في ظل عشوائية سعيد منذ الانقلاب.. ما مستقبل الاقتصاد التونسي خلال 2022؟

طارق الشال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جاءت موازنة تونس لعام 2022 التي تقدر بنحو 57.2 مليار دينار (19.7 مليار دولار تقريبا)، بزيادة 3.2 بالمئة عن ميزانية 2021، وبعجز أولي يقدر بنحو 3.2 مليار دولار، دون أي رقابة برلمانية ووسط زيادة في الضرائب والرسوم.

وتأتي تلك الزيادة في النفقات وسط عدم القدرة على الاقتراض الخارجي خاصة في ظل تراجع التصنيف الائتماني للبلاد نتيجة ما تشهده من اضطرابات سياسية بالداخل، بالإضافة إلى تعويل البلاد على التمكن من الاقتراض من صندوق النقد الدولي خلال الشهور القادمة.

وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021، التصنيف السيادي لتونس من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية.

وفق الأرقام المعلنة للموازنة من قبل الحكومة، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2021، تبلغ إيرادات الحكومة المتوقعة خلال العام المقبل 38.618 مليار دينار (13.55 مليار دولار)، ونفقات بقيمة 47.166 مليار دينار (16.54 مليار دولار)، أي بعجز يبلغ 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار).

وتحتاج تونس تمويلا إجماليا يبلغ 18.67 مليار دينار (6.47 مليار دولار)، واقتراضا داخليا يبلغ 7.6 مليار دينار (2.63 مليار دولار) في عام 2022.

وتشير توقعات قانون المالية الأصلي لعام 2021، إلى بلوغ الدين العام مستوى قياسيا، إلى 109.23 مليار دينار (37.6 مليار دولار) منها 74.21 مليار دينار (25.5 مليار دولار) دينا خارجيا.

هذه الأوضاع المتردية، تخفض مستوى التوقعات للاقتصاد التونسي خلال 2022، وتضعه أمام خيارات مفتوحة متعلقة بالأزمة السياسية، لكنها قليلة بسبب الأزمات المتصاعدة التي يعاني منها.

إفلاس شامل

وتهدف الموازنة إلى تقليص العجز إلى حدود 6.8 بالمئة مقابل عجز بنسبة 8.7 بالمئة لعام 2021، في إطار غير واقعي خاصة وأن البلاد تكافح لإنعاش اقتصاد يعاني من جائحة فيروس كورونا، ولا يزال يتعثر بسبب الأزمة السياسية العالقة التي اندلعت عندما جمد الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان.

يضاف إلى ذلك وجود تخوفات عالمية من تداعيات متحور أوميكرون الأخير والتي سيتأثر بها الاقتصاد التونسي أيضا، ما سيتطلب مزيدا من النفقات، وبالتالي عجز أكبر من المتوقع في الموازنة.

وبحسب الباحث في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، محمد النوري، فإن ميزانية تونس للعام 2022 تشهد ارتفاعا قياسيا في معدل العجز لم تشهده البلاد منذ الاستقلال، حيث من المتوقع أن يبلغ 6.7 بالمئة من الناتج الإجمالي وفق تقديرات وزارة المالية.

وأشار النوري، لـ"الاستقلال"، إلى أن صندوق النقد الدولي ذكر في آخر تقرير غير رسمي أن هذه النسبة مرتبطة بتنفيذ حزمة الإصلاحات المشروطة التي تعد بمثابة "برنامج إصلاح هيكلي جديد" تُعلق عليه آمال كبيرة في إنقاذ تونس من أزمتها الخانقة.

وأضاف تقرير الصندوق أنه بدون تنفيذ تلك الإصلاحات والشروط من المتوقع أن يبلغ معدل العجز 9.9 بالمئة "وهو أمر ينذر بإعلان حالة الإفلاس الشامل".

وترتكز الإصلاحات التي يشترطها الصندوق أساسا على خفض كتلة الأجور ورفع الدعم وإيجاد حل للمؤسسات العمومية المفلسة. إلا أن الاتحاد العام التونسي للشغل أعرب عن رفضه "أي خطط لخفض الدعم".

وقال الاتحاد: "نرفض رفع الأسعار ويجب تعزيز الدعم في ظل التراجع الكبير في المقدرة الشرائية"، وأنه "لا يمكن لحكومة انتقالية في وضع استثنائي أن تنفذ إصلاحات".

ويشترط صندوق النقد الدولي وفقا للبنك المركزي التونسي إشراك جميع الأطراف الوطنية في إجراء هذه الإصلاحات، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف والأحزاب الفاعلة في البلاد، مما يؤزم المشهد الاقتصادي في البلاد.

