"بوكر دستوري".. ما احتمالات انفصال إسكتلندا عن المملكة المتحدة؟

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جددت رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا ستورجن مساعيها الرامية إلى الاستقلال عن المملكة المتحدة مؤكدة رغبتها في تنظيم استفتاء على الانفصال خلال عام 2023.

وقالت ستورجن في كلمة خلال مؤتمر حزبي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "حملة الاستقلال التي تعثرت بسبب وباء كورونا ستستأنف بشكل جاد في ربيع 2022 إذا سمحت الظروف، لتمكين إجراء استفتاء قبل نهاية عام 2023".

لكن القرار الذي تسعى إليه ستورجن يمر عبر العاصمة البريطانية لندن حيث تنص المادة 30 من قانون إسكتلندا لعام 1998 على موافقة الحكومة البريطانية لتنظيم استفتاء على الاستقلال عن المملكة المتحدة.

وهو الإجراء نفسه الذي منح بموجبه رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون الموافقة على تنظيم استفتاء 2014 وصوت فيه الإسكتلنديون لصالح البقاء تحت التاج الملكي بنسبة 55 بالمئة مقابل 45 بالمئة فضلوا الاستقلال. 

ومما يصعب أمر استصدار قرار تنظيم الاستفتاء، معارضة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تكرار التجربة، حيث يرى أن هذا الاستفتاء الذي نُظم قبل سبعة أعوام لا يمكن تكراره سوى مرة واحدة في كل جيل. 

وفي ظل الرفض البريطاني هددت رئيسة وزراء إسكتلندا باللجوء إلى المحكمة للحصول على إذن بتنظيم استفتاء قانوني. 

لكن وزير شؤون مكتب مجلس الوزراء البريطاني مايكل جوف اعتبر أن الأمر لن ينتهي بهذا الشكل في المحكمة وأنه سيكون أمرا سخيفا وشائنا تماما إذا وصلت إلى هذه النقطة.

وقال إن حكومة المملكة المتحدة لن تحاكم نظيرتها الإسكتلندية بشأن هذه المسألة، موضحا أن "الأولوية في الوقت الحالي ليست قضايا المحاكم، وليست تشريعات الاستقلال، إنما التعافي من وباء كورونا". 

وأوضح جوف في تصريحات لصحيفة ديلي ميل البريطانية في أغسطس/آب 2021 أنه في ظل الظروف المناسبة لن تمنع وستمنستر الجمهور الإسكتلندي من التصويت على مسألة استقلاله لكنه عبر عن رأيه بأن الآن ليس الوقت المناسب للدفع في هذا الاتجاه.

وأضاف جوف: "المبدأ القائل بأن شعب إسكتلندا في الظروف المناسبة، يمكنه طرح هذا السؤال مرة أخرى موجود".

تسبب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي 2016 في تغيير آراء العديد من الإسكتلنديين الذين صوتوا ضد الانفصال عن بريطانيا في استفتاء 2014. 

ويرى كثير من الإسكتلنديين أن المعادلة تغيرت بعد عملية بريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وهذا بخلاف رغبة الإسكتلنديين الذين صوتوا بنسبة 62 بالمئة عام 2016 لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.

"كذبة بريكست"

ومع تزايد الرغبة الإسكتلندية في العودة مرة أخرى إلى التكتل الأوروبي تزايدت شعبية القوميين في إسكتلندا وهو ما انعكس على الانتخابات الأخيرة التي جرت في مايو/أيار 2021 وعزز فيها الحزب الوطني الإسكتلندي مقاعده في البرلمان وتحقيق الفوز للمرة الرابعة على التوالي.

وحصل الحزب القومي الإسكتلندي الذي تتزعمه رئيسة الوزراء نيكولا ستورجن على 64 مقعدا في الانتخابات التي جرت في 6 مايو/أيار 2021، أي أقل من الأغلبية المطلقة بمقعد واحد. 

كما حصل حلفاء ستورجن من حزب الخضر المؤيد للاستقلال أيضا على ثمانية مقاعد وهو ما يعطيها الهيمنة على الأجندة السياسية لإسكتلندا. 

تقول الكاتبة البريطانية فال ماكديرميد، إن "الشعب الإسكتلندي كان ضحية لكذبة كبيرة".

وتابعت: "قبل استفتاء الاستقلال عام 2014 أخبرنا الناشطون الوحدويون مرارا وتكرارا أن الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها الاستمرار في أن نكون جزءا من الاتحاد الأوروبي هي البقاء داخل المملكة المتحدة".

