طهران تصر على الدفع بمرشح "متشدد" لخلافة روحاني.. هذه الأسباب

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يرجح استبعاد "مجلس صيانة النظام" مرشحين يوصفون بـ"المعتدلين" عن انتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة في 18 يونيو/ حزيران 2021، مقابل دعم صعود شخصية من تيار المحافظين المعروف إعلاميا بـ"المتشددين"، كونه يمثل توجهات مرشد إيران علي خامنئي والحرس الثوري.

في 25 مايو/ أيار 2021 أعلنت السلطات الإيرانية رسميا حصر تنافس الانتخابات بين سبعة مرشحين، بينهم خمسة من المحافظين المتشددين أبرزهم إبراهيم رئيسي، بعد نيلهم مصادقة "مجلس صيانة الدستور"، في خطوة يخشى أن تؤدي إلى توسيع الامتناع عن المشاركة.

محاولة حصر التنافس بين مرشحي المحافظين في وقت تجري فيه طهران محادثات للتهدئة مع الرياض وواشنطن للعودة إلى الاتفاق النووي، يثير تساؤلات عدة حول أسباب رغبة النظام الإيراني بصعود شخصية متشددة لمنصب الرئيس، وكيف يؤثر ذلك على سياساتها بالمنطقة؟

"حماية الثورة"

تعليقا على ذلك، سلطت قناة "فوكس" الأميركية في تقرير لها الضوء على الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، ووصفتها بأنها "ديمقراطية خاضعة للرقابة"، وذلك على خلفية استبعاد الإصلاحيين والمعتدلين من قائمة المرشحين.

ونقلت القناة في 27 مايو/أيار 2021 عن الدبلوماسي الإيراني السابق مهرداد خوانساري، قوله "سجلت البلاد غضبا غير مسبوق بعد إعلان القائمة النهائية التي تدخل سباق خلافة الرئيس حسن روحاني".

وأضاف خوانساري: "يبدو أن النظام في إيران عازم على تأمين انتخاب رئيس متشدد وخاصة المرشح رئيسي. هذا مهم بشكل خاص الآن؛ لأن خامنئي تقدم في السن وأصبح الحديث عن خلافته أمرا واقعا".

وأعرب عن اعتقاده بأن المرشد الأعلى الذي ترجع إليه كل الصلاحيات في البلاد، يريد حماية ثورته وأتباعه من خلال التأكد من أن جميع أفرع السلطة في يديه أو أيدي "الدولة العميقة".

وتحدث الدبلوماسي الإيراني السابق عن وجود تكهنات بأن يكون المرشح إبراهيم رئيسي على خط خلافة علي خامنئي بعد وفاته، أو أن يكون متعاونا لنقل سلطاته إلى مجتبى نجل المرشد.

وخلص مهرداد خوانساري في حديثه للقناة الأميركية إلى أن "السياسيين الوحيدين الذين لديهم تنظيم في إيران هم المتشددون"، مرجحا أن "تتغير السياسة الخارجية للبلاد حال تولي المتشددين السلطة".

إلى ذلك، حث خامنئي الإيرانيين، في 27 مايو/ أيار 2021 على تجاهل الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي تنظم في يونيو/حزيران بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور لشخصيات بارزة مرشحة.

وقال خامنئي للمشرعين في كلمة عبر الفيديو "تجاهلوا الذين يشنون حملات ويقولون إنه لا طائلة من التوجه إلى صناديق الاقتراع وإنه لا ينبغي لأحد أن يشارك" في الانتخابات، على ما جاء في حسابه الرسمي على "انستغرام".

ووافق مجلس صيانة الدستور، على ترشيح إبراهيم رئيسي، وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، ومحافظ المصرف المركزي، عبد الناصر همتي (إصلاحي)، والنائب السابق للرئيس، محسن مهر علي زاده (إصلاحي).

كما وافق على ترشيح المحافظين المتشددين: الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، سعيد جليلي، والنائب علي رضا زاكاني، والنائب أمير حسين قاضي زاده هاشمي.

رؤية المرشد

من جهتها، قالت الكاتبة المختصة بالشأن الإيراني، هدى رؤوف، إن "من المتصور أن تكون نزعة النظام السياسي الإيراني نحو دعم مرشح متشدد، ترجع إلى ما شهدته إيران على مدار السنوات الثلاث الماضية في أعقاب عودة العقوبات الأميركية وما تلاها من اضطرابات عنيفة، رسخت إحباط المواطنين وتوجيه الانتقادات للنظام السياسي القائم بكل رموزه، بما فيها المرشد الأعلى".

وأضافت خلال مقال نشرته صحيفة "إندبندنت عربية" في 28 مايو/ أيار 2021: "هناك تخوفات من ضعف نظام فشل على مدار السنوات الثلاث الماضية في تقديم حلول للوضع الاقتصادي المتفاقم".

ويعتقد أيضا بوجود "حاجة للسيطرة على الاضطرابات الداخلية المتصاعدة، لا سيما أن التفاوض مع إدارة جو بايدن الآن واحتمالات عودته للاتفاق (النووي) مرتبطة بالإدارة الحالية، ومن ثم لا تضمن إيران موقف الإدارات الأميركية اللاحقة".

