نوفل العاكوب.. أول مسؤول عراقي تعاقبه بريطانيا لاتهامات تتعلق بالفساد

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد اسم السياسي العراقي نوفل العاكوب، إلى الواجهة مجددا بعد فرض المملكة المتحدة عقوبات على أصوله المالية وحظره من السفر إليها، وذلك لاتهامات تتعلق بالفساد المالي خلال توليه منصب محافظ نينوى، ثاني أكبر مدن العراق من حيث نسبة السكان.

العقوبات البريطانية بحق العاكوب في 22 يوليو/ تموز 2021، هي الأولى التي تطال مسؤولا عراقيا متهما بالفساد منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، التي جاءت ضمن قائمة أسماء شملت خمسة أشخاص من دول تضم فنزويلا وغينيا الاستوائية وزيمبابوي.

"فاسد خطير"

المملكة المتحدة وصفت في بيانها المسؤول العراقي السابق بأنه "متورط بقضايا فساد خطيرة"، أثناء توليه منصب محافظ نينوى (مركزها الموصل)، مؤكدة أنه في ظل العقوبات المفروضة "لن يكون قادرا" على تحويل أمواله عبر البنوك البريطانية أو دخول البلاد.

وأشار البيان إلى أن العاكوب "اختلس أموالا عامة مخصصة لجهود إعادة الإعمار وتقديم الدعم للمدنيين، ومنح أيضا عقودا وممتلكات تابعة للدولة بشكل غير قانوني".

وأوضح أن العاكوب "يقضي حاليا عقوبة سجن مدتها خمس سنوات في العراق بتهمة الفساد، بما في ذلك إهدار خمس مليارات دينار عراقي (حوالي 2.5 مليون جنيه إسترليني) من خلال أشغال عامة وهمية".

العاكوب اعتقل في أكتوبر/تشرين الأول 2020 خلال وجوده بالعاصمة بغداد، بعد عام ونصف من هروبه؛ بتهمة اختلاس 64 مليون دولار من أموال الإعمار ومساعدات النازحين في هذه المدينة.

وتتهم هيئة "النزاهة" العراقية، العاكوب باختلاس أموال عامة بالتواطؤ مع مسؤولين داخل محافظة نينوى، التي تبلغ ميزانيتها 800 مليون دولار، بينما يعيش مئات آلاف من النازحين خارج المحافظة.

وكانت الهيئة (رسمية) قد أعلنت تشكيل فريق تحقيق عالي المستوى؛ للكشف عن مصير الأموال التي جرى اختلاسها واعتقلت عددا من المسؤولين والموظفين في ديوان المحافظة بتهمة الاختلاس وتبديد أموال الدولة.

وكذلك تطال العاكوب اتهامات باختلاس 11.3 مليار دينار (9.4 ملايين دولار) من أموال مخصصة للنازحين في نينوى.

وسبق أن أصدرت محكمة استئناف نينوى أمر قبض وتحر بحق العاكوب وفق مادتين من قانون العقوبات، تنصان على المعاقبة بالسجن لكل موظف مكلف بخدمة عامة اختلس أو أخفى مالا، وكذلك "الإهمال الجسيم بأداء وظيفته أو عن إساءة استعمال السلطة".

داعم للمليشيات

العاكوب المولود في الموصل عام 1964، حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون، ودبلوم في الإدارة والاقتصاد، جرى انتخابه محافظا لنينوى في أكتوبر/تشرين الأول 2015، عقب عام من اجتياح "تنظيم الدولة" للمدينة.

لكن تقارير أكدت أن نحو أربعة أعوام عجاف عاشها أهالي الموصل منذ وصول نوفل العاكوب إلى كرسي محافظ نينوى، كونه فتح الأبواب على مصراعيها أمام المليشيات الموالية لإيران بعد استعادتها من "تنظيم الدولة" عام 2017.

لكن العاكوب أقيل بإجماع أعضاء مجلس النواب في مارس/ آذار 2019، على خلفية التقصير في مهامه والتي أدت إلى غرق إحدى العبارات في مدينة الموصل خلال الشهر ذاته، وأودت بحياة نحو 120 شخصا.

وفي وقتها كشفت تقارير صحفية أن الحشد الشعبي سعى لإعادة العاكوب محافظا لنينوى بعدما تمت إقالته من منصبه، حيث حاولت القوى السياسية الممثلة للحشد بالبرلمان، توفير حماية سياسية كافية لحليفها العاكوب لمنع إقالته، لكنها فشلت في ذلك.

تولى العاكوب مناصب إدارية عدة قبل سقوط نظام حزب البعث في العراق عام 2003، منها مدير ناحية القيارة جنوب الموصل، وناحية حمام العليل، وناحية فايدة، وقائم مقام قضاء الحضر غرب الموصل.

