"حيلة ناصرية".. هذه خطة السيسي للتخلص من خصومه في جامعات مصر

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"مخبر لكل مواطن" حيلة استخدمها الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر للتجسس على مواطنيه، واستلهمها رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي.

وصدر أمر حكومي لرؤساء الجامعات والعمداء بالإبلاغ عن زملائهم المعارضين للنظام داخل هيئة التدريس، في توجه يحول الجامعات إلى أماكن للتجسس على المعيدين والباحثين والأساتذة والطلاب.

اجتماع لـ"المجلس الأعلى للجامعات" (حكومي) بجامعة الأزهر في 27 يوليو/تموز 2021، أثار الجدل؛ إثر تكليفه رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة بإعداد قوائم بأسماء العاملين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين تمهيدا لفصلهم.

بيان المجلس كلف الجامعات باتخاذ "ما يلزم لإعداد قوائم بأسماء العاملين المنتمين إلى قوائم الإرهابيين، أو الذين ينتمون إلى جماعات أو تنظيمات إرهابية، مثل الإخوان المسلمين".

وأكد التكليف أن الجامعات المصرية ستستعين بالأجهزة الأمنية في سعيها للتخلص من المنتمين للجماعات والتنظيمات التي وصفتها بـ "الإرهاب".

مجزرة بحق المعارضين

ذلك التكليف الذي اعتبر مراقبون أنه يأكل من الأدوار التعليمية لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات يأتي تنفيذا لقانون عرف إعلاميا بـ"فصل الإخوان من الجهاز الإداري للدولة"، والذي أقره مجلس النواب المصري 12 يوليو/ تموز 2021.

"البرلمان" التابع بالكامل لرئيس النظام عبدالفتاح السيسي، أقر حالات فصل الموظف بغير الطريق التأديبي.

ومنها "الإدراج على قائمة الإرهابيين"، و"الإخلال بواجباته بما من شأنه الإضرار الجسيم بمرفق عام بالدولة أو بمصالحها الاقتصادية".

القرار الحكومي بتنفيذ القانون يثير قلق أساتذة بالجامعات وعاملين فيها، وكذلك الطلاب، إذ يرى متابعون أنه لن يتوقف على مجزرة بحق أنصار الإخوان بل سيشمل كل المعارضين.

غاضبون من القرار يعتقدون أنه فرصة لعمداء الكليات ورؤساء الأقسام والمقربين من النظام والأمن بكل جهاته للوشاية بمنافسيهم على المناصب وبزملائهم الأساتذة المتفوقين علميا.

التكليف الحكومي يأتي في ظل تراجع مستوى التعليم المصري بشكل عام، وتراجع التصنيف العالمي للجامعات المصرية البالغ عددها 48 جامعة 27 منها حكومية، و21  خاصة، بجانب 3 أخرى أهلية.

وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2021، أصدر تقييم "ويبوميتركس" العالمي تقريره السنوي لتصنيف الجامعات بالعالم، وضمت القائمة 72 جامعة مصرية.

لكن لم تظهر أي منها بقائمة أفضل 500 جامعة، إذ حلت جامعة القاهرة الأولى مصريا والرابعة عربيا بالمركز الـ 551 عالميا، وفق التصنيف الأكبر عالميا.

وكما كان للانقلاب العسكري بالعام 2013 أثره السلبي على جميع قطاعات الدولة؛ تأثرت الجامعات بشدة.

إذ فقدت امتيازات وانجازات حصلت عليها وخسرت استقلالا نالته إثر ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وفي عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (2012- 2013).

وفي يونيو/ حزيران 2014، قرر السيسي إلغاء قرار مرسي باختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات عبر الانتخابات، وقرر تعيينهم على طريقة نظام حسني مبارك، لمدة 4 سنوات ويمكن خلالها فصلهم بقرار رئاسي.

ومع انقلاب السيسي، عادت قوات الأمن لاستباحة الحرم الجامعي وقمع واعتقال الأساتذة والطلاب ومنع تعبيرهم عن آرائهم.

وظهرت مشاهد الاعتداء على الطالبات واعتقالهن من الجامعات، وفقا لقانون "التظاهر" نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.

خطوات لاحقة

ورغم أن خبراء في القانون الدستوري المصري أكدوا في تصريحات صحفية أن القانون يخالف الدستور، والمادة (53) الخاصة بالتمييز بين المصريين، فإن النظام يدخله حيز التنفيذ من باب الجامعات.

ويتوقع أن تتبع تلك الخطوة خطوات خاصة بوزارتي التعليم والنقل، وذلك لرغبة النظام في التخلص من المعارضين والإخوان، وتقليل أعداد العاملين بالحكومة وفق توجيه صندوق النقد الدولي.

