عبدالمجيد شيخي.. مؤرخ تحدى ماكرون ويصر على استرداد أرشيف الجزائر

12

طباعة

مشاركة

أصبح المؤرخ الجزائري عبدالمجيد شيخي ملء سمع وبصر الجزائريين، في حقبة ثورية يطالب فيها الشعب العربي المسلم بالحرية والديمقراطية واستعادة الكرامة التي أهدرها الاستعمار الفرنسي لبلادهم لنحو 130 عاما.

سبعة أشهر مرت على صدور تقرير المؤرخ الفرنسي "بنجامين ستورا"، عن استعمار فرنسا للجزائر، والذي اقترح عدة نقاط لإخراج العلاقة بين البلدين من حالة الجمود التي تسيطر عليها بفعل القضايا العالقة في الذاكرة.

تقرير أحد أشهر الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر، وحرب التحرير الجزائرية والذي جاء بتكليف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صدر في يناير/ كانون الثاني 2021، لكنه لم يرد إزاءه أي رد فعل من مكتب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

"سيء للغاية.. هذا ما يمكنني قوله"، كان هذا هو تعليق ستورا بمؤتمر عقد خلال يوليو/ تموز 2021، ردا على غياب التواصل الجزائري الرسمي من عبدالمجيد شيخي، وأعرب عن أسفه لصمت الأخير.

من جهته لا يفوت مستشار الرئيس الجزائري المكلف بالأرشيف والذاكرة عبدالمجيد شيخي، الفرصة لتوجيه النقد لفرنسا. 

عدو فرنسا

في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال شيخي لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية: إن العمل الثنائي على استعادة الأرشيف الجزائري من فرنسا "لم يبدأ بعد بسبب انتشار كوفيد-19 (كورونا)"، لكنه أكد الإرادة السياسية لتحريك الأمر. 

من جهته أوضح ستورا لمجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية بأن باريس لم تتلق أي رد من الجانب الجزائري.   

في أبريل/ نيسان 2021، تصدر شيخي عناوين الصحف الجزائرية والفرنسية أيضا، عندما صرح بأن "فرنسا نشرت الأمية إبان استعمارها الجزائر". 

شيخي يعتبر نظير المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، الذي وضع بطلب من ماكرون تقريرا حول سبل المصالحة بين البلدين بشأن أحداث الاستعمار الفرنسي للجزائر.

وفق التصريحات التي نقلتها وسائل إعلام محلية، قال المسؤول الجزائري مستشهدا بمؤرخين لم يسمهم: إن "الجزائر عام 1830 كانت نسبة الأمية بها لا تتجاوز 20 بالمئة".

وأضاف شيخي أنه "بعد 30 سنة (من بدء الاستعمار) قضي على المتعلمين" وأتى ذلك "مواكبة لعملية السلب والنهب".

وعشية ذلك، دعا سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمون بون إلى "التهدئة" بعدما وصف وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب فرنسا بأنها "عدوتنا التقليدية والدائمة".

كذلك اتهمت وسائل إعلام جزائرية فرنسا بـ"الاستفزاز" بسبب موقفها إزاء الحراك الثوري وقضية "الصحراء الغربية".

تقرير بنجامين ستورا الذي رفعه إلى ماكرون في يناير/ كانون الثاني 2021، اقترح مجموعة من التدابير في هذا الصدد، لكن التقرير لقي استقبالا فاترا في الجزائر.

واعتبر المسؤول الجزائري شيخي أن وثيقة ستورا "تقرير فرنسي - فرنسي، ولا يعني الجزائر في شيء"، وأنه لم يسلم إلى الجزائر بشكل رسمي وبالتالي "لا يتطلب منها الإجابة أو الرد".

المدير العام للأرشيف الوطني الجزائري نفى تكليفه كتابة تقرير جزائري حول المسألة، أما فيما يتعلق بالنقاشات مع فرنسا حول ملف الذاكرة، أوضح شيخي أن "جائحة كورونا عطلت هذه المفاوضات".

في أبريل/ نيسان 2021، أكد ماكرون لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، أن الرغبة مشتركة في مصالحة للذاكرة بين الفرنسيين والجزائريين خاصة مع الرئيس تبون، قبل أن يستطرد: "صحيح أن عليه أن يأخذ في الحسبان بعض المقاومة التي ستواجهه".

تقارير صحفية أفادت أنه في يوليو/ تموز 2020، كلف الرئيس الجزائري، شيخي، بالعمل على ذكرى الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962) مع المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا.

وقال شيخي، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "النهار" الجزائرية: إن "الفرنسيين كتبوا ما يريدون، وكتبوا التاريخ بنظرة لائكية للظروف آنذاك".

