلان تل أبيب تقديم مساعدات؛ بل إن الدبلوماسية الإسرائيلية تحركت سريعا بالبلدان المجاورة لها للإشراف على إخراجهم.

إذ تابع دبلوماسيوها نقاط العبور على الحدود للتأكد من تسهيل مهمة نقلهم.

استنفار كبير

وقالت هيئة البث الإسرائيلية في 25 فبراير 2022، إن سفارة تل أبيب بكييف وبالتعاون مع دبلوماسيين إسرائيليين من الدول المجاورة، ساعدوا مئات الإسرائيليين على مغادرة هذه الدولة"، موضحة أنه جرى "تسيير ثلاث حافلات من مدينة ليفوف إلى بولندا".

ووفق موقع "بي دي إن" الإسرائيلي، فإن تل أبيب أرسلت في 26 فبراير 2022، وبتكليف من وزير الخارجية، سفيرها لدى بولندا يعقوب ليفنه، للإشراف على مغادرة الإسرائيليين من كييف صوب وارسو.

وأشار موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري الإسرائيلي إلى أن "8880 إسرائيليا كانوا في أوكرانيا قبل الحرب بأسبوعين"، موضحا أن 44300 إسرائيلي، عادوا من كييف قبل إغلاق المجال الجوي.

وعلى الجانب الآخر، تقود الجاليات اليهودية بأوروبا والمنظمات اليهودية بالدول المجاورة لأوكرانيا حملة استنفار لتسهيل استجلابهم بجمع التبرعات من أثريائهم، فيما أشار تقرير "هآرتس"، إلى دور نشط لجالية مولدوفا.

الاهتمام الكبير وصل حد إقامة خط ساخن للإجابة على أسئلة يهود أوكرانيا وأقاربهم بإسرائيل تنظمه "الوكالة اليهودية" و"الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود" -منظمة جمع أموال من المسيحيين الإنجيليين- ومنظمة "بيرثرايت" التي تجلب اليهود برحلات مجانية.

وناشدت مجموعات يهودية معنية بالإغاثة في أوكرانيا التبرع لجهودهم، مؤكدين أن العائلات اليهودية "تحتمي في مخيم خارج كييف" على أمل السفر لبولندا.

وأطلقت لجنة التوزيع المشتركة اليهودية الأميركية (JDC) حملة طارئة لجمع التبرعات عبر الإنترنت.

وأسست الحركة الحسيدية الدولية "تشاباد لوبافيتش"، أكبر مجموعة دينية يهودية من حيث الحاخامات والمعابد والمصلين في أوكرانيا، "صندوق الإغاثة اليهودية الأوكرانية" لدعم يهود 30 مدينة في ذلك البلد.

ونجحت جهود إسرائيل والمنظمات والجاليات اليهودية في تنظيم رحلتين وصلتا إلى تل أبيب في 20 فبراير 2022، واحدة من كييف والأخرى من أوديسا.

جلبت الرحلتان 100 مهاجر إلى الأراضي المحتلة، وتكفلت "الزمالة" و"الوكالة اليهودية" بالتكلفة كاملة لإخراج يهود أوكرانيا بريا إلى البلدان المجاورة وخاصة ملدوفا وبولندا، ثم نقلهم بالطائرات.

وخلال استقبالهم بمطار "بن غوريون" وعبر رسالة وجهتها إلى يهود أوكرانيا، قالت وزيرة استيعاب المهاجرين الإسرائيلية بنينا تامانو: "رسالتنا واضحة للغاية؛ إسرائيل ستبقى وطنهم على الدوام".

وأضافت: "أبوابنا مفتوحة لهم بالأوقات العادية وفي حالات الطوارئ، ونحن على استعداد لاستيعاب الآلاف الذين يريدون الانتقال إلى إسرائيل".

الجالية اليهودية بأوكرانيا

وتشير تقديرات الوكالة اليهودية الأولية إلى هجرة 5 آلاف يهودي من أوكرانيا إلى تل أبيب خلال مارس/آذار، وأبريل/نيسان 2022، وفق تغريدة لعضو حزب العمل، مائير المصري عبر "تويتر"،  قال فيها: "ننتظرهم على أحر من الجمر".

ورغم ما يمثله يوم السبت لليهود من قدسية- بدءا من منتصف نهار الجمعة- حيث يعتبره المتدينون يوم عبادة تحرم فيه الأعمال؛ فإن يهود أوكرانيا انتهكوه وواصلوا فرارهم نحو بولندا وملدوفيا.

وفر الحاخام آرون موتوز، من أوديسا ليلة 24 فبراير 2022، مع 200 يهودي عبر عدة حافلات لمولدوفا، وقررت القافة السير السبت إلى بولندا.

ووفق ما نشرت "جورزاليم بوست" العبرية في 26 فبراير 2022، قال مدير الكنيس اليهودي الرئيس في أوديسا: "أخلينا المجتمع بأكمله وجميع الأطفال، واضطررنا إلى انتهاك يوم السبت".

لكن؛ وعلى عكس كل تلك الأنباء والتحركات، قالت "القناة 13" العبرية في 24 فبراير 2022، إن معظم، إن لم يكن جميع، يهود أوكرانيا ومع الحرب القائمة رفضوا الهجرة لإسرائيل، وفضلوا البقاء في بلدهم.

وهو ما علقت عليه صحيفة "رأي اليوم" اللندنية في 25 فبراير 2022، بالقول: "هذا الموقف يشكل صدمة للمشروع الصهيوني والمروجين له، ويؤكد أن إسرائيل لم تعد جنة أرض الميعاد في نظر الكثير من اليهود".