ورأت الكاتبة أنه "حتى لو أزيلت العقبات أمام الاتفاق النووي من جانب الطرفين، سيظل إتمام الاتفاق مرهونا برغبة خامنئي في إتمامه قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها".

بالتالي تغيير ميزان القوى لصالح الإصلاحيين، أي دعم التيار المتشدد والحرس الثوري عبر إتمام الاتفاق ورفع العقوبات في ظل رئيس متشدد يرتبط توليه برفع العقوبات وتحسن الاقتصاد، وفق قوله.

أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، تشير الكاتبة إلى أنه "لم تكن هي المحدد الرئيس لعملية دعم فصيل على حساب الآخر.

وترى أن المرشد الأعلى يتولى اتخاذ القرارات النهائية بشأن التوجهات الأساسية للسياسة للخارجية الإيرانية وقضاياها الرئيسة، مثل العلاقات مع الولايات المتحدة، والملف النووي، ومن ثم فإن الانفتاح على الغرب وإدارة الملفات الخارجية غير مرتبط بتيار الرئيس.

وتابعت: "والدليل أن في عهد (الرئيس) محمد خاتمي الإصلاحي كانت إيران تقوم بتطوير البرنامج النووي، وفي زمن أحمدي نجاد المتشدد بدأت المفاوضات مع الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، وفي أيام روحاني زادت عسكرة السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما يبدو أن الولايات المتحدة تدركه".

وأردفت الكاتبة، قائلة: "لذا تجاري الولايات المتحدة إيران في تلكؤها نحو الاتفاق على اعتبار إتمامه بعد الانتخابات، وهو ما يفسر عدم الضغط الأميركي على طهران أو اتخاذ خطوات تصب في صالح دعم التيار الإصلاحي عبر إنجاز الاتفاق قبل الانتخابات".

وبينت هدى رؤوف أن "عملية صنع القرار معقدة لتفاعل عدد من العوامل منها، التنافس بين الفصائل المختلفة، والأوضاع المتغيرة التي تتطلب إعادة تقييم دوري للسياسات، لذا قد يكون من المحتمل أن المرشد الأعلى قرر أن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز وضع المتشددين في ظل الاضطرابات الداخلية".

وبرأي الكاتبة، فإن "تدخل المرشد الإيراني لهندسة مناخ الهيكل السياسي والانتخابات الرئاسية المقبلة، ومن قبلها تمكين قبضة المتشددين على مقاليد الأمور، جاء في إطار مأسسة سلطة المرشد في الدستور، وتفعيلها عبر منع مجلس صيانة الدستور للمرشحين الإصلاحيين أو غيرهم، لمنح الفرصة للمرشح المدعوم من قبل رأس النظام وهو إبراهيم رئيسي".

و"مجلس صيانة الدستور" يعتبر ثاني أقوى مؤسسة في إيران، وهي هيئة مكونة ﻣﻦ 12 ﻋﻀﻮا يعين المرشد الأعلى نصف أعضائه، فيما يعين رئيس السلطة القضائية نصفها الآخر.

علما بأن رئيس السلطة القضائية يرشحه رئيس الجمهورية، ويصادق على تعيينه المرشد الأعلى، ومنوط بهذه الهيئة سلطة فحص وتقييم المرشحين لانتخابات البرلمان والرئاسة، وأيضا نقض القرارات البرلمانية.

"حصان واحد"

على ضوء المتغيرات التي جرت على قائمة المرشحين واستبعاد شخصيات إصلاحية، انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني الرفض الجماعي لطلبات الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقال في 26 مايو/ أيار 2021 إنه أثار هذا الموضوع مع المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، لافتا إلى أن "المنافسة جزء مهم في صميم العملية الانتخابية، وبدونها تصبح خاوية".

ولم يسمح لروحاني، الذي فاز على رئيسي بأغلبية ساحقة في انتخابات 2017، بالترشح مرة أخرى بعد أن قضى فترتين رئاسيتين متتاليتين.

منذ ذلك الحين، كان هناك استياء متزايد في إيران بشأن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، التي ساءت بسبب العقوبات الأميركية التي أعادها الرئيس دونالد ترامب عام 2018 عندما انسحب من الاتفاق النووي.

ويقول كسرى ناجي، الصحفي في "بي بي سي" الفارسية، خلال تصريحات في 26 مايو/ أيار 2021 إن إقصاء المرشحين الأقل تشددا أدى إلى تحويل الانتخابات الرئاسية الإيرانية إلى سباق حصان واحد.

ويكاد يكون من المؤكد أن يفوز في هذا السباق إبراهيم رئيسي، أكثر المرشحين المعتمدين تشددا.

كما أن رئيسي يعد واحدا من مجموعة صغيرة من رجال الدين الذين وقعوا على إعدام آلاف السجناء السياسيين عام 1988 بأوامر من المرشد الأعلى آنذاك "آية الله الخميني".

وقد جرت معاقبته من قبل حكومة الولايات المتحدة لدوره في عمليات الإعدام. ويعتقد ناجي أن انتخابه رئيسا من شأنه أن يثير قلق العديد من الإيرانيين وكذلك ناشطي حقوق الإنسان.

وربما تؤثر نتيجة الانتخابات على نتائج المحادثات بشأن محاولة إحياء الاتفاق النووي الجارية في فيينا حاليا.