لوبي "الصحة" المغربية.. لماذا يعترض على تمرير اختبار محلي لكورونا؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أمرت وزارة الصحة المغربية الصيدليات بمنع توزيع اختبار كشف عن فيروس كورونا، تنتجه شركة "جيغالاب" ويحمل صفة "صنع في المغرب"، بسبب عدم حصولها على الترخيص الصحي اللازم.

يأتي هذا وسط اتهامات واسعة للوزارة بالخضوع لضغط لوبي مختبرات التحليلات الطبية المحتكرة لكشف PCR الأسرع والأرخص. 

في بداية شهر يونيو/حزيران 2021، أعلنت الشركة المغربية المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية "جيغالاب" تطوير اختبار سريع لفيروس كورونا المستجد، 100 بالمئة مغربي وبثمن يتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين.

وبحسب بيان للشركة، فإن الاختبار المغربي الجديد يتميز بالسرعة والفعالية، ويعتمد على اللعاب، ويباع في شكل علبة من حجمين. يتضمن الحجم الأول وحدة اختبار واحدة لاستعمال وحيد، ويحوي الحجم الثاني 25 وحدة.

ويتم إجراء هذا الاختبار على 3 مراحل، تتمثل أولها في إيداع كمية كبيرة من اللعاب في الأنبوب، ثم إغلاقه وتحريكه برفق، وأخيرا وضع 3 قطرات في شريط الاختبار.

وإذا ظهرت في شكل سطر واحد، فهذا مؤشر على سلبية النتيجة، فيما إذا ظهرت في شكل سطرين فهو دليل على إيجابيتها.

المثير في هذا الاختبار أنه لا يستغرق وقتا طويلا كما في حالة PCR الغالي الثمن، حيث يكفي الانتظار بين 5 إلى 10 دقائق لمعرفتها.

سحب "جيغالاب"

وأفادت الشركة أن المختبر العسكري (تابع للحكومة)، أجرى تقييما لاختبار اللعاب، وقدم للشركة المغربية تقرير الموثوقية، وزادت أنها حصلت على شهادة تسجيل الاختبار المذكور من وزارة الصحة.

وأوضحت أن قدرة إنتاج شركة "جيغالاب" تصل إلى مليوني اختبار شهريا، ويمكن زيادتها حسب الطلب، كما تهدف الشركة المغربية إلى تصدير المنتج إلى إفريقيا.

وتحسبا لرفض لوبي مختبرات التحليلات الطبية، تركت الشركة في بيانها الباب مفتوحا لمالكي اختبار PCR.

صرحت الشركة أنه بالرغم من أن اختبار "جيغالاب" تصل درجة دقته بين 94.5 و99.99 في المئة، فإنه مع هذا يظل مجرد اختبار فحص فقط، حيث يتوجب على الشخص المعني إجراء اختبار PCR للتأكد وتفادي نقل العدوى للآخرين.  

سارعت وزارة الصحة المغربية بإصدار أوامرها بسحب الاختبارات من الصيدليات، ووجهت رسالة إلى صيادلة المغرب، أكدت فيها أنها لم تأذن بالشروع في بيع الاختبار، وأن عمليات البيع تمت بدون ترخيص. 

الرسالة التي وجهتها مديرية الأدوية والصيدلة في وزارة الصحة، إلى رئيس المجلس الوطني لنقابة الصيادلة حمزة قديرة، في 14 يوليو/تموز أعلن فيها توصل الوزارة إلى شكاوى ضد الاختبار.

وقالت الرسالة: "عقب الشكاوى المتعلقة باستخدام الكاشف للاستخدام التشخيصي المختبر المذكور في الموضوع، جرى إرسال بعثات التفتيش للصيدليات وبائعي الأدوية بالجملة والموزعين".

وأضافت: "تبين أن الكاشف المخصص للاستخدام التشخيصي في المختبر Gigalab Covid 19 Ag Gold Saliva قد طرح للبيع في الصيدليات عبر موزعي الأدوية بالجملة بدون ترخيص من الوزارة".

