أنس التكريتي لـ"الاستقلال": الثورات ليست فخا للإسلاميين.. والغرب يعاديهم لتأثيرهم

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكد المفكر العراقي، مؤسس ورئيس مؤسسة "قرطبة" للدراسات، أنس التكريتي، أن حركات الإسلام السياسي "أصبحت فاعلة" بالمجتمع الأوروبي والأميركي، وأن الهجمة الشرسة ضدهم؛ بسبب تأثيرهم المتنامي في الغرب والشرق.

وأضاف في حوار مع "الاستقلال"، أن الغرب ظل يحارب المسلمين 20 عاما كـ"إرهابين" قبل ظهور "الإرهاب المسيحي الأبيض"، فطالب بإعادة تحرير المصطلح.

وحذر التكريتي من خطورة ارتفاع وتيرة العنصرية والعداء للإسلام في الغرب، لا سيما منذ وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لرئاسة "البيت الأبيض"، حيث ساعد في انتشار الخطاب العنصري لتشويه حقيقة الإسلام والمسلمين.

واستهجن المفكر العراقي ارتماء الإمارات والسعودية والبحرين بأحضان "الكيان الإسرائيلي" تعبيرا عن فقدانهم الأمل في تنمية بلادهم وحفاظا على كراسي الحكم لحمايتهم من شعوبهم.

كما تحدث رئيس مؤسسة "قرطبة" عن العديد من القضايا المهمة حول واقع ومستقبل حركات الإسلام السياسي في هذا الحوار.

و"قرطبة" للدراسات، مؤسسة فكرية مستقلة للعلاقات العامة والبحوث والسياسات، تعزز الحوار بين الثقافات والتعايش الإيجابي بين الحضارات والأفكار والثقافات والشعوب، ومقرها العاصمة البريطانية لندن. 

هجمة شرسة

كيف ترى واقع الحركات الإسلامية أو حركات الإسلام السياسي في أوروبا وأميركا في الوقت الراهن؟

بداية، مصطلح "الإسلام السياسي" ليس من صنع المجموعات الإسلامية نفسها، وتعد جماعة "الإخوان المسلمين" أكبر ممثل له في العالم، وهي تحمل الفكر الإسلامي الوسطي، ولها وجود مؤثر وفاعل في كثير من الدول، ففي أوروبا نجد أن تيار الإسلام السياسي مؤثر في أوساط التجمعات المسلمة، مثلا كما في ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وغيرها.

ولكن التأثير يقل في المجتمع الغربي الأكبر، ويوجد الإسلاميون منذ القديم في بريطانيا التي كانت هدفا لهجرة الشباب والطلاب العرب، كثير منهم كانوا متأثرين بفكر الإخوان المسلمين، وجاؤوا فأنشؤوا منابر ومحطات ودورا وجمعيات إسلامية منذ بداية الستينيات.

فالمسلمون بدؤوا خلال العقدين الأخيرين الاهتمام بالمشاركة السياسية في الدول الأوروبية؛ إذ لم يعودوا مجرد مهاجرين، بل أصبحوا مواطنين فاعلين لهم اهتمامات كثيرة، منها السياسة والتعليم والخدمات العامة.

وأصبح حضورهم فاعلا في الانتخابات والمشاركة السياسية، وانبرى من بين المسلمين شريحة فازت في انتخابات البلديات والبرلمان، ووصل بعضهم لمناصب مهمة في الأحزاب المختلفة بما فيها الأحزاب الحاكمة.

ومن ثم بدؤوا بالتشبيك بين دوائر صناعة القرار في الغرب وبين القضايا الإسلامية المركزية، وعلى رأسها قضية فلسطين والأقليات المسلمة في كشمير، والإيغور، إلى جانب واقع بلدان الربيع العربي وغيرهم، وأصبح لديهم تأثيرهم بدرجة ما بالمجتمع البريطاني ككل.

كما أنهم الآن مؤثرون في المجتمع الأميركي عبر مؤسسات كبيرة في مقدمتها مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير" والمعني برصد ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا، والدفاع عن حقوق الأميركيين من المسلمين وغير المسلمين.

