تصعيد متبادل بين الصدر وحلفاء إيران بالعراق.. ما السيناريوهات المتوقعة؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع تأخر إعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، صعد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من لهجته ضد القوى والمليشيات الموالية لإيران، الأمر الذي دفع هذه الجهات إلى مقابلة ذلك بتصعيد مشابه.

وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، طالب الصدر خلال خطاب تلفزيوني بتنفيذ حلفاء إيران في العراق عدة شروط مقابل السماح لهم بالمشاركة في الحكومة المقبلة، التي يعتزم تشكيها "التيار"، لكنها لاقت رفضا ضمنيا من خلال قرارات أعقبت الخطاب.

تصعيد متقابل

وخلال خطابه وجه الصدر رسالة إلى القوى السياسية الخاسرة في هذه الانتخابات، قائلا: "لا ينبغي أن تكون خسارتكم مقدمة لإنهاء وخراب العملية الديمقراطية في عراقنا الحبيب حاليا ومستقبلا".

ودعا زعيم التيار الصدري القوى الشيعية هذه إلى أن "تراجع نفسها لتعيد ثقة الشعب بها مستقبلا، وإن ما يقومون به حاليا سيضيع تاريخهم، ويزيد من نفور الشعب منهم".

واشترط الصدر تنفيذ عدة أمور في حال أرادت هذه القوى الاشتراك بتشكيل الحكومة؛ وهي: "محاسبة المنتمين لكم ممن عليهم شبهات فساد وتسليمهم إلى القضاء النزيه للوقوف على الحقائق فورا، وتصفية الحشد الشعبي المجاهد من العناصر غير المنضبطة، وعدم زج اسمه وعنوانه في السياسة".

الصدر طالبهم في شروطه كذلك بـ"قطع كل العلاقات الخارجية بما يحفظ للعراق الحبيب هيبته واستقلاله؛ إلا من خلال الجهات الدبلوماسية والرسمية، وعدم التدخل بشؤون دول الجوار، أو زج الشعب العراقي بحروب خارجية لا طائل منها".

كما طالب بـ"حل الفصائل المسلحة أجمع، ودفعة واحدة، وتسليم سلاحها كمرحلة أولى إلى الحشد الشعبي، عن طريق قائد القوات المسلحة. اعلموا أن قوة المذهب لا تكون بفرض القوة والخلافات الطائفية، وما يحدث في الموصل الجريحة باسم الجهاد أمر لا بد من وضع حد سريع له".

لكن بعد يوم واحد في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، فتح زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، باب التطوع في صفوف جماعته المسلحة، استعدادا لقتال القوات الأميركية.

وقال الولائي في تغريدة على "تويتر" إنه "مع اقتراب ساعة الحسم والمنازلة الكبرى، تعلن (المقاومة الإسلامية كتائب سيد الشهداء) فتح باب الانتماء والتطوع في صفوفها، وتدعو إلى رفع مستوى الجاهزية تحضيرا للمواجهة الحاسمة والتاريخية مع الاحتلال الأميركي في 31/ 12/ 2021 بعد الساعة 12 ليلا"، وفق تعبيره.

وفي السياق، قالت "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" (تتألف من مجموعة المليشيات الموالية لإيران): "نراقب عن قرب مدى التزام مخرجات ما يسمى جولة الحوار الإستراتيجي الذي لم نكن مؤمنين بجدية الاحتلال والتزامه كطرف فيه، ولأننا آلينا على أنفسنا منح المفاوض العراقي فرصة لإخراج الاحتلال الأميركي من أرضنا بالطرق الدبلوماسية".

وتابع البيان المنشور في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021: "لم نر حتى الآن أي مظهر للانسحاب، على الرغم من أنه لا يفصلنا سوى 42 يوما فقط عن نهاية العام".

واستدرك أنه "على العكس، رصدنا زيادة الاحتلال الأميركي أعداده ومعداته في قواعده المنتشرة في العراق"، مهددة باستخدام السلاح في مواجهة القوات الأميركية بعد انتهاء مهلة الانسحاب.

من جانبها، نفت قيادة العمليات العراقية المشتركة أي حديث عن تمديد موعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد.

وقال المتحدث باسمها اللواء تحسين الخفاجي، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن "الحديث عن تمديد موعد انسحاب القوات الأميركية غير دقيق وغير صحيح".

وأشار الخفاجي إلى أن موعد خروج القوات القتالية الأجنبية "ثابت ولا تغيير فيه"، لافتا إلى أن "العلاقة بين الطرفين بعد خروج القوات القتالية ستكون استشارية في مجالات التدريب والتسليح والمعلومات الاستخبارية والأمنية ضد تنظيم الدولة".

ورقة ضغط

لكن حديث هذه المليشيات الموالية لإيران عن فتح باب التطوع لمواجهة القوات الأميركية في حال لم تخرج من العراق نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، رآه مراقبون ورقة ضغط على الحكومة والقوى الفائزة بالانتخابات للجلوس مع الأطراف الخاسرة.

من جهته، وصف الكاتب والمحلل السياسي المقيم في الولايات المتحدة "عقيل عباس"، كلام الصدر بأنه "جريء جدا"، ويشير إلى أنه يتضمن "دلالات" على التصعيد، حسبما ذكر خلال تصريحات في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وقال عباس إن الصدر أبدى هذا الموقف بعد شعوره أن "القوى الرافضة لنتائج الانتخابات بدأت توصل رسائل بأنها مستعدة للضغط على الزناد في حال لم يجر النزول عند مطالبها".