وأرجع الباحث الاقتصادي، أسباب هذا الوضع المزري إلى تفاقم الفجوة بين الموارد والنفقات من جراء تراجع الأولى وتضخم الثانية.

 فالموارد الجبائية التي تمثل العمود الفقري لهيكل الميزانية رغم التحسن النسبي في عملية الاستخلاص دون بلوغ المأمول تعد غير كافية لتغطية العجز.

وذلك بسبب التراجع المستمر في الإنتاج وتحديدا الفوسفات الذي سجل وحده فرصة ضائعة تصل إلى 10 مليارات دينار وهي كافية وحدها بتغطية العجز الإجمالي الذي يقدر بـ 8.5 مليار دينار.

بالإضافة إلى تراجع عام في النشاط الإنتاجي بسبب تقلص الاستثمار الذي يرتبط بتقهقر منسوب الثقة في الاقتصاد وطغيان الانتظارية لدى جانب مهم من رجال الأعمال، وفق تعبير النوري.

ويعد الفوسفات المورد الأول في الميزانية، حيث احتل مكانة مهمة في المنظومة الاقتصادية، سواء على مستوى المداخيل من العملة الصعبة أو على مستوى الميزان التجاري.

وبحسب بيانات سابقة للبنك المركزي، فإن تراجع إنتاج الفوسفات، كلف الدولة التونسية 6.7 مليارات دولار على مدى 6 أعوام من 2014 إلى 2020.

بدوره، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة قرطاج، رضا الشكندالي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن حجم الميزانية يتزايد بشكل كبير جدا ومتسارع.

 وبالتالي هناك تصاعد ملحوظ في حجم النفقات، والذي يعد أمرا سلبيا نتيجة أن هذه المصروفات يتم توجيهها إلى الاستهلاك مثل الأجور والدعم بدلا من الاستثمار، مما سيؤثر بشكل سلبي على معدل النمو الاقتصادي للبلاد.

ويتوقع البنك الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي لتونس بنسبة 2.9 بالمئة في 2021، على أن تبلغ نسبة النمو 3.3 بالمئة، عام 2022.

انسداد التمويل

في خضم ذلك، تكبح ديون تونس المتزايدة قدرتها على دعم مواطنيها أو الاستثمارات القومية، في وقت يتراوح فيه حجم الدين العام ما بين 109 و112 مليار دينار (38.84 مليار دولار) وفق توقعات الصحف المحلية، ليصل بذلك نصيب كل فرد تونسي من إجمالي الدين إلى متوسط 9 آلاف و300 دينار (3225 دولار).

وما زالت البلاد بحاجة إلى قروض تمكنها من العمل على تمويل احتياجاتها، خاصة في ظل حالة عدم اليقين والمخاطر التي يشعر بها المقرضون الدوليون.

وهو ما يدفعهم للهروب من إقراض تونس لتبقى مفاوضات صندوق النقد هي بوابة البلاد الوحيدة للحصول على تمويلات من أجل تلبية احتياجاتها.

وأكد النوري، أنه إذا استمر الوضع الحالي للبلاد على ما هو عليه، سيستمر الدين العام في الارتفاع وسيعرض البلاد إلى مخاطر جمة.

وأشار إلى أن الأزمة المركبة التي تشهدها تونس تهدد استدامة الدين العام للبلاد، وتجعله غير قابل للتحكم باعتبار أن 70 بالمئة من حجم هذا الدين بالعملة الصعبة، التي تزيد تقلبات أسعارها مقابل العملة الوطنية "الطين بلة".

فضلا عن انسداد آفاق تمويل الاقتصاد جراء تراجع ثقة الجهات المانحة، بسبب حالة عدم الاستقرار التي تسيطر على البلاد منذ الانقلاب على الدستور والدخول في مرحلة الحكم الفردي، وفق تعبير النوري.

وتابع: "فالموارد الشحيحة لم تعد قادرة على تغطية النفقات المتزايدة، وبالتالي لا مفر من اللجوء إلى المزيد من الاقتراض، هذا إذا ما أتيحت الفرصة الممكنة، لذلك قبل صندوق النقد الدولي بفتح باب المفاوضات للحكومة التونسية بعد قبول الأخيرة اللامشروط بإملاءاته".

ويضاف إلى أعباء القروض، فوائد الدين التي بلغت الخارجية منها متوسط وطويل المدى 10.7 مليار دينار (3.76 مليار دولار) سنة 2021، مقابل 8.4 مليار دينار (2.95 مليار دولار) سنة 2020، أي بزيادة قدرها 27 بالمئة.

