فرحة مباحة أم اختلاط محرم؟.. "مهرجان العيد" يقسم اليمنيين في تعز

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بموازاة المعركة التي تخوضها محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، ضد جماعة الحوثي؛ كانت هناك معركة أخرى لا تقل حدة وشراسة، بين أبناء المحافظة أنفسهم.

ومع أنها معركة على مواقع التواصل الاجتماعي وبلا مدافع؛ إلا أنها ساهمت في تجييش أبناء "تعز" الذين انقسموا فريقين، لتتوسع المعركة وتطال الكثير من اليمنيين المقيمين في المهجر.

عاصمة للفن والثقافة

البداية في أول أيام عيد الأضحى المبارك 19 يوليو/ تموز 2021، نظم "مكتب الثقافة" بتعز مهرجانا فنيا في قلعة القاهرة بالمدينة، أحياه الفنان اليمني المعروف عمار العزكي، وحضره عدد كبير من أبناء تعز.

لكن المهرجان أغضب بعضا لإقامته، بينهم الشخصية الدينية المعروفة الشيخ عبدالله العديني ومؤيدون له؛ إذ رأوا أن المهرجان يروج للسقوط الأخلاقي ويشجع على الاختلاط والتبرج، حسب تعبير العديني.

مدير مكتب الثقافة في تعز عبدالخالق سيف، قال في تصريح إعلامي: إن المهرجان يبعث رسائل الأمل والحياة والبهجة في تعز التي تعاني من الحرب منذ 6 سنوات.

وأضاف: "تعز تؤكد أنها مدينة الثقافة والفن والإبداع، والمهرجان يحمل رسالة معبرة عن السلام ورسالة إنسانية معبرة عن الأمل".

وأكد أن "نصف قيمة التذاكر تذهب لصالح مرضى السرطان، ومركز الأمل لمعالجة السرطان في المدينة".

 مؤيدون للمهرجان رأوا أن أهل تعز بحاجة لهذه المهرجانات للخروج من أجواء الحرب، ومن التشوهات النفسية التي طالت أبناءها في السنوات الماضية.

محسن محمد، أحد المنظمين للحفل يقول: "من حق تعز ممارسة الفن وعقد المهرجانات الفنية، بصفتها مدينة للثقافة والفن، وبصفة أهل تعز مرتبطين بهما"

ويوضح لـ"الاستقلال"، أن "هذا الموسم الرابع لمهرجان يعبر عن أهل تعز، وفي كل مرة نواجه صعوبات بسبب تيار (متشدد) يريد أن تعبر فعاليات تعز عنه فقط"

وتابع: "المعركة مع جماعة الحوثي عسكرية وفكرية، والفن جزء من المعركة ضد جماعة تحارب الفن وتقوم بتطييف المجتمع، ولا تسمح إلا بما يتعلق بأدبياتها الطائفية"، وفق قوله.

محسن يدعو، لـ"مواجهة الفكر الحوثي بالفن والمسرح والسينما وكل مجالات الحياة، مع مواجهتهم بالبندقية والسلاح الثقيل".

فساد واختلاط

على الجانب الآخر، أكد الشيخ العديني في سلسلة منشورات بـ"فيسبوك"، أن المهرجان فيه حرمة ومنكر ويدعو للتبرج والاختلاط، وأنه يراد لتعز اللحاق بركب الفساد والمنكر، وفق قوله.

 العديني، ذهب للقول: إن مثل هذه المهرجانات المختلطة سبب الأوبئة والطواعين المهلكة وسبب الموت وكل بلية.

في أحد منشوراته تساءل: ما سبب انتشار الأوبئة في السنوات الأخيرة؟"، واستشهد بكلام وصفه بالمخيف لابن القيم رأى أنه يحكي الواقع الذي نعيشه.

ونقل قول ابن القيم: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، ومن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، ومن أسباب الموت العام والطواعين المهلكة".

وتابع نقل حديث ابن القيم: "ولما اختلط البغايا بعسكر موسى عليه السلام، وفشت فيهم الفاحشة؛ أرسل ‏الله تعالى عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد 70 ألفا،".

