العراق لا يدفع شيئا.. ماذا وراء تكفل الصين بجلب معلمين وتدريس لغتها في أربيل؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن إقليم كردستان شمالي العراق أصبح ساحة تمارس فيها الصين قوتها الناعمة من خلال المشاريع التنموية وتعليم اللغة الصينية، تزامنا مع تقلص النفوذ الغربي الخشن.

وذكرت الوكالة أن مصالح الصين في العراق المترسخة في الطاقة لإشباع احتياجاتها المتزايدة آخذة في التوسع، حيث تبني بكين محطات توليد كهرباء، ومصانع، ومنشآت معالجة مياه، وكذلك المدارس التي تشتد الحاجة إليها في جميع أنحاء البلاد.

أوركسترا صينية

في فصل دراسي في شمال العراق، يرأس المعلم الصيني "زيوي هو" طلابه العراقيين كقائد لأوركسترا، يطرح هو أسئلته، وتكون ردود الفعل من طلابه  باللغة الصينية بطلاقة كبيرة.

ويدرس زيوي البالغ من العمر 52 عاما 14 طالبا كرديا عراقيا بأمر من القنصلية الصينية في مدينة أربيل عاصمة الإقليم، في إطار تجربة مع جامعة صلاح الدين المحلية.

وإذا نجح هؤلاء الطلاب في التخرج، سيكون قسم اللغة الصينية مفتوحا رسميا للتسجيل بالجامعة، ما يمنح العدد الكبير المتزايد من الشركات الصينية في المنطقة الكردية بالعراق خيارات كثيرة للتعيينات.

وقال الطالب ريجين ياسين البالغ من العمر 20 عاما، الذي كان يجلس في مقدمة الصف  "أردت تعلم اللغة الصينية لأنني أعرف أن الصين سيكون لها اليد العليا في المستقبل.. الصين ستتوسع هنا، ولهذا اخترتها".

وتضمن عشرات العقود التي تم توقيعها في السنوات الأخيرة  وجود الصين المتزايد، حتى في الوقت الذي تخطط فيه الشركات الغربية الكبرى، بما في ذلك الأميركية، للخروج.

وبينما يقول المسؤولون العراقيون إنهم يرغبون في وجود أميركي أكبر، فإنهم يجدون جاذبية في عرض الصين للتنمية دون شروط للديمقراطية أو الإصلاح ودبلوماسيتها الحاذقة.

ويعد تدريس اللغة الصينية عرضا للقوة الناعمة لبكين لتعريف المنطقة بالصين، وفق الباحث سردار عزيز، الذي كتب مؤخرا كتابا باللغة الكردية عن العلاقات الصينية العراقية.

وفي عام 2017، طرحت القنصلية الصينية بكلية اللغات بجامعة صلاح الدين فكرة قسم اللغة الصينية. وجاء افتتاح مدرسة في العاصمة بغداد مع مخاطر أمنية، لكن المنطقة التي يديرها الأكراد في الشمال كانت آمنة نسبيا.

وقال عميد الكلية عاطف عبد الله فرهادي إن الجامعة في البداية لم تكن متأكدة من أنها ستنال إعجاب الطلاب أو أنها ستجد مدربين مؤهلين.

ولذلك طلب فرهادي من القنصلية توفير ودفع تكاليف المعلمين والكتب المدرسية ومختبر الصوت وتقنيات الفصول الدراسية الأخرى وفرص التبادل في بكين.

وقال فرهادي إنهم وفروا جميع المطالب. وتم افتتاح القسم في عام 2019 ومن المقرر تخريج أول دفعة منه العام المقبل، على أن تتوسع الخطط في المستقبل.

وقال الطلاب إن تعلم الكتابة بلغة الماندرين، اللغة الرسمية في البر الرئيس للصين، كان الجزء الأصعب، حيث كان لا بد من حفظ الآلاف من الرموز الخاصة. وبعد ذلك كان يأتي تحدي النطق.

وقال المعلم زيوي "انطلقت ألسنتهم.. بعد خمس ساعات من الدروس، خمس مرات في الأسبوع على مدار ثلاث سنوات ، يتحدثون بشكل جيد للغاية".

ويتمنى فرهادي أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لقسم اللغة الإنجليزية؛ وقال إن "القنصليتين الأميركية والبريطانية نادرا ما عرضتا المساعدة، ولا يدعموننا على الإطلاق".

هيمنة صينية

وتهيمن الشركات الصينية على القطاع الاقتصادي الرئيس في العراق، حيث تستهلك بكين 40 من صادرات العراق من النفط الخام.

ومن التركيز على الهيدروكربونات، نمت الاستثمارات الصينية لتشمل الصناعات الأخرى والتمويل والنقل والبناء والاتصالات.

