أحمد جبريل.. قائد عسكري أوغل في دماء السوريين والفلسطينيين خدمة للأسد

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تمر وفاة مؤسس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة" أحمد جبريل، في العاصمة السورية دمشق، عن عمر ناهز "83 عاما"، بشكل عابر ضمن فصول المشهد السوري.

جبريل الذي نعته "الجبهة الشعبية" في 7 يوليو/ تموز 2021، بعد تدهور حالته الصحية، كان حليفا تاريخيا لنظام الأسدين، حيث كشفت الثورة السورية التي تفجّرت في مارس/ آذار 2011، بوصلة الرجل الحقيقية.

وذلك حينما انحاز جبريل، لرأس النظام بشار الأسد، ليس ضد الشعب السوري فحسب؛ بل تجاه بني جلدته من الفلسطينيين المقيمين في سوريا، والذين جاء معهم إليها بعيد نكبة عام 1948.

لكن منعرجات كثيرة غيرت حياة جبريل، حتى صيرته واحدا من أقوى المتحالفين مع نظام حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار، منذ أن اختار خلال دراسته الجامعية في القاهرة طريق العمل السياسي.

النشأة والسلاح

جبريل، ولد لأم سورية وأب فلسطيني عام 1938، في قرية "يازور" الفلسطينية شرقي مدينة يافا، قبل أن تحتضنه سوريا ابن 10 سنوات وعائلته المهجرة إبان نكبة إعلان دولة الكيان الإسرائيلي عام 1948، ومنح وأسرته لاحقا الجنسية السورية.

درس المرحلة الثانوية في دمشق، وحصل على شهادتها عام 1956، وبعد تخرجه من الكلية الحربية في القاهرة عام 1959، عمل ملازما ثم ضابطا في سلاح الهندسة بالجيش السوري حتى تسريحه منه عام 1963.

ونشط خلال دراسته الجامعية بالقاهرة في رابطة الطلبة الفلسطينيين؛ وهذا ما دفعه عقب انتهاء خدمته في الجيش السوري، للمساهمة في تأسيس "جبهة التحرير الفلسطينية"، عام 1959.

جبهة جبريل، اتحدت مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، عام  1965، لكن سرعان ما انفك الاتحاد، وأسس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عام 1967.

التجربة الجديدة، لم تدم طويلا لينفصل عن الجبهة ويؤسس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة" في 1968، كحركة قومية يسارية أصبح أمينها العام لمدة 53 عاما، واتخذ من دمشق مقرا لها حتى وفاته في 7 يوليو/ تموز 2021.

المنعطف الأبرز

اندلاع الثورة السورية، شكل منعطفا بارزا في مسيرة أحمد جبريل، التي توصف بـ"النضالية"، ليكسر سيف عقيدته التي نادى بها لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي ويضع يده بيد بشار الأسد، لقتل الشعب السوري، وتشريده.

وتحولت سريعا "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بقيادة جبريل إلى أولى المليشيات الفلسطينية التي ساندت قوات الأسد، في اقتحام المدن السورية لإخماد الثورة.

ويصبح طريق "تحرير القدس" الذي كان "ينشده" جبريل؛ فجأة يمر من مدن وبلدات سورية، مستخدما صواريخه المخبأة ليدك بها رؤوس المدنيين، ملقيا خلفه شعارات استعادة القدس السليبة إرضاء للأسد الابن.

مليشيا "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بقيادة جبريل، لم تخف وجهها عن عدسات الكاميرا في قصف المدن السورية، والتقدم بريا مع قوات الأسد، لاقتحام مخيمات الفلسطينيين والتنكيل بهم، بل جاهرت في توثيق المهمة الموكلة.

بدا واضحا أن اصطفاف جبريل، مع الأسد، لمواجهة ثورة شعبية اجتاحت البلاد من جنوبها لشمالها، جعلته مساهما أكبر في تشريد الفلسطينيين، وتدمير منازلهم في أحياء غير رسمية تعرف باسم المخيمات.