وأشار المحلل السياسي إلى أن "الصدر حاول أن يرسل رسالة مبطنة لهؤلاء وأخرى داعمة للحكومة مفادها، إذا تحركتم عسكريا فبإمكان الجيش العراقي مواجهتكم"، مؤكدا أن "هناك مخاوف داخل الأوساط الإقليمية والدولية والداخلية من أن هؤلاء سيلجؤون للتصعيد العسكري في حال لم تنفذ مطالبهم".

ورأى عباس أنه "حتى لو وافق الصدر على تشكيل حكومة توافقية، فإنه سيصر على إعادة هيكلة الحشد الشعبي، وهذا سيشكل ضربة كبيرة وقوية للفصائل الموالية لإيران".

ونوه إلى أن "تطبيق الشروط التي وضعها الصدر مستحيل بالنسبة للطرف الآخر، الذي وضع في زاوية حرجة".

ويؤكد عباس "أنهم حاليا في حيرة شديدة، كيف سيردون؟ أنا أشك في أنهم سيتحدون الصدر، لأن ذلك يعني الانتحار بالنسبة لهم".

وفي السياق، رأى رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية، مناف الموسوي، خلال مقابلة تلفزيونية في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن "ما طرحه الصدر يتضمن رؤية بناء الدولة العراقية الجديدة".

وبين أن الطرح عبارة عن "برنامج تحالفي مع الكتل التي من الممكن أن تتحالف لبناء هذه الدولة الجديدة، إضافة إلى أنه برنامج حكومي، إذ على الحكومة المقبلة أن تعيد هيبة الدولة".

وعلى نحو مماثل، قال المحلل السياسي العراقي غالب الشابندر خلال تصريحات صحفية في ذات اليوم إن "ما طرحه الصدر من حل للفصائل المسلحة هو مطلب الشعب العراقي والقوى السنية وبعض القوى الشيعية وحتى المرجعية الدينية في النجف".

وأضاف الشابندر أن "هذه الفصائل المسلحة ليست شرعية وقانونية ولا عناوين رسمية لها، وأن الكل ينادي بإنهاء السلاح المنفلت لأنه مضر بالدولة، وبالتالي يجب حل هذه التشكيلات المسلحة، لأن وجودها يهدد الدولة، وهنا مطلب الصدر في محله ويمثل رأي الشارع".

تدخل دولي

في المقابل، قال رئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية عدنان السراج، خلال تصريحات في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إن "شروط الصدر قاسية وصعبة ومن المؤكد أن قوى الإطار التنسيقي (الشيعي) لن تقبل بها".

وأضاف أن الشروط التي حددها زعيم التيار الصدري "تعجيزية ولا يمكن تطبيقها وبعضها خارج صلاحيات الإطار التنسيقي وأخرى تتعلق بالوضع الإقليمي والدولي والمحلي ولا يمكن حسمها بليلة وضحاها".

ووصف السراج ما جاء على لسان الصدر بأنه "تصعيد، ليس بهدف التصعيد وإنما الغرض منه تليين المواقف واستغلاله في إطار مفاوضات تشكيل الحكومة".

من ناحيته، قال الخبير الإستراتيجي والأمني أحمد الشريف خلال تصريحات صحفية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن المرحلة القادمة تشير إلى انقسام حاد في المواقف، خاصة بشأن نزع سلاح الفصائل.

وأضاف الشريفي أن الفصائل لن تقبل بتسليم سلاحها لأنها تدرك بأن هذه الخطوة ستجعلها تحت طائلة القانون، "فهي مدانة في العديد من الملفات".

ويبقى السلاح هو الآلية الضامنة لبقاء الفصائل في المشهد، خاصة مع إدراكها عدم حصولها على أي موقع في المشهد السياسي، وفقا للخبير.

فيما يتعلق بالتيار الصدري، رأى الشريف أن قرار مقتدى الصدر بحل "سرايا السلام" (فصيل تابع له) يدفع بهم إلى الالتحاق بالمؤسسة العسكرية، ما يعني أنهم لن يتضرروا.

كما أن البعض يمكن أن يلتحق بوظائف مدنية في الحكومة الجديدة التي يتزعمها التيار الصدري.

وشدد الشريفي على أن "حسم الملف لن يكون محليا وأن هناك بعض الضغوط الدولية ستكون فاعلة بشكل قوي في ملف تسليم سلاح الفصائل".

من جانبه، قال المحلل السياسي الإستراتيجي العراقي عبد الكريم الوزان، خلال تصريحات صحفية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن مطالب الصدر تتوافق مع الرؤى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وكذلك مع توجهات رئيس الحكومة العراقية الكاظمي.

وأشار إلى أن المطالب قوبلت بالرفض من قبل العديد من الفصائل، وأكدوا أنه على الصدر تسليم سلاح فصائل "سرايا السلام" أولا، وإجراء انتخابات عادلة، لافتا إلى أن "الفترة المقبلة ستشهد صراعات بين الفصائل ومقتدى الصدر، ما يفضي إلى تدخل دولي في المشهد".

لكن المحلل السياسي عصام الفيلي رأى أن زعيم التيار الصدري "يمتلك من الأدوات الكثيرة لمواجهة الفصائل المسلحة، ومنها امتلاكه لقواعد شعبية وجماهيرية قادرة على المواجهة".

وأضاف الفيلي خلال تصريحات صحفية في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن "الصدر يريد أن يرى دولة حقيقية خالية من السلاح المنفلت الذي يشكل تهديدا للسلم الأهلي".

يشار إلى أن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر حصل على أكبر عدد مقاعد في البرلمان العراقي خلال الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بـ73 مقعدا من أصل 329، ما يخوله ترؤس الحكومة المقبلة.