ردا على "استفزازات موسكو" في سوريا.. ما الخيارات المتاحة أمام تركيا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قفزت مجددا مدينة تل رفعت شمال حلب والتي تشكل خاصرة رخوة لتركيا شمال سوريا إلى واجهة الأحداث. 

جاء ذلك بعد إطلاق قوات "ي ب ج" الكردية التي تسيطر على المنطقة بحماية روسية صواريخ وقذائف على مدينة عفرين الخاضعة للمعارضة السورية سبقها قصف منظم لقوات النظام السوري على مناطق بإدلب. 

وجاءت الخروقات العسكرية على مناطق المعارضة بالشمال السوري من قبل موسكو وقوات "ي ب ج" كدليل على اختلال بالتفاهمات بين تركيا وروسيا.

 لا سيما أن تصعيد قوات النظام السوري وروسيا الذي بدأ من منطقة إدلب شمال سوريا أسفر عن مقتل 20 مدنيا وإصابة العشرات بينهم نساء وأطفال على مدى أسبوعين وفق إحصائية الدفاع المدني السوري. 

بينما أدى قصف قوات "ي ب ج" بتاريخ 12 يونيو/حزيران 2021 على مشفى "الشفاء" وأحياء سكنية في مدينة عفرين لمقتل 20 مدنيا بينهم كوادر طبية وعناصر إنقاذ من الدفاع المدني، إضافة إلى تسجيل 45 إصابة.

وتوعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد يوم من القصف على عفرين قوات "ي ب ج" بـ "المحاسبة"، ووصف الهجوم على مشفى الشفاء بـ"الإرهابي" واعتبر أنه "أظهر مدى غدر ووحشية حزب العمال الكردستاني". 

وتشكل قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي.

 وتعد "ي ب ج" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المتشدد (بي كا كا) الموجود جنوبي تركيا وشمالي العراق.

وتصنف أنقرة "حزب العمال" منظمة إرهابية ذات أجندة انفصالية تضطهد السكان المحليين في المناطق التي تسيطر عليها وتهدد وحدة أراضي سوريا، وتهدد الأمن القومي لجيرانها وخاصة تركيا. 

وانتزعت قوات "ي ب ج" من فصائل المعارضة السورية مدينة تل رفعت وبلدات محيطة بها في فبراير/شباط 2016 بعد مساندة وغطاء جوي روسي.

كما تسلم النظام السوري في تلك الفترة ثماني مناطق في محيط تل رفعت وصولا إلى بلدتي نبل والزهراء اللتين تشكلان معقلا للمليشيات الإيرانية بحلب.

  ومنذ ذلك الحين اعتبرت تل رفعت عقدة توازنات عسكرية بين روسيا وتركيا، لكونها قريبة من الحدود التركية واتخاذها من قبل قوات "ي ب ج" منطلقا لهجمات صاروخية على الداخل التركي.

فضلا عن كونها تمتد على نقاط تماس مباشر مع مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم تركيا في مناطق عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمال حلب. 

لكن هذا التصعيد المتزامن على إدلب وعفرين كان عنوانه البارز روسيا وأذرعها، وذلك لكون قواعد الصواريخ خرجت من مناطق تصنف تحت الرعاية الروسية.

رسائل دولية

ولهذا رأى القيادي في المعارضة السورية العميد الركن فاتح حسون، أن التصعيد الأخير في شمال سوريا "مرده ليس لما تدعيه روسيا وجود تحضيرات من قبل قوى الثورة والمعارضة لتنفيذ أعمال هجومية". 

بل هو تسخين للأحداث وإرسال رسائل تؤكد فيها أولا بأن الوضع في إدلب كان هادئا لأنها تريد ذلك، وفق ما قال لـ"الاستقلال".

والثانية وفق ما يضيف حسون "أن أي ضغط على موسكو لفتح معابر إنسانية جديدة في حال لم توافق على إدخال المساعدات عبر تركيا الشمال السوري، سوف يلقى تصعيدا عسكريا قد يدخل المنطقة بحالة كبيرة من عدم الاستقرار". 

ويذهب القيادي في المعارضة أن "هذا الانقلاب الروسي على التفاهمات مع تركيا جعل الأخيرة كذلك ترسل رسائل بأنها بالمقابل قد لا تلتزم بتفاهماتها مع روسيا في ملف صواريخ إس 400 الدفاعية".

كما أن تركيا ترسل رسائل بأن حلف الناتو (شمال الأطلسي) هو الحليف الشرعي لها حتى في سوريا، وفق قول حسون. 

وأردف: "لم تكتف أنقرة بذلك بل عززت وجودها العسكري في منطقة إدلب تحذيرا من أي مغامرة برية قد ينفذها النظام والمليشيات الإيرانية المساندة له في إدلب بتعليمات من روسيا".

وألمح حسون إلى أن "الروس أرادوا كذلك تنبيه تركيا بأن لهم تأثيرا في تل رفعت عن طريق أذرع لهم ضمن مليشيا (ي ب ج) الإرهابية، وبأنها يمكن أن تؤثر سلبا على أمان واستقرار مدينة عفرين وما حولها". 

ويقول: "لا أجد أن مليشيا (ي ب ج) نفذت القصف دون تحريض روسي بشكل غير مباشر".

ويؤكد العميد أنه "حاليا هناك خلط للأوراق في سوريا على الصعيد السياسي والعسكري والإنساني، ولن تستقر الرؤى المتعلقة بهذه الأصعدة حتى تنتهي الاجتماعات الرئاسية المتتالية بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة". 