ما تفسيركم للهجمة الشرسة التي يتعرض لها "الإسلام السياسي"، وهل هناك ما يبررها؟

لا شك أن هذه الهجمة الشرسة هي بسبب تأثيرهم المتنامي في الغرب والشرق؛ لأنه أن تلتزم بدين معين فهذا شأنك الخاص في العرف العلماني، ولكن أن يتمخض هذا التدين عن تأثير في الحياة العامة ومخاطبتها من وجهة نظر وفلسفة الدين فهذا مرفوض، لأن الغرب ليس فقط الحكومات وصناع القرار السياسي.

إن الغرب منظومة متكاملة من رؤى وأفكار وفلسفات وجهات تشريعية وإمبراطوريات رأسمالية، ولكل منها مصالحها التي تكافح لتحقيقها من خلال منظومة قيم غربية استهلاكية؛ إلا أن الإسلام بدأ يؤثر في منظومة القيم تلك، وهو ما ترفضه تلك الإمبراطوريات..

ولذلك تولد نوع من الخصومة للقيم التي يدعو إليها الإسلام، بدءا من قضية الزهد في مظاهر الترف، وتحريم الإسراف وغير ذلك مما تشجع عليه القيم العلمانية، وبذلك تصطدم منظومة القيم الإسلامية مع المنظومة الغربية، كـ"تغول لوبي الشذوذ الجنسي"، وقبله لوبي الإلحاد واللادينية..

ثم ينسحب ذلك الخلاف أيضا على منظومة التعليم والعلاقات ونظام الأسرة وتوصيفها وغير ذلك مما يجعل الإسلام على طرف نقيض بشكل من الأشكال، ويتحالف معهم المتدينون المسيحيون واليهود في نفس الخندق حيال هذه القضايا.

أضف إلى ما سبق أن الذي يربط الشرق الإسلامي بالغرب اليوم هو منظومة المصالح الاقتصادية عبر الحكومات.

وللأسف الشديد بلدان الشرق تقع بيد أنظمة استبدادية تلاحق الإسلاميين ودعاة التغيير الديمقراطي والحريات وحقوق الإنسان، ما يدفع الغرب المنافق إلى غض الطرف عن التنكيل بالإسلاميين حرصا على استمرار مصالحه ونهب تلك البلدان اقتصاديا وعلى حساب الحرية والديمقراطية التي يتشدق بها الغرب.

20 عاما

هل يمكنكم إلقاء الضوء على من يصنع مصطلحات الأصولية والإرهاب التي تكرس العداء للإسلام وكراهية المسلمين؟

الحقيقة يجب أن نهتم بدراسة جذور هذه المصطلحات، فقبل 30 عاما أطلقوا مصطلح "الأصولية" لوصم الإسلاميين بالتطرف والسلبية، ثم تطور الأمر بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 ليصبح "الحرب على الإرهاب"، الذي لم يشارك المسلمون في صياغته وتحديد محتواه، وظل يستهدف المسلمين وحدهم بذريعة الإرهاب 20 عاما دون أن يبالوا بقضية المصطلح.

ثم نفاجأ مؤخرا بعد ظهور "الإرهاب العنصري المسيحي الأبيض"، بدأ الغرب الآن يعيد تعريف معنى الإرهاب والتطرف؛ لا سيما بعد وقوع مذبحة الإرهابي الأبيض "بريفيك" في النرويج، وجريمة الإرهابي المسيحي المتطرف ضد مسجد في نيوزيلاندا وقتل 50 مصليا، وغيرها من حوادث الاعتداء على المساجد والمسلمين في أوروبا وأميركا، حيث وضعها الإعلام الغربي تحت خانة الإرهاب الأبيض ولأول مرة..

والمدهش هو كيف تتوافق المنظومة الاجتماعية الغربية على وصم المسلمين بالإرهاب لعقود؟ وما هي منظومة القوانين التي اعتمدت عليها؟ وما هي التداعيات القانونية والقضائية والجنائية التي ترتبت على تلك المصطلحات؟ ومدى خطورتها على المسلمين والعاملين للإسلام والمجتمعات الإسلامية إجمالا.