الناشطة بيري أحمد، تحدثت عن توجه السيسي إلى تقليل عدد الجهاز الإداري للدولة، وأنه أوقف التعيينات وفصل متعاطي المخدرات ثم فصل الإخوان، مشيرة إلى أن الدور على باقي الموظفين.

النظام يسعى إلى خفض العاملين بالجهاز الإداري للدولة للنصف، من 7 ملايين موظف إلى 3 ملايين و900 ألف فقط.

ومارس في هذا الإطار خلال 8 سنوات التضييق على موظفي الدولة والمنتمين للإخوان بإصدار قوانين تسهل عمليات فصلهم.

وفي العام 2019، أطاحت وزارة التعليم بـ1070 مدرسا ومنعت وزارة الأوقاف 12 ألف خطيب من العمل.

وتعرض كل من جرى اعتقاله من موظفي الحكومة، أو غادر البلاد هربا من بطش النظام إلى الفصل والحرمان من المعاش والمكافآت والصناديق.

موقع "ميدل إيست مونيتور"، تطرق إلى قضية إقالة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من المناصب العامة والخاصة.

وفي تقرير له يوم 28 يوليو/حزيران 2021، وصف الإجراء بأنه حملة "لتطهير" الهيئات الحكومية من الإخوان ومن المعارضين اليساريين.

تلك الحالة تذكر بما نشره تقرير لوكالة "رويترز"، في يونيو/حزيران 2016، عن طرد السلطات المصرية المئات من أساتذة وطلاب الجامعات وتعذيب بعضهم والإضرار بفرصهم في الدراسة، بدعوى الاحتجاج ضد السيسي.

عمليات القمع تلك أسفرت عن ملاحقة وفصل وقتل وإصابة واعتقال الآلاف من أعضاء هيئات التدريس والطلاب، ولم يسمح للكثيرين باستكمال تعليمهم ولا مواصلة أبحاثهم العلمية داخل السجون.

كما تسبب قمع النظام في هروب الكثيرين من الأساتذة والطلاب خارج البلاد، وفقد الكثير من أعضاء هيئات التدريس وظائفهم ولجؤوا لأعمال أخرى، وعجز الكثير من الطلاب عن استكمال تعليمه وانصرف لأعمال يدوية.

تحريض دائم

ومن آن لآخر تخرج دعوات تحريضية عبر وسائل الإعلام وبرامج "التوك شو" المؤيدة للنظام، ضد العاملين في الدولة من المنتمين للإخوان والمعارضين للنظام، وهي ما أسفرت عن ذلك القانون.

لكن، أشد دعوات التحريض جاءت على لسان وزير النقل والعسكري السابق، الفريق كامل الوزير، إثر تتابع حوادث القطارات التي أودت بحياة وتسبب بإصابة مئات المصريين السنوات الماضية.

في أبريل/ نيسان 2021، زعم الوزير، أمام البرلمان وجود عناصر من جماعة الإخوان بوزارته هي سبب الحوادث، داعيا النواب لإعداد تشريع لفصلهم من العمل.

 وعبر "تويتر"، انتقد المجلس الثوري المصري، القرار وعاب على النظام ملاحقة الإخوان وترك "أعضاء هيئة التدريس الذين يزورون البحوث (وفضحوا عالميا)، والذين يبتزون الطلبة ويتحرشون بالطالبات".

وأكد أن هؤلاء "باقون في مقاعدهم طالما لعقوا قاع البيادة صباح مساء".

التكليف الحكومي الصادر من قلب جامعة الأزهر، ربما يكون له دلالة خاصة وأن الجامعة الأعرق مصريا وعربيا تعد حاضنة لكثير من الأساتذة والطلاب المنتمين لتيار الإسلام السياسي.

ووفق مصادر لصحيفة "الوطن"، المحلية، فإن رئيس جامعة الأزهر محمد المحرصاوي يعد حصرا للعاملين المدرجين بقوائم الإرهاب وفصلهم من الجامعة.

إلا أن الصحيفة القريبة من جهات أمنية لفتت إلى ضرورة أن يشمل الحصر وتنفيذ القانون على الطلاب المنتمين للإخوان وليس الأساتذة فقط.

واستعان النظام بالأزهر الشريف في ديسمبر/كانون الأول 2020، لشيطنة الإخوان، إذ أفتى مركز فتوى الأزهر العالمي بأن "الانضمام إلى الجماعة والجماعات الإرهابية الأخرى محرم شرعا"، وفق تعبيره.

النظام وفقط

أستاذ متفرغ بأحد أفرع جامعة الأزهر يؤكد أن "الكشوف معدة سلفا ومنذ سنوات وقبل صناعة القانون، نتيجة للتعاون الأمني الجاري بين رؤساء الجامعات والعمداء، بل ورؤساء الأقسام والكثير من الأساتذة بل والمعيدين".