وبعد عام 2003 تمكن العاكوب من الفوز في انتخابات مجالس المحافظات، وأصبح عضوا في مجلس محافظة نينوى ورئيسا للجنتها القانونية، لكن خلال الأعوام التي شغل فيها منصب المحافظ كشفت تحقيقات عن تورطه في العديد من صفقات الفساد المالي والإداري.

على إثر تلك التحقيقات، أصدرت هيئة النزاهة في بغداد عام 2017 مذكرة استقدام بحقه للتحقيق معه في هذه القضايا، إلا أنه تمكن من الخروج من القضية دون أي خسائر.

وبعد إعلان الحكومة العراقية، في 10 يوليو/تموز 2017 عن استعادة نينوى من تنظيم الدولة، فتحت شهية المحافظ المدعوم من مليشيات "العصائب، والنجباء، وحزب الله الموالية لإيران" على نهب خيرات الموصل والاستيلاء على أراضيها وآثارها وتهريب النفط إلى إيران.

سارع "العاكوب" حينها إلى الاتجار بخردة الحديدة الناجم عن تدمير مباني الموصل إثر الحرب، وفرض الإتاوات والضرائب على سكانها والاتجار بأرواحهم وإطلاق سراح قادة "تنظيم الدولة" بمبالغ مالية كبيرة كانت للمليشيات الإيرانية ومكاتبها الاقتصادية حصة كبيرة منها.

ورغم إعلان مجلس محافظة نينوى في 23 ديسمبر/كانون الأول 2017 سحب اليد عن المحافظ غيابيا؛ لتورطه في ملفات فساد، إلا أن العاكوب سرعان ما تمكن وبدعم من المليشيات من الطعن بالقرار في المحكمة الإدارية وإلغائه والعودة إلى منصبه مجددا.

الاتجار بالآثار

تقارير كشفت في 25 مارس/ آذار 2019، أن لجنة تقصي الحقائق البرلمانية الخاصة بالتحقيق في أوضاع الموصل، أكدت تورط العاكوب في المتاجرة بأراضي مراقد الأنبياء والأراضي الأثرية والمنازل والمباني داخل المحافظة.

ولفتت إلى أن العاكوب منح تلك الأراضي لقادة المليشيات والمسؤولين والسياسيين التابعين لإيران وجهات أخرى؛ مقابل حصوله على أموال ودعم سياسي وعسكري من هذه المليشيات وضمانات لبقائه في المنصب.

وأكد نواب في مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى، أن المحافظ المقال العاكوب تسلم نحو 320 مليون دولار لبدء مشروع إعادة إعمار الموصل.

وفي 16 فبراير/ شباط 2021، أصدرت محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية في رئاسة محكمة استئناف بغداد الكرخ الاتحادية حكمين بحق محافظ نينوى السابق عن جريمة إدخاله مشاريع وهمية في المحافظة.

وقال المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى: إن "محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية نظرت دعوتين لمحافظ نينوى السابق العاكوب وأصدرت حكمين بحقه، الأول الحبس الشديد لمدة ثلاث سنوات، والثاني الحبس الشديد لمدة سنتين مع إعطاء الحق لمحافظة نينوى المطالبة بالتعويض وفقا لأحكام المادة 340 من قانون العقوبات العراقي".

وأضاف أن "المدان تم تجريمه عن مشاريع وهمية في تنظيف وإعادة تأهيل الأبنية في محافظة نينوى للفترة من 2017 إلى 2019".

وقال المحلل السياسي المختص بقضايا الفساد، زياد السنجري: إن "الحكم على محافظ نينوى هو في قضيتين فقط من أصل 15 قضية مرفوعة ضده في المحاكم"، مؤكدا أن "فترة العاكوب كانت فترة فساد وتأسيس لثقافة الفساد بعد استعادة نينوى من تنظيم الدولة".

وحسب تصريحات صحفية للسنجري في 17 فبراير/ شباط 2021 فإن العاكوب "كان يشارك قادة المليشيات في مبالغ عقود إعمار المحافظة"، مؤكدا "استيلاء فاسدين وعناصر مليشيا ومزورين على 5 آلاف قطعة سكنية تابعة لمحافظة نينوى"، ووجود تلاعب في عقود وقعتها المحافظة بمبالغ تصل إلى نحو 100 مليار دينار عراقي (نحو 70 مليون دولار).

وأوضح السنجري أن "العاكوب اعترف بذكر عشرات الأسماء من المتورطين معه بعمليات الفساد"، مضيفا "كان فساد العاكوب مفضوحا وواضحا إلى درجة أنه يبدو كأنه تحد أكثر من محاولة لإخفاء الفساد".