الكاتب والباحث الفلسطيني محمد خير موسى، فصل لـ"الاستقلال"، الأدوار التي لعبها جبريل، في عهدي الأسد الأب والابن حتى وفاته.

وقال: "إنه يمتلك مليشيا في سوريا، وكان جزءا من الحالة المخابراتية لنظام حافظ الأسد، وذراعا ضاربا للجيش السوري في حصاره لمخيم تل الزعتر في لبنان، والذي كان جبريل جزءا منه، وحليفا في حصار الفلسطينيين".

مخيم "تل الزعتر" الجماعية للاجئين الذي تأسس عام 1949، مذبحته تمثل واحدة من أسوأ صفحات الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت عام 1975 واستمرت زهاء 15 عاما.

إذ أسفر حصار واقتحام المخيم عام 1976، من قبل قوات حافظ الأسد والمليشيات المارونية، وفق المركز الفلسطيني للإعلام عن وقوع 4280 قتيلا غالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن، فضلا عن آلاف الجرحى والقصص المرعبة.

وبين الباحث الفلسطيني، أن "جبريل كان موكلا بمقاتلة الفلسطينيين الذين رفضوا الرضوخ لنظام بشار الأسد وساندوا إخوانهم السوريين في مواجهة هذا النظام".

وأكد أنه "لعب دورا بارزا في حصار الفلسطينيين بسوريا وقتلهم في مخيمات اليرموك والحسينية والسيدة زينب وسبينة ودرعا".

وأضاف: "جبريل، كان جزءا من مواجهة الشعبين السوري والفلسطيني في سوريا، ولم ينجح في استغلال الفلسطينيين لمساندة بشار الأسد، بل قام بمساندة الأسد في مواجهة الفلسطينيين والسوريين معا".

وبالتنسيق مع أحمد جبريل، تمكن المهندس محمد السعيد، من تأسيس مليشيا "لواء القدس" في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني عبر جمع عناصرها من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بسوريا.

لكن السعيد، الذي خاضت مليشياته إلى جانب مليشيا جبريل، معارك في مخيم اليرموك بدمشق، وفي معارك حلب عامي 2015 و2016، حرف ولاءه وقفز إلى الكفة الروسية.

وهنا جرى إعادة تأهيل موسكو لقواته وتدريبها حتى غدت رأس الحربة في معارك البادية السورية ضد "تنظيم الدولة" منذ عام 2019.

لذلك ذهب الكثير من المراقبين لوصف جبريل بأنه "رجل المفارقات" على اعتبار أن مليشيا "لواء القدس" تتبع بشكل أو بآخر لـ"الجبهة الشعبية" بزعامة جبريل.

"شارون المخيمات"

وينظر سوريون إلى جبريل، بوصفه "سفاحا" أوغل في دماء السوريين خدمة لبشار الأسد وأنه لم يك سوى أداة مخابراتية بيد حافظ الأسد.

ووصفت حسابات سورية بمواقع التواصل الاجتماعي جبريل بـ "شارون المخيمات"، وأخرى أشارت إلى أنه تحول إلى "سيد البندقية المأجورة".

وتفاعل سوريون مع تعليق المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا الدكتور عصام العطار، مع وفاة أحمد جبريل، الذي وصفه عبر "فيسبوك"، بـ"المجرم السفاح".

العطار، كتب قائلا: "كان جبريل، أداة من أدوات النظام السوري في مراقبتنا ومتابعتنا حيث كنا وحيث توجهنا".

وأضاف: "استأجروا بيتا في مواجهة بيتنا، وتناوبوا على مراقبتنا، وإذا ذهبنا إلى مكان وجدناهم على الأثر".

تقارير إعلامية، تؤكد أن مكافأة حافظ الأسد، لأحمد جبريل في مشاركته بحصار وحرب المخيمات الفلسطينية في لبنان التي كانت تحت ظل حركة "فتح"، وقصفها منذ عام 1985؛ كانت معسكرات لهم بالأراضي السورية.

