القاضي العمراني.. مفتي اليمن و"صاحب الطرفة" الذي ضيق عليه الحوثيون

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يعرف اليمن على مدار 10 عقود عالما اشتهر بالوسطية وإجماع أهله أكثر من القاضي "محمد إسماعيل العمراني"، مفتي البلاد الذي يعد من أهم الشخصيات الدينية، ويحظى باحترام واسع، ومكانة رفيعة بين اليمنيين، لمواقفه السياسية المتزنة، واتجاهاته الفقهية الوسطية.

ينحدر العمراني، من أسرة عرفت بممارسة القضاء لدى "الدولة المتوكلية"، قبل قيام ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، وتأسيس الجمهورية اليمنية عام 1962، ومارس "الإفتاء" لأكثر من 70 عاما، كما كان أستاذا في "معهد القضاء العالي" لعدة عقود.

ولد بصنعاء في نوفمبر/ تشرين الثاني 1922، وترعرع فيها، واشتهر بلقب "العمراني"، لأن أسرته تنحدر من محافظة عمران (شمال صنعاء)، فيما كان أول انتقال لأول أجداده إلى صنعاء للقاضي علي بن حسين العمراني، في عهد الإمام المنصور الحسين، في القرن الـ12 هجرية.

في حين كان جده محمد بن علي العمراني، أبرز طلاب العالم الشهير محمد بن علي الشوكاني، الذي ألف أبرز المصنفات في الأصول والفقه والحديث، من بينها "نيل الأوطار" و"إرشاد الفحول" وغيرهما، وقد امتدحه العلامة الشوكاني، وزكّاه في العلم والاجتهاد.

نبوغ مبكر

الدراسة وتلقي العلوم، كانت في عهد حاكم اليمن الإمام يحيى حميد الدين (1904- 1948)، ومن بعده الإمام أحمد حميد الدين (1948- 1962)، حكرا على أبناء الأئمة والقضاة الذين كانوا يعملون لدى الأئمة، بينما حرم معظم أبناء القبائل من الدراسة وافتقروا لمدارس يتلقون فيها العلم، لكن العمراني، وجد فرصة للدراسة على يد أبرز المدرسين والعلماء.

في سن السابعة، التحق العمراني، بمدرسة الفليحي الابتدائية في صنعاء القديمة، فدرس القرآن والتجويد والنحو وفن الخط، كما درس الأخلاق والحساب والهندسة والجغرافيا والعلوم الصحية.

ثم انتقل إلى مدرسة الإصلاح، وكان من أوائل الملتحقين بها عقب افتتاحها، وتوسع في دراسة العلوم بها ، فأظهر نبوغا مبكرا، و حقق تفوقا ملحوظا وحصل على المرتبة الأولى من الخريجين بين أقرانه.

وخلال رحلته العلمية، تلقى العمراني، كل ما يتعلق بالعلوم الشرعية، كما تلقى الفقه ضمن عدد من المدارس المذهبية، حتى أصبح بذاته مؤسسا لمدرسة علمية عرفت بالوسطية والبعد عن التقيد بالمذهب، وهو الأمر الذي عرف عنه.

عرف عن القاضي العمراني، تحذيره الدائم من الفرقة والخلاف، بسبب الأحزاب أو المذاهب، وكان يردد على الدوام: "ألا إن من أوجب الواجبات في هذا العصر الوحدة على الصف والجماعة، وإن التفرقة من أقبح البدع وأشنعها"

الأستاذية والفتوى

وكان لنبوغه وسعة علمه دور في توليه التدريس في وقت مبكر، عندما كان في الـ19 من عمره، وهو الأمر الذي دفع الإمام يحيى حميد الدين، ليعينه مدرسا وعضوا بهيئة التدريس في المدرسة العلمية في أربعينيات القرن الـ20.

وعقب اندلاع الثورة في اليمن عام 1962، تم انتخابه للتدريس في "جامعة صنعاء"، وإلى جانب ذلك فقد تولى مهمة التدريس في "معهد القضاء العالي" في سبعينيات القرن الـ20، وكان أول مدرس يتم تعيينه في المعهد.

استمر القاضي العمراني، مفتيا في مسجده، وعلى البرامج الإذاعية والتلفزيونية لأكثر من 50 عاما، يفتي بلهجته اليمنية الدارجة، الأمر الذي جعله مقربا لدى اليمنيين.

كما كان مبتعثا لوزارة الأوقاف اليمنية إلى الحج، وكان يفتي بما يراه الأنسب ضمن المذاهب السنية الأربعة، بالإضافة إلى المذهب الزيدي، غير متقيد بمذهب معين ولا مدرسة فقهية بعينها.

العمراني تأثر بأفكار العلامة محمد بن علي الشوكاني، حتى وصف بأنه من أحيا مدرسة الشوكاني، وانتشلها بعد أن كانت توشك على الاندثار، والعجيب أيضا أن العمراني هو من قام باستخراج جثة الإمام الشوكاني، من إحدى المقابر بصنعاء، بسبب التهديد الذي كانت تتعرض له المقبرة، وقام بدفنه في مقبرة أخرى.