ومع كل ارتفاع للدين بنسبة واحد بالمئة يتراجع النمو بنسبة 0.033 في المئة، وهي نسبة على ضآلتها عميقة التأثير بفعل النسق التراكمي.

لذلك، على تونس انتهاج سياسات اقتصادية جديدة تهدف بشكل خاص إلى تقليل عجز الموازنة، وزيادة مخزون النقد الأجنبي.

 كما يجب العمل على تخفيض سعر الفائدة على القروض من البنوك الدولية، ما قد يقلل من التأثير السلبي الملحوظ في الديون المقترضة من البنوك على النمو الاقتصادي التونسي، وفق النوري.

من جهته، قال الشكندالي، إن الدين المتعلق بصندوق النقد الدولي غير مضمون خاصة في ظل عدم وجود إجماع على الاصلاحات المقترحة، وبالتالي قانون المالية لسنة 2022 يصعب تنزيله على أرض الواقع.

وأشار إلى أن الدول والمؤسسات المانحة لن تقرض تونس في حال لم يتم التوصل في اتفاق مع الصندوق كون هو الذي يمثل الضمانة لهم.  

وتابع: "قانون المالية لعام 2022 رصد مبالغ كبيرة لتمويل موازنة الدولة بنحو 12.6 مليار دينار كقروض خارجية دون ضمان على مستوى تنزيل هذه الأموال المرصودة، ما يعني أن حجم الدين سيرتفع وستتجاوز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الـ 100 بالمئة".

خيارات مصيرية

وفي ظل العشوائية الاقتصادية التي تدار بها تونس في فترة ما بعد الانقلاب الذي يقوده الرئيس التونسي قيس سعيد منذ 25 يوليو/تموز 2021، فإن المستقبل الاقتصادي أصبح يعيش حالة من الضبابية وسط حالة من التخبطات السياسية والتي لا تنبئ بوجود توافق مجتمعي في القريب العاجل.    

وأوضح النوري، أن مصير الاقتصاد التونسي خلال عام 2022 رهين السياسات العامة التي ستحكمها عدة خيارات، فالخيار السياسي، يتعلق بفك الأزمة السياسية من عدمها وتراجع الرئيس عن التمادي في سياسة الهروب إلى الأمام وإلغاء الدستور والمؤسسات الدستورية وفرض نظام غير مفهوم من عموم التونسيين يذكر بتجربة نظام اللجان الشعبية في الجارة ليبيا. 

وسيلعب الطرف الخارجي دورا رئيسا في تحديد مصير ومستقبل البلاد السياسي في الاتجاهين، اتجاه المحاصرة والتطويع عبر المزيد من الضغوطات المباشرة وغير المباشرة، أو القبول بالأمر الواقع وتحسين الموجود على غرار حالات أخرى مثل الحالة المصرية.

أما الخيار المالي، فهو يتعلق بمدى قبول الحكومة القائمة بشروط صندوق النقد الدولي والاصلاحات المؤلمة اجتماعيا التي يطالب بتنفيذها والتي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة من الوفاء بها.

وفي مقدمتها تخفيض كتلة الأجور وإلغاء الدعم وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية وتقليص العجز في الميزانية وإصلاح الجباية.

إضافة إلى الحفاظ على سياسة نقدية حذرة وسياسة صرف متمادية في النقدية والتعويل على استخدام سعر الفائدة في تنشيط الاقتصاد ومقاومة التضخم.

أما الخيار الاقتصادي، فيتعلق بسبل تنشيط الاقتصاد واستعادة الثقة المفقودة داخليا وخارجيا وتحريك الاستثمار والإنتاج عبر تحسين مناخ الأعمال وإصلاح المنظومة الجبائية وإصلاح حوكمة المؤسسات العمومية.

فضلا عن إعادة هيكلة منظومة الدعم ومراجعة السياسة النقدية والمالية وسياسة الصرف ومقاومة الفساد مقاومة فعلية بعيدة عن الشعارات والغوغائية.

ويضاف إلى جملة هذه التحديات، مضاعفات الأزمة الوبائية الجديدة مع المتحور الجديد لفيروس كورونا "أوميكرون".

ولذل فإن مصير البلاد سيظل بين خطرين؛ الأول جاثم والثاني قادم تتطلب مواجهتها رشدا سياسيا وطنيا استثنائيا وترشيدا سياسيا وماليا وتضامنا اجتماعيا قبل فوات الأوان، وفق المحلل.

وأشار إلى أن مفتاح كل ذلك استعادة الثقة في الاقتصاد من خلال إصلاح أسلوب الحكم والتوصل إلى حل سياسي لإنقاذ البلاد.