فلا شك أن الإسلاموفوبيا مصطلح يمثل حالة العداء والكراهية للإسلام أو الخوف من المسلمين، ويجسد الفوبيا والرهاب رغم الاعتراضات السياسية أو اللغوية عليه، ولكنه أصبح أيقونة أو رمزا لحالة العداء والكراهية العنصرية ضد المسلمين.

ما هي نقاط الأمل في مسيرة الإسلام السياسي في الغرب، وكيف يمكن استثمارها؟

هناك الكثير من نقاط الأمل، وأهمها حالة الحراك المجتمعي للتيار الإسلامي في الغرب، والذي ينطلق من مفهوم العدالة المجتمعية المفقود اليوم بالمجتمعات الغربية، اللهم إلا قليلا من أحزاب اليسار التي تطالب بها بشكل جزئي ولأغراض سياسية.

بينما نحن كمسلمين نظرتنا شمولية ومتوازنة لمفهوم العدالة المجتمعية؛ لأننا ندرك أن الحياة مرحلة مؤقتة، وأن النعم والموارد في الدنيا تكفي جميع البشر، ولا ينبغي أن يبيت إنسان دون طعام ولا مأوى ولا ملبس في ظل هذه المجتمعات الثرية في أوروبا.

فمثلا عندما نرى أن 2 بالمئة من البشر يملكون موارد نحو 85 بالمئة من البشر!! فهذا أمر كارثي.. كما أن هناك ضحايا الجوع والخوف والألم والكوارث الطبيعية التي تضرب العالم كله من فيضانات وزلازل وجفاف وأوبئة، ما يؤكد أن هذه المنظومة الكونية التي يتحكم بها الغرب تأسست على الظلم..

بدليل أنه عندما هزمت حركة "طالبان" المحتل الأميركي وطردته من أفغانستان؛ على الفور جمد صندوق النقد الدولي 9 مليارات دولار من أموال الشعب الأفغاني لتجويعه وإجباره على الثورة ضد طالبان المنتصرة.

وأعتقد أن الفرصة العظيمة للإسلام السياسي في الغرب تكمن في محاولة تجميع أصوات الذين يرفضون حالة الظلم العالمي تلك، والمسلمون فقط هم الذين يملكون القدرة على ذلك؛ لأن المنظومة القيمية الإسلامية التي يؤمنون بها تساعدهم على ذلك.

كما أن المسلمين بالغرب يمكنهم إحداث نوع من الحراك الذي يشترك فيه معظم شعوب العالم للتخلص من هذه المنظومة العالمية الجائرة.

مواطن الألم

ما هي مواطن الألم، وكيف يمكن التخفيف من حدتها ؟

مواطن الألم لا شك موجودة، بعضها داخلية، وبعضها يتعلق بالبيئة المحيطة والسياق الذي تعمل فيه "جماعات الإسلام السياسي" في الغرب، وبعضها يمثل تحديات عالمية.

داخليا، قضية غياب التنسيق بينهم، وعدم امتلاك الموارد للتغيير الجذري، والاكتفاء بإنشاء مسجد وتحصيل بعض الحقوق، وكسب بعض قضايا التعاطف في حالات الاعتداء الصارخة، ما يقيد قدراتهم للوصول لآفاق أوسع وأشمل..

أضف إلى ما سبق ارتفاع وتيرة العنصرية والمعاداة للإسلام والمسلمين وكراهية الآخر، إذ أصبحت اليوم للأسف الشديد ضمن منظومات الحكم في النمسا والمجر والسويد ورومانيا، ويتم مغازلتها سياسيا بدول أخرى كانت يوما ما في غاية الانفتاح والليبرالية، وكانت تستقبل الوافدين المهاجرين بكل أريحية، واليوم أصبح خطاب الحكومات ذاتها عنصري..