وتفرغ العمراني بشكل تام للتدريس والفتيا، لهذا فلم يكن مكثرا في تأليف الكتب، ومع هذا فقد ألف عددا منها أهمه: "المغني في علم الفرائض"، و"زاد المتقين من مناسك وفتاوى الحجاج والمعتمرين"، و"نظام القضاء في الإسلام".

صاحب طرفة

عرف العمراني بروحه المرحة وبكونه صاحب طرفة ودعابة، ويتناقل اليمنيون طرائف العمراني في أحاديثهم.

نجله عبدالرزاق العمراني، (سفير اليمن السابق في بلغاريا)، قام بجمع عدد من تلك الطرائف في كتاب أسماه (سفينة العمراني.. معارف ولطائف)، يقع في 770 صفحة من القطع المتوسط.

من بين تلك الطرائف ما يردده اليمنيون، أن رجلا اتصل بالقاضي العمراني، يسأله عن حكم تعاطي القات، فأجابه العمراني: أنا الآن "مخزن" اتصل بي لاحقا"، وهو ما يشير إلى جواز تعاطيه، وقد كان العمراني، كما عدد من علماء اليمن، يرى جواز تعاطي القات، ولا يراه مسكرا أو مخدرا، وهذا رأي شائع ومعروف عنه.

وإلى جانب سعة علمه، وحسن حديثه، فقد عرف العمراني، بقوة ذاكرته وقدرته على استحضار المواقف والأحداث القديمة، وقدرته على سرد الآراء الشرعية والفقهية واللغوية، وقد ساعدته قوة ذاكرته على استيعاب المسائل الشرعية وما يتعلق بها، كما مكنته خبرته الواسعة من اختيار الاتجاه الذي يراه مناسبا للحال والظرف.

يعد القاضي العمراني من المعمرين في بلد لا يتجاوز الكثيرون فيه عمر الـ70عاما، حيث سيصل إلى الـ100 بعد نحو عام، وهو الأمر الذي يجعله مخضرما، وذلك لأنه عاصر أكثر من جيل.

وفي السنوات الماضية انتشرت عدة شائعات بوفاته، وهو الأمر الذي كان ينفيه مكتب القاضي العمراني، عبر صفحته بوسائل التواصل الاجتماعي.

المتهم العمراني

بعد انقلاب جماعة الحوثي، على السلطة في اليمن في سبتمبر 2014، حاولت الجماعة استقطاب القاضي العمراني لصفها، مستغلة القاعدة الشعبية والتأييد الواسع الذي يحظى به، لكنها فشلت، فما كان منها إلا أن قامت بعزله من منصبه الرسمي كمفت عام للجمهورية، وعينت بدلا عنه المرجعية الشيعية شمس الدين محمد شرف الدين، الذي كان مقيما في إيران، وأحد طلاب الفكر الإثني عشري في حوزاتها، لعدة أعوام.

لم تكتف جماعة الحوثي، بعزله من منصبه، بل مارست ضده عدة تصرفات بغية التضييق عليه، ففي يناير/كانون الثاني 2018 أصدرت جماعة الحوثي إعلانا قضائيا تطلب فيه "المتهم محمد إسماعيل العمراني" للحضور إلى المحكمة جراء اتهامه بالتهرب من سداد الزكاة.

ونشرت صحيفة "الثورة" الرسمية الخاضعة لسيطرة الحوثي، الإعلان طالبة من "المتهم محمد إسماعيل العمراني" الحضور إلى المحكمة خلال شهر من تاريخ الإعلان، ما لم يحضر فإنها ستحاكمه غيابيا باعتباره فارا من وجه العدالة.

ذلك الإعلان تسبب في غضب واسع لدى اليمنيين، الذين اعتبروا ذلك إساءة بالغة في حق رجل يرونه أهم شخصية دينية ويحظى باحترام اليمنيين وإجماعهم.

مضايقات الحوثيين، للقاضي العمراني، لم تتوقف حيث اقتحمت الجماعة مكتبته الشهيرة الزاخرة بعدد كبير ونوعي من الكتب والمؤلفات والمخطوطات، التي تتجاوز 54 ألف عنوان، وقاموا بالاستيلاء عليها.

وقد حول الحوثيون مكتبة القاضي العمراني إلى مقيل لتعاطي القات واستراحة لعناصر الجماعة في شارع هائل، أحد أهم شوارع وسط العاصمة صنعاء.

المضايقات التي تعرض لها العمراني في ظل سيطرة جماعة الحوثي، كان قد تعرض لها قبل أكثر من 6 عقود، حيث يروي العمراني أنه تعرض للمضايقات في زمن "الدولة المتوكلية" في اليمن، والوشاية بتهمة تقويض المذهب "الزيدي".

ويقول القاضي العمراني، عن ذلك: "الاعتراض والأذى اللذان لاقيتهما كانا من بعض الجامدين المتعصبين للمذهب الزيدي، أما الأئمة فقد رحبوا بتدريسي وأرسل لي الإمام أحمد حميد الدين، يبلغني أن أدرس ما أشاء في الجامع".