واستدرك أن"تركيا ستجيد الحفاظ على مكتسباتها هي وقوى الثورة السورية حتى لو كانت الأوضاع كما هي عليه في سوريا مؤخرا، كونها تملك أوراقا عديدة ضاغطة في عدة ملفات تهم الدول المعنية بشكل مباشر هناك".

المستفيد الأول

ومنذ عام 2019 يجري الحديث عن محاولات روسية تركية للتوصل لتفاهمات حول مدينة تل رفعت ومحيطها التي هجرت منها قوات "ي ب ج" نحو 250 ألف مدني تقضي بتسليم المدينة لتركيا؛ إلا أن المصادر الإعلامية تؤكد عرقلة النظام السوري وإيران لأي اتفاق.

لهذا لم يستبعد الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، أن "يكون الهجوم الأخير على عفرين من مناطق سيطرة النظام السوري ومليشيات إيران في مدينتي نبل والزهراء". 

وتوقف الباحث في تصريح لـ "الاستقلال" عند تحليل طبيعة هذا الاستهداف وتوقيته والمستفيد منه.

وأوضح أن "القصف بهذه النوعية من صواريخ غراد لا يتم إلا بمعرفة الطرف الدولي المسيطر على هذه المنطقة وهو روسيا سواء في مناطق النظام أو في مناطق (ي ب ج)، وهو ما يعني معرفة الروس المسبقة بهذا الاستهداف".

وأشار الباحث في مركز عمران إلى أنه "عندما يتم الحديث عن مناطق النفوذ التركي فهناك أكثر من جهة تعمل على تقويض استقرار هذه المناطق ولكل مصلحته". 

وبين أنه "خلال الفترة الماضية لوحظ وجود تصعيد عسكري واضح من قبل الروس كما حدث في قصف مدينة الباب بحلب، وأحد أهم دلالته مرتبط بقضية المعابر الداخلية ومحاولة روسيا المستميتة خلق متنفس اقتصادي للنظام ومحاولتها مساومة الأتراك على استقرار هذه المناطق مقابل فتح هذه المعابر".

ويذهب الباحث محمد العبد الله إلى أن قوات "ي ب ج" هي "المستفيد الأول من الهجوم على عفرين على اعتبارها أداة وظيفية في يد أكثر من طرف دولي وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا ذات المصالح المتضاربة في سوريا، وبالتالي هي تعمل جاهدة على توظيف هذه التناقضات لتثبيت وجودها في مناطق سيطرتها". 

وحدد الباحث جملة من نقاط الاستفادة ولخصها بـ "الضغط على الجانب التركي ومحاولة دفع أنقرة لاتخاذ رد فعل غير مدروس يمكن الاستفادة منه لكسب الدعم الدولي، وترسيخ انطباع بأن المصالح التركية في هذه المناطق مهددة على الدوام".

وكذلك "الضغط على القوى المحلية في مناطق النفوذ التركي وإجهاض محاولاتها لتشكيل أجسام مدنية وعسكرية مستقرة، إضافة إلى زعزعة الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي ومحاولة خلق واقع سيطرة جديد يفيد هذه القوات ويفيد الجهات الدولية الداعمة لها"، وفق الباحث. 

غطاء عسكري

وعلى الرغم من أن أهمية تل رفعت تكمن في تأمين مدينة عفرين المجاورة لها والخاضعة للجيش الوطني المدعوم من تركيا، فقد أعيد الحديث عن مدى إمكانية شن أنقرة عملية عسكرية محدودة لاستعادة جيب تل رفعت.

خاصة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في تعليقه على قصف عفرين إنه "سيحاسب هؤلاء الأوغاد". 

وحول قضية استعادة تل رفعت وما حولها من قبل فصائل المعارضة السورية ألمح المحلل العسكري والإستراتيجي الرائد طارق حاج بكري، إلى أن "هذا يخضع لتفاهمات دولية ما بين روسيا وتركيا أولا وبين الدولتين وحلف الناتو أيضا".

وأشار  لـ"الاستقلال" إلى أن "تركيا لا تستطيع التحرك عسكريا بمفردها دون ضوء أخضر من روسيا لأن ذلك سيضعها في مواجهة مباشرة مع موسكو".

ونوه حاج بكري إلى أن "تركيا بحاجة لغطاء سياسي وعسكري لمواجهة حلفاء روسيا على الأراضي السورية وذلك من أجل تأمين عدم تدخل موسكو في المعركة".

وبين أن من "يستطيع فتح المعركة هم قوات الجيش الوطني السوري الموجودة في الشمال السوري وهم قادرون على استعادة تل رفعت وما حولها في حال كان لديهم غطاء جوي تركي".

لكن يعتقد أن الأمر الآن غير متوفر بسبب وجود تحركات سياسية ودبلوماسية على مستوى الملف السوري. 

وتكرر تركيا على لسان مسؤوليها تقديم الوعود لربع مليون نازح مقيم في مخيمات شمال سوريا بإعادتهم إلى 50 بلدة هجرتهم منها قوات "ي ب ج" وقوات النظام السوري بريف حلب.

لكن من أبرز السيناريوهات المتوقعة لمصير تل رفعت وما حولها هو إخراج قوات "ي ب ج" وقوات النظام السوري من تلك البلدات تمهيدا لعودة الأهالي وتسيير دوريات تركية روسية كضامن للمنطقة وبإدارة مجلس محلي. 

وكان الائتلاف السوري المعارض طالب بتاريخ 14 يونيو/حزيران 2021، بتدخل عسكري دولي لإخراج قوات "ي ب ج" من مدينتي منبج وتل رفعت، وذلك في أول تعليق من رئيس الائتلاف نصر الحريري على قصف عفرين.