وأضافت الصحيفة: "الإسرائيليون، وباعتراف أجهزة إعلامهم، بدأوا الهجرة المعاكسة، وبالأحرى الهروب من إسرائيل إلى ملاذات آمنة، وخاصة في أوروبا وأميركا وكندا، بعد معركة (سيف القدس مع غزة) في مايو/ أيار 2021".

ووفقا للمؤتمر اليهودي العالمي، تشكل أوكرانيا ثالث أكبر جالية يهودية بأوروبا وخامس أكبر مجتمع يهودي بالعالم. 

فيما يعود تاريخ اليهود فيها لأكثر من ألف عام، إذ تواجدوا هناك منذ أواخر القرن التاسع إلى منتصف القرن 13.

ويتألف اليهود الأوكرانيون من الأشكناز، ويهود الجبال والبخاريين والقرميين، والكريمتشاك والجورجيين.

وانخفض عدد اليهود في أوكرانيا خلال الحرب الباردة (1947- 1989) بين أميركا والاتحاد السوفيتي، وغالبية من بقي في أوكرانيا هاجر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي أوكرانيا البالغ تعداد شعبها (45 مليون نسمة) و98 بالمئة منه مسيحيون، حوالي 43 ألفا و300 شخص يعرفون أنفسهم على أنهم يهود.

وهناك نحو 200 ألف مؤهلون للهجرة إلى تل أبيب بموجب "قانون العودة"، وفق إحصاء نقلته "تايمز أوف إسرائيل" العبرية في 21 فبراير 2022، عن دراسة ديمغرافية أجريت عام 2020 ليهود أوروبا.

وفي هذا الإطار، قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في 25 فبراير 2022، إن ثمة (120-150) ألف يهودي (لا يحملون الجنسية الإسرائيلية) في أوكرانيا، هذا إلى جانب اليهود الأوكرانيين الذين يحملون الجنسية.

ووفق "هآرتس"، فإن هناك حوالي 75 ألف يهودي يعيشون بشرق أوكرانيا مؤهلون للحصول على الجنسية الإسرائيلية بموجب "قانون العودة".

غضب ومخاطر

وعلى الجانب الآخر، فإن التوجه الإسرائيلي لاستقدام يهود أوكرانيا أثار غضب الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي، وسط انتقادات لهم، وتساؤلات عن أسباب عدم بقائهم بوطن ولدوا وعاشوا فيه، والدفاع عنه ضد الغزو الروسي. 

واعتبر كثيرون أن هذا مشروع استيطاني إحلالي لطرد السكان الأصليين، فيما طالب البعض روسيا بتهجير يهود أوكرانيا إلى دولة بيروبيجان اليهودية داخل روسيا والتي تتمتع بحكم ذاتي وبمساحة سويسرا، وأنشأها جوزيف ستالين (1941 – 1953).

وبشأن  خطورة هجرة آلاف اليهود من أوكرانيا إلى الأراضي المحتلة على الشعب الفلسطيني وقضيته، قالت الكاتبة الفلسطينية ريما البرغوثي، إن "هؤلاء يتمتعون بحق كامل الجنسية الإسرائيلية حتى لو لم يدخلوا فلسطين ولو زيارة".

وأضافت لـ"الاستقلال": "إسرائيل تتوسع كل يوم على حساب الشعب الفلسطيني حتى تستوعب 14 مليون يهودي في العالم ، سواء جاءوا أم لا".

وأكدت ريما، أن "هذه قضيتنا من الأزل، وكل من تسبب في ضياع حقوقنا يمثل فعله خيانة لنا".

ولفتت إلى ما اعتبرته تناقضا مثيرا لدى يهود أوكرانيا الذين يتعرضون للاحتلال من روسيا ويقبلون في الوقت ذاته باللجوء إلى أرض فلسطين المحتلة المغتصبة.

وأشارت إلى أن هذه طبيعة اليهود بكل مكان، مضيفة: "يستبيحون ويحرمون وفقا لأهوائهم، وهذه إنسانية الغرب أيضا".

من جانبه، قال الباحث والكاتب الفلسطيني معين نعيم، إن "هجرة أي يهودي في العالم إلى فلسطين للاستيطان والاستقرار جريمة بحق الشعب".

وأضاف لـ"الاستقلال": "يجب أن يكون أكثر الناس تفهما لهذا الأمر هم اليهود الذين يعيشون في المناطق التي توجد فيها حروب وعدوان، وأعتقد أن اليهود الأوكرانيين أكثر من يجب أن يستشعر هذا الأمر خاصة لما يتعرضون له في ظل الاحتلال الروسي لأراضيهم".

نعيم يرى أن "توطين هؤلاء في فلسطين خطر على فلسطين وقضيتها وخطر عليهم كذلك، ومدى خطورته على الفلسطينيين هو أنه يزيد عدد المحتلين والجنود والمعتدين".

"في نفس الوقت مع الأسف سيصبح هؤلاء عرضة لردود المقاومة الفلسطينية، ككل المحتلين لأراضي فلسطين لأنه قانونا وشرعا وأخلاقا من حق الشعب الفلسطيني أن يقاوم بكل السبل المتاحة المحتل ويخرجه من أرضه".

وتابع: "وكل من يكون مستقرا مع الاحتلال ويسانده ويتواجد على الأرض الفلسطينية المغتصبة فهو هدف مشروع للمقاومة".

ويعتقد الباحث أن "الاحتلال الذي يعاني في الفترة الأخيرة من هجرة عكسية من فلسطين إلى خارجها بعد الحروب والمواجهة مع المقاومة طوال الـ10 سنوات الأخيرة؛ يريد اليوم أن يستعيض عن هؤلاء بأعداد جديدة من المستوطنين والمغتصبين".