"دعامة إستراتيجية".. لهذه الأسباب تعمق روسيا علاقاتها مع الجزائر

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسعى موسكو لمنافسة الدور الأميركي في المنطقة المغاربية والوجود في ليبيا ومالي، ليس فقط دبلوماسيا بل عسكريا أيضا، عبر اعتزام إنشاء قاعدة روسية في الجزائر.

وبدأ رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، زيارة رسمية لروسيا في 21 يونيو/حزيران 2021، بدعوة من وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرجي شويغو، وسط اعتبار موسكو للدولة المغاربية بوابة للتوسع.

وخلال زيارته، شارك شنقريحة في مؤتمر موسكو عن "الأمن الدولي"، نظم من 22 إلى 24 يونيو/حزيران 2021.

وبرزت أحاديث عن مشاركة وفد من البحرية الجزائرية في النسخة العاشرة من المعرض الدولي للدفاع البحري في مدينة سان بطرسبرج بروسيا (23 إلى 27 يونيو/حزيران)، دون تأكيد رسمي.

تأتي الزيارة في سياق التوترات على الحدود الجزائرية، بسبب الأزمة الليبية وعدم الاستقرار في مالي، إضافة إلى كون المغرب والولايات المتحدة أكملتا سلسلة من التدريبات العسكرية في 18 يونيو/حزيران 2021، جرى بعضها على مقربة من الحدود الجزائرية.

دعامة إستراتيجية

تنظر واشنطن نظرة قاتمة إلى النشاط العسكري الروسي في المنطقة، لا سيما في ليبيا، حيث نشرت الشركة العسكرية الروسية الخاصة "فاغنر" -القريبة من الكرملين- آلاف المرتزقة. 

تعتبر موسكو المورد الرئيس للأسلحة إلى الجزائر، حيث زادت وارداتها من الأسلحة بنسبة 64 بالمئة بين عامي 2016 و2020 وفقا لتقرير (معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام).

تأتي زيارة رئيس الجيش الجزائري إلى موسكو عقب "مهمته السرية" في باريس، التي كشفت عنها مجلة "جون أفريك" الفرنسية، في 15 يونيو/حزيران 2021، ونفتها وزارة الدفاع الجزائرية.

ومنذ الإصلاح الدستوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تمكن البرلمان الجزائري من مناقشة إرسال القوات إلى الخارج بناء على اقتراح رئيس الدولة.

وأكدت المجلة، أن رئيس الأركان مكث بضعة أيام في باريس لبحث ملف منطقة الساحل الإفريقي، بعد إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، انتهاء عملية "برخان" في مالي.

اجتمع شنقريحة، بحسب المصدر ذاته، برئيس أركان الجيش الفرنسي الجديد، الجنرال تييري بوركار، الخبير بتضاريس الساحل.

في أبريل/نيسان 2021، كشف موقع "الدفاع العربي" المتخصص في الشؤون العسكرية، أن وفدين عسكريين روسيين زارا الجزائر في سرية، وتفقدا قاعدة "مرسى الكبير" البحرية بولاية وهران القريبة من الحدود المغربية.

رجحت الزيارة إمكانية إقامة قاعدة دائمة للقوات البحرية الروسية على مستوى المنشآت العسكرية والبحرية.

لا ينظر جيران الجزائر بعين الرضا إلى إنشاء القاعدة، التي تتكتم عنها السلطات، قلقين من الحماية التي قد توفرها روسيا للنظام الجزائري، وأيضا سعيها إلى توسيع نفوذها في البحر الأبيض المتوسط ​​لمواجهة الهيمنة التركية وتحسين قوتها الضاربة في مواجهة القوة المفرطة الأمريكية. 

الموقع المتخصص قال إن الجزائر يمكن أن "يشكل دعامة إستراتيجية لبوتين في قلب البحر الأبيض المتوسط ​​وشمال إفريقيا".

يجمع روسيا بالجزائر تحالف إستراتيجي تاريخي، وتحتل الدولة المغاربية المرتبة الثالثة بين زبائن موسكو المقتنين لأسلحتها.

كما أن التعاون العسكري حاضر دائما في قلب العلاقات بين موسكو والجزائر، فضلا عن تطور العلاقات الاقتصادية.

يشار إلى أن البلدين من كبار منتجي النفط والغاز ويتصدران مزودي أوروبا بالغاز الطبيعي، ولروسيا أيضا استثمارات كبيرة في قطاع الطاقة بالجزائر.

تطابق المواقف

استذكرت الخارجية الروسية خلال ندوة صحفية عقدتها في 10 يونيو/حزيران 2021، موقف موسكو من قضية الصحراء، الذي أشارت إليه في أعقاب القرار الأميركي بالاعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم في ديسمبر/كانون الأول 2020.

وقالت "اعتبرنا قرار الإدارة الأميركية تقويضا للإطار القانوني الدولي المعترف به عموما لتسوية قضية الصحراء الغربية، والذي ينص على تحديد الوضع النهائي لهذه المنطقة من خلال استفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة". 

في هذا الملف تبنت موسكو نفس موقف الجزائر، كما يتطابق الموقفان أيضا في الملفين الليبي والمالي، إذ يرفضان التدخلات العسكرية الأجنبية في الأزمة الليبية.