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية في 3 يوليو/تموز 2021 عن ماكديرميد قولها، إن العديد من الناخبين فقدوا أعصابهم بعد استفتاء بريكست وغيروا رأيهم بشأن التصويت من أجل الاستقلال.

وأضافت ماكديرميد: "ترنحت حكومة وستمنستر فوق الخط دون استشارة أي من الشركاء الثلاثة الآخرين في المملكة المتحدة".

وجرى تهميش قادة الإدارات التي تم تفويضها في إسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية بشكل شامل، حتى في القضايا التي أثرت عليهم بشكل مباشر، وقد ازداد الأمر سوءا منذ ذلك الحين، وفق قولها.

وشددت على أنه لا يزال هناك الكثير لفعله وأن هناك فرصة أفضل بكثير للوصول إلى الاستقلال "إذا فككنا قيودنا عن كبار الكذابين".

ويرى جوني لوك الذي عمل مستشارا إستراتيجيا ومفاوضا سابقا في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تحول إسكتلندا إلى المطالبة بالاستقلال خلال العقود الأخيرة. 

وأشار لوك في مقال نشرته النسخة الإنجليزية من موقع الجزيرة القطري في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أن أحد أهم هذه الأسباب هو الإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها رئيسة الوزراء البريطانية المحافظة مارغريت تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي.

وأضاف لوك: "أدى ذلك إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، بما في ذلك فقدان ثلث مرافق التصنيع في إسكتلندا، ومعها العديد من الوظائف، ورد الإسكتلنديون بمعاقبة المحافظين النقابيين في صناديق الاقتراع".

وأردف: "في عام 1983، كان المحافظون ثاني أكبر حزب في إسكتلندا بـ21 مقعدا من أصل 71 بحلول عام 1997، وفشلوا في الفوز بمقعد واحد، وفي عام 2017 فقط كان هناك أكثر من عضو في البرلمان من حزب المحافظين الإسكتلندي".

واعتبر لوك أن مثل هذه السياسات وغيرها عززت من الإحساس بأن القرارات التي تؤثر على إسكتلندا يتم اتخاذها في جنوب إنجلترا.

انقسام حول الاستفتاء 

يشير كثيرون إلى أن رئيسة وزراء إسكتلندا ما زالت عالقة بين حماسة أتباعها وحذر الناخبين الذين تحتاج إلى دعمهم. 

يقول الكاتب في صحيفة الغارديان البريطانية مارتن كيتل إن "ستورجن أُجبرت على لعب اللعبة الطويلة في الاستفتاء الثاني".

وتابع: "كانت هناك لحظات كانت فيها الأحداث تسير في طريق القوميين خاصة في أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا انحسر الآن وبريكست مع كل شكوكه لم يعد الرقيب القومي المجند كما كان".

وأشار كيتل في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى أن الحقيقة الأساسية هي أن الرأي الإسكتلندي لا يزال منقسما حول الاستقلال، وأن الإستراتيجيين الأذكياء أدركوا منذ فترة طويلة أن المواجهة التي لا يفضلها القوميون ويحبها النقابيون تتطلب أحكاما دقيقة. 

ويرى كيتل أن إسكتلندا تواجه لعبة بوكر دستورية، وليست معركة من أجل الحرية، مشددا على أن كلا الجانبين يجب أن يفكر في عدة خطوات في المستقبل. 

وقال إن الحقيقة المركزية هي أن الحكومة البريطانية لن توافق على أي طلب من ستورجن لإجراء استفتاء ثان في هذا الجانب.

وهو ما قد يؤدي إلى ضغوط من الناشطين القوميين على الحكومة الإسكتلندية لإجراء استفتاء من دون موافقة بريطانيا الأمر الذي سيرفضه المعارضون للانفصال باعتباره غير قانوني وقد يعتبره الناخبون أولوية خاطئة بحسب كيتل.

يرى لوك أنه حتى لو منحت الحكومة البريطانية إسكتلندا استفتاء آخر فمن غير الواضح ما إذا كان الانفصاليون سيفوزون به.

وأشار إلى أنه في استفتاء 2014 فاز النقابيون جزئيا بسبب عدم اليقين الاقتصادي من عملية الانفصال. 