ويضيف لـ"الاستقلال": "على مدار عملي بالجامعة (40 عاما) لم أشهد حجم التعاون الأمني مع الجامعة والعاملين فيها، ورغم أن ذلك التعاون قديم منذ عصر مبارك، إلا أنه يجري الآن بوقاحة شديدة".

الأكاديمي الذي رفض ذكر اسمه ولا تخصصه العلمي، أشار إلى تعاون وزير الأوقاف الحالي مختار جمعة خلال عمله بجامعة الأزهر مع الأمن في عهد مبارك وأن ذلك كان في الخفاء، ولكن الأساتذة الآن يجاهرون بصلاتهم الأمنية ويفاخرون بها".

 وعبر "تويتر"، وجه الدكتور إبراهيم سويلم، رسالته إلى رؤساء الجامعات والمعاهد والأساتذة والاستشاريين والمساعدين، والمعيدين وطلاب الدراسات العليا والماجستير، قائلا: "رجاء لا تكونوا مخبري أمن".

وأشار إلى أن "تدهور أوضاع التعليم"، و"تردي منظومة الإدارة"، و"قلة تقدير الدولة وقلة التمويل"، لا تدفعكم لأن تكونوا مخبرين.

وفي تقديره لخطورة تطبيق قانون فصل الإخوان على الجامعات المصرية يرى الأكاديمي المصري علي عبدالعزيز، أن "هذه سياسة نظام السيسي منذ انقلابه في 2013، والمبنية على تخفيف منابع الثورة بكل فئاتها بما فيها الإخوان".

الأستاذ المساعد بكلية التجارة بجامعة الأزهر، يؤكد لـ"الاستقلال"، أن "هذا يعني أن قرارات حصر وفصل الإخوان ليست فقط موجهة لهم؛ وإنما لكل من عارض أو يعارض نظام السيسي".

ويجزم بأن الأمر الحكومي يحول الأساتذة والعمداء إلى مخبرين يمارسون الوشاية بزملائهم ويستغلون الخصومة والتنافس بين الأساتذة لتصفية الحسابات.

ويشدد على أن "الكثير من أعضاء هيئة التدريس يعملون مع الأمن الوطني والمخابرات العامة؛ ويقدمون تقارير دورية عن الزملاء والعاملين بالحرم الجامعي".

ويؤكد أن "الكثير من أعضاء هيئة التدريس المشاركين بثورة يناير 2011، تعرضوا لظلم بشع من العناصر الجامعية التابعة للأجهزة الأمنية، وجرى بحقهم اقتحامات للمنازل وتجسس عليهم  وسرقات لهم وتلفيق تهم واعتقالات".

وبشأن ما قد يسببه القرار من تجريف للجامعات من الخبرات العلمية والأكاديمية لمجرد معارضتها بعض السياسات بالجامعة أو بالوطن يوضح أنه "جرى تعطيل المسار الأكاديمي والمهني للكثيرين".

ويضيف: "وذلك بسبب سلطة رؤساء الأقسام التابعين للأمن الوطني على المعيدين والمدرسين المساعدين برفض تسجيل مشروعات الماجستير والدكتوراه".

"أو باختيار مشرفين من الأساتذة تابعين للأمن الوطني يعطلون الباحثين وربما يرفضون منح الباحثين وطالبي درجات الترقي الدرجات العلمية والمالية".

عبدالعزيز، يعتقد أن "كل ما سبق يدلل على أن النظام لا يهتم بالعلم ولا بالبحث العلمي وهمه الأول والأخير أمن النظام وفقط".

ويؤكد أنه "لا شك أن استمرار النظام في سياساته القمعية الإرهابية نتيجة قراءة خاطئة للمشهد مبني على تفسير خاطئ بأن عدم ثورة الشعب على النظام تعني موافقة ضمنية على سياساته".

ويجزم بأن النظام "لا يعي أن الكثيرين ممن قاموا بثورة يناير السلمية فقدوا الأمل في أي تغيير مبني على تحرك سلمي، ويعتقدون أن التغيير العنيف ربما يكون الرد الطبيعي على إرهاب النظام".

الأكاديمي المصري يرى أنه "مهما طال الوقت فإن هذا التحرك العنيف سيحدث لا محالة ليس للتغيير وإنما للانتقام العادل من كل أفراد هذا النظام".

وبشأن تأثير تلك التوجهات على مستقبل التعليم الجامعي، يقول الأكاديمي المصري: "مما لا شك فيه أن هذه السياسات تضعف المنظومة التعليمية في الجامعة وتخرج الكثير من أعضاء هيئة تدريس ضعفاء علميا".

ويوضح أن "المعيار الرئيس لاختيار المعيدين والمدرسين والأساتذة وترقيتهم ومنحهم الدرجات العلمية مبني على تعاونهم الأمني، ما ينعكس على الطلاب بالضعف العلمي والمعرفي وتخريج أجيال غير مؤهلة لسوق العمل".