خلال زيارته لموسكو، شدد شنقريحة على أن "الجزائر تؤدي دورا مركزيا، ليس فقط في البحر الأبيض المتوسط ​​وشمال إفريقيا، لكن في جميع أنحاء القارة الإفريقية"، مضيفا "تميزت المنطقة منذ عدة سنوات بوجود عوامل أزمة كبيرة تؤثر، على نحو طبيعي، في الاستقرار، مثل ليبيا ومالي".

الفريق عبر أيضا عن امتنانه الكبير للجهود التي تبذلها موسكو لتعزيز الاستقرار الإستراتيجي، وللدور الذي تؤديه في سوريا، وأضاف "إننا نشاطر موقف روسيا، ونرى الشجاعة التي تظهرها في الساحة الدولية في إطار سعيها لتسوية سلمية".

في 24 يونيو/حزيران 2021، اعتبر مسؤول أميركي كبير في البيت الأبيض أن انخراط روسيا في الشؤون الليبية يؤثر على المصالح الجيوسياسية لواشنطن.

وأضاف في إفادة صحفية نشرتها وزارة الخارجية: "تسلل الروس إلى الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.. هم يمارسون نفوذهم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى".

وقال: "ليبيا ليست محل اهتمام جدي كما كانت في السابق، لكنها لا تزال عاملا أساسيا في الشؤون الاقتصادية العالمية".

ولم يستبعد ممثل البيت الأبيض (لم يذكر اسمه) أن "تتحول ليبيا إلى مساحة أخرى لا يمكن السيطرة عليها حيث يمكن للإرهابيين العمل مع الإفلات من العقاب".

وفي تحليل نشرته وكالة "الأناضول"، في يوليو/تموز 2020، اعتبرت أن إستراتيجية موسكو في ليبيا أكثر تقدما من واشنطن، فهي تمتلك مئات المسلحين من مرتزقة فاغنر على الأرض، وطائرات حربية متطورة، ومنظومات دفاع جوي.

في أبريل/نيسان 2021، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، على أهمية تعميق العلاقات العسكرية مع ليبيا، بينما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى دعم الحكومة الليبية الجديدة.

مالي الهدف

اعتبر الوجود الروسي مزاحمة لدور فرنسا في القارة الإفريقية، خاصة في مالي، لكن قرار الرئيس إيمانويل ماكرون بإنهاء عملية "برخان" العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي وبدء الانسحاب قد يصب في مصلحة روسيا ويمنحها هامشا أوسع.

في دراسة نشرها في 17 يونيو/حزيران 2021، قال مركز الأبحاث "سيتا"، إن التدخل الروسي في سوريا اعتبر جزءا من سلسلة متواصلة لسياسة موسكو الخارجية الجديدة، والتي ستستمر مستقبلا عن طريق التدخل في مالي كبوابة مناسبة للتغلغل إلى إفريقيا من جديد.

وانطلاقا من نجاح موسكو في الشرق الأوسط خلال الأعوام القليلة الماضية، بذلت السلطات الروسية جهودا دؤوبة لزيادة نفوذها السياسي والتعاون الاقتصادي في بعض البلدان الإفريقية.

ورأى المصدر ذاته أن التغلغل الروسي في إفريقيا جاء عن طريق عدة وسائل، أبرزها الوسيلة العسكرية والأسلحة، والوسائل السياسية والدبلوماسية، بالإضافة إلى الوسائل الاقتصادية عن طريق النفط والتعاون النووي.

منذ العام 2018، انتشرت الكثير من الشائعات عن تورط روسيا في مالي، حيث اتهمت موسكو بدعم الانقلاب الذي حدث في أغسطس/آب 2020، والذي نظمه أعضاء رفيعو المستوى في الجيش المالي.

اعتبرت الدراسة أنه بإمكان مؤسسة الطاقة النووية الروسية “روس آوم”، التي تنافس مباشرة نظيرتها الفرنسية “أريفا”، أن تحصل على عقود في منطقة الساحل، وقد تستفيد روسيا من علاقات مؤاتية مع السلطات السياسية الجديدة في مالي. 

كما تستطيع “نورد غولد”، وهي شركة روسية للذهب لديها استثمارات في غينيا وبوركينا فاسو، أن توسع من مبادرات استخراجها من احتياطيات مالي من الذهب.

تنبئ التحركات الروسية الأخيرة، وفق المصدر ذاته، ببداية تطور للدور العسكري الروسي، ومن الممكن أن تتحول مالي إلى سوق أسلحة روسية كبقية دول إفريقيا، وأن تمتد العلاقات الأمنية والعسكرية الروسية لأكثر من مبيعات السلاح، حيث يمكن أن تتضمن أحيانا استخدام مجموعات المرتزقة الخاصة.

يبلغ حجم التبادل التجاري بين كل من روسيا وقارة إفريقيا بحدود الـ 20 مليار دولار سنويا، وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم التبادل بين الصين والقارة السمراء والبالغ 204 مليارات دولار، وتهدف موسكو إلى تقليص هذا الفارق الكبير.