إبراهيم العرجاني.. مقاول عسكر مصر لإدارة "بيزنس سيناء" ومشاريع إعمار غزة

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحول رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني إلى لغز كبير في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة على السواء بسبب أدواره كوسيط للدولة المصرية وتحديدا الجيش والمخابرات الحربية في العديد من الملفات.

"العرجاني" كان معتقلا لدى الأمن المصري حتى 13 يوليو/تموز 2010، بتهمة احتجاز ضباط وجنود على حدود مصر الشرقية خلال فترة الصراع بين البدو والشرطة، بسبب دوره في تهريب بضائع وسلاح، عبر الأنفاق.

تحول بين يوم وليلة، عقب انقلاب رئيس النظام عبد الفتاح السيسي عام 2013 إلى حليف للجيش والنظام.

كما شكل ومول قوات من أبناء القبائل، دربها وسلحها الجيش، لمحاربة مجموعة "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم الدولة، كما تولى دور "مقاول غزة" المصري كواجهة لشركات العسكر.

بات يلعب دورا حيويا كوسيط للدولة المصرية في ملف إعمار غزة، الذي يسعى جنرالات الجيش للفوز بكعكته، ضمن خطة يدعمها الاحتلال الإسرائيلي والغرب لإدخال بعض التحسين على الحياة في القطاع مقابل وقف المقاومة ضد إسرائيل.

قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، لعب العرجاني أدوارا سرية، بالتعاون مع جنرالات في الجيش والشرطة، في تحصيل أرباح ضخمة من التهريب في سيناء للبشر والمخدرات والسلع، وكذا عبر الأنفاق مع غزة.

وبعد الثورة ثم انقلاب السيسي وهدم الأنفاق، تحول تعاون الطرفين إلى ترتيبات رسمية معلنة عبر شركات تستهدف تحقيق مكاسب مالية ضخمة من وراء مشاريع تقام لمليوني فلسطيني في غزة، لكن لا يزال ناشطون في سيناء يتهمونه بتجارة المخدرات.

بحسب ما تحدث مصدر سيناوي لـ "الاستقلال"، كان العرجاني من أكثر المستفيدين من غزة سواء في مرحلة التهريب عبر الأنفاق، أو بعدما أسس شركات منها "أبناء سيناء" بالتعاون مع جنرالات السيسي.

صديق محمود السيسي

"العرجاني صديق محمود نجل السيسي، وضابط المخابرات العامة، ويحصلان معا على إتاوات على كل شاحنة تدخل من سيناء إلى غزة".

كما "يحصلون على إتاوات من عمليات التهريب، والآن يستعدان للاستفادة من بقرة حلوب" تسمي إعمار غزة"، بحسب المصدر.

لهذا أرسلت المخابرات المصرية شركة العرجاني "أبناء سيناء" إلى غزة لرفع أنقاض العدوان الإسرائيلي في مايو/أيار 2021 والاستعداد لخطة الإعمار التي تربطها القاهرة وواشنطن وتل أبيب وعواصم عربية بـ "التهدئة" ووقف المقاومة ضد إسرائيل.

وأعلن عبد الفتاح السيسي عقب وقف إطلاق النار في غزة نهاية مايو عن خطة للإعمار بقيمة 500 مليون دولار ستنفذها شركات العرجاني بالتنسيق مع المخابرات المصرية. 

وضمن دوره كمقاول غزة، أسس العرجاني في 21 ديسمبر/كانون أول 2021 شركة "هلا" للخدمات السياحية لتولي عملية نقل أهالي القطاع حصريا، عبر أتوبيسات وتأشيرات مقابل مبالغ مالية ضخمة.



أواخر عام 2008، وضمن المناوشات بين بدو سيناء والأمن المصري الذي شدد الحصار عليهم بسبب اتهامهم بالمسؤولية عن تفجيرات طابا 2004 وشرم الشيخ 2005، جرى القبض على العشرات من الناشطين في شبه الجزيرة.

كان السبب المعلن للاعتقالات هو احتجاز البدو عددا من ضباط وجنود الشرطة في مركز حدودي مع إسرائيل، ومحاصرتهم، ثم إطلاق سراحهم بعد مفاوضات.

لاحقا، أفرجت الشرطة عن قرابة 63 من بدو سيناء في 13 يوليو 2010، لتخفيف الاحتقان بينهم وبين الشرطة، كان من أبرزهم إبراهيم العرجاني، أشهر مهرب عبر الحدود والأنفاق، وزميله سالم لافي، والناشط السياسي مسعد أبو فجر.

صحيفة "اليوم السابع" شبه الحكومية أشارت إلى سبب آخر لاعتقالهم حينئذ، مؤكدة في تقرير نشرته بالثاني من ديسمبر 2008 أن الأسباب الحقيقية ترجع إلى كشفهم في لقاء مع لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، أسرار العلاقة بين الأمن والبدو.

قالت إن العرجانى وأبو لافي كشفا للجنة معلومات تحرج قيادات الشرطة تندرج ضمن "أسرار الشغل" بينهم وبين قيادات الأمن، والتي لا يجب البوح بها، ومنها تعاون الطرفين في عمليات تهريب وسلاح. 