الأكثر اطلاعا

في مارس/ آذار 2021، دعا شيخي خلال ملتقى الباحثين والمؤرخين إلى الابتعاد عن "المدرسة الفرنسية في البحث التاريخي، وانتهاج تحليل حقيقي يفضي إلى كشف الحقائق"، حسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

وندد بما أسماه "المؤامرات والتكالب على الجزائر التي لم تسلم من الجيران أو ممن يمكن اعتبارهم أعداء أو أصدقاء"، دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل حول طبيعة هذه المؤامرات.

شيخي، اعتبر أن الظروف "تتطلب من الجميع التمسك بالوحدة الوطنية والحفاظ على رصيد الذاكرة الوطنية التي تتحطم عليها كل المناورات".

في أبريل/ نيسان 2020، عین تبون، شيخي مستشارا لديه مكلفا بالأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية، مشيدا بكفاءة شيخي في هذا المجال.

ووفق مرسوم رئاسي فإن عبدالمجيد شيخي، الذي أنھیت مھامه من منصب مدير عام الأرشيف الوطني، ألحق كمستشار لدى رئيس الجمھورية مكلف بالذاكرة الوطنية والأرشيف الوطني، ومن مھامه تسییر المديرية العامة للأرشيف الوطني.

في 20 يوليو/ تموز 2020، عين تبون، شيخي ممثلا عن الجانب الجزائري في العمل الجاري مع الدولة الفرنسية حول الملفات المتعلقة بالذاكرة الوطنية واسترجاع الأرشيف الوطني.

أياما بعد ذلك، ذهب شيخي للتأكيد على أن الجزائر "لن تتراجع أبدا" عن مطالبتها باسترجاع أرشيفها من فرنسا.

تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية أوضح فيه شيخي أن "جيل اليوم وكل الأجيال التي تتعاقب ستظل متمسكة بمطلب استرجاع كل الأرشيف الوطني الذي يؤرخ لعدة حقب من تاريخنا والذي تم نقله إلى فرنسا".

وأضاف أنه "لا توجد إرادة حقيقية لدى الجانب الفرنسي لطي هذا الملف نهائيا"، ثم استطرد قائلا إن "تصرف ومواقف المسؤولين الفرنسيين المفاوضين بالملف يثبت أنهم لا يملكون صلاحيات لاتخاذ قرار".

ذهب شيخي حد التأكيد على أهمية دور القنصليات والسفارات الجزائرية في استرجاع الأرشيف الوطني وحماية الذاكرة الوطنية.

في هذا الصدد شدد على أن "السفارات والقنصليات مؤهلة في أن تساهم- عندما يطلب منها التحرك في اتجاه معين– ومن طبيعة عملها أن تشتغل في البلد الذي تكون فيه، بهذه المجالات لأنها في اختصاصها".

كما دعا المستشار لدى رئاسة الجمهورية إلى رفع معامل مادة التاريخ في المؤسسات التربوية لحث التلاميذ على الاهتمام بتاريخهم.

مقاوم قديم

شيخي، يتمتع بسمعة أمين المتحف، الذي لا يقبل المساومة على مبدأ السيادة الوطنية واستعادة جميع الأرشيف والآثار التي تحتفظ بها فرنسا.

قاتل في حرب التحرير الوطنية (1954-1962)، وهو أحد أولئك الذين يأسفون لغياب نهج جزائري بحت في نسخ التاريخ، ويوبخ باستمرار المؤرخين الجزائريين العلمانيين لتتبعهم تاريخ الجزائر عبر تبنيهم نهج المستعمر.

يأسف شيخي أن كتابات مبارك الميلي (1889-1945) عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكتابات الشيخ عبد الرحمن الجيلالي (1908-2010) مؤرخ وعالم اجتماع ضليع في الفقه، لم تؤخذ في الاعتبار بشكل كاف في عمل الذاكرة هذا.

تسعة أيام بعد تعيينه هاجم شيخي فرنسا بعنف، إذ اتهم باريس على أمواج الإذاعة الوطنية 29 يوليو/ تموز 2020، "بشن حرب شرسة على مكونات الهوية الوطنية" وهي اللغة العربية والإسلام وعادات وتقاليد الأجداد.

قدر شيخي، بحسب مجلة "جون أفريك" مطلع يوليو/ تموز 2020، ما اعتبره لفتة باريس المتمثلة في تسليم جماجم 24 مقاتلا جزائريا في بداية الاستعمار الفرنسي.

لكن شيخي يريد المزيد من التعهدات من فرنسا، وبالأخص حول ملف التجارب النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري.

وكذلك ملف "المختفين" إبان حرب الاستقلال -أزيد من 2200- بحسب السلطات الجزائرية، وقبل كل هذا يؤمن شيخي بأن الجزائر تستحق اعتذارا من فرنسا عن استعمارها للجزائر.