وكذلك تشكيل وحدات عسكرية نظامية، يقضي فيها الشباب الفلسطيني الخدمة الإلزامية بالتعاون مع اللواء طارق الخضراء قائد "جيش التحرير الفلسطيني"، بسوريا، والذي شارك أيضا في قتال وحصار تلك المخيمات الفلسطينية في ثمانينيات القرن الـ20، وخلال الثورة السورية.

متشيع سياسيا

ويرى الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، أن "أحمد جبريل أحد أدوات النظام السوري سواء للعمل ضد فتح وإخراج المنظمة من لبنان وإحلال مكانها الفئات التي تحسب على النظام السوري، أو في علاقة جبريل فيما بعد العضوية بإيران".

الهواس، أكد لـ"الاستقلال" أن "جبريل يعد من المتشيعين سياسيا بالنسبة لإيران وعلى علاقة متميزة معها، وخاصة أنه بقي فترة هناك ثم عاد إلى دمشق".

وألمح إلى أنه في الثورة السورية "تم استخدام الجبهة الشعبية، والقيادة العامة، تحديدا في محاربة الشعب السوري، والقيام بأعمال ضده، وضد الفلسطينيين الذين كانوا ضد الأسد، أو أنهم تعاطفوا مع الثورة".

وكشرت مليشيا "الجبهة الشعبية" عن أنيابها خلال مشاركة قوات الأسد بمحاصرة أكبر المخيمات الفلسطينية في الشتات وهو مخيم اليرموك جنوب دمشق والذي كان يؤوي نحو ربع مليون لاجئ فلسطيني.

إذ تؤكد التقارير الإعلامية أن الجوع حصد فقط أرواح أكثر من 200 شخص، معظمهم من الأطفال وكبار السن في المخيم، ما بين النصف الثاني من عام 2013 والنصف الأول من عام 2014.

كما شهد المخيم تهجير ونزوح آلاف العوائل الفلسطينية واعتقال عشرات الفلسطينيين من قبل أجهزة مخابرات الأسد، ليبدأ حدث مفصلي تمثل بقصف قوات الأسد المخيم بالطائرات في ديسمبر/ كانون الأول 2012.

وذلك تحت دعوى مواجهة فصائل المعارضة التي بقيت تسيطر على المخيم حتى استيلاء تنظيم الدولة عليه منذ أبريل/نيسان 2015.

لتشن عقب ذلك قوات الأسد ومليشيات فلسطينية معارك انتهت بخروج عناصر التنظيم نحو البادية السورية في مايو/ أيار 2018.

 

وأمام مهمة الأسد الابن، لجبريل، والتي نفذها على أكمل وجه وعلى مدى العقد الأخير من عمره، والتي تمثلت بإخضاع الفلسطينيين بسوريا وإعادة تشريدهم من جديد، تبقى التساؤلات مفتوحة حوله.

ولا سيما، أنه ختم حياته مرتبطا بالولاء للنظام السوري، ومات في كنفه ومصطفا إلى جانبه ضد رفقاء القضية في حركة "فتح" ورئيسها الراحل ياسر عرفات.

ولهذا يذهب الهواس، للقول: إن "عمل جبريل لا يندرج تحت العمل الوطني الفلسطيني أو المقاوم بل تبين أن هذا الحلف يعمل لمصلحة أنظمة تعمل على حماية الصهاينة وليس العكس".

مردفا: "وكل هذه الدماء التي جرت في سوريا لن تغير من جبريل والذي بقي على تحالف عالي المستوى مع نظام الأسد وكذلك في علاقته مع إيران فضلا عن علاقة شقيقة أحمد جبريل – أميرة، بالقبيسيات والذي (هو عبارة عن تنظيم ديني يعمل دون الخروج عن الحاكم في سوريا)".