كان هذا اعترافا شبه رسمي بدور العرجاني ولافي في التعاون مع الأمن المصري قبل ثورة يناير 2011 في التهريب، وهو الدور الذي استمر وتعاظم مع الجيش والمخابرات عقب انقلاب السيسي 2013.

انتهي الأمر بالعرجاني لاحقا إلى تدشين تعاون رسمي مع الجيش وتولي الجانب الاقتصادي والتمويلي في سيناء، بجانب تمويل مليشيات قبلية لمحاربة تنظيم الدولة، الذي حاول اغتياله ونسف منزله.

بينما تولي سالم لافي قيادة مليشيا أبناء القبائل، الذين دربهم الجيش ومولهم "العرجاني"، لقتال تنظيم الدولة.

 وقتل "لافي" 10 مايو 2017، وجرى تجسيد شخصيته في مسلسل "الاختيار" في رمضان 2020 كصديق لضباط الجيش.

فيما اضطر ثالث ناشطي قادة سيناء الشباب، ومؤسسة أول حركة سياسية "ودنا نعيش" التي تطالب بحقوق البدو، وهو مسعد أبو فجر، للهرب إلى لندن عام 2014 وكشف تعاون العرجاني ولافي مع نجل السيسي في تهريب المخدرات بسيناء.

وعن تاريخ العرجاني، يقول أحد مشايخ سيناء لـ "العربي الجديد" في 25 يونيو/حزيران 2021، إن "أساس المال الذي يملكه اليوم، يعود إلى عمله في تهريب المخدرات عبر الحدود بين مصر والأراضي المحتلة.

وكذلك من خلال عمله في تهريب البشر خصوصا الأفارقة من سيناء لإسرائيل، ومن شبه الجزيرة إلى قطاع غزة عبر الأنفاق خلال السنوات العشر الماضية، وفق المصدر. 

دوره في سيناء

عقب انسحاب إسرائيل، تعرض بدو سيناء للتهميش بسبب تصورات أمنية سابقة عن تعاون بعضهم مع الاحتلال رغم دور كثير منهم في محاربته بشهادة المخابرات العامة المصرية.

تصاعد التهميش، وصاحبه قمع شديد واعتقالات عقب الهجمات التي وقعت في طابا ودهب وشرم الشيخ بين عامي 2004 و2005، بسبب اتهام الأمن لبعضهم بمساعدة المنفذين، ووقعت عدة مناوشات بين الجيش والبدو أشهرها عام 2008.

مع استمرار شكوى البدو من القمع والتهميش والفقر الشديد وعدم اهتمام الحكومة المصرية بهم، وتركيز الاستثمارات السياحية بمناطق جنوب سيناء، دون شمالها، بدأوا بالعمل في تهريب البضائع والسلع والمخدرات.

كان العرجاني ولافي أحد أبرز من لعبوا أدوارا في التهريب بسيناء، وتجارة الأنفاق التي ازدهرت عقب ثورة 2011، بعد انهيار الأمن هناك، واستمرت حتى 2014.

 ثم توقفت بعد حملة السيسي على الأنفاق وإغراقها وتشييد سور حديدي عميق.

في ذلك الحين نشرت مجلة "فورين بوليسي" 23 أغسطس/آب 2013 تقريرا ساخرا بعنوان "إذا كنت تبحث عن الحشيش في القاهرة فاتصل بالشرطة؟"، لتدلل فيه عن تورط قوات الأمن بسيناء في تجارة المخدرات والتواطؤ مع المهربين.

وبسبب فشله في القضاء على تنظيم ولاية سيناء، اتجه النظام المصري نحو إعادة إنتاج واستنساخ نموذج "الصحوات العراقية" سيئ السمعة، التي أنشأها الاحتلال الأميركي لمعاونته في قتال "تنظيم الدولة" والمقاومة السنية هناك.

واتبع السيسي معادلة تقوم على "زراعة المخدرات مقابل محاربة المسلحين"، لجذب اتحاد قبائل سيناء، الذين يرأسه "العرجاني".

حصل المتعاونون على امتيازات منها زراعة المخدرات دون اعتراض الجيش والشرطة، وتوسعوا فيها، وتردد تقديمهم رشاوى لقادة السلطة؛ للتغاضي عنهم بدعوى أنهم معاونون للدولة، كما يقول المصدر السيناوي لـ "الاستقلال".

وبعد انقلابه، حرص السيسي على لقاء "العرجاني" ضمن مجموعة من أفراد قبائل سيناء في 13 مايو من ذات العام، وظهر في صورة نشرتها وسائل الإعلام وهو يبحث معه ملفات شبه الجزيرة.

التقاه السيسي مرة أخرى في 15 يوليو 2021 خلال اجتماعه مع رجال أعمال، وعينه سفيرا من سفراء مبادرة "حياة كريمة"، بحضور رئيس المخابرات العامة عباس كامل.

وعقب تولي محمود السيسي دورا كبيرا في المخابرات المصرية، جرى تقنين هذا التعاون بشكل رسمي عبر شركات يديرها العرجاني "لكنها واجهة للجيش والمخابرات"، حسبما يقول المصدر السيناوي الذي تحدث لـ "الاستقلال".