وأكد الشيخ اليمني، أن "من أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات".

وأضاف: "ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك".

الدكتور نبيل القاضي، أحد مؤيدي الشيخ العديني، ذهب إلى تحريم الذهاب إلى مهرجان العيد وقال بـ"فيسبوك": "الذهاب إلى قلعة القاهرة للمشاركة في مهرجانات العيد الغنائية المختلطة حرام شرعا".

وبرر فتواه لما في المهرجانات "من منكرات غناء واختلاط محرم؛ وكشف لبعض مفاتن النساء وتزينهن في لباسهن وطيبهن، وإضاعة المال والأوقات فيما لا يرضي الله سبحانه، وتكثير سواد أهل الباطل".

وأكد أنها "من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)".

ظهرت معركة هي الأشرس بين أبناء تعز، وأخذت منحى شخصيا، اتهم فيها العديني بالتطرف، وفي المقابل اتهم الطرف الآخر بالفساد والانفتاح وانتهاج الليبرالية والعلمانية.

يذكر أن "مكتب الثقافة" في تعز نقل مكان الحفل الختامي بمهرجان القاهرة العيدي الرابع إلى منتزه التعاون لأسباب أمنية.

واعتذر الفنان عمار العزكي الذي أحيا الحفل في أيامه الأولى عن إحياء فعاليات اليوم الأخير، ما أثار استياء الحاضرين، واعتبره الطرف المعارض انتصارا لموقفه.

هجمة مرتدة

الحملة التي قادها العديني، قوبلت بهجمة مرتدة من قبل المعارضين له، إذ جرى اتهامه بالتطرف والتشدد، وخدمة جماعة الحوثي بشكل غير مباشر.

الصحفي والكاتب اليمني فهد سلطان، دعا لـ"الفرح والابتهاج بأيام الله في العيد"، وكتب بـ"فيسبوك": "أسوأ مرحلة يعيش بها الفرد حين يشعر أنه قطب الأرض ومندوب السماء وحارس أوحد للفضيلة".

وأضاف: "وأنه لولا مواعظه وإرشاداته وحرصه لحماية الدين والعقيدة لاشتبك الناس ببعضهم كالبهائم وهلكوا في الجريمة وجرى ما لا يحمد عقباه".

سلطان، تابع: "هذه النوعية البائسة من المتدينين لا يحرك مشاعرها الجوع ولا سيول الدماء ولا أدوات الحرب الفتاكة التي تفري في عضد الفقراء يوميا، تنظر للناس من منظر أسود قاتم".

وأشار إلى أنه "بمجرد أن يواجه المجتمع هذه التعاسة كلها بصبر لا يلين ويبتهجون في لحظات شاردة من الزمن، يحرسون حياتهم من رذاذ البارود ويقاومون تعاسة الواقع البائس، يهب البعض كالمذعور، هبة من صمت دهرا ونطق كفرا".

وقال: إن الناس "يرفضون التمذهب البليد الذي أخذ أسوأ ما في التاريخ الإسلامي وقدمه دين يزاحم دين الله، وحين يرفض المجتمع هذه التصورات الخاطئة ويبتهج في حياته فهو يرفض هذا العفن وليس الدين ذاته الذي هو أقدس المقدسات لديه".

الكاتب اليمني محمد المياحي قال عبر "فيسبوك": "لا تسمحوا للعديني أن يورطكم بنقاش فكري ينفي علاقة الفن والغناء بسقوط المدن، هذا حديث بدائي، فيه إهانة للمنطق أكثر من كونه مرافعة ناجحة عن الفن".

وأضاف: "ما يستفزني ليس إيمان العديني بأن الحفلات الغنائية تتسبب في إسقاط المدن ونشر الفساد، تلك قناعته البدائية وعلينا احترامها، أو لنقل ذلك أقصى قدرة عقلية للرجل في تفسير شرور الكون".

وأكد أنه "لا يملك تفسيرا فلسفيا آخر غير الإحالة للذنوب؛ لكن مشكلة خطابه الوعظي هذا هو أنه يمثل غطاء دينيا للفساد السياسي".