وسجلت أنه "عقب الشكاوى المتعلقة بهذا الكاشف، تقرر سحب الدفعة 2101S701-01 / 2023 من الكاشف دون تأخير، علما أنه سبق بيع الدفعة الأولى من هذه الفحوصات بسعر 100 درهم (أقل من 10 دولار) ليتم سحبها من الصيدليات". 

السرعة والثمن المتدني للاختبار، وطلب الصيدليات عليه، دفع لوبي مختبرات التحليلات الطبية إلى التحرك.

إذ إن اختبار كشف "جيغالاب" الذي توزعه الصيدليات تتراوح قيمته بين 80 - 100 درهم (أقل من 10 دولار)، فيما تتراوح قيمة كشف PCR الذي تجريه المختبرات، بين 600 - 1200 درهم (55 ـ 115 دولار).

ضغط اللوبيات انطلق مباشرة بعد إعلان الشركة بداية تصنيع هذا الاختبار في المغرب، واستعدادها لتوفير مليون وحدة.

 وهو ما عزز مخاوف أرباب المختبرات الذين عارضوا بيع الاختبارات الذاتية في الصيدليات.

لوبي المختبرات

لوبي مختبرات التحليلات الطبية استغل أن وزارة الصحة لم تمنح بعد لشركة "جيغالاب" رخصة ترويج منتوجها في الأسواق، لتدفع بعرقلة التسويق عن طريق ترويج دراسات تقلل من درجة دقة الاختبار الجديد.

هذه الممارسات أخرجت جمعيات حماية المستهلك عن صمتها، حيث اتهم رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، بوعزة الخراطي "الدولة بأنها باتت تصطف إلى جانب أرباب المختبرات على حساب المواطن". 

وتابع في تصريحات منشورة في 31 يوليو/تموز 2021 "يكفي أن تطلع على تسعيرة الاختبارات التي تفرضها المختبرات المرخص لها لتستشف طبيعة النهب الذي يتعرض له جيب المواطن البسيط". 

في نفس الاتجاه سار رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحياة "علي لطفي".

أكد لطفي في تصريحات صحافية، 31 يوليو/تموز 2021، "وجود لوبيات تسير وزارة الصحة وتتحكم في مجال الأدوية والتجهيزات الطبية وهو ما يعكس حالة التسيب التي باتت تسود داخل هذا القطاع". 

مصدر من شركة "جيغالاب"، قال: إن الشركة طورت هذا الاختبار تماشيا مع رغبة الدولة المغربية في إثبات كفاءتها وتميزها على الصعيد الإفريقي، وانسجاما مع هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل ما يتعلق بالتصدي لجائحة كوفيد 19.

وتابع المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في تصريح لـ"الاستقلال" أن "الشركة لحدود الساعة لا تزال في حالة صدمة، خاصة وأن ما تتعرض له يأتي بعد أيام على ترؤس العاهل المغربي الملك محمد السادس توقيع اتفاقيات تخول المغرب القدرة على تصنيع لقاح كورونا.

ففي 5 يوليو/تموز ترأس العاهل المغربي في القصر الملكي بفاس، حفل إطلاق وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد19 ولقاحات أخرى بالمغرب.   

وشدد مصدر الشركة، "وجه الاستغراب أن شركتنا مقاولة مواطنة، أجرت مجهودا كبيرا حتى توفر منتوجا مغربيا مائة بالمائة.

وبعقول وأيد مغربية، يمنح المغرب والمواطنون قدرات كبيرة في الكشف السريع وغير المكلف عن الفيروس.

وكشف ذات المصدر أن شركته تنتظر عقد اجتماع مع وزير الصحة خالد أيت الطالب لبحث كيفية إزالة هذا "الفيتو" المرفوع في وجه الشركة.

وكان مدير شركة "جيغالاب" كريم زاهر، قال في ندوة صحافية 30 يونيو/حزيران 2021: إنه لا يزال حتى اللحظة لا يفهم سبب منع ترويج المنتج بالنظر للرغبة الملحة للمواطنين في إجراء اختبارات كورونا بشكل سريع وبثمن في متناول جميع الفئات، حيث يتجاوز ثمن بيع الاختبار في الصيدليات 100 درهم.