وجاء هذا التحول بعد إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 عن مبادرة الحزام والطريق الطموحة، التي يطلق عليها طريق الحرير الجديد، والتي تتألف من مجموعة واسعة من مبادرات التنمية والاستثمار من شرق آسيا عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا.

وتنظر الولايات المتحدة إلى هذه الخطط بقلق بالغ وعلى أنه مخطط حصان طروادة للتوسع الصيني.

وتدعو المبادرة الصين إلى تطوير العلاقات مع الدول على طول مسارها من خلال التنسيق السياسي، وترابط البنية التحتية، والتكامل التجاري والمالي، والسندات الشعبية.

وتهيمن الشركات الصينية على عقود النفط، من الحقول العاملة إلى تقديم خدمات المصب، وتستمر في كسب المزيد.

وفي الآونة الأخيرة، وضع العراق اللمسات الأخيرة على الشروط مع شركة سينوبك الصينية لتطوير حقل غاز المنصورية، والذي يمكن أن ينتج 300 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم إذا وافقت عليه الحكومة العراقية المقبلة.

ويعد الاستثمار في العراق مخاطرة ترغب الصين في تحملها، حيث قال مسؤولون في الصناعة ومسؤولون عراقيون إن الشركات الصينية، مع هوامش ربح منخفضة، تقدم دائما عقودا أكثر جاذبية وأسعارا أقل.

وتأتي الشركات الصينية إلى العراق من أجل النفط كما يلتقي المسؤولون الصينيون بالطلاب بحجة ممارسة المهارات اللغوية. وينتهي الأمر بمعظمهم بوعود للتوظيف في المستقبل.

وقال أحد الطلاب، يدعى حوار السعدي، "نتحدث باللغة الصينية ونتحدث عن الأعمال والمستقبل.. يأتون إلينا لمقابلتنا وإجراء اتصال بنا."

ويعمل طالبان بالفعل بدوام جزئي في شركة اتصالات صينية كمترجمين.

وقال فرهادي "الأمر عكس ذلك في كل قسم آخر في الجامعة.. العرض مرتفع لكن الطلب على الوظائف منخفض.  هنا، يرفض الطلاب عروض العمل من أجل التركيز على الدراسة".

واقع جديد

وفي الوقت الذي تنمو فيه بصمة الصين الاقتصادية، تعمل شركات النفط الغربية على تقليص نفوذها. وقد أعرب الكثيرون عن استيائهم من بيئة الاستثمار المحفوفة بالمخاطر في العراق وشروط العقود غير المواتية.

وقال وزير النفط إحسان عبد الجبار إسماعيل لوكالة أسوشيتيد برس في ذلك الوقت، إن خروج شركة النفط الأميركية العملاقة إكسون موبيل من حقل غرب القرنة 1 في 2021 جاء على الرغم من مناشدات العراق بالبقاء.

ولطالما كان وجود شركة أميركية كبرى في العراق بمثابة طمأنة للشركات الأخرى.

وتخطط شركة بريتيش بتروليوم، المشغل لأكبر حقل نفط في العراق، الرميلة ، لتوزيع أعمالها هناك مع كيان آخر مملوك بالاشتراك مع شركة CNPC الصينية.

وتطالب شركات نفط أخرى، بما في ذلك شركة لوك أويل الروسية، بتعديلات على شروط العقود كشرط للبقاء.

وتغطي الدروس جوانب الثقافة والتاريخ الصيني أيضا. ويسارع "زيوي" دائما إلى تذكير الطلاب بالماضي الذهبي المشترك لبكين وأربيل حيث يقول "كان العراق جزءا من طريق التجارة القديم لطريق الحرير، الذي يربط سلالة هان الصينية بالغرب".

وقال السفير العراقي السابق في بكين، محمد صابر، إنه خلال فترة وجوده هناك، غالبا ما كان المسؤولون الصينيون يتذكرون تاريخهم المشترك.

ويتذكر العديد من الصينيين أيضا كيف أنه في الخمسينيات من القرن العشرين، شحن العراق أطنانا من التمور إلى الصين للمساعدة أثناء المجاعة.

وعندما تولى صابر منصبه عام 2004، كانت التجارة بين العراق والصين تبلغ حوالي نصف مليار دولار، وعندما غادر في عام 2010 كانت قد بلغت 10 مليارات.

وفي 2021 وصلت التجارة إلى ما يقرب من 30 مليار. وفي هذا السياق أكد السفير العراقي السابق" يحتاجون إلى نفطنا ، ونحتاج إلى إيجاد سوق لبيع نفطنا..الطريق يسير في اتجاهين".

وتوافقه الرأي ياو يان، وهي مواطنة من بكين تبيع سلعا صينية الصنع في سوق لانجا في أربيل.

وقالت ياو حيث كانت تحيط بها أكوام من الحقائب والأحذية إن العراق قدم لها آفاقا اقتصادية أفضل، حيث ترسل أرباحها إلى المنزل لرعاية ابنها المراهق المعاق.