وبحكم رئاسته أيضا قبيلة ترابين البدوية و"رابطة زعماء القبائل في شمال سيناء"، المعروفة بتعاونها مع الاستخبارات المصرية في حربها ضد الجماعات الإرهابية في شبه الجزيرة مول ما أصبح يطلق عليه "صحوات سيناء" لقتال فرع تنظيم الدولة.

مقاتلو القبائل، الذين يرتدون أحيانا زي الجيش المصري ويحملون رشاشات حديثة وأسلحة نارية أخرى، يعملون على مداهمة مخابئ تنظيم الدولة وأماكن التجمع باستخدام شاحنات صغيرة أعطاها لهم العسكر، وسيارات بيك أب بمدافع رشاشة.

وتولى رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، وهو الداعم الأول لاتحاد قبائل سيناء، تمويل العملية بشرائه سيارات الدفع الرباعي.

وتضع القوات القبلية المشاركة في العمليات ملصقات على هذه السيارات مكتوبا عليها "كتائب الشهيد سالم أبو لافي"، وهو مؤسس المجموعات القتالية في اتحاد قبائل سيناء أبريل/نيسان 2017.

وبدأت مليشيات القبائل تطارد خبراء المتفجرات في "تنظيم الدولة" مما قد يضعفه أكثر ويحرمه من أسلوب البقاء الأخير، وهو زرع المتفجرات على الطرق لقتل الجيش والشرطة، بحسب صحيفة "المونيتور" الأميركية 11 ديسمبر 2021.

مقاول غزة

سعى السيسي للعب بورقة غزة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لإثبات أهميته كحليف وتخفيف ضغوط اتهام القاهرة بانتهاك حقوق الإنسان.

وبعد طرحه فكرة إعمار القطاع، تولى العرجاني دور "مقاول غزة" ليدير بيزنس الجيش هناك بجانب سيناء.

وعقب حصوله على ضوء أخضر من جهاز المخابرات العامة، أصبحت شركتا العرجاني، "مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار"، و"أبناء سيناء للتشييد والبناء" تحتكر كل ما يتعلق بغزة، من بضائع وتشييد ونقل السكان.

ضمن دوره في الوساطة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وقوات الاحتلال بعد معركة "سيف القدس" الأخيرة، أوعز نظام السيسي للعرجاني بإرسال معدات شركته إلى القطاع.

ويقول تسفي برائيل المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس" إن المستفيد الرئيس من خطة إعادة الإعمار هي شركة أبناء سيناء، لمالكها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، الذي يترأس أيضا قبيلة الترابين البدوية.

أوضح في تحليل نشره 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "العرجاني، الذي يمتلك أكبر شركات المقاولات في مصر، يتلقى الأوامر من الاستخبارات المصرية فيما يخص حركة البضائع إلى غزة.

ذكر أن العرجاني يتحرك نيابة عن الجيش المصري في غزة ويشرف على العمل، ويوقع اتفاقيات مع مقاولي البناء هناك "كي لا تتلوث أيدي القاهرة الرسمية بالتعاون الاقتصادي المباشر مع (حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، على حد قول الكاتب الإسرائيلي.

وأنه "بهذه الطريقة، يمكن لمصر أيضا الاستفادة من تمويل السعودية والإمارات اللتين لا تريدان حاليا أي اتصال مباشر مع حماس، على الرغم من استعدادهما لمساعدة القاهرة في الحفاظ على احتكارها للسيطرة على غزة".

ويفرض العرجاني مبالغ مالية كبيرة على البضائع الواردة إلى القطاع، يضطر التجار إلى دفعها لتسهيل مرور بضائعهم، في ظل التشديد الإسرائيلي على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد بغزة.

وكشف أحد القائمين على شركة شاحنات يستخدمها العرجاني لنقل البضائع، لصحيفة "العربي الجديد" 25 يونيو 2020 أن "كل شاحنة تمر من سيناء يأخذ مقابلها أكثر من 200 ألف جنيه مصري، أي ما يفوق 11 ألف دولار أميركي".

ويدخل يوميا ما لا يقل عن 100 شاحنة إلى غزة، وبالتالي يكون العائد اليومي أكثر من 110 آلاف دولار، أي ما يعادل مليوني جنيه. 

وقبل ذلك كان العرجاني واحدا من أباطرة تهريب السلاح إلى غزة، وجنى مليارات الجنيهات، لكنه عاد مع السيسي ليستثمر في مجالات أخرى بسيناء بمشاركة قيادات في الجيش، بحسب ما تحدث تاجر سلاح لصحيفة "الأخبار" اللبنانية 6 يوليو 2016.

قال إن "منظومة الأنفاق كانت بمثابة دجاجة تبيض ذهبا لتجار السلاح السيناويين".

 وبعد انهيارها بدأت مرحلة مختلفة من التعاون مع الجيش في بضائع أخرى، وتحول بعض كبار التجار، مثل العرجاني إلى العمل مع العسكر في مشاريع استثمارية.