وكشف ذات المتحدث أن الاختبار الذي طورته شركته حاصل على الترخيص، لكنه لا يزال حتى اللحظة ينتظر الضوء الأخضر من وزارة الصحة من أجل عرضه للبيع.

ودافع مدير شركة "جيغالاب" لكون شركته توفر شعار "صنع في المغرب"، التي ستجعل من المغرب "البلد الأول والوحيد الذي يصنع الاختبارات".

وبحسب مؤسس مقاولة "جيغالاب"، التي تأسست سنة 2007، فإن اختبار اللعاب السريع المعبأ له فترة صلاحية قد تصل إلى عامين، ويتعين تخزينه بين 2 و30 درجة مئوية.

غضب شعبي

موقف الوزارة الداعم للمختبرات في مواجهة الصيدليات، يواجه غضبا متزايدا من عموم المواطنين والهيئات المدنية والسياسية، الذين اعتبروا المسألة جزءا من الاتجار بالصحة في مقابل الخضوع للوبيات.

في هذا الاتجاه قالت حركة "معا" في 7 أغسطس/آب 2021: "تفاجأنا كباقي المواطنين بإقدام مديرية الأدوية بوزارة الصحة على سحب المنتج من الصيدليات، وإجبار الآلاف من المواطنين على التحليل المخبري رغم حاجتهم البسيطة لتأكيد الإصابة بداء كوفيد 19 أو نفيها". 

حركة "معا" جمعية سياسية، تأسست في 2019، تقدم نفسها كبديل ديمقراطي، تتماهى مع كل المغاربة، وتدعو للقطيعة مع الأشكال التقليدية للأحزاب.

وتابع بيان "حركة معا": "نعتبر هذا الإجراء تعسفا على القدرة الشرائية للمواطن المغربي، وخطوة تحد من هامش التطوير والبحث العلمي، وندعو إلى فتح تحقيق نزيه في النازلة ونشر نتائجه لعموم المواطنين".

وأكدت الحركة أن "صحة المواطن المغربي ليست سلعة ولا تخضع للمزايدات وحسابات الربح وهوامش الخسارة التجارية، بل وجب صونها وتشجيع كل المبادرات الوطنية الصادقة في سبيل تقوية الصناعة الدوائية وتحقيق اكتفائنا الذاتي".

وهاجم الناشط المدني عبد المنعم بيدوري في تدوينة على حسابه في فيسبوك، 10 أغسطس/آب "وزارة الصحة على تواطؤها مع مختبرات التحليلات الطبية".

وأعلن أن "هذه الوزارة المفروض عليها أن توفر قبل شهرين هذه الاختبارات السريعة وتعممها بالمجان أو بأثمنة بخسة وأن تدعم المنتوج الوطني، وتحاصر هذا الفيروس اللعين".

لكنها هي نفسها أوقفت تسويق هذا الاختبار السريع من أجل عيون بعض المختبرات ممن اغتنوا على ظهر المواطنين في هذه الجائحة.

وتابع: "سيأتي اليوم الذي نكتشف فيه العجب العجاب في تدبير هذه الأزمة"، وفق قوله.

من جهته رفض علي لطفي، في تصريحات في 31 يوليو/تموز، تهميش وزارة الصحة شركة مواطنة طورت اختبارا سيكون له الفضل الكبير على ملايين المغاربة وسيقدم إضافة نوعية للوضع الصحي بالمغرب.

وتابع: أن مسؤولي وزارة الصحة لا يفكرون بتاتا في مستقبل البلاد من حيث تطوير الصناعة الدوائية والاختراعات الطبية ولا يهمهم أيضا المواطن البسيط الذي يطوق للحصول على اختبار كورونا بثمن في المتناول.

ورغم ارتفاع الأصوات في المغرب التي تدعو وزارة الصحة إلى التدخل، فإنه إلى حدود اللحظة لم يتم إسقاط الفيتو (الاعتراض) على الاختبار الذي صنع في المغرب.