وأضاف لوك: "الرغبة في الانضمام مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي في حالة الاستقلال يمكن أن تسبب المزيد من عدم اليقين الاقتصادي حيث يجب فرض حدود تجارية بين إنجلترا وإسكتلندا، مما يؤدي إلى تعطيل الحياة اليومية والشركات".

وأكد أن قادة كل من الحزب الوطني الإسكتلندي وحزب الخضر يدركون ذلك جيدا وأنهم يتباطؤون في الضغط من أجل تصويت آخر لهذه الأسباب. 

لكن هذا يتسبب في حدوث انقسامات داخل الحركة القومية الأوسع، حيث شكل زعيم الحزب الوطني الإسكتلندي السابق أليكس سالموند حزبه المستقل "ألبا".

وهو ما جذب أتباعا محبطين من نهج الحزب الوطني الإسكتلندي الحذر.

وقال لوك إن الزخم الحالي يتصاعد مع النقابيين وفق استطلاع للرأي أجري في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، وفيه عبر 53 بالمئة من الإسكتلنديين عن اعتقادهم بأنهم سيكونون أسوأ حالا إذا غادرت اسكتلندا المملكة المتحدة، بينما قال 11 بالمئة فقط إن بلادهم ستكون أفضل حالا.

لذا أينما ذهب الانفصاليون، سواء أصروا على استفتاء ثان معترف به أو رتبوا له من جانب واحد، سيجدون أنفسهم عالقين بحسب لوك.

تذبذب الاستطلاعات 

تظهر استطلاعات الرأي تذبذبا واضحا في آراء الإسكتلنديين تجاه قضية الانفصال عن المملكة المتحدة. 

ويرى الكاتب بموقع إكسبريس الإسكتلندي أليس هيغام، أن التوترات بين القوى الاسكتلندية والإنجليزية قد نمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وتفاقمت بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وزاد من تأجيجها في الآونة الأخيرة التعامل مع أزمة فيروس كورونا.

وقال في مقال مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021 إن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر دعما أوسع لانفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة بنسبة 51 بالمئة لنعم وفقا لاستطلاع أجراه موقع يوجوف في نوفمبر/تشرين الثاني بحسب هيغام. 

كما أشار لاستطلاع رأي آخر يظهر أن التصويت لصالح نعم يرتفع إلى 58 بالمائة وتنخفض هذه النسبة إلى 52 بالمئة عند تضمين "عدم المعرفة".

وبين أن 40 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن استفتاء الاستقلال الثاني يجب أن يجرى خلال العامين المقبلين.

على الجانب الآخر تقول "جوليا أودريسكول" محللة البيانات في صحيفة ذي ويك البريطانية إن استطلاعات الرأي تشير إلى حدوث انخفاض في دعم الاستقلال في إسكتلندا. 

وكتبت أودريسكول في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أنه على مدى ستة أشهر من العام 2020، أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار دعما قويا للانفصال، مع تأييد يصل إلى 58 بالمئة، ولكن في بداية عام 2021، بدأ المد في التحول. 

وبحسب أودريسكول، كشف استطلاع للرأي لما يقرب من 900 ناخب محتمل أن اسكتلندا ستصوت 51 بالمئة بـ"نعم" و49 بالمئة "لا" في استفتاء الاستقلال. 

وقال 70 بالمئة ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و34 عامًا إنهم سيصوتون لصالح الاستقلال، بينما قال 65 بالمئة ممن تزيد أعمارهم عن 65 عامًا إنهم سيصوتون ضده.

وأشارت أودريسكون إلى أنه من الناحية الدستورية لا تزال البلاد منقسمة نسبيا وأن ما يقرب من ثلاثة من كل خمسة إسكتلنديين يفضلون إجراء استفتاء ثان في وقت ما، حيث قال إن 31 بالمئة يرون أنه يجب أن يتم في غضون العامين المقبلين. 

ومع ذلك، يعتقد 13 بالمئة أنه لا ينبغي إجراؤه في السنوات الخمس المقبلة و 31 بالمئة يعتقدون أنه لا ينبغي إجراء استفتاء على الإطلاق.

وأشارت إلى استطلاع آخر للرأي أجراه مركز أبحاث مستقبلنا الإسكتلندي التابع لجوردون براون.

 قال الاستطلاع إن 58 بالمئة من 1000 شخص شملهم الاستطلاع لم يتلقوا معلومات كافية من قبل ناشطي الاستقلال لاتخاذ "خيار مستنير تماما في استفتاء مستقبلي مقابل 30 بالمئة فقط قالوا إن لديهم معلومات كافية".