كما أن وصول شخص مثل "ترامب" إلى سدة الحكم ويصبح أقوى زعيم في العالم ساعد في انتشار الخطاب العنصري المقيت ضد الإسلام والمسلمين؛ بل خلق خطابا إعلاميا منحازا يشوه حقيقة الإسلام والمسلمين وتاريخهم، ليبرز سؤال تافه للمسلمين ببريطانيا مثل هل أنت مع الملكة مثلا أم مع القرآن؟

وفوق ذلك كله، يأتي استشراء الظلم والطغيان والاستبداد والديكتاتوريات بدعم غربي للأسف، كما أفسحت المجال للانقلاب في مصر عام 2013، والآن في تونس، وتغض الطرف عن تنمر النظام السعودي على شعبه.. الأمر الذي جعل الشعوب الإسلامية تكفر بالدعوة للديمقراطية؛ لأن ممارسة الغرب تناقضها..

كما أن ملاحقة الحسابات البنكية في الغرب وسيلة غاية في الرخص لشل حركة جماعات الإسلام السياسي بشكل فج وغير مبرر؛ حيث تعرضت لذلك شخصيا، ورأيت الأثر السلبي العميق لهذا رغم أنني قلت للسلطات إذا كنا قد أخطأنا حاسبونا وحاكمونا أمام المحكمة لكي نثبت براءتنا أو تثبتوا أننا مدانون..

فمبدأ المساواة وحقوق الإنسان منتهك في الغرب، رغم أننا لا نتكلم عن سجون كالتي في مصر، ولا تعذيب بشع كما في السعودية، ولكننا نتكلم عن حالة أخرى من الظلم وهذه من الآلام.

جهد بشري

هل تعتقد أن هناك إخفاقات للإسلاميين في دول المغرب العربي؟ وهل يعد ذلك تراجعا للحركة الإسلامية؟

بلا شك، الإخفاقات تنال من كل طرف ومن كل حزب، وأعتقد أن هناك تجارب مر بها الإسلاميون في المغرب العربي وشمال إفريقيا من مصر حتى المغرب وموريتانيا.

وهي تجارب بشرية نالها ما نالها من التراجع والانتكاس والمحاربة من خلال محاولات الإزالة بالانقلاب العسكري كما في مصر، والدستوري بتونس، وحالة انتكاس في المغرب بتراجع الحزب الإسلامي الحاكم (العدالة والتنمية) بشكل لافت، وهذا غير مستبعد على الجهد البشري.. والسؤال الآن، هل الحركات الإسلامية يمكنها العودة مجددا لتسدد مشيتها وتصوب خطابها وترشد عملها بشكل أفضل؟

كما أنه ليس من مصلحة الغرب وصول القوى الإسلامية إلى سدة التأثير وليس فقط الحكم، فلذلك حوربت حركة "النهضة" التونسية بينما الرئيس ورئيس الوزراء لم يكونا من النهضة، فأبعدت عن مركز التأثير.

وهذا لا ينفي وجود أخطاء وربما أخطاء فادحة، فالإنسان بطبيعته يخطئ، واليوم العالم كله بحاجة لتغيير المنظومة الحالية الظالمة التي تحارب الإصلاحيين، حتى لو كانوا في فنزويلا أو جنوب إفريقيا، الرافضين للمنظومة اللاقيمية واللاأخلاقية التي تسود العالم..

نعم طبعا هناك إخفاقات انتكاسات وهناك تراجعات.. فنحن لا نشهد تراجع الإسلامي مقابل تميز الحركات الليبرالية اليسارية أو العلمانية أو القومية أو غيرهم.

فاليوم عالمنا العربي كله حالات إخفاق، ولذلك أي طرف يحقق شيئا من النجاح "تقطع رأسه مباشرة"، فلا نقول إن الإسلاميين أخفقوا مقابل الحزب القومي أو الاشتراكي، أو البعثي حقق نجاحات باهرة فحرك الاقتصاد وزاد المصانع وقضى على بطالة الشباب وحقق التنمية.. لا للأسف هذا غير موجود أصلا.

ناهيك عن ارتماء الإمارات والسعودية والبحرين بأحضان "الكيان الصهيوني" تعبيرا عن فقدانهم الأمل في تنمية بلادهم وحفاظا على كراسي الحكم وإخماد أية ثورات بالمنطقة.

إخوان مصر والأردن وما واجهوه بعد الوصول إلى قمة السلطة ثم انحسارهما.. كيف تفسره؟

بالطبع لكل موقف تداعيات مختلفة وعوامل مختلفة.. فالحالة المصرية تختلف تماما عن الأردنية ووضع الحركة الإسلامية في الجزائر غير تونس غير المغرب غير اليمن.

وكما أوردت في إجابة سابقة حول التحديات والإشكاليات التي تتعلق بالوضع الداخلي التنظيمي أو تركيبة الحزب أو التوجه أو الجماعة الإسلامية السياسية، وكذلك العوامل المحيطة، كما تعد العوامل الدولية تحديا تواجهه حركات الإسلام السياسي بالمنطقة.

كما أن الحركة الإسلامية وعلى رأسها الإخوان بالطبع حققوا نجاحات مبهرة على المستوى التنظيمي، والوصول والانفتاح والمشاركة السياسية، ودعم المشاريع المجتمعية بالوجود والانتشار والتأثير، خلال العقدين الأخيرين، ولكن عندما دخلوا إلى حقبة الحكم وليس السياسة اختلفت الموازين وحصل المحظور..

فلم تتسلح الحركة الإسلامية بأدوات الحكم ولكنها ظلت آليات الدعوة والإصلاح المجتمعي في أروقة الحكم، وهذا كان خطأ إستراتيجيا فكان مصيرهم إما بالتهميش أو التقليص وتقليم الأظافر، وحتى الإزالة الكاملة بالانقلاب على الشرعية كما حصل في مصر ورمي عشرات الآلاف بالمعتقلات.

بينما في تونس حاول حزب "النهضة" التخلص من عبء ما سماه الدعوي كتيار مجتمعي، وانفرد بالعمل السياسي دون تغيير الآليات والأدوات من خطاب وأشخاص وفق العقلية التي تتطلبها إدارة الحزب السياسي، فظل محصورا بقيود العمل الدعوي والمجتمعي.

فجمهور الإسلاميين يزن أفعال وتصريحات السياسيين، منهم الذين كانوا دعاة وأئمة ووعاظا أو مصلحين اجتماعيين بذات المسطرة القديمة، وهم يعملون في ظل حالة سياسية في غاية الفساد والضبابية ومطالبون بصدق وشفافية كاملة ومطلقة لا تصلح مع العمل الحزبي.

ولذلك يبقى السياسي الذي خرج من رحم الحركة الإسلامية مقيدا ومحصورا ولا يستطيع التحرك وفق المعطيات التي تتطلبها المرحلة والسياق؛ كما أن الجمهور عاجز عن فهم حتمية التغيير، وبالتالي ينفر منه ويبتعد عنه ولا ينتخبه؛ لأنه صار "سياسيا كذابا منافقا"..

بينما الصواب هو عندما أرشح شخصا لمنصب سياسي المهم أن يكون سياسيا بارعا ولا يهم أنه يقوم الليل ويصوم ويتصدق.. هذه للأسف نظرة غير موجودة، وتفتقد إلى النضج والاستقرار ضمن الثقافة الذهنية لجماهير ومحاضن الإسلاميين المجتمعية.. 

ثم هناك تداعيات مختلفة، يعني مثلا الأردن يشابه الوضع المغربي، وهو أنه في قمة المعارضة لا تستطيع الحركة الإسلامية أن تنبري مثلا لسلطة الملك وللنظام الملكي، وسقفها هو الحكومة، ولذا السقف منخفض للغاية في قدرتها على إحداث تغيير كامل.. 

إضافة إلى وجود صراعات مجتمعية داخلية قبلية وعرقية، فهذه تناقضات تعاني منها الحركة الإسلامية هي المؤاخذة بدرجة أكبر لاعتبارات الجار الفلسطيني، وللسياق التاريخي، كون الأردن تبقى ساحة فيها نوع من الهدوء وتمثل رئة للفلسطينيين، لذا فالصوت الإسلامي يجب ألا يرتفع أكثر من وتيرة معينة.

ضحية الأزمة

كيف ترى تجربة الإخوان في مصر في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي؟

طبعا الحديث عن تجربة الإخوان في مصر ونظام الدولة العسكري يستغرق ساعات الحقيقة؛ لا سيما وأن الجميع اكتوى بنار الانقلاب العسكري، ثم يأتي من يقول لك.. إن الإخوان جاءؤوا للحكم وتسيدوا الموقف وليس عندهم فكرة كيف يحلون الأزمة الاقتصادية، وأقول لهؤلاء.. من الذي يمكنه ذلك غير الإخوان؟!

الآن رئيس النظام، الانقلابي عبد الفتاح السيسي يملك الدولة من الألف للياء، ويعبث في كل مفاصل الدولة.. فهل نجح في حل الأزمة الاقتصادية؟ كيف يطلب من الإخوان الذين كانوا محاصرين بتآمر وضغط العسكر والدولة العميقة ومن دول خليجية وغربية.. ثم يقال كيف لم يستطيعوا حل الأزمة الاقتصادية؟ 

ففي مصر ليس هناك حزب ولا شخصية ولا حتى العسكر الذين يحكمون منذ 8 سنوات أو 70 عاما استطاعوا أن يحلوا الأزمة الاقتصادية.. فلا شك أن هناك عوامل داخلية تحتاج إلى حل وعلاج وإصلاح، ولكن أن نلقي باللائمة كاملة على هذه الإشكالات الداخلية باعتقادي فيه حيف وظلم ولن نستفيد منه شيئا لأنني لا أعتقد أن هذا هو مربط الفرس.

هل كان "الربيع العربي" فخا للحركة الإسلامية في بلدان العالم العربي؟

الربيع العربي لم يكن إطلاقا فخا للحركة الإسلامية، ولم يضغط أحد على الذر، ولم يدر الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن أحد بعينه، ولم يتحكم في نهايته أحد وأقصد حالة الثورة؛ بينما الثورات المضادة هذا بحث آخر..

فالربيع العربي كان ردة فعل من قبل الشعوب على عقود من الظلم والاستبداد والقمع والطغيان، فبدأت الشرارة من تونس فهرب زين العابدين بن علي بقضه وقضيضه، وسقط حسني مبارك في مصر ولكن نظامه لم يسقط، ثم اشتعلت اليمن وسوريا وليبيا أملا في إسقاط بشار الأسد وعلي صالح ومعمر القذافي.

وهنا انتبه العالم لخطورة الربيع العربي وتداعياته التي ستعم المنطقة؛ فخافت أنظمة الخليج وسيرت بالمليارات الثورات المضادة ليعود الوضع إلى أسوأ مما كان عليه قبل الربيع العربي؛ لتشويه حراك الشعوب.. 

كما أن الذي سقط في براثن الثورات المضادة الشعوب العربية كلها وليست فقط الحركات الإسلامية، فالشعب المصري ضحية الانقلاب العسكري، والتونسيون ضحية الانقلاب الدستوري إسلاميين وعلمانيين؛ فالإخوان المسلمون يكررون المرة تلو المرة أنهم لم يطلقوا الثورة ولم يديروها؛ إلا أنهم كانوا طرفا فاعلا بحكم تنظيمهم القوي والمتشعب وكوادرها في الغرب ساعدت على إدارة المشهد..

الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، هل يمثل فشلا للزخم الذي أوجدته الحركات الإسلامية في المنطقة؟

الهرولة ليست نحو التطبيع، ولكن الهرولة نحو الإعلان عن التطبيع، لأن التطبيع وبيع القضايا المصيرية للعرب والمسلمين جرى بالفعل منذ سنوات طويلة تحت الطاولة، والأمور كلها مرتبة، وإسرائيل مرتاحة جدا لأنها تعرف أن الأنظمة العربية كلها داعمة لها ومعها وتتولى حمايتها كحارس أمين.

واليوم السعودية تعتقل قادة من حركة "حماس"، والإمارات تعادي المقاومة الفلسطينية، لحماية أنظمتهم من غضبة شعوبهم في جولة قادمة لا